كيف عاش الغزيون العزلة الرقمية المفتعلة وسط النار؟
تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT
غزة- بينما كانت الغارات الإسرائيلية تنهال على غزة، والمجاعة تفتك بمن تبقى من الأحياء فيها، انقطع آخر خيط يربط الغزيين بالعالم الخارجي لعدة أيام، حيث عاشوا في عزلة رقمية خانقة، كانت أشبه بـ"هندسة صمت" ممنهجة، تعمّدت إسرائيل فيها إغلاق نوافذ الرواية الفلسطينية وخنق الصوت الأخير، لتصبح الإبادة بعيدة عن أعين الشهود.
استمر انقطاع الإنترنت في شمال قطاع غزة 4 أيام متواصلة، وفي جنوبه يومين، نتيجة قصف الاحتلال للخطوط الرئيسية المغذية لمقاسم الاتصالات المركزية في شطري القطاع.
وانفصل حوالي مليوني فلسطيني بشكل كامل عن العالم الخارجي، الأمر الذي راق للاحتلال حيث منع وصول طواقم الصيانة للمناطق المتضررة، ولم يُسمح بإصلاح الأعطال إلا بعد عدة أيام، عقب حصول الفنيين على تصريح للصيانة.
وبينما أُعيد الاتصال تدريجيا مساء أمس، لم تنقطع مخاوف السكان من تكرار التجربة، لا سيما أنها أتت في لحظة حرجة من المجازر والقصف واستمرار المجاعة وقتل المجوّعين.
لم يستسلم الصحفيون لإرادة الاحتلال، وشقوا كل الطرق التي تدفعهم للاستمرار في التغطية، فلم يجدوا سبيلا إليها سوى استخدام الشرائح الإلكترونية الإسرائيلية، ولاحقوا إشارة وصل الإنترنت في هواتفهم من خلالها، سواء إلى المناطق الشرقية الخطرة أو إلى ميناء غزة غربا، أو بصعودهم على بنايات سكنية مرتفعة لالتقاط إشارة هزيلة تمكنهم من إرسال موادهم المصورة أو الخروج من خلال البث المباشر.
إعلانأمام ميناء غزة، حيث تتربص البوارج بحرا والطائرات المسيّرة جوا، يقف الصحفي خميس الريفي ومعه مجموعة من الصحفيين، حاملا هاتفه في محاولة لالتقاط إشارة قوية للإنترنت تمكنه من رفع المادة الإعلامية التي توثق مجزرة استهداف الاحتلال لمنتظري المساعدات.
ويقول الريفي للجزيرة نت: "نعاني في رفع موادنا المصورة ونشر الأخبار، وفي معرفة التحديثات الميدانية ومواقع الاستهدافات الإسرائيلية ومعرفة عدد الشهداء، حتى إن الفيديو الذي لا يتجاوز دقيقتين قد يستغرق 4 ساعات لرفعه".
ويضيف خميس بصوت مثقل: "لم يبق مكان إلا وشهد على معاناة الصحفي الفلسطيني من إقامتهم في الخيام، والمشافي وأطراف شاطئ مليء بالحجارة، ومع ذلك نحن مستمرون، هذا كفاح يومي، وندفع ثمنه غاليا".
توقف الخدماتويضيف خميس الريفي أنهم كانوا يسمعون الانفجارات ولا يعرفون موقعها، في حين كانوا في السابق يساعدون في توجيه المسعفين وفرق الدفاع المدني إليها.
ولعدة أيام كان الغزيون يسمعون أصوات الانفجارات دون معرفة أماكن وقوعها، ويقول المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل إن انقطاع الاتصالات أصابهم بالشلل: "كنا نعتمد بشكل كبير على الاتصالات اللاسلكية والأرضية لتلقي مناشدات المواطنين، والتوجه إلى أماكن الاستهداف، ومع توقف هذه الوسائل لم يعد بإمكان الناس التبليغ عنها، فلم يجد المواطنون من يقدم لهم الخدمة".
ويتابع المتحدث باسم الدفاع "حتى الصحفيون الذين كانوا يحددون لنا عبر مجموعاتهم وتحديثاتهم مواقع القصف، فقد منعهم انقطاع الإنترنت من معرفتها".
ولفت المتحدث ذاته إلى أن فرق الدفاع المدني اعتمدت خلال تلك المدة على أصوات الانفجارات لتحديد مكانها أو البلاغات الشفهية من أهالٍ يطلبون النجدة.
ولم يقتصر الأمر على توقف الاستجابة لمناشدات العائلات المستهدفة، بل تعدّاه إلى صعوبة الوصول إلى الحالات المرضية وحل المشاكل العائلية.
"قطعوا الاتصال والإنترنت حتى لا تخرج الصورة إلى العالم".. صحفي غزي يتحدث عن استمرار مجازر الاحتلال بحق المواطنين أثناء محاولاتهم الحصول على المساعدات وسط استمرار الحرب والمجاعة#فيديو #حرب_غزة pic.twitter.com/rtBEiCowbj
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) June 14, 2025
إعلانعزل عن العالم
وأشار المتحدث إلى أن استهداف البنية التحتية لم يكن عشوائيا، بل تعمد الاحتلال قطع التواصل عن غزة بشكل كامل، موضحا "منذ بداية الحرب، تحاول إسرائيل قطعنا عن العالم، وتتعمد تدمير البنى التحتية التي تؤثر على تواصلنا الداخلي والخارجي، حتى يعم الصمت وتُعزل غزة عن العالم".
وفي ظل هذه العتمة الإعلامية، تتجسد مأساة الأسر التي تدير أمورها عبر التكنولوجيا الحديثة، إذ يعتمد عدد كبير من الغزيين على التطبيقات البنكية لتحويل الأموال والشراء، في ظل عدم توفر السيولة المالية مثلا.
ويقول محمد علي للجزيرة نت، وهو رب لأسرة مكونة من 5 أفراد، "راتبي يصلني عبر البنك ولا أستطيع سحبه، فكنت أعتمد على التطبيق البنكي في شراء احتياجات عائلتي، لكن انقطاع الإنترنت جعلني عاجزا، حتى الحليب لأولادي لم أستطع شراءه".
أما على صعيد العمل عن بعد، فقد واجه تيم صيام، وهو مدير شركة تقدم خدمات إلكترونية عن بُعد، تحديات غير مسبوقة.
ويروي تيم للجزيرة نت تفاصيل معاناته: "كان لدينا عملاء من الخليج، معتادون على التواصل اليومي وتنفيذ الطلبات فورا، لكن الانقطاع خلق فجوة كبيرة، وخسرنا عددا من العملاء بسبب عدم القدرة على الرد أو التنفيذ المباشر".
ويضيف: "العملاء لا يلتفتون للظروف الصعبة التي نمر بها، فهم يتواصلون مع شركة وليس أفرادا، وهذا خلق مشكلة ثقة كبيرة".
شركة الاتصالات الفلسطينية: استعادة خدمات الإنترنت والاتصالات الأرضية في وسط وجنوب قطاع #غزة بعد جهود كبيرة رغم صعوبة الأوضاع الميدانية#الجزيرة pic.twitter.com/Jgxjv6pFbN
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) June 14, 2025
حصار مفتعللم تنته معاناة العاملين عن بعد بتوفير الشرائح الإلكترونية للموظفين، يقول تيم: "كنا نضطر للسير مسافات طويلة بسبب انعدام وسائل النقل، نخاطر ونصعد عمارات عالية لنلتقط إشارة هزيلة بجوار النوافذ، المهمة التي تستغرق دقائق تتحول لساعات".
إعلانحصار تقني تكرر للمرة التاسعة على التوالي منذ بدء الحرب على غزة، يرى المكتب الإعلامي الحكومي أنه مفتعل وممنهج من أجل تعتيم الحقيقة وتعميق الكارثة الإنسانية في القطاع، عبر عزل أكثر من 2.4 مليون فلسطيني عن العالم الخارجي وحرمانهم من أبسط حقوقهم في الحياة والاتصال وطلب النجدة، بالإضافة إلى عرقلة عمل الطواقم الطبية والإغاثية.
ووصف المكتب الإعلامي عبر بيان أصدره اليوم الأحد بأن الانقطاع المتكرر لا يمكن اعتباره خللا فنيا عرضيا، داعيا المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للاتصالات، للضغط على الاحتلال والتدخل للحيلولة دون تكراره. واعتبر أن الأمر يضاعف من احتمالية موت الأبرياء في غزة الذين لا ذنب لهم إلا البقاء فيها.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
جيش الاحتلال: نتوقع أيام صعبة جراء المزيد من الهجمات الصاروخية الإيرانية
ذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد أنه من المتوقع وقوع المزيد من الهجمات الصاروخية الباليستية الإيرانية على إسرائيل في الأيام المقبلة.
ونقلت صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن المتحدث باسم الجيش إيفي ديفرين قوله خلال مؤتمر صحفي: «أيام صعبةٌ قادمة. سيكون هناك المزيد من عمليات الإطلاق والضربات في الأيام المقبلة».
وأضاف أن سلاح الجو الإسرائيلي لا يتوقف عن الضربات لحظةً واحدة، حتى في هذه الساعة، نضرب عشرات الأهداف في طهران. ونُعمق الضرر الذي يلحق ببرنامج طهران النووي وقدراتها العسكرية.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي، ذكر صباح اليوم الأحد أن نحو 50 طائرة مقاتلة حلقت في سماء طهران طوال ليلة السبت، مستهدفةً منشآتٍ مرتبطةً بالبرنامج النووي الإيراني.
وأضاف جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن الطائرات استهدفت 80 موقعا استراتيجيا مختلفا في أنحاء طهران، بما في ذلك مقر وزارة الدفاع الإيرانية، والمشروع النووي الإيراني، وأهدافًا أخرى.
اقرأ أيضاًعاجل.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يطالب الإيرانيين بإخلاء المفاعلات النووية فورًا
جيش الاحتلال: استهداف مقر "منظمة الابتكار والبحوث الدفاعية الإيرانية" في طهران