في الوقت الذي يعيش فيه سكان قطاع غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث، تمضي إسرائيل قدمًا في تعزيز سيطرتها الميدانية من خلال فرض ما تسميه بـ"المنطقة العازلة"، التي لم تعد تقتصر على الشريط الحدودي بل تمتد الآن لتبتلع أجزاء كبيرة من القطاع، بما في ذلك مدينة رفح الجنوبية. 

ومع التقدم العسكري الإسرائيلي، يتقلص الحيز الجغرافي الذي يمكن للفلسطينيين العيش فيه، فيما يتزايد الخطر على حياة أكثر من 2.

3 مليون نسمة.

ويرصد لكم "صدى البلد" في هذا التقرير يرصد تداعيات إقامة المنطقة العازلة الجديدة، وتأثيرها على الواقع الميداني والإنساني في قطاع غزة.

في تحرك عسكري جديد، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس يوم السبت 12 أبريل 2025، أن الجيش الإسرائيلي أكمل سيطرته على محور موراج، الممتد بين رفح وخان يونس، مؤكدًا أن هذه المنطقة أصبحت ضمن ما يسمى بـ"المنطقة العازلة الإسرائيلية". وبذلك، تكون إسرائيل قد عززت وجودها في الجنوب الغزي، مقطعة أوصاله، لتصبح مدينة رفح معزولة فعليًا عن بقية القطاع.

وتقع هذه المنطقة العازلة الجديدة بين محور فيلادلفيا، الواقع على الحدود المصرية، ومحور موراج الممتد من الشرق إلى الغرب، بطول يصل إلى 12 كيلومترًا. وتهدف إسرائيل من خلال هذه المنطقة إلى تكريس العزلة الجغرافية والضغط على حماس لقبول شروط اتفاق جديد بشأن الرهائن الإسرائيليين المتبقين.

وفي الوقت الذي تصف فيه تل أبيب هذه الخطوة بأنها "تكتيك أمني ضروري"، يرى مراقبون أنها تؤسس لواقع سياسي جديد قائم على التقسيم والسيطرة الدائمة، بينما يتحمل المدنيون الفلسطينيون التكلفة الأعلى.

دمار ونزوح متجدد

مدينة رفح، التي كانت تأوي قرابة 200 ألف نسمة، أصبحت اليوم شبه مدمرة. عبد الرحمن أبو طه، أحد سكان المدينة، يقول في اتصال هاتفي إنه عاد إلى منزله بعد بدء وقف إطلاق النار في يناير، ليجد معظم أجزاء المنزل قد سُويت بالأرض. ومع استئناف الهجوم الإسرائيلي في أبريل، اضطر إلى مغادرة المكان مجددًا. "رفح دُمِّرت بالكامل تقريباً... لم يتبق منها سوى عدد قليل جدا من المنازل التي لم تتضرر"، يقول أبو طه، الذي يعيش الآن في خيمة بخان يونس.

ويتحدث عن شعور مرير بالعجز: "الوضع الأمني بدأ يتدهور. إنه شعور مخيف". كما عبّر عن خشيته من أن المنطقة العازلة قد تصبح أمرًا واقعًا دائمًا، وهو ما يعمّق مخاوف الفلسطينيين من مستقبل أكثر ظلامًا.

مع تصعيد العمليات العسكرية واستمرار سياسة الإغلاق، حذّرت الأمم المتحدة في 14 أبريل من تدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية، ووصفتها بأنها "الأسوأ منذ 18 شهرًا"، وانقطع تدفق المساعدات بشكل شبه كامل، وتزايدت معدلات النزوح والجوع والمرض.

وفي السياق ذاته، أشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى أن ما يقرب من 70% من قطاع غزة يخضع الآن لأوامر طرد إسرائيلية أو يُصنف كمناطق "محظورة". كما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه حول نحو 30% من مساحة غزة إلى منطقة عازلة.

وبحسب تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن نحو 400 ألف شخص نزحوا مرة أخرى بسبب الهجوم الأخير، في حين يتعرض النازحون لضغوط متزايدة للتحرك نحو الغرب.

مستقبل غامض وتخوف من السيطرة طويلة الأمد

رغم عدم وجود إعلان رسمي من حكومة نتنياهو حول ما بعد الحرب، إلا أن الوقائع الميدانية تشير إلى توجه نحو السيطرة الدائمة على القطاع، لا سيما من خلال تقسيمه إلى مناطق منفصلة ومحاصرة. فبالإضافة إلى محور موراج، أنشأ الجيش الإسرائيلي محاور أخرى مثل محور نتساريم، ما يعزز الهيمنة العسكرية ويحدّ من حركة المدنيين.

وزير الدفاع الإسرائيلي شدد في تصريحاته على أن "الجيش لن ينسحب من المناطق الأمنية"، مؤكدًا أن مئات الآلاف من السكان تم إجلاؤهم، وتمت إضافة "عشرات بالمئة" من الأراضي إلى ما تسمى "المناطق الأمنية".

خطة قديمة بثوب جديد

مع كل هذه التطورات، أعادت تصريحات وزير الدفاع كاتس الحديث عن فكرة "إعادة التوطين الطوعي"، التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سابقًا، والتي تتضمن تهجير سكان غزة إلى دول أخرى. هذه الخطة، التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها "تهجير قسري"، تثير غضبًا واسعًا، وتعيد إلى الأذهان مشاهد النكبة واللجوء.

تدمير شامل للزراعة والمرافق.. الأمن أم السيطرة؟

تقارير منظمات حقوقية مثل "كسر الصمت" أشارت إلى أن نحو 36% من مساحة غزة أصبحت تُصنف كمنطقة عازلة. وأكدت المنظمة الإسرائيلية أن هذه الإجراءات لا تهدف إلى الأمن، بل إلى السيطرة الكاملة. كما أفادت بتدمير ممنهج للمزارع، والمقابر، والمنازل، والمرافق الحيوية، مما يجعل من استعادة الحياة في هذه المناطق أمرًا شبه مستحيل.

"لقد دمرنا كل شيء هناك: الحقول الزراعية، المقابر، المناطق الصناعية، والمنازل، بالطبع"، هكذا قال ناداف فايمان، مدير المنظمة، مضيفًا أن ما يجري هو "تطهير عرقي واسع النطاق".

وبينما تتحدث إسرائيل عن "الأمن"، يعيش الفلسطينيون في غزة واقعًا يوميًا من الخوف، والدمار، والنزوح القسري، والجوع، وانعدام الأمل. وما يسمى بـ"المنطقة العازلة" لم تعد تعني مجرد حزام أمني بل أصبحت أداة لتغيير ديمغرافي وسياسي يهدد جوهر القضية الفلسطينية. فإلى أين يمضي القطاع في ظل هذا الخنق الجغرافي والإنساني؟ ومتى يعود الحق لأصحابه في ظل عالم يراقب بصمت؟

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إسرائيل غزة قطاع غزة المنطقة العازلة المنطقة الآمنة المزيد المنطقة العازلة

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية يؤكد لـ «مبعوث الرئيس الأمريكي» الأهمية البالغة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة

تلقى الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة اتصالا هاتفيا مساء اليوم الأحد الأول من يونيو من «ستيف ويتكوف» مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، وذلك في إطار التشاور والتنسيق المستمر بين مصر والولايات المتحدة إزاء الوضع في قطاع غزة وفي منطقة الشرق الأوسط.

تناول الاتصال الجهود المشتركة التي تقوم بها مصر والولايات المتحدة وقطر للتوصل الي صفقة تضمن وقف إطلاق النار في القطاع وإطلاق سراح المحتجزين وعدد من الأسري والنفاذ الكامل للمساعدات، وشدد الوزير عبد العاطي خلال الاتصال على الأهمية البالغة لوقف الحرب الحالية والعدوان الإسرائيلي على غزة والنفاذ الكامل للمساعدات الإنسانية للقطاع من أجل رفع المعاناة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني.

كما تم التأكيد على ضرورة التوصل إلى حل دائم للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بما يحقق تطلعات شعوب المنطقة ويجسد رؤية ترامب الداعية لتحقيق السلام الشامل في المنطقة.

من جانبه، أكد ويتكوف علي تقدير بلاده للدور الذي تضطلع به مصر والرئيس في جهود الوساطة المبذولة حاليا للتوصل إلي اتفاق يوقف الحرب ويضمن إطلاق سراح المحتجزين وإنفاذ المساعدات.

كما تناول الاتصال تطورات المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني، حيث استمع وزير الخارجية لتقديرات المبعوث الأمريكي حول تطورات المفاوضات، وقد أعرب الوزير عبد العاطي عن دعم مصر للمفاوضات الأمريكية - الإيرانية وما تشكله من فرصة هامة لتحقيق التهدئة وخفض التصعيد في المنطقة، ومنع انزلاقها الي حالة فوضى كاملة.

اقرأ أيضاًوزير الخارجية والهجرة يلتقي عضو لجنة الخدمات العسكرية بمجلس الشيوخ الأمريكي

عاجل| وزير الخارجية يشدد على ضرورة تقديم الدعم لعملية سياسية لتسوية الأزمة بليبيا

وزير الخارجية يلتقى سفراء الدول الأوروبية المعتمدين في القاهرة

مقالات مشابهة

  • المقاومة تزلزل جباليا.. الجيش الإسرائيلي يفشل في إجلاء جنوده تحت وابل النيران
  • تقليص الأوقات بين الأذان والإقامة في مساجد المنطقة المركزية بمكة المكرمة
  • تقليص أوقات الانتظار بين الأذان والإقامة في جوامع ومساجد المنطقة المركزية بمكة المكرمة خلال موسم الحج
  • وزير الشؤون الإسلامية: تقليص أوقات الانتظار بين الأذان والإقامة في جوامع ومساجد المنطقة المركزية بمكة
  • وزير الخارجية يؤكد لـ «مبعوث الرئيس الأمريكي» الأهمية البالغة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة
  • إسرائيل وحربها الممنهجة
  • الحوثيون : سنسقط طائرات الاحتلال الإسرائيلي التي تقصف بلادنا 
  • روسيا تعلن سيطرتها على قرية في منطقة سومي الأوكرانية
  • الجيش الإسرائيلي ينذر سكان خان يونس وبني سهيلا وعبسان ويطلب إخلاءها
  • صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!