تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق فيتنام وتايلاند وماليزيا تتجه إلى بكين للتعاون الاقتصادى والشراكات الأمنية.. وواشنطن تبدو أقل التزامًا بنظام إقليمى مستقرإصرار الرئيس الأمريكى على ربط الإنفاق الدفاعى بالاتفاقيات التجارية أفقد الثقة فى البيت الأبيض كشريك أمنى موثوق

فى عهد الرئيس دونالد ترامب، انحرفت السياسة الأمريكية تجاه آسيا إلى اتجاه غير متماسك وغير مُجدٍ، ما أدى إلى تفاقم التحديات التى تدفع المنطقة نحو الصين.

هذا التحول، الذى اتسم بالرسوم الجمركية والعزلة الاقتصادية الذاتية والسياسة الخارجية غير المتوقعة، يهدد بتقويض الأمن والقيادة الاقتصادية للولايات المتحدة فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهى منطقة كانت دائمًا حجر الزاوية فى النفوذ الأمريكي.

لأكثر من سبعة عقود، اعتمدت منطقة آسيا والمحيط الهادئ على الولايات المتحدة كضامن أمنى وشريك اقتصادى رئيسي. ومع ذلك، فى السنوات الأخيرة، تعطلت هذه الديناميكية. فالصعود السريع للصين كقوة اقتصادية جعلها الشريك التجارى المهيمن للعديد من دول المنطقة، ما قلل من نفوذ الولايات المتحدة. لقد ساهم فرض ترامب تعريفات جمركية صارمة على الصين، وخطابه "أمريكا أولًا"، وانسحابه من اتفاقيات تجارية رئيسية مثل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، فى تسريع هذا التراجع الأمريكى. وبحلول نهاية عام ٢٠٢٤، حلت الصين محل الولايات المتحدة كشريك تجارى رئيسى لمعظم الدول الآسيوية، حيث نمت التجارة البينية إلى ما يقرب من ٦٠٪ من إجمالى التجارة فى آسيا.

فى حين أن سياسات ترامب التجارية تهدف إلى كبح هيمنة الصين وإعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة، إلا أن هذه الجهود كانت غير متسقة وغير فعالة إلى حد كبير. كان الهدف من التعريفات الجمركية هو الإضرار بالصين، لكنها عطّلت أيضًا الأعمال التجارية فى جميع أنحاء آسيا، وخاصة فى دول مثل فيتنام وتايلاند وماليزيا، التى أصبحت وجهات مهمة لإعادة التصنيع إلى الوطن فى إطار مبادرة "الصين +١". وبينما تكافح هذه الدول للتكيف مع المشهد التجارى المتغير، يتجه الكثير منها إلى الصين للتعاون الاقتصادى والشراكات الأمنية، حيث تبدو الولايات المتحدة أقل التزامًا بنظام إقليمى مستقر.

السياسة الأمنية

فيما يتعلق بالتعاون العسكري، لا تزال السياسة الأمنية الأمريكية جزءًا أساسيًا من علاقتها مع حلفائها الآسيويين. تواصل الولايات المتحدة دعم اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين فى جهودها لمواجهة ما تسميه "التدخل الصيني"، لا سيما فى بحر الصين الجنوبى وعلى طول محيط تايوان. ومع ذلك، فإن دمج سياسات ترامب الاقتصادية مع التزاماته الأمنية خلق انطباعًا بعدم الاتساق.. على سبيل المثال، أرسلت مطالبات ترامب لليابان بزيادة نفقاتها الدفاعية، مع الضغط عليها فى الوقت نفسه بشأن التجارة، إشارات متضاربة. كما أدت التوترات مع كوريا الجنوبية بشأن تكلفة تمركز القوات الأمريكية وقضية الإنفاق الدفاعى إلى تصدعات فى العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

علاوة على ذلك، فإن إصرار ترامب على ربط الإنفاق الدفاعى بالاتفاقيات التجارية، والذى تجلى مؤخرًا فى نهجه تجاه اليابان، قد قوّض الثقة فى الولايات المتحدة كشريك أمنى موثوق. مع تزايد الضغوط الصينية على القوى الإقليمية، يتضاءل ثقتها بالدعم الأمريكي، لا سيما فيما يتعلق بمخاوف وجودية مثل أمن تايوان. ويزيد عدم القدرة على التنبؤ بسياسة ترامب الخارجية من حالة عدم اليقين.

كما أدى نهج ترامب إلى تراجع كبير فى القوة الناعمة الأمريكية فى المنطقة. ويشير تفكيك وكالات مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وإذاعة صوت أمريكا، اللتين دأبتا على الترويج للقيم والثقافة الأمريكية، إلى تراجع فى القيادة العالمية. وقد ترك هذا الانسحاب فراغًا تسعى الصين جاهدةً لملئه، مستخدمةً مبادرة الحزام والطريق وغيرها من الجهود الدبلوماسية لكسب النفوذ فى آسيا وخارجها.

كان التأثير النفسى على الحلفاء عميقًا. فعلى سبيل المثال، أعرب وزير الدفاع السنغافورى عن أسفه لتحول الولايات المتحدة من "محرر" إلى "مُخرب كبير"، بينما أعرب رئيس الوزراء الأسترالى السابق مالكولم تورنبول عن مخاوفه من أن قيم الولايات المتحدة لم تعد تتوافق مع قيم أستراليا. تتزايد شيوع هذه المشاعر فى منطقة كانت تعتبر الولايات المتحدة شريكًا لا غنى عنه.

تنظيم الصفوف

ردًا على تحوّل دور الولايات المتحدة، تتجه العديد من الدول الآسيوية نحو الصين للتجارة والاستثمار، حتى أن بعضها يناقش اتفاقيات تجارية جديدة قد تستبعد الولايات المتحدة. ويُعدّ سعى الصين للانضمام إلى اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، وجهودها للتنسيق مع كوريا الجنوبية واليابان بشأن اتفاقية تجارية ثلاثية، من المؤشرات الرئيسية على هذه الديناميكية الإقليمية الجديدة. إن النفوذ الاقتصادى للصين، إلى جانب توسع نفوذها العسكري، يضعها فى موقع اللاعب الأهم فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مما يُبقى الولايات المتحدة مهمّشة بشكل متزايد.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تزايد احتمالية التخلى عن الدولار الأمريكى فى التجارة الدولية يُقوّض الهيمنة المالية العالمية للولايات المتحدة بشكل أكبر. ومع سعى البلدان إلى إيجاد بدائل للدولار، وخاصة فى تعاملاتها مع الصين، فإن نفوذ الولايات المتحدة فى آسيا قد يتضاءل بشكل أكبر.

عواقب استراتيجية 

أحدثت سياسات ترامب مفارقة فى آسيا. ففى حين أن موقف إدارته المتشدد ضد الصين قد زاد من حدة التنافس بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنه دفع أيضًا العديد من الدول الآسيوية إلى التقارب مع الصين اقتصاديًا ودبلوماسيًا. ومن خلال تقويض العلاقات التجارية والقوة الناعمة، ومطالبة حلفائها بالمزيد من الإنفاق الدفاعي، أضعف ترامب، دون قصد، مكانة الولايات المتحدة فى المنطقة. ومع استمرار الصين فى تعزيز نفوذها، تُخاطر الولايات المتحدة بالتهميش فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث يتزايد عدم اليقين بشأن دورها كشريك اقتصادى وأمنى رائد.

لكى تستعيد الولايات المتحدة مكانتها فى آسيا، يجب عليها إعادة تقييم نهجها، والانتقال من التعريفات الجمركية والمواجهة إلى استراتيجية أكثر توازنًا تُعيد إشراك المنطقة من خلال التعاون الاقتصادي، والاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف، والالتزامات الأمنية الثابتة. إذا لم يحدث هذا التحول، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها فى دور متضائل، مع هيمنة الصين الراسخة على مستقبل آسيا.

*فورين بوليسى

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: معارك ترامب ترامب الصين الولايات المتحدة الأمريكية بكين منطقة آسیا والمحیط الهادئ الولایات المتحدة فى منطقة فى آسیا

إقرأ أيضاً:

هل انتهى زمن غوغل وفيسبوك في القارة العجوز؟ أوروبيون يهجرون التطبيقات الأمريكية

مع تصاعد التوترات السياسية، يتجه الأوروبيون نحو خدمات رقمية محلية بديلة لشركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، في خطوة قد تعيد رسم خريطة السيادة الرقمية في القارة. اعلان

مع تصاعد التوترات السياسية بين الولايات المتحدة وأوروبا منذ إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تزايدت التساؤلات حول مدى تأثير هذا الارتباط التكنولوجي على السيادة الأوروبية.

وفي ظل ذلك، بدأت مؤشرات على تحوّل تدريجي نحو خدمات رقمية مقررة في أوروبا، ما يطرح سؤالاً محوريًا: هل يمكن لأوروبا أن تبني بنية رقمية مستقلة؟

ارتفاع ملموس في البحث عن خدمات بديلة

وتشير بيانات شركة "سميلار ويب"، المتخصصة في تحليل حركة المرور الرقمي، إلى ارتفاع بنسبة 27% في عدد عمليات البحث عبر محرك "إيكوويا" (Ecosia) من دول الاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي، بينما زاد استخدام خدمة البريد الإلكتروني السويسرية "بروتون ميل" (ProtonMail) بنسبة 11.7%.

وتُعد هذه النسب مؤشرًا على بدء تحوّل جزئي في سلوك المستخدمين الأوروبيين، الذين أصبحوا أكثر وعيًا بالمخاطر المحتملة المترتبة على تخزين بياناتهم لدى شركات أمريكية تخضع لقوانين مثل "باتريوت آكت"، التي تتيح للحكومة الأمريكية الوصول إلى البيانات المخزنة حتى لو كانت تعود لمواطنين أوروبيين.

Relatedتقرير يكشف استخدام تطبيقات المراسلة لنشر الدعاية السياسية والتلاعب بالرأي العام لحماية المراهقين.. 42 مدعيا عاما أمريكيا يدعون لوضع تحذيرات على تطبيقات التواصل الاجتماعي زيادة السرعة: كيف تهدف شبكة 5.5G إلى تمكين تطبيقات أسرع للمستخدمين والشركات؟التحول السياسي يدفع نحو التحوّل الرقمي

وقال مايكل فيرتس، مؤسس الكشك الخيري "توبو": إن نوعية الزوار تغيرت بشكل ملحوظ. وأضاف: "قبل كانت المعرفة التقنية والاهتمام بالخصوصية هما الدافع الرئيسي، أما الآن فإن السبب سياسي".

وأكد أن كثيرًا من الزوار أصبحوا قلقين بشأن تعرض بياناتهم للاستغلال بسبب الهيكل القانوني والتوجيهات السياسية في الولايات المتحدة.

ويتزامن هذا التحول مع تصريحات مثيرة للجدل من الإدارة الأمريكية، أبرزها اتهامات نائب الرئيس جي دي فانس للقادة الأوروبيين بممارسة الرقابة على حرية التعبير، وهجوم وزير الخارجية ماركو روبيو على القوانين الأوروبية باعتبارها تقييدًا للشركات الأمريكية.

شركات أمريكية تتهم أوروبا بالرقابة.. والاتحاد يرد

اتهمت شركات أمريكية كبرى مثل "ميتا" — المالكة لشبكات التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"إنستغرام" — الاتحاد الأوروبي بفرض رقابة غير مباشرة من خلال قانون الخدمات الرقمية (DSA).

من جانبه، أكد الاتحاد أن القانون يهدف إلى جعل الإنترنت أكثر أمانًا من خلال إلزام الشركات بمعالجة المحتوى غير القانوني، بما في ذلك خطاب الكراهية والمحتوى الجنسي للأطفال.

وقال غريغ نوجيم، مدير مشروع الأمن والمراقبة في مركز الديمقراطية والتكنولوجيا: إن مخاوف الأوروبيين بشأن إمكانية وصول الحكومة الأمريكية إلى بياناتهم كانت مبررة، مشيرًا إلى قوانين تتيح للحكومة الأمريكية الوصول إلى البيانات المخزنة لدى مزودي خدمات أمريكية حتى لو كانت تعود لمواطنين أوروبيين.

جهود أوروبية لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية

وتعمل الحكومة الألمانية الجديدة على تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية، وفقًا لاتفاقها الائتلافي الذي يدعو إلى استخدام المزيد من التنسيقات المفتوحة المصدر والبنية التحتية المحلية للتخزين السحابي.

وفي إقليم شليسفيغ-هولشتاين الألماني، يُلزم جميع الأجهزة المستخدمة في الإدارة العامة باستخدام برامج مفتوحة المصدر. كما دعمت برلين ماليًا تمكن أوكرانيا من الوصول إلى شبكة إنترنت عبر الأقمار الصناعية تديرها شركة "يوتلسات" الفرنسية، بدلًا من شبكة "ستارلينك" الخاصة بإيلون ماسك.

وقال بيل بودينغتون من منظمة "الحدود الإلكترونية" الأمريكية إن "الانفصال الجذري عن التكنولوجيا الأمريكية أمر قد يكون غير ممكن".

وأوضح أن البنية التحتية الرقمية الحديثة، من شبكات توصيل المحتوى إلى طرق توجيه حركة الإنترنت، تعتمد بشكل كبير على الشركات الأمريكية. حتى خدمات مثل "إيكوويا" و"كوانت" (Qwant) تعتمد على نتائج بحث من "غوغل" و"بينغ"، وتعمل على بنية تحتية سحابية تابعة للشركات نفسها التي تقدم عنها بديلاً.

زيادة استخدام تطبيقات بديلة

شهد تطبيق "سيجنال"، وهو تطبيق تراسل تابع لمؤسسة غير ربحية في الولايات المتحدة، زيادة في التنزيلات من أوروبا. وتشير بيانات "سميلار ويب" إلى زيادة بنسبة 7% في استخدام التطبيق شهريًا في مارس، في حين ظل استخدام تطبيق "واتساب" التابع لشركة "ميتا" ثابتًا.

كما شهدت خدمة "مستودون"، وهي شبكة تواصل اجتماعي لامركزية طورها مبرمج ألماني، تدفقًا جديدًا من المستخدمين بعد استحواذ ماسك على موقع "تويتر"، الذي أعاد تسميته لاحقًا باسم "إكس".

وعلى الرغم من النمو في استخدام الخدمات البديلة، قال الناشط الرقمي روبن بيرجون لوكالة رويترز إن هذا النوع من التنظيم الذاتي لن يكون كافيًا لوحده لكسر هيمنة شركات "سيلكون فالي" في أوروبا.

وقال بيرجون: "إن السوق قد تم الاستيلاء عليه. ومن الضروري أيضًا وجود تنظيمات قانونية".

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • محلل أميركي يتنبأ: تورط الولايات المتحدة في حرب ضد إيران سيحطم إرث ترامب
  • ذا هيل: 5 نقاط بارزة بعد دخول الولايات المتحدة حربا مع إيران
  • ترامب: الولايات المتحدة أخذت على عاتقها حماية إسرائيل
  • سي إن إن: السلطات تراقب التهديدات الإيرانية المحتملة داخل الولايات المتحدة
  • هل انتهى زمن غوغل وفيسبوك في القارة العجوز؟ أوروبيون يهجرون التطبيقات الأمريكية
  • أستاذ علوم سايسية: الدفاع عن سماء إسرائيل تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية
  • هل ستخوض الولايات المتحدة حربًا ضد إيران؟ اسألوا سارية العلم!
  • الولايات المتحدة تحرك أشباحها إلى المحيط الهادئ.. قادرة على تدمير مفاعل فوردو
  • كيف يمكن أن تتعثر مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران؟
  • وكالة الأنباء العُمانية تشارك فـي اجتماع منظمة وكالات أنباء آسيا والمحيط الهادئ بروسيا