كلما هممتُ بالكتابة عن مصر، استوقفتني غزة!
فإذا كانت مصر تعيش بعض المآسي، فإن غزة تعيش الكثير الكثير منها، وما هو أشد وطأة..
وإذا كان حال مصر يُدمي القلب، فإن أحوال غزة تُدمي الجسد كله، على الحقيقة لا على المجاز..
وإذا كانت مصر وطني، فإن غزة بوابته التاريخية من جهة الشرق، وفيها البقية الباقية من شرف هذه الأمة وأشرافها.
لذا، فإن الحديث عن مصر هو بالضرورة حديث عن غزة.. فلو كانت مصر بخير، لما عاشت غزة كل هذه الأهوال، ولتجرَّع العدو هزيمة السابع من أكتوبر، بعد محاولة يائسة منه للملمة "كبريائه العسكري المسفوح" لا تستغرق شهرا أو شهرين على الأكثر، ولرأينا غزة (اليوم) في حال أفضل مما كانت عليه عشية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
لكنه مكر الليل والنهار الذي مكره العدو الصهيوني وذيولُه من الأعراب المتصهينين الذي استهدف مصر وغزة في آن، يوم الثالث من تموز/ يوليو عام 2013.. يوم الانقلاب المشؤوم على الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، رضوان الله عليه ورحماته وبركاته..
بالمال العربي تصنع أمريكا تلك الأسلحة الفتاكة التي تحصد أهل غزة حصدا، على مدار اليوم.. ولولا الخذلان العربي لأهل غزة ومقاومتها، لما استمر هذا الحصاد الدموي قرابة العامين
أرض الخنساوات!
إنها غزة التي باتت تستحق هذه التسمية عن جدارة.. ولِمَ لا وهي تقدم لنا كل يوم خنساوات جُددا، وليس خنساء واحدة أو خنساوين.. ومن أسف، أن يكون للعرب في هذه التسمية سهمان: المال والخذلان؛ فبالمال العربي تصنع أمريكا تلك الأسلحة الفتاكة التي تحصد أهل غزة حصدا، على مدار اليوم.. ولولا الخذلان العربي لأهل غزة ومقاومتها، لما استمر هذا الحصاد الدموي قرابة العامين..
الخنساء، ذلك اللقب الأشهر عند العرب للمرأة التي تُفجع في ثلة من ذويها.. صاحبته تُمَاضِر بنت عمرو السُّلَميَّة التي خلَّدها التاريخ برثائها لأخويها صخر ومعاوية اللذيْن قُتلا في الجاهلية، وكان صخر أحبهما إليها، فباتت كل امرأة تُفجع في ذويها تُدعى الخنساء.. ثم كان تحريضها لأولادها الأربعة، يوم القادسية، على قتال الفرس، فعادوا إليها جميعا شهداء.. فما بال آلاء النجار، طبيبة الأطفال التي فقدت تسعة من أبنائها دفعة واحدة، وحين قالت لها زميلتها: "الأولاد راحوا يا آلاء".. كان ردها: "بل أحياء عند ربهم يرزقون".. هذه ليست خنساء واحدة، بل خنساوين وزيادة..
لعنة الله على الذكاء الاصطناعي الذي أمسى أداة للتسلية، في يد كل من هب ودب.. فبمجرد انتشار نبأ استشهاد أولاد آلاء التسعة، ظهرت صور لطبيبة بجوار جثامين أطفال مصاحبة للخبر، فاعتقد المتابعون أن هذه الصور لآلاء وأطفالها الشهداء.. ثم تظهر صورة حقيقية لآلاء، فإذا هي سيدة منتقبة!
أليس هذا تزويرا؟ أليس هذا اغتيالا للحقيقة؟ ألا يستطيع هواة التسلية أن يكتبوا أسفل هذا النوع من الصور جملة "صورة تعبيرية تم توليدها بالذكاء الاصطناعي"؛ لينتبه القارئ، فنحفظ للحقيقة قدسيتها، ونحفظ للأشخاص قيمتهم واعتبارهم؟
ربط الله على قلب آلاء، وقلوب أهل غزة التي لم يعد فيها بيت إلا وله شهداء.. بل هناك بيوت بات أهلها قاطبة في عداد الشهداء.
بالمال العربي تصنع أمريكا تلك الأسلحة الفتاكة التي تحصد أهل غزة حصدا، على مدار اليوم.. ولولا الخذلان العربي لأهل غزة ومقاومتها، لما استمر هذا الحصاد الدموي قرابة العامين
عِزْبة الجنرالات!
إنها مصر.. "أرض الكنانة" المحشوة بسهام لا رؤوس لها، أو "المحروسة" وما هي بمحروسة، بل إنها "المنهوبة" نهبا، "المسروقة" علنا، في "عز الضهر".. إنها مصر التي ابتلاها الله ببلاء عظيم، لن يُرفع إلا بتوبة، أو بثورة تحمل الناس على التوبة حملا، وإلا فإن منحنى البلاء سيظل في صعود..
"نجدد دعمنا للشعب السوري، ونؤكد ضرورة أن تكون العملية السياسية في الفترة الانتقالية شاملة وغير إقصائية، مع استمرار مكافحة الإرهاب، ورفض أي مظاهر للطائفية أو التقسيم".
هذا ليس تصريحا لملك النرويج، ولا لرئيس وزراء إسبانيا.. إنه تصريح للجنرال المنقلب ياسر جلال الذي قضى، بكل ما أوتي من بطش، على كل مظاهر السياسة كافة، وأخرس وأقصى كل صاحب رأي، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار!
"هاخد من الفلاح البقرة اللي بتطلع [تنتج] كيلو لحم وسبعة كيلو لبن في اليوم، وهدِّيله [سأعطيه] سلالة بنفس الأكل، بتطلع كيلو ونص كيلو لحم وأربعين كيلو لبن في اليوم".
هذا تصريح آخر للجنرال المنقلب، بعد أن تقمص دور الخبير الزراعي، في احتفال حصاد القمح 2025..
لقد نشأتُ في الريف، ومارستُ بعض أعمال الفلاحة، واعتنيتُ بالمواشي، حتى سن العشرين تقريبا، ولا أجرؤ على الفُتيا في أمور الفلاحة وتربية الماشية؛ لأني كنت أنفذ تعليمات والدي وحسب.. فما بال هذا الجهول الذي لا يعرف الفرق بين القمح والشعير، ولا بين البقرة والجاموسة، ولم يمسك فأسا في حياته؟ من أين له كل هذه الجرأة على الخوض في أمور فنية خالصة، تحتاج إلى خبراء في الثروة الحيوانية؟!
إن هذا المفسد في الأرض يعتقد (فعلا) أن الله تعالى فهَّمَه كما فهَّم سليمان (عليه السلام)، وأن أي خاطرة تمر برأسه هي وحي من الله! أيُّ غضب هذا الذي حل بمصر والمصريين؟ وأيُّ عجز هذا الذي أصاب الشعب، فمنعه من الانتفاضة في وجه هذا المخرِّب المغرور؟
تصريح ثالث للجنرال المنقلب الذي هوى بمصر والمصريين إلى أسفل سافلين.. السيسي لرجال الأعمال الأمريكيين: "عندنا عِمالة تكلفتها ما تتقارنش [لا تُقارن] بأي مكان تاني".. الترجمة: "المصريين رُخاص أوي أوي.. صحيح بتكلم جد"..
وهذا صحيح بالنسبة للحكومة التي لا تنفق على التعليم، ولا تنفق على التدريب والتأهيل، ولا تنفق على الصحة، وبالتالي فإن الأيدي العاملة لا تكلف الحكومة شيئا تقريبا.. ومن ثم، فالشخص العامل في نظرها "رخيص أوي".. أما الحقيقة فتقول: إن هذا الشخص أنفق عليه أهله "دم قلبهم" بالتعبير العامي، أي كلفهم الكثير الكثير، حتى أصبح مؤهلا للعمل.. إلى هذا الحد لا يرى ياسر جلال ولا يشعر ولا يعنيه معاناة المصريين في تعليم أبنائهم!
"مصر تعلن إلغاء شرط شهادة الحلال على واردات الألبان ومشتقاتها بشكل دائم".
جاء هذا التصريح على لسان الدكتور مصطفى مدبولي كبير سكرتارية الجنرال المنقلب الذي هو لسان الجنرال المنقلب برضو، لكن عند اللزوم! الترجمة: "حلال إيه وحرام إيه يا مصريين؟ بطَّلوا تَخَلُّف، واطفحوا وانتو ساكتين"!
تصور (يا مؤمن) بلد مسلم بحجم مصر، بلد المئة وعشرة ملايين مسلم، بلد الأزهر، والمليون مئذنة، يقوم بإلغاء "شهادة الحلال" على واردات الألبان! من كان يتخيل أن يحدث هذا في مصر؟ أن يأكل المسلمون طعاما حراما بتصريح أو بتسهيل من الحكومة؟ أليست هذه حرب على الإسلام؟ أليس هذا تحريضا على إتيان الحرام، في أمور أخرى؟
إذا كانت تلاتين يونيو التي انقلبتْ على أول تجربة ديمقراطية في تاريخ مصر (منذ كان لها تاريخ) هي "جينات الحضارة"، فما هي إذن "جينات الحنين للعبودية والاستبداد"؟
وأختم بهذا التصريح للدكتور حسام بدراوي، آخر أمين عام للحزب الوطني، الذي لا أعتبره "منحلا"، كون ذوي المنتسبين إليه تاريخيا هم الذين يشكلون الأغلبية الساحقة "المختارة أمنيا" فيما يسمونه البرلمان الذي اعتمد عليه ياسر جلال في تمرير كل القوانين سيئة السمعة، خلال السنوات الماضية!
يقول بدراوي في حوار متلفز: "كنت مستعد أنتظر حكم مرسي أربع سنوات، لكن السنة اللي حكم فيها الإخوان غير مسبوقة في التاريخ، مرسي أخْوِن البلد من فوقها لتحتها، وكان عايز يدي [يعطي] سيناء لحماس اللي عملت فوضى في التحرير يوم معركة الجمل، فمكنتش أقدر أنتظر وهُمّا بيبيعوا البلد، ويعملوا فُرقة بين الشعب، وتلاتين يونيو هي جينات الحضارة في الشعب"..
تصريح من بضع وخمسين كلمة، ليس فيه معلومة واحدة صحيحة! هل تصدق (عزيزي القارئ) أن هناك من يعتبر هذا الكذوب "مفكرا سياسيا"؟!
فلو كان "مرسي أخْوِن البلد من فوقها لتحتها"، هل كان لهذا الانقلاب أن ينجح!
أما الفُرقة، فاسأل عنها عبيد السلطة، أصحاب أغنية "إحنا شعب وهُمَّا شعب.. لينا رب وليكو رب" التي باتت عنوان "التكفير" والانهيار المجتمعي في الألفية الثالثة!
وأما بيع البلد، فالوقائع القريبة تثبت أن الجنرال المنقلب هو الذي باع مصر (جُملة ومفرَّق).. باع نيلها، وجُزرها، وغازها، وقناتها، وشواطئها، وموانئها، وليس مرسي ولا الإخوان..
وعن موقعة الجمل، فخبرها اليقين عند مرتضى منصور "مورتا"، أحد مدبريها، إنقاذا لمبارك من الغرق!
وإذا كانت تلاتين يونيو التي انقلبتْ على أول تجربة ديمقراطية في تاريخ مصر (منذ كان لها تاريخ) هي "جينات الحضارة"، فما هي إذن "جينات الحنين للعبودية والاستبداد"؟
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء مصر غزة مصر غزة ماسي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أهل غزة التی ت
إقرأ أيضاً:
قصة الحاج القذافي الذي عادت الطائرة مرتين لتقلّه إلى السعودية – فيديو
في حادثة أثارت تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، تداول ناشطون قصة شاب ليبي يُدعى عامر المنصور القذافي، وُصفت بأنها “أقرب إلى الخيال”، بعدما عادت طائرة كانت متجهة إلى مكة المكرمة مرتين إلى المطار، قبل أن يتمكن من اللحاق بها.
القصة بدأت عندما وصل عامر، القادم من جنوب ليبيا، إلى المطار ضمن آخر دفعة من الحجاج. وأثناء إجراءات الصعود، أبلغ بوجود “مشكلة أمنية” في جواز سفره تتعلق باسمه، ما منعه من ركوب الطائرة. وعلى الرغم من مناشداته بانتظاره حتى تُحل المشكلة، أقلعت الطائرة من دونه.
وبعد وقت قصير من إقلاعها، عادت الطائرة إلى المطار إثر عطل فني في نظام التكييف. عندها تجدد الأمل، وطلب البعض من قائد الطائرة السماح لعامر بالصعود، إلا أن الطيار رفض لأسباب لوجستية، بسبب بقاء المحرك في وضع التشغيل. وغادرت الطائرة مجددًا.
رغم ذلك، أصر عامر على البقاء في المطار، متمسكا بأمل اللحاق بالرحلة ذاتها، رغم تأكيد الموظفين له أنه “لا نصيب له فيها”.
لكن المفاجأة الكبرى وقعت عندما اضطرت الطائرة إلى العودة مرة ثالثة بسبب عطل فني آخر. هذه المرة، قرر الطيار السماح لعامر بالصعود، وقال بحسب ما نُقل: “والله لن أطير حتى يركب عامر”.
ووثق الركاب لحظة صعود عامر إلى الطائرة وسط تصفيق وتفاعل كبير، وانتشرت صوره ومقاطع الفيديو لاحقًا وهو يحتفل بوصوله إلى الأراضي السعودية، مؤكدًا استكماله لإجراءات الحج.
قصة غريبة وعجيبة!
حاج ليبي يُدعى عامر تم استبعاده من رحلة الحج بسبب نقص في أوراقه، لكنه رفض مغادرة المطار، وبدت عليه ثقة غريبة بأن الأمور ستتيسر.
بعد إقلاع الطائرة، عاد الكابتن للمطار بسبب خلل فني، لكن عامر لم يتمكن من الصعود!
أقلعت مجددًا، ثم عادت مرة أخرى لخلل آخر!
هذه… pic.twitter.com/BYHDLO1gSN
— حمد الخضيري (@hamad_alkhudiri) May 25, 2025
الشرق القطرية
إنضم لقناة النيلين على واتساب