ما المقصود بقوله تعالى: وإن تصبهم سيئة.. ما معنى سيئة هنا؟
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
قوله تعالى :«وإن تصبهم سيئة»، فما معنى سيئه هنا ؟ سؤال يكثر البحث عنه، حيث ورد في شأن تفسيرها العديد من الأقوال يقول الله تعالى: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)».
وجاء في بيانها قول الإمام القرطبي، إن هناك أربع مسائل في قوله تعالى :«وإن تصبهم سيئة»:
الأولى : قوله تعالى : أينما تكونوا يدرككم الموت شرط ومجازاة ، و " ما " زائدة وهذا الخطاب عام وإن كان المراد المنافقين أو ضعفة المؤمنين الذين قالوا : لولا أخرتنا إلى أجل قريب أي إلى أن نموت بآجالنا ، وهو أشبه المنافقين كما ذكرنا ، لقولهم لما أصيب أهل أحد ، قالوا : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فرد الله عليهم أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه . وواحد البروج برج ، وهو البناء المرتفع والقصر العظيم . قال طرفة يصف ناقة :
كأنها برج رومي تكففها بان بشيد وآجر وأحجار وقرأ طلحة بن سليمان " يدرككم " برفع الكاف على إضمار الفاء ، وهو قليل لم يأت إلا في الشعر نحو قوله: من يفعل الحسنات الله يشكرها أراد فالله يشكرها.
واختلف العلماء وأهل التأويل في المراد بهذه البروج ، فقال الأكثر وهو الأصح . إنه أراد البروج في الحصون التي في الأرض المبنية ، لأنها غاية البشر في التحصن والمنعة ، فمثل الله لهم بها. وقال قتادة : في قصور محصنة . وقاله ابن جريج والجمهور ، ومنه قول عامر بن الطفيل للنبي صلى الله عليه وسلم : هل لك في حصن حصين ومنعة ؟ وقال مجاهد : البروج القصور . ابن عباس : البروج الحصون والآطام والقلاع . ومعنى مشيدة مطولة ، قاله الزجاج والقتبي. عكرمة : المزينة بالشيد وهو الجص . قال قتادة : محصنة . والمشيد والمشيد سواء ، ومنه وقصر مشيد والتشديد للتكثير . وقيل المشيد المطول ، والمشيد المطلي بالشيد. يقال : شاد البنيان وأشاد بذكره .
وقال السدي : المراد بالبروج بروج في السماء الدنيا مبنية . وحكى هذا القول مكي عن مالك وأنه قال ألا ترى إلى قوله تعالى : والسماء ذات البروج و جعل في السماء بروجا ولقد جعلنا في السماء بروجا . وحكاه ابن العربي أيضا عن ابن القاسم عن مالك . وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال : في بروج مشيدة معناه في قصور من حديد . قال ابن عطية : وهذا لا يعطيه ظاهر اللفظ .
الثانية : هذه الآية ترد على القدرية في الآجال، لقوله تعالى : أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة فعرفهم بذلك أن الآجال متى انقضت فلا بد من مفارقة الروح الجسد ، كان ذلك بقتل أو موت أو غير ذلك مما أجرى الله العادة بزهوقها به . وقالت المعتزلة : إن المقتول لو لم يقتله القاتل لعاش . وقد تقدم الرد عليهم في " آل عمران " ويأتي فوافقوا بقولهم هذا الكفار والمنافقين .
الثالثة : اتخاذ البلاد وبناؤها ليمتنع بها في حفظ الأموال والنفوس ، وهي سنة الله في عباده . وفي ذلك أدل دليل على رد قول من يقول : التوكل ترك الأسباب ، فإن اتخاذ البلاد من أكبر الأسباب وأعظمها وقد أمرنا بها ، واتخذها الأنبياء وحفروا حولها الخنادق عدة وزيادة في التمنع . وقد قيل للأحنف : ما حكمة السور ؟ فقال : ليردع السفيه حتى يأتي الحكيم فيحميه .
الرابعة : وإذا تنزلنا على قول مالك والسدي في أنها بروج السماء ، فبروج الفلك اثنا عشر برجا مشيدة من الرفع ، وهي الكواكب العظام . وقيل للكواكب بروج لظهورها ، من برج يبرج إذا ظهر وارتفع ؛ ومنه قوله : ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وخلقها الله تعالى منازل للشمس والقمر وقدره فيها ، ورتب الأزمنة عليها ، وجعلها جنوبية وشمالية دليلا على المصالح وعلما على القبلة ، وطريقا إلى تحصيل آناء الليل وآناء النهار لمعرفة أوقات التهجد وغير ذلك من أحوال المعاش .
وأم قوله تعالى: وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله أي إن يصب المنافقين خصب قالوا : هذا من عند الله . وإن تصبهم سيئة أي جدب ومحل قالوا : هذا من عندك، أي أصابنا ذلك بشؤمك وشؤم أصحابك . وقيل : الحسنة : السلامة والأمن، والسيئة: الأمراض والخوف. وقيل : الحسنة: الغنى ، والسيئة: الفقر. وقيل : الحسنة : النعمة والفتح والغنيمة يوم بدر، والسيئة : البلية والشدة والقتل يوم أحد . وقيل : الحسنة: السراء ، والسيئة: الضراء. هذه أقوال المفسرين وعلماء التأويل - ابن عباس وغيره - في الآية . وأنها نزلت في اليهود والمنافقين ، وذلك أنها لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عليهم قالوا : ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه . قال ابن عباس : ومعنى من عندك أي بسوء تدبيرك . وقيل : من عندك بشؤمك ، كما ذكرنا، أي بشؤمك الذي لحقنا ، قالوه على جهة التطير . قال الله تعالى قل كل من عند الله أي الشدة والرخاء والظفر والهزيمة من عند الله ، أي بقضاء الله وقدره . فمال هؤلاء القوم يعني المنافقين لا يكادون يفقهون حديثا أي ما شأنهم لا يفقهون أن كلا من عند الله .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: السيئات الحسنات من عند الله قوله تعالى ابن عباس
إقرأ أيضاً:
خلال ملتقى المرأة.. الجامع الأزهر يضع روشتة علاجية لجهاد النفس بعد الحج
قالت الدكتورة منال مصباح، أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الأزهر، إن الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فمن أنعم الله عليه بهذه الفريضة فقد استكمل أركان الإسلام، ومن وفقه الله لأداء هذه الفريضة فقد أتى من العمل أفضله، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".
وتابعت أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الأزهر، خلال اللقاء الأسبوعي من البرامج الموجهة للمرأة بالجامع الأزهر: فحري لمن وُفق إلى هذه الشعيرة أن يضطلع بآثارها الروحية وفيوضاتها الإيمانية، وحتى يكون للحج أثره في نفس صاحبه وسلوكه وإيمانه بعد الرجوع إلى بلده ،فعليه بمجموعة من الآداب، منها: شكر الله على توفيقه على أداء هذه الشعيرة، والمحافظة على نقاء صحيفته، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، فمن رجع من الحج فليحافظ على ما عاهد الله عليه عند استلام الحجر، وليعلم المرء أن أعدى أعداء المرء نفسه التي بين جنبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب"، فجهاد النفس من أفضل أنواع الجهاد، والمسلم وهو يجاهد نفسه لابد له من عُدَّة يتسلح بها، وأقوى الأسلحة التي يستخدمها المسلم في مجاهدة نفسه، سلاح الصبر؛ فمن صبر على جهاد نفسه وهواه وشيطانه غلبهم وكُتب له النصر والغلبة، وملك نفسه فصار ملكًا عزيزاً، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذيِنَ جَاهَدُوا فينَا لَنَهْدينَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنِّ اللهَ لَمَعَ المُحْسنينَ﴾، وليعلم العبد أن الجنة حُفت بالمكاره وأن النار حُفت بالشهوات.
كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق اللهُ الجنةَ ؛ قال : يا جبريلُ ! اذهبْ فانظر إليها، فذهب فنظر إليها وإلى ما أعدَّ اللهُ لأهلها فيها، ثم جاء فقال : أي ربِّ ! وعزتِك لا يسمع بها أحدٌ إلا دخلها، ثم حفَّها بالمكاره، ثم قال : يا جبريلُ ! اذهبْ فانظرْ إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال : أي ربِّ ! وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحدٌ، قال : فلما خلق اللهُ النارَ ؛ قال : يا جبريلُ ! اذهب إليها، قال : فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال : أي ربِّ ! وعزتِك لا يسمع بها أحدٌ فيدخلها، فحفَّها بالشهوات، ثم قال : يا جبريلُ ! اذهب فانظرْ إليها، فذهب فنظر إليها، فقال : أي ربِّ ! وعزتِك لقد خشيتُ أن لا يبقى أحدٌ إلا دخلها"، فمَن أرادَ دخول الجنة عليه أن يَجتازَ تلكَ المكارِهَ بالامتِثالِ لتلكَ الأوامرِ والنواهي.
وتابعت: مما يعين على تهذيب النفس ومجاهدتها سوء الظن بها، فإن الإنسان إذا ما عرف حقيقة نفسه لم يركن إليها، ولم ينقد لها، بل أساء بها الظن: قال تعالى : ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾، وقد كان من وصايا الصديق رَضي الله عنه للفاروق حين استخلفه: إن أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك، وكان ابن القيم رحمه الله يقول: لا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها، ومن أحسن الظن بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه، كما أن من أعظم أسباب الإعانة على المجاهدة: الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، والاستعانة بالصلاة.
من جانبها ذكرت الدكتورة غادة البغدادي، أن هناك طرق كثيرة لمجاهدة النفس، منها معرفة الله عز وجل ومعرفة صفاته وأسمائه، مما يترتب عليه محبته - عز وجل - وتقديره حق قدره وهذا ييسر طاعته تبارك وتعالى- ويحفز على السعي لعمل كل ما يرضي الله وتجنب ما يسخطه، واستشعار نعمة الإسلام، والاستعانة بالله عز وجل، فنحن بشرٌ ضعاف لا حول لنا ولا قوة إلا أن يعيننا الله عز وجل، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم" رواه مسلم في صحيحه، ولقد طلب سيدنا يوسف العون من الله وهو نبي ابن نبي، قال الله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ﴾
وأشارت مدرس الفقه بجامعة الأزهر الشريف، إلى أن معرفة ما عند الله من ثواب يكون له كبير الأثر في تيسير الطاعات وتجنب المحرمات، فتهون المشقة حين نعلم أن الله تعالى أعد لعباده المؤمنين من النعيم المقيم الأبدي في دار كرامته، ما لم ترعين قط مثله، ولم تسمع أذن بوصفه، ولم يخطر على القلب تصوره، وأنه لا يعلم عظمته إلا الله تعالى، ففي الحديث القدسي : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. رواه البخاري ومسلم.
من جهتها بينت الدكتورة حياة العيسوي، أن من أهم طرق جهاد النفس، الاستقامة فيجب على العبد أن يستقيم على طاعة الله وألا ينقطع عنها فيعتصم بالسير على الطريق ولا يحيد عنه، قال تعالى: " إِنَّ الَّذين قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تتَنَزلُ عَلَيهِمُ المَلاَئِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا وَلاَتَحزَنُوا"، كما أن المداومة على الطاعة من علامات قبولها، فيجب مواصلة الطاعات حتى يشعر المرءبلذة العبادة، فلقد حذرنا الله تعالى أن نكون مثل الذي أذاقة الله حلاوة الإيمان وآتاه أياته، ثم انقلب على عقبيه واشترى الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، وانسلخ من آيات الله كما تنسلخ الحية من جلدها: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ﴾.
كما حذَّرنا ربنا سبحانه، أن نكون مثل التي كانت تغزل طول يومها غزلاً قويًا محكما ثم آخر النهار تنقضه أنكاثا وتفسده بعد إحكامه، فقال تعالى: ﴿ وَلاتَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً﴾، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الطاعة بعد التعود عليها فقال لعبد الله بن عمرو: "يا عبْد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل"، وسئلت عائشة رضي الله عنها عن عمله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان عمله ديمة"، وقد قال أهل العلم إن من أعظم علامات الرد وعدم القبول، عودة المرء إلى قبيح الأعمال بمجرد انتهاء زمان الطاعة.