في خطوة تُعيد رسم مشهد العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وإيران، كشفت صحيفة المونيتور الأمريكية، في تقرير نشرته الأحد 13 إبريل 2025، عن انطلاق محادثات غير مباشرة بين الطرفين، بوساطة سلطنة عُمان، بهدف كسر الجمود المستمر حول البرنامج النووي الإيراني. 

وقدم التقرير رواية شاملة لجولة التفاوض الأولى، التي وُصفت بـ"الإيجابية"، رغم عاصفة الانتقادات التي واجهت الوفد الإيراني من الداخل، خصوصًا من التيار المحافظ.

بداية مشجعة رغم "الخيانة"

وصفت المونيتور بداية هذه المحادثات بـ"الإيجابية"، رغم ما اعتبرته "تخوينًا" للمتشددين الإيرانيين ضد كل من يقف وراء هذا المسار التفاوضي. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني أبدى ملاحظات بنّاءة عقب اللقاء، فإنه واجه وابلًا من الانتقادات من التيار المحافظ بسبب ما وصفوه بـ"مهادنة الشيطان الأكبر".

وانطلقت الجولة الأولى من المحادثات يوم السبت في العاصمة العُمانية مسقط، حيث مثّل إيران وزير الخارجية عباس عراقجي، فيما ترأس الوفد الأمريكي ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، وأحد أقرب حلفائه.

وصرّح عراقجي للتلفزيون الرسمي الإيراني مساء السبت، أن المحادثات كانت "بناءة"، مشيرًا إلى أن المناقشات التي امتدت 150 دقيقة شهدت تبادل الرسائل عبر وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي "أربع مرات على الأقل" بين القاعتين المنفصلتين اللتين احتضنتا الوفدين.

المحلل السياسي، الدكتور عمرو حسينتحليل المفاوضات بين واشنطن وطهران

من جانبه، قال المحلل السياسي، الدكتور عمرو حسين، إن المفاوضات التي جرت يوم السبت في العاصمة العُمانية مسقط بين الولايات المتحدة وإيران، بشأن البرنامج النووي الإيراني، تبدو "إيجابية وبنّاءة"، وذلك وفقًا لما تسرّب من تصريحات الطرفين، وعلى رأسها ما قاله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.

وأضاف حسين في تصريحات لـ “صدى البلد” أن المفاوضات التي جرت بين مبعوث الرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف، ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، تمحورت حول سعي إيران إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية الخانقة، مقابل ضمانات أمريكية بعدم توجيه البرنامج النووي الإيراني لأغراض عسكرية.

وأشار إلى أن واشنطن تشعر بقلق بالغ، خاصة مع وصول نسبة تخصيب اليورانيوم لدى إيران إلى أكثر من 60%، وهي النسبة التي تمكّن طهران، نظريًا، من تصنيع قنبلة نووية خلال بضعة أسابيع.

ضغوط عسكرية وجيوسياسية

وأضاف حسين أن هذه المفاوضات جاءت في أعقاب حشد عسكري أمريكي ضخم في المنطقة، أبرزها في قاعدة دييغو غارسيا، بالإضافة إلى وصول حاملة الطائرات "سفنسون" إلى الشرق الأوسط، في وقت شهدت فيه أذرع إيران الإقليمية انتكاسات كبرى، تمثلت في ضربات أمريكية موجعة للحوثيين، وهزائم لحزب الله وحماس، وتطورات قد تُفضي إلى تغيير في النظام السوري بقيادة بشار الأسد.

وقال حسين إن هذه المتغيرات الجيوسياسية وضعت طهران تحت ضغط غير مسبوق، وهو ما دفعها إلى الجلوس إلى طاولة التفاوض مجددًا، وإن كان ذلك تحت تهديد استخدام القوة العسكرية.

نحو اتفاق نووي جديد

واستطرد المحلل السياسي قائلًا: "في ظل هذه المعطيات، يبدو أن هذه المفاوضات قد تفضي في النهاية إلى اتفاق نووي جديد، يشبه الاتفاق الذي أبرمته إدارة الرئيس باراك أوباما في عام 2015، والذي انسحب منه الرئيس دونالد ترمب عقب توليه رئاسة الولايات المتحدة في عام 2017".

وأوضح حسين أن ترمب، الذي يسعى دائمًا إلى إظهار الحزم في السياسة الخارجية، قد يواصل الضغط على إيران للوصول إلى "صفقة شاملة" تُنهي برنامجها النووي وتُقيد أنشطتها الباليستية، في إطار إعادة ضبط التوازنات في المنطقة.

هل تحب أن أضع لهذا التصريح عنوانًا مختصرًا وجذابًا أيضًا؟

تصعيد قبل الحوار

الاجتماع جاء بعد أسابيع من التصعيد الكلامي بين الجانبين، إلى جانب حشد أمريكي عسكري في المنطقة، فُسّر على نطاق واسع كتحضير لضربة محتملة في حال امتنعت طهران عن التفاوض.

وذكرت الصحيفة أن طهران كانت قد حذّرت مرارًا من أن "الخط الأحمر" لها هو لغة التهديد والترهيب الأمريكية. ورغم أن عراقجي لم يكشف تفاصيل دقيقة حول فحوى الجلسة، إلا أنه أكد تمهيد الطريق لمحادثات جديدة يوم السبت المقبل، ستُعقد أيضًا برعاية عمانية في مكان لم يُحدَّد بعد.

وقال عراقجي: "أعتقد أن المحادثات عُقدت في أجواء هادئة ومحترمة للغاية؛ ولم تُستخدم أي لغة مسيئة".

من يُملي الشروط؟

طرحت المونيتور تساؤلات حول ما إذا كانت إيران قد نجحت في فرض شروطها منذ الجولة الأولى، خصوصًا في ظل إلحاح إدارة ترامب على صفقات سريعة، واحتمال أن تواجه إيران مأزقًا إذا اعتمدت استراتيجية إطالة أمد المفاوضات.

وفي رده على هذه النقطة، قال عراقجي إن "لا رغبة من أي من الجانبين في تضييع الوقت"، مشددًا على أن المحادثات ليست مجرد استعراض دبلوماسي.

ونقلت الصحيفة عن مصدر إيراني مطّلع على المحادثات - رفض الكشف عن هويته - أن النقاش انحصر في "إطار العمل للمفاوضات النووية المستقبلية"، مؤكدًا عدم تناول قضايا مثل البرنامج الصاروخي الإيراني أو دعم طهران لما تسميه "جماعات المقاومة"، بما فيها حماس وحزب الله والحوثيون.

انقسام داخلي.. ترحيب وإدانة

وفي الداخل الإيراني، نال الفريق التفاوضي دعمًا من بعض الإصلاحيين وحتى المحافظين المعتدلين، الذين وصفوا المحادثات بـ"الانتصار الدبلوماسي"، ورأوا فيها بداية لحل المأزق النووي وتخفيف العقوبات الخانقة.

في المقابل، انهالت الانتقادات من المتشددين، واعتبر النائب مهدي كوجك زاده، في منشور على تيليغرام، أن المفاوضين "يضحّون بشرف إيران"، في إشارة إلى خطاب سابق للمرشد الأعلى علي خامنئي في فبراير، رفض فيه أي حوار مع إدارة ترامب، معتبرًا إياها "غير حكيمة ولا شريفة".

ورغم موقفه الرافض للمحادثات، كشفت المونيتور أن خامنئي خفف من لهجته لاحقًا بعد أن تلقى رسالة من ترامب عبر دبلوماسي إماراتي، بعد شهر من خطابه المتشدد، ما يفتح الباب أمام تغيرات محتملة في الموقف الإيراني الرسمي.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الولايات المتحدة وإيران الولايات المتحدة إيران مفاوضات عمان محادثات واشنطن وطهران المزيد

إقرأ أيضاً:

إيران بين المكاسب والخسائر: قراءة في حصيلة المواجهة مع إسرائيل بعد وقف إطلاق النار

القراءة الأولية تُظهر أن إيران دفعت ثمنًا باهظًا في هذه الحرب، على المستويات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. لكن في المقابل، فإنها خرجت بمكاسب معنوية واستراتيجية تمثلت في إثبات قدرتها على المواجهة المباشرة. اعلان

بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب دخول وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل حيّز التنفيذ، صباح الثلاثاء، تُسلّط الأنظار الآن على ما حققته طهران من مكاسب وما تكبّدته من خسائر خلال واحدة من أكثر الحروب حساسية وتعقيداً في تاريخ المنطقة. فالحرب التي اندلعت بين خصمين إقليميين لطالما تبادلا التهديدات، حملت في طيّاتها أبعادًا استراتيجية وعسكرية وسياسية واقتصادية، تُظهر ملامح مرحلة جديدة في الصراع الإقليمي.

الخسائر الإيرانية: كلفة باهظة عسكريًا وسياسيًا

ضربات موجعة للبرنامج النووي

تعرضت المنشآت النووية الإيرانية لضربات أميركية وصفتها واشنطن بأنها "حرمت إيران من القنبلة الذرية". استهدفت الضربات مواقع رئيسية، بينها منشآت تخصيب عالية الأهمية، ما أدى إلى تدمير أو تعطيل بنى تحتية نووية حساسة.

خسائر بشرية ومادية في الداخل

تعرضت مدن إيرانية مثل أصفهان وطهران لغارات إسرائيلية غير مسبوقة، طالت منشآت عسكرية ومقار للحرس الثوري. وأدت هذه الغارات إلى سقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين، فضلًا عن تضرر البنية التحتية الدفاعية. كما تعرّض الاقتصاد لمزيد من الضغوط نتيجة انهيار العملة، وارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية.

تآكل الردع الإقليمي

رغم الردود الصاروخية الإيرانية على إسرائيل وبعض القواعد الأميركية، إلا أن سرعة وحجم الضربات التي تلقتها طهران كشفت هشاشة دفاعاتها الجوية أمام تقنيات إسرائيلية وأميركية متقدمة.

عزلة دبلوماسية متزايدة

عانت إيران من موجة انتقادات دولية، وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، الأحد، إن إيران "يجب ألا تمتلك أبدا القنبلة" النووية فيما اعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد كايا كالاس هذا الاحتمال "تهديدا للأمن العالمي".

Relatedبوتين يُدين الهجمات الأمريكية على إيران: لا مبرر لهاالحرس الثوري يعلن استهداف قاعدة العديد الأمريكية في قطر والدوحة تحتفظ بحق الردهدنة بين إيران وإسرائيل.. وترامب: رجاء عدم انتهاك وقف النار بعد دخوله حيز التنفيذالمكاسب الإيرانية: حضور استراتيجي ورسائل متعددة

تعزيز حضورها كلاعب لا يمكن تجاهله

رغم الخسائر، أثبتت إيران قدرتها على خوض مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وقد أظهرت أنها تملك أدوات للرد، سواء عبر صواريخ باليستية دقيقة أو عبر شبكتها الإقليمية من الحلفاء. هذا الحضور الميداني عزّز صورتها في أوساط حلفائها، من حزب الله في لبنان إلى الفصائل المسلحة في العراق والحوثيين باليمن.

اختبار الجبهة الداخلية واحتمالات سقوط النظام

بدا أن النظام الإيراني نجح -إلى حدٍ ما- في تعبئة الشارع خلف رواية "الدفاع عن السيادة والكرامة". وجرى توظيف الحرب كوسيلة لتوحيد الصفوف داخليًا، على الأقل في المدى القصير، رغم استمرار الأصوات المعارضة.

توسيع هامش التفاوض

عقب وقف إطلاق النار، أعلن ترامب استعداده للتفاوض مع طهران، ما قد يفتح الباب أمام محادثات جديدة بشروط مختلفة. ورغم أن إيران خرجت أضعف عسكريًا، إلا أنها أثبتت أنها لا تزال لاعبًا يُحسب له حساب في ميزان القوى الإقليمي.

نظرة استراتيجية: هل كسبت إيران أم خَسِرت؟

القراءة الأولية تُظهر أن إيران دفعت ثمنًا باهظًا في هذه الحرب، على المستويات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. لكن في المقابل، فإنها خرجت بمكاسب معنوية واستراتيجية تمثلت في إثبات قدرتها على المواجهة المباشرة وتوسيع هامش تأثيرها الإقليمي. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر يكمن في ما بعد الحرب: كيف ستتعامل طهران مع تداعيات الداخل، وهل ستنجح في إعادة بناء قدراتها النووية والدفاعية، أم ستكون هذه الحرب بداية مرحلة تراجع متسارع في نفوذها؟

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • إيران بين المكاسب والخسائر: قراءة في حصيلة المواجهة مع إسرائيل بعد وقف إطلاق النار
  • محلل سياسي: النظام الإيراني ينتـ.حر سياسياً لأنه يدرك حجم القوة العسكرية الأمريكية
  • هل توافق إيران الجلوس على طاولة المفاوضات؟ مستشار بالمركز المصري للفكر يجيب
  • عراقجي يجري في موسكو محادثات جادة ومهمة مع بوتين
  • عراقجي: يجري في موسكو محادثات "جادة ومهمة" مع بوتين
  • أكسيوس: خامنئي رفض عرض ترامب لإجراء محادثات سلام في تركيا
  • مسؤولون: نقلنا رسائل من واشنطن إلى طهران مفادها أن الهجمات الأمريكية قد انتهت والوقت قد حان للعودة إلى طاولة المفاوضات
  • محلل استراتيجي: البرنامج النووي الإيراني انتهى ضمنياً
  • رئيس الوزراء البريطاني يدعو إيران للعودة الى طاولة المفاوضات
  • عراقجي يحذر من انضمام واشنطن للحرب وماكرون يتحدث عن تسريع المفاوضات