كيف ينعكس الصراع بين نتنياهو والمعارضة على الحرب في غزة؟
تاريخ النشر: 2nd, April 2025 GMT
القدس المحتلة- على وقع الأحداث المتسارعة واتساع دائرة الاحتجاجات المطالبة بإتمام صفقة التبادل وإعادة المحتجزين، والانقسامات التي تأتي على خلفية ما عُرف بـ"الإصلاحات في الجهاز القضائي"، وإقالة رئيس جهاز "الشاباك" رونين بار، ومحاولات تقويض صلاحيات المحكمة العليا، يتعمد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيادة وتيرة التصعيد الأمني على جبهات القتال، خاصة على جبهتي قطاع غزة والضفة الغربية.
ويسابق نتنياهو الزمن، وهو الذي يحاكم بتهم الفساد والرشوة وخيانة الأمانة، من أجل احتواء الصراعات الداخلية وإخماد الاحتجاجات التي أشعلها فتيل انتهاكه اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والتحلل من صفقة التبادل بالإبقاء على 59 إسرائيليا محتجزا لدى حركة حماس، منهم 24 على قيد الحياة.
وعليه، يسعى نتنياهو، حسب قراءات المحللين والباحثين، إلى إخضاع مؤسسات الدولة، من أجل ترسيخ سردية أن الأجهزة الأمنية مسؤولة عن الإخفاق، وأن رئيس الوزراء لم يكن يعلم بتفاصيل أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبالتالي فهو لا يتحمّل مسؤولية الإخفاق، وأكدوا أن ما يحكم نتنياهو في الصراعات الداخلية والحروب متعددة الجبهات "مصلحته السياسية الشخصية".
إعلانوأجمعت التحليلات أن نتنياهو نجح بإخضاع السلطة التشريعية "الكنيست" إلى السلطة التنفيذية (الحكومة)، وذلك عبر تشريع قوانين تسهم في إخضاع مؤسسات الدولة لسلطة رئيس الوزراء، وكذلك التمهيد لتشريعات تمعن في إخضاع السلطة الثالثة (الجهاز القضائي) للحكومة المنتخبة.
وفي قراءة لتصاعد الصراع السياسي والقضائي بين الحكومة والمعارضة، يقول الباحث بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت إن "نتنياهو وبعد ما يمكن توصيفه بإنجازات على جبهات القتال، منح الحكومة فائضا من القوة السياسية، بالرجوع إلى تنفيذ المخططات القديمة على المستوى الداخلي، والتي كانت على الأجندة قبل أحداث السابع من أكتوبر، وأبرزها الإصلاحات بالجهاز القضائي".
وأوضح شلحت للجزيرة نت أن هذه الإصلاحات، التي توصف في إسرائيل على أنها "انقلاب" على نظام الحكم، كانت في صلب اتفاقيات الائتلاف، وعلى رأس أولويات برامج وأجندة الحكومة منذ توليها سدة الحكم في نهاية 2022، وذلك بهدف إخضاع الجهاز القضائي للسلطة التنفيذية ولرغبات نتنياهو، الذي تصل عقوبة تهمه الجنائية للسجن الفعلي.
ويعتقد أن نتنياهو وضع إستراتيجية تهدف لإخضاع كافة مؤسسات الدولة للحكومة، ومن ضمنها سلطات إنفاذ القانون والأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية، سعيا منه لتفادي إمكانية الزج به في السجن، وسط الترويج إلى وجود ما يُسمى بـ"الدولة العميقة" التي تستهدفه هو شخصيا والائتلاف الحكومي الذي يترأسه.
وسوّغ شلحت إجراءات الحكومة التي ساهمت بتصعيد الصراع السياسي مع أحزاب المعارضة بالقول إن "غايات نتنياهو تتلخص باختيار تركيبة قضاه تحتكم إلى مبدأ الولاء لرئيس الوزراء وليس لمبدأ المهنية القانونية، وذلك من أجل تخفيف العقوبة والتوصّل إلى صفقة تحول دون الزج به في السجن".
إعلاناستمرار التوتر
وردا على سؤال كيف ستنعكس سياسات الحكومة على الحرب في غزة والتصعيد في الضفة الغربية؟ أوضح شلحت أن نتنياهو وبعد معركة طوفان الأقصى عمد إلى إخضاع سير الحرب لأهداف الحكومة، وقال "أعتقد أنه يكتفي بحالة التصعيد الحالية، إلا إذا خرجت الأحداث الداخلية عن السيطرة، فهو معني باستمرار التوتر الأمني الذي يشهد تصعيدا وأحيانا انحسارا".
ويعتقد أن تصاعد وتيرة الضغط الإسرائيلي الداخلي المتمثل بالإضراب العام الشامل أو العصيان المدني، وكذلك التهديد بالعصيان الضريبي، كلها مسائل ممكن أن تؤثر على قرارات الحكومة بشأن طبيعة القتال على جبهات الحرب، أو التعامل مع الأزمات السياسية الداخلية، وكذلك مدى استمرار تماهي المؤسسة الأمنية مع الحكومة، ومدى اتساع ظاهرة رفض الخدمة العسكرية بصفوف الجيش النظامي وقوات الاحتياط.
وإلى جانب هذه العوامل الداخلية، يرى شلحت أن نتنياهو الذي يحظى بدعم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بكل ما يتعلق بالتصعيد على جبهات القتال، لم يعد هو صاحب القول الفصل بكل ما يتعلق بالحرب أو التهدئة، لافتا إلى ارتهان حكومة نتنياهو للموقف الأميركي وضغوطات واشنطن بالتوصل لاتفاق غزة وصفقة التبادل، وتمديد اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله في لبنان.
القراءة ذاتها استعرضها الكاتب والباحث الأكاديمي ساهر غزاوي، الذي يعتقد أن معسكر المعارضة يتماهى إلى حد كبير مع الحكومة بكل ما يتعلق بالحرب على غزة والضفة، لكنه يختلف معها بشأن ترتيب الأولويات، ولا يوجد لديه الكثير من أوراق الضغط. ويقول "منذ 7 أكتوبر، لا نرى أي خلاف جوهري بشأن الحرب، هناك تباين بالمواقف والتكتيكات والأولويات وفي ملف المحتجزين".
ووسط التوافق بين المعارضة والائتلاف حيال الحرب وكيفية مواجهة من يصفونهم بـ"الأعداء" الخارجيين، تفتقد أحزاب المعارضة للقوة، التي من شأنها أن تجبر الحكومة على التراجع عن خططها وإجراءاتها الداخلية، بكل ما يتعلق بالإصلاحات في الجهاز القضائي أو التغييرات بالأجهزة الأمنية، وعلى رأسها إقالة رئيس الشاباك.
إعلانويعتقد غزاوي أن هذ الصراع والاستقطاب السياسي والحزبي في تفاقم وتصاعد مستمر، ويقول للجزيرة نت إن "الصراع المتصاعد بإسرائيل من شأنه أن يصل إلى الصدام المباشر، ويترجم بالشارع العام عبر الاحتكاك، من خلال المظاهرات والاحتجاجات للمعسكرين السياسيين المعارض والداعم للحكومة".
ولفت الباحث الأكاديمي إلى أن الصراع من شأنه أن يأخذ مناحي مختلفة، لا تقتصر فقط على المواجهة والاحتكاك المباشر، وإنما الصراع من أجل إحكام السيطرة على مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والقضائية والشرطة، وإخضاعها لأجندة وأيديولوجية الأحزاب الحاكمة، وهو عمليا ما يقوم به نتنياهو مع أحزاب اليمين المتطرف، ممثلا بحزبي "الصهيونية الدينية" و"عظمة يهودية".
ورجّح غزاوي أن الصراع السياسي بإسرائيل مرشح لمزيد من التفاقم، مشيرا إلى أنه في ظل التناغم ما بين أحزاب الائتلاف الحاكم التي تحتكم فيما بينها إلى لقاء المصالح، لا يوجد هناك أي ملامح للوصول إلى تسوية بين أحزاب المعارضة والحكومة، التي تمعن بالاستمرار في سياساتها الداخلية المثيرة للخلافات والانقسامات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الجهاز القضائی الصراع السیاسی مؤسسات الدولة رئیس الوزراء أن نتنیاهو على جبهات من أجل
إقرأ أيضاً:
صالح الجعفراوي صوت غزة الذي صمت برصاص الغدر
غزة- اغتال رصاص الغدر -مساء أمس الأحد- صوتا من أصوات الحقيقة في غزة، فقد استشهد الصحفي والناشط البارز صالح الجعفراوي خلال تغطيته آثار الدمار الذي خلّفه الاحتلال الإسرائيلي في حي تل الهوى جنوبي مدينة غزة، فبينما كان يوثق بكاميرته مشاهد الخراب في شارع 8، باغته عملاء متعاونون مع الاحتلال وأطلقوا عليه النار مباشرة، فأردوه شهيدا على الفور.
كان صالح (27 عاما) قد نذر نفسه لنقل معاناة شعبه منذ بدء العدوان على القطاع، ورفض مغادرته رغم التهديدات المتكررة بحقه، والتحريض الإسرائيلي المستمر ضده، خاصة من الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي.
ولم تثنه المخاطر عن أداء رسالته الإعلامية، بل زادته إصرارا على أن يكون في الصفوف الأمامية، يوثق وينشر ويكشف.
تفاصيل استشهاد الصحفي #صالح_الجعفراوي#المسائية #الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/GQl0tCftBp
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 12, 2025
صوت الناستقول ابنة عمه الصحفية صبا الجعفراوي للجزيرة نت إن "صالح لم يكن مجرد صحفي، كان صوت الناس، ومرآة وجعهم، بالأمس فقط كان يصوّر آثار القصف قرب منزله، وكأنه يشعر أن مهمته لم تكتمل بعد"، وتضيف "كان يذهب إلى أخطر الأماكن فور القصف يلقي بنفسه داخل النار، فقط ليُظهر للعالم ما يحدث في غزة".
وتكمل "عرف عنه منذ صغره الشجاعة والإقدام، لم يكن يخاف الموت ولم يرضَ يوما بالحياد، كان يقول دائما إن الصورة قد تكون أقوى من الرصاص، وإن العالم يحتاج لمن يصور الحقيقة كما هي بلا تزييف".
درس صالح -وفقا لها- الصحافة والإعلام في الجامعة الاسلامية بغزة وحصل على درجة البكالوريوس، وهو أيضا حافظ للقرآن كاملا مما ساعده في أن تكون لغته العربية قوية.
وتضيف الجعفراوي "قبل أن يصبح معروفا، تنبأت له بأنه سيصبح صحفيا مشهورا لأنه كان يحمل صفات الإعلامي المميز، كان ينشر جرائم الاحتلال ومعاناة الناس على منصاته على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن للأسف كانت شركة ميتا تغلقهم بشكل دائم حتى تمنعه من إيصال الحقيقة للناس".
إعلانوذكرت أن الاحتلال كان دائم التحريض ضده، وخاصة الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي.
#شاهد| آخر ما نشره الصحفي صالح الجعفراوي، قبيل إعدامه غدرًا برصاص عصابة خارجة عن القانون، جنوب بمدينة غزة. pic.twitter.com/ikCmve35ab
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) October 12, 2025
وجه إنسانيإلى جانب عمله الصحفي، برز الشهيد صالح الجعفراوي كوجه إنساني نشط في العمل الخيري، وشارك في عشرات المبادرات لمساعدة النازحين والمكلومين.
وكان من أهم من ساهموا في توزيع المساعدات خلال الحرب، كما شارك في حملة ضخمة لإعادة بناء مستشفى للأطفال في غزة، تمكنت من جمع 10 ملايين دولار في وقت قياسي، وكان له دور بارز في عيد الأضحى الأخير، حين ساهم في تقديم أكبر عدد من الأضاحي على مستوى القطاع رغم ظروف الحرب والحصار.
يقول صديقه الصحفي أيمن الهسي مراسل قناة الجزيرة مباشر "صالح لم يكن مجرد إعلامي، بل كان مؤسسة إعلامية تمشي على الأرض، غطى مجازر الاحتلال كما حدث في مدرسة الجرجاوي، وحين رأى الأطفال يحترقون أحياء، أجهش بالبكاء، وترك الكاميرا ليشارك في انتشال الشهداء، لم يكن محايدا في وجه القتل، بل كان إنسانا أولا، وإعلاميا يرفض التواطؤ".
ويضيف الهسي "رفض صالح مغادرة غزة وبقي فيها رغم خطر الموت الذي يتهدده، وسبق أن حصل على الكثير من العروض حتى يخرج لكنه رفض وكان صوته هو صوت الشعب".
شجاع وموهوبلم يكن الشهيد الجعفراوي إعلاميا فحسب، بل كان أيضا حافظا للقرآن ومنشدا موهوبا ورث صوته الجميل عن والده، وخلال الحرب، اعتاد أن يرفع المعنويات بأناشيده وآخرها كانت أغنيته الشعبية "قوية يا غزة"، التي بث فيها رسالة صمود وعزة وسط الركام.
عرفه الناس أول مرة في مسيرات العودة عام 2018، حين برز كإعلامي شاب ميداني يمتلك حسا صحفيا عاليا وقدرة على الوصول إلى قلب الحدث، وغطى الأحداث من الخطوط الأمامية، وأُصيب أكثر من مرة، لكنه واصل المسير.
وحول هذا يقول الصحفي وائل أبو محسن "منذ 2018 علمنا أن صالح سيكون له شأن، شجاعته كانت تفوق سنه، كان مميزا في تغطية مسيرات العودة، وكذلك في تغطية هذه الحرب، وجمع أكثر من 10 ملايين متابع على إنستغرام، وصل إلى العالمية، وأوصل صورة غزة كما لم يفعل أحد".
وعقب وقف إطلاق النار، لم يتوقف الشهيد صالح عن أداء رسالته، فخرج لتوثيق ما خلفه الاحتلال في القطاع وكأن الرسالة لم تنتهِ بعد، وبينما كان يصور في تل الهوى، باغته رصاص الغدر في صدره، ليرتقي شهيدا، تاركا خلفه كاميرته وصوته ودموع شعب كامل فقد أحد أبنائه الأوفياء.