التجاهل فن لا يتقنه الكثيرون، وليس كل ما يقال أو يحدث يستحق الرد .
نحتاج في الحياة إلى التجاهل لبعض الأحداث والأفعال والمواقف والأشخاص ؛لتستمر الحياة بصورة أفضل. وكما يقال: إذا تعلمت فن التجاهل، فقد اجتزت نصف مشاكل الحياة .
في التجاهل راحة، وقدرة على الاستمرار، والكثير من التفاصيل لا تستحق التوقف عندها، وإضاعة الوقت في التفكير فيها ؛ فالحياة قصيرة، ولا تستحق الخوض في الجدال والصراعات.
ولا ننسى أننا معرضون للاستفزاز في كثير من المواقف؛ ولكن يأتي فن التجاهل، وضبط النفس، كعلاج مثالي لكثير من المواقف الحياتية،
لاسيما أننا في معترك الحياة، نمرّ بأطياف من البشر متعددي الفهم والإدراك والثقافات، وينبغي أن يتم التعامل مع كل فرد، حسب أسلوبه وفكره وثقافته .
ولا يصح أبداً اعتساف الأمور، ومحاولة إقناع كل هؤلاء بفكرة أو معلومه أو رأي ، ومن هنا يأتي التجاهل قيمةً تسمو على كل تلك الآراء المختلفة والمتصادمة .
كما أنه في المقابل توجد حالات اجتماعية ومواقف لابد من معالجتها، ووضع حدود لها ولا ينبغي الاكتفاء بتجاهلها. لأن التجاهل في هذه الحالة قد يزيد من تفاقم الأمور وتخطي الحدود .
ويتوجب علينا معالجة المواقف بحسب الدلالة والتأثير؛ وهنا يأتي دور الحكمة والفهم في الرد والإقناع ومعالجة الموقف .
ولإتقان هذا الفن، لابد أن تكون مدركاً وعلى قدر من الوعي لما تفعله وتعرف أنك تتجاوز كل ذلك وأنت راض عن نفسك، لأن هنالك فرق بين التجاهل والكبت. فالكبت بدون وعي طاقة لاشعورية تختزن في اللاوعي بسبب العجز وعدم القدرة على مواجهة المواقف، ويترك آثاراً نفسيةً سيئةً على صاحبه، ويسبب الكثير من الأمراض النفسية والجسدية، وفي الغالب يصدر من الأشخاص الأضعف جانباً، والذين لديهم هشاشة نفسية منذ الصغر.
أمّا التجاهل، يكون بوعي وإدراك تام وطاقة شعورية واعية، يتم فيها التصالح مع الذات، والتسامي على كل مايؤدي ذواتنا، ونعطي إيحاءً لأنفسنا بأننا أكبر من كل شيء يؤذينا ويعرقل مسيرة حياتنا.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
سنة بلا حصاد
صراحة نيوز- بقلم: جهاد مساعده
في سنةٍ عجفاء، تحوّل الأخضر إلى رماد، والمشروعات المزدهرة إلى أطلال، لأن مقود القيادة أُسلم لمن لم يحمل من الخبرة إلا ما يكفي لإطفاء جذوة النجاح، ومن الرؤية إلا ما يهدم ما بُني بعرق السنين. عامٌ واحد بدّد جهد أعوام، واستبدل الازدهار بالخراب، والعمل بالعبث، والأمل بالخذلان.
اليوم نقف على أعتاب مرحلة جديدة، يتقدمها قائد يدرك معنى العمل ويجيد إدارته، يقرأ الملفات بعين الخبير، ويمسك بخيوطها بيد الحاذق، واضعًا سيادة القانون والحوكمة الرشيدة أساسًا لكل خطوة، حيث لا مكان للخداع، ولا وقت للعبث، ولا مجال إلا للإنجاز الحقيقي.
إن الإدارة إذا خلت من البصيرة وافتقرت إلى الرأي السديد، كانت كالسفينة التي قُطع شراعها، فلا يدفعها ريح، ولا يبلغ بها مجداف، بل تتقاذفها الأمواج حتى تنتهي إلى جرف هارٍ، كحال المُنبتّ الذي لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى.
لقد مضت سنة ظاهرها العمل والحركة، وباطنها العجز والفشل؛ تراكمت فيها العناوين وتزخرفت الصفحات، لكن أثرها في الواقع كان كالسراب، يحسبه الظمآن ماءً، فإذا جاءه لم يجده شيئًا. ومشاريع انهار بنيانها وتداعى أساسها، أُلبست لباس الفخر، وزُفّت إلى الناس كأنها أعاجيب الإنجاز، بينما الصور أمام أطلالها كانت وثائق نجاح مزعوم، والحقيقة تشهد بخلاف ذلك.
كانت سنة برز فيها النفاق بوجهه الكامل؛ مديح يلمّع ما يستحق النقد، وفعل يجمّل ما تهدّم، وحقيقة غابت عن المشهد لتحتل مكانها كلمات منمّقة، وأصبح الولاء للأشخاص أقوى من الالتزام بالمبادئ.
وجاءت الزيارات الميدانية التي عُلّقت عليها الآمال، فإذا بها تتحوّل إلى مشاهد دعائية تُبث على صفحات التواصل، تفيض بالابتسامات العريضة وتخلو من أي حلول حقيقية، وكأن الغاية أن تُلتقط الصورة لا أن يُعالج الخلل.
ومن طرائف هذا النهج الإداري الاستعانة بأهل الجهل في مهمات الرأي؛ لا يفرّقون بين الخطأ والصواب في أبسط الأمور، لكنهم يملكون براعة عجيبة في طمس أسماء أهل الفضل ونَسب الجهد إلى أنفسهم.
لم تكن تلك الإدارة فلتة، بل خطة محكمة لإضاعة الوقت: حركة بلا اتجاه، وكلام بلا طائل، وتقارير تجمّل الخراب وتعرضه بفخر على أنه إنجاز وفتح مبين.
غير أننا اليوم في مرحلة أخرى، طُويت فيها صفحة تلك الإدارة، وجاء من يكشف الزيف ويعيد الأمور إلى نصابها، يمسك بملفات العمل كما يمسك الحاذق بزمام جواده، لا يتركه يضل ولا يتهاون في قيادته. وفي هذه المرحلة، تكون سيادة القانون أساسًا، والحوكمة الرشيدة منهاجًا، فلا يعلو صوت على صوت العدل، ولا تُتخذ خطوة إلا على أرض من الشفافية والمساءلة.