الإنسانية أولا أو الشخصية .. وأيهما نتيجة للآخر؟
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
في حوار قصير؛ طرح -في تقديري الشخصي- سؤال مهم: أيهما الأهم؛ الشخصية أو الإنسانية؟ ويمكن أن أستدرك بسؤال آخر؛ أيهما أولا: الإنسانية أو الشخصية؟ بمعنى: هل الإنسانية هي نتيجة لأفعال الشخصية، أو الشخصية هي نتيجة الإحساس بمعنى الإنسانية؟ وهو المعنى القائم على «قدرة الشخص على تقديم الرعاية والاحترام وإظهار الضيافة والتسامح.
يمكن لاستيضاح الرؤية في هذه المناقشة طرح مجموعة من الأسئلة الاستفهامية، والأسئلة الاستنكارية، والأسئلة الإخبارية، والأسئلة التوضيحية، تجلية للفهم الغارق في التعقيد في مسألة المفاضلة بين الإنسانية والشخصية؛ ومن ذلك: هل كلاهما (الشخصية والإنسانية) يتيحان الفرصة لإسقاطهما في القيمة المعيارية؟ بمعنى هل كلا المفهومين قابل للقياس في واقع الحياة؟ وإذا كان الأمر كذلك؛ فيمكن النظر إلى تأثير أحدهما على الآخر؛ أو قد يكون أحدهما نتيجة للآخر؛ أليس كذلك؟ هذا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية؛ فلنستحضر حالة أسرة ما -أي أسرة- ولنسقط عليها الملاحظات التالية: كل أسرة غالبا؛ يتجاوز أعداد أفرادها: الأب والأم؛ أي وجود أبناء؛ بنين وبنات، فهل هؤلاء الأبناء تتوحد صفاتهم، وميولاتهم، وسلوكياتهم؟ الجواب: إطلاقا؛ وبصورة قطعية، هذا إذا سلمنا أن هناك تقاربا شديدا بين الأم والأب في كثير من الصفات، بحكم العشرة، وبحكم التوافق، وبحكم مجموعة من التنازلات للحرص على مصالح الأسرة إلى أطول فترة زمنية في الحياة، ونتيجة لهذا التقييم النظري، فإذا كانت الإنسانية هي أولا؛ فلماذا لم تلق بحقيقتها الإنسانية على كل أفراد الأسرة بنفس المستوى من الإنسانية؟ فمن الأبناء كريم؛ ومتواضع، ومحترم، ومتسامح، وعندها القدرة على الانسجام مع الآخرين من حوله، ومن خارج محيط أسرته، ومن الأبناء سيئ الخلق؛ متجبر، ولعوب شقي/ شقية، يسرق، ولا يقيم وزنا لأي قيمة أخلاقية إيجابية، مع أنهم هؤلاء جميعهم تربوا في كنف أسرة واحدة، ومنشأهم أب واحد وأم واحدة، وإذا جئنا إلى الجانب الشخصي؛ فهؤلاء جميعهم يؤثرون بسلوكياتهم الشخصية على المجتمع المحيط، ولن يستطيع هذا المجتمع المحيط أن يغير من سلوكهم، فهم منساقون وفق فطرتهم أو بنيانهم التكويني النفسي، ولن تستطيع كل المكتسبات التي اكتسبوها أن تؤثر عليهم في تغيير سلوكياتهم، مع أن المكتسبات قوية، ومنطقية، وكثيرة، ويفترض أن تكون مؤثرة؛ بدءا من: حاضنة الأسرة بتعاليمها ونظمها وقوانينها التربوية والأخلاقية، ثم تأتي المدرسة والتي لا تقل من تعدد النظم والتدريبات، بعد ذلك تأتي الحاضنة الكبرى «المجتمع» الذي تتسع فيه مساحة الاشتغال أكثر، وتتنوع فيه النظم والقوانين والتعليمات، والممارسات، ومع ذلك ينفذ كل هؤلاء بسلوكياتهم التي تختمر بين جوانحهم، ولا يقيمون عرضا لكل هذه المحددات سواء عبر حاضنة الأسرة، أو حاضنة المدرسة، أو حاضنة المجتمع، فماذا يعني هذا؛ أليست الشخصية هنا هي التي تملي تأثيراتها على الإنسانية؛ إذا سلمنا أن كل الحواضن الثلاث هي تمتثل الإنسانية، وتنادي بها، وتعض عليها بالنواجذ؟ ومع ذلك نرى أن مسارات الشخصية الـ«ناشزة» في مختلف سلوكياتها تنزع نفسها من كل هذه التأثيرات ولا تقيم لها وزنا، بينما الشخصية المنسجمة مع ذاتها؛ توظف كل هذه الروافد المعرفية والسلوكية، فتصنع منها مساحة إنسانية لا تحدها حدود، ومن هنا يمكن القول إن الإنسانية هي نتيجة مكتسبة لأفعال الشخصية الذاتية المنبثقة من الفطرة، وليس العكس.
يقول الباحث عادل المعولي في كتابه (لما تقدم العلم وتأخر الوعي) ما نصه: «... والأفراد يرثون من أسلافهم خصائصهم الطبيعية؛ حجم أجرامهم، ولون البشرة، وشكل الأنف، وفصيلة الدم والاستعداد للأمراض، ولكن لا يرثون الاختيار الإنساني، فالاختيار الإنساني ينتقل باحتكاك الإنسان بما حوله (من البيئة الطبيعية) وبمن حول من (البيئة الاجتماعية)» -انتهى النص. وإن كان الواقع لا يتطابق بصورة مطلقة مع هذا التقييم، فالاحتكاك الذي يشير إليه الكاتب؛ قد؛ يظل مؤقتا، ثم يعود الإنسان إلى حقيقته البيولوجية الصرفة، وينزع نفسه من كل التأثيرات التي قد يراها أنها تحد من طموحه، أو تحقيق إشباعاته من مختلف الأشياء التي يريدها، وهذه مسألة واضحة لا تحتمل جدلا سفسطائيا مملا، وقد قرأ معظمنا قصة الراعي الذي ربى ذئبا صغيرا وجده في الصحراء، فلما كبر الذئب، واعتلته غريزة الافتراس هجم على شياه الراعي فافترس ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ وولى هاربا في متون الصحراء لا يلوي على أثر من كرم الراعي ورحمته وإنسانيته التي احتوته زمنا من التربية والرعاية والعناية، والذي قال فيها الراعي: «من أنبأك أن أباك ذئبا» والقصة معروفة، ومنشورة لمن أراد الاستيضاح أكثر.
قد يبرر الحديث هنا؛ في مسألة تأثير (الإنسانية/ الشخصية) على الصفة الغالبة في مجتمع ما، فهناك مجتمعات تربت أو عايشت صراعات دموية قاتلة، ظل فيها سيلان الدم على الأرصفة هو المحتكم على نوع، أو شكل الحياة التي يعيشها الناس، وهي حالة «مستنفرة» بلا شك، مثل هذا الواقع التي تتسلط فيه الشخصية على الإنسانية، حيث تصبع الأخيرة هي نوع من الحلم الجميل، فكيف للإنسانية هنا أن تبدو ظاهرة، أو أن يرتفع سهمها وسط هذا الركام من القتل والتدمير والتسلط، كما هو الحال الذي يعيشه الشعب الفلسطيني منذ بدأ نكبته إلى اليوم، فالشخصية العدوانية التي يوظفها العدو في القتل والتدمير؛ أن لها أن تعكس شيئا من وضوح الرؤية لشيء اسمه إنسانية؟ مع أن الإنسانية التي يراها البعض هي المساحة التي يتسع فيها الأفق، ولكن الفعل القاسي الذي تمارسه الشخصية على الواقع لا يدع لهذا الأفق مجالا صافيا للرؤية، وبالتالي فوق هذه الرؤية تظل الشخصية هي المؤثرة، وليس الإنسانية، لأن هذه الشخصية العدوانية القاسية والقاتلة تمثل -وفق تعريف الشخصية-: «الكمية الكلية من الاستعدادات والميول والغرائز والدوافع البيولوجية الفطرية والموروثة، وكذلك الاستعدادات والميول المكتسبة من الخبرة» -بحسب تعريف جوجل. وفي المقابل فالمجتمعات التي تعيش آمنة مطمئنة، وتخلو من الشخصية المرتبكة، فإن ذلك أيضا عائد إلى ذات التعريف أعلاه، ومن هنا يمكن الوصول إلى نتيجة مفادها إلى أن الإنسانية هي نتيجة لفعاليات وسلوكيات ومكتسبات الشخصية، السوية الهادئة، التي لم تصدم تركيبتها الفسيولوجية بحمل قاس يقوض فيها الجانب الإنساني، فالجانب الإنساني يحتاج إلى بيئة نظيفة ينشأ فيها ويكمل دورة حياته بكل انسجام، ولذلك فالبيئات التي تعيش صراعات أمنية، وعدم استقرار؛ تعيش فيها الإنسانية في مأزق كبير، ولذلك تعاني المجتمعات الآمنة من الوفود الآتية من تلك المجتمعات المستنفرة، ومعاناتها تتمثل في أن هؤلاء الوافدين يأتون محملين بثقافات بلدانهم، وهي ثقافات فيها ما فيها من الإجرام؛ بكل أنواعه وقسوته، ولا يتوانى هؤلاء الوافدون في توظيف هذه الحمولة السيئة في البلد المضيف، فتكثر فيه حالات القتل، والسرقة، والرشوة، والخيانة، وانتهاك الأعراض، مما يحمل البلد المضيف أعباء أمنية واجتماعية، وتنموية، تتجاوز الحالة التي كان عليها قبل ذلك.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشخصیة هی
إقرأ أيضاً:
في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر
شهدت أركان محكمة الأسرة قصص وحكايات عديدة لشباب فتيات، تحولت حياتهم من حب ودفء واستقرار لزعزعة وحقد وكراهية لعدة أسباب، وبعضهم يجوز فيهم رفع دعوى طلاق للضرر، وسنرصد الحالات التي يسمح فيه رفع تلك الدعاوي في هذا التقرير.
حالات الطلاق للضرر:
-إذا علمت الزوجة بخيانة زوجها لها وزواجه من سيدة أخرى.
- إذا هجرها زوجها أكثر من 6 أشهر.
- إذا تعرضت الزوجة للسب والقذف من زوجها.
- إذا صدر حكم قضائي على الزوج ودخل السجن.
-إذا وقع على الزوجة ضرر سواء أكان نفسيا أو جسديا.
- إذا امتنع الزوج عن الانفاق على زوجته.