بيروت- من الصعب فهم حزب الله اليوم باعتباره قوة سياسية وعسكرية تتجاوز حدود لبنان من دون العودة إلى جذوره التي سبقت ظهوره الميداني الأول عام 1982.

فقد نشأ الحزب في بيئة شيعية متشكلة من حركة الإمام موسى الصدر، والجمعيات واللجان الإسلامية، إضافة إلى دور علماء دين عادوا من النجف في السبعينيات والثمانينيات، ليؤسسوا قاعدة فكرية ودينية أطلقت لاحقا مسيرة حزب الله.

من هذه الأرضية، خرج الحزب ليجمع بين البعد العقائدي والمقاومة العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يترسخ في السياسة اللبنانية لاعبا رئيسيا يصعب تجاوزه.

نستعرض في هذا التقرير رحلة الحزب من النشأة إلى الانخراط في المعترك السياسي والعسكري مرورا بمحطاته المفصلية مع إسرائيل، وصولا إلى ترسانته العسكرية المتطورة ودوره الإقليمي، ومشاركته في معركة طوفان الأقصى إسنادا للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

إسرائيل تنصلت من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير/شباط الماضي كما نص عليه الاتفاق (الفرنسية)البدايات والبيئة الشيعية

قبل عام 1982، كان حضور الشيعة في لبنان يتوزع بين العائلات التقليدية المتحالفة مع القوى السياسية، والشباب المنخرط في التيارات القومية واليسارية، وبين نشاطات دينية بقيت محدودة حتى وصول الإمام موسى الصدر.

فقد أسس الصدر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وأطلق حركة "أمل"، فاتحا الباب أمام مشاركة الشيعة في المعادلة الوطنية.

في موازاة ذلك، ساهمت عودة علماء من النجف، أبرزهم تلامذة المرجعيات الشيعية الكبرى الإمام محسن الحكيم والإمام الخوئي والإمام محمد باقر الصدر في ترسيخ حراك فكري وديني أعاد صياغة وعي شيعي جديد كان نواته لاحقا حزب الله.

التأسيس والتحول لتنظيم

قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس حزب الله عام 1985 في مؤتمر صحفي عقده الناطق باسم الحزب إبراهيم أمين السيد، مرت البيئة الشيعية بمرحلة تمهيدية خلال الفترة من عام 1979 حتى 1982 من خلال اللجان الإسلامية المساندة للثورة الإيرانية، التي قامت بأنشطة ثقافية وفكرية وسياسية.

إعلان

وشاركت هذه اللجان في صراع مع حزب البعث بعد مقتل محمد باقر الصدر في العراق، كما كان لها أبعاد عسكرية وأمنية، وارتبطت مع التنظيمات الفلسطينية وحركة فتح.

شكّل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 لحظة مفصلية، إذ خرجت اللجان الإسلامية الموالية للثورة الإيرانية من العمل الدعوي والثقافي إلى إطار عسكري منظم حمل اسم "حزب الله"، ومع دعم إيراني مباشر وممر سوري للسلاح، تحول الحزب بسرعة إلى قوة مقاتلة في الجنوب اللبناني، متصدّرة مشهد المقاومة ضد إسرائيل.

مشاركة نيابية سابقة لحزب الله في البرمان اللبناني (الجزيرة-أرشيف)الدور السياسي

يشكل حزب الله ركيزة ثابتة في المشهد السياسي اللبناني منذ عام 1992، حين انتُخب 8 من أعضائه لأول مرة في البرلمان.

وتوسع حضوره مع مشاركته في الحكومات بدءا من 2005 لتشمل تولي مناصب وزارية، عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، في خطوة اعتبرت دمجا أوسع للحزب في السياسة الرسمية.

وفي عام 2009، أعلن الحزب برنامجا انتخابيا جديدا دعا فيه إلى تحقيق "ديمقراطية حقيقية"، مؤكدا بذلك انخراطه الكامل في المؤسسات الرسمية.

وفي الانتخابات الوطنية الأخيرة عام 2022، نجح حزب الله في الحفاظ على كامل مقاعده الـ13 في البرلمان المكوَّن من 128 عضوا، رغم خسارة تحالفه الأغلبية البرلمانية، مما يعكس قوة تأثيره المستمر في الحياة السياسية اللبنانية.

صواريخ كاتيوشا في عرض عسكري سابق لحزب الله اللبناني (الصحافة اللبنانية-أرشيف)الدور العسكري

نشأ حزب الله في بيئة مسلحة، وكانت أسلحته في بداياته محدودة، تتكون أساسا من بنادق وعبوات ناسفة بعضها حصل عليه من منظمات فلسطينية، ثم من إيران.

ومع مرور الوقت لعبت سوريا دور الممر اللوجستي لتزويد الحزب بالأسلحة، إلى أن شهد عام 2006 قفزة نوعية عبر تزويده بصواريخ كورنيت، لتبدأ مرحلة جديدة من تطور التسليح والتدريب.

ومع توسيع نشاط الحزب، شملت برامجه العسكرية تطوير التصنيع المحلي للصواريخ والطائرات المسيرة، اعتمادا على خبرات إيران، وبات الجنوب اللبناني محطا لإستراتيجية الدفاع والصواريخ.

وخلال حرب عام 2006 مع إسرائيل، اعتمد الحزب على صواريخ كورنيت بالإضافة إلى صواريخ بر-بحر، لتقوية تحصيناته ومواقعه.

طائرة مسيرة هجومية تابعة لحزب الله (غيتي)

وفي عام 2021، أعلن الأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله أن قوة الحزب العسكرية تضم نحو 100 ألف مقاتل مدرّب ومسلّح، مما يعكس حجم التطور الذي حققته قدراته منذ التسلح التقليدي وحتى الأسلحة الدقيقة.

وصقلت المعارك التي خاضها الحزب مهارات مقاتليه في مواجهة المجموعات المسلحة والتحكم في معارك المدن، مما أكسب الحزب خبرة قتالية عالية.

ومع ذلك، ورغم الظروف الإقليمية والتحولات العسكرية لا تزال قوته معتبرة، مع غياب المعلومات الدقيقة عن ترسانته الحالية، ويتركز دور الحزب العسكري في المقاومة والدفاع عن لبنان.


الترسانة العسكرية

يمتلك منظومات صواريخ متنوعة، بدءا من الكاتيوشا قصيرة المدى (4 كيلومترات) إلى كاتيوشا متوسطة المدى (80-100 كيلومتر)، وقد تصل بعض الصواريخ إلى مئات الكيلومترات.

الصواريخ الموجهة: في أغسطس/آب 2023، كشف حزب الله عن منصة مزدوجة للصواريخ الموجهة باسم "ثأر الله"، دخلت الخدمة لأول مرة عام 2015، وتتألف المنظومة من منصتي إطلاق مخصصتين لصواريخ "الكورنيت"، وتتمتع بقدرة عالية على إصابة الأهداف بدقة وتدميرها. الصواريخ غير الموجهة: شكلت صواريخ أرض-أرض غير الموجهة العمود الفقري لترسانة حزب الله خلال حرب 2006، وتطورت تدريجيا منذ ذلك الحين، وشملت صواريخ غراد. صواريخ مضادة للطائرات: ظهرت صواريخ حزب الله المضادة للطائرات لأول مرة عام 2019، خلال تهديده للمسيرات الإسرائيلية، عبر شريط مصور أظهر سلاح أرض-جو محمولا على الكتف. صواريخ مضادة للسفن: يمتلك حزب الله صواريخ مضادة للسفن استخدمها عام 2016 لاستهداف بارجة إسرائيلية قبالة السواحل اللبنانية. صواريخ مضادة للدبابات: خلال حرب 2006، دمّرت صواريخ حزب الله المضادة للدبابات نحو 20% من الدبابات الإسرائيلية، أي ما يعادل حوالي 50 دبابة خلال نحو 5 أسابيع. طائرات مسيرة: حزب الله يمتلك طائرات مسيرة متنوعة، بين تجسسية وهجومية محملة بذخائر، وقد استخدمها أكثر من مرة ردا على عمليات إسرائيلية.
القدرات الخاصة

قوة الرضوان: يمثل هذا التشكيل العسكري وحدة النخبة في حزب الله، ويعمل تحت القيادة المباشرة للحزب.

إعلان

ويتم اختيار مقاتليه بعناية وفق مهاراتهم وخبرتهم، ويتلقون تدريبات قتالية مكثفة لدعم الإستراتيجية العسكرية للحزب.

أبرز محطات المواجهة إسرائيل حرب "تصفية الحساب" (يوليو/تموز 1993): ردا على هجمات صاروخية لحزب الله تجاه المستوطنات الشمالية، شنت إسرائيل هجوما بريا وجويا على جنوب ووسط وشمال لبنان، حتى ضواحي بيروت. استمرت الحرب 7 أيام، وأسفرت عن مقتل 120 لبنانيا و26 إسرائيليا. هجوم أبريل/نيسان 1996: رد حزب الله على مقتل وإصابة مدنيين في الجنوب اللبناني بقصف مستوطنات إسرائيلية، مما أسفر عن إصابة عدد من الإسرائيليين.
بعد يومين، شنت إسرائيل غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ثم أطلقت عملية عسكرية استمرت 16 يوما شملت أكثر من 1100 غارة على القرى الجنوبية وموقع تابع للأمم المتحدة، مما أدى إلى مجزرة قانا الأولى ومقتل 118 مدنيا. تحرير الجنوب اللبناني 2000: بعد 18 عاما من الاحتلال، تحرر جنوب لبنان، لتصبح أول أرض عربية تتحرر عبر قوة المقاومة بعد سلسلة من الهزائم السابقة. حرب لبنان الثانية 2006: اندلعت الحرب بعد هجوم لحزب الله على إسرائيل، واستمرت 33 يوما، شهدت هذه الحرب معظم المعارك في جنوب لبنان، بالإضافة إلى قصف إسرائيلي مكثف وعنيف طال البنية التحتية والمناطق السكنية. حرب 2024: آخر مواجهة بين حزب الله وإسرائيل، استمرت أكثر من عام، وشملت فتح حزب الله لجبهة دعم لغزة تحت مسمى "طوفان الأقصى"، تضمنت غارات جوية وبرية وهجمات صاروخية.
أسفرت الحرب عن مقتل المدنيين والمقاتلين وتدمير واسع للبنية التحتية، قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات الجنوب اللبنانی صواریخ مضادة لحزب الله حزب الله

إقرأ أيضاً:

سلام: الجيش اللبناني يوسع وجوده بالجنوب وخطط نزع السلاح تسير بشكل صحيح

قال رئيس وزراء لبنان نواف سلام إن خطط نزع السلاح بالجنوب تسير بشكل صحيح، وأكد أن الجيش اللبناني يوسع وجوده في المنطقة وخاصة في المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل.

وأكد سلام في حديث لبلومبرغ نشر اليوم الخميس استعداد لبنان للمضي في مفاوضات مع إسرائيل، وستسعى للحصول على دعم أميركي من أجل تحقيق تقدم في المفاوضات.

وعرض الرئيس اللبناني جوزف عون في وقت سابق مناقشة قضايا الحدود البرية وانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتفظت بها بعد الحرب التي شنتها خلال العام الماضي، وقال سلام "أكرر نفس العرض بالاستعداد للتفاوض مع إسرائيل".

غير أن سلام أكد أن العرض اللبناني لم يلق ردا من إسرائيل، وأضاف "هذا أمر محير بالنسبة لي. يطلبون مفاوضات وعندما نظهر استعدادنا لا يوافقون. هذا أمر سأطرحه مع الأميركيين".

وبعد عام على دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، تتهم إسرائيل الحكومة في بيروت بعدم القيام بما يكفي للوفاء بجانبها من الاتفاق، مركزة على مطلب نزع سلاح حزب الله.

وقال سلام إن خطط نزع السلاح في الجنوب "تسير على المسار الصحيح" وإن الجيش اللبناني يوسع وجوده هناك، خصوصًا في المناطق القريبة من الحدود مع إسرائيل.

وأوضح أن المرحلة الأولى تركز على جنوب لبنان ومن المقرر استكمالها بحلول نهاية الشهر، وتشمل المراحل اللاحقة بيروت وسهل البقاع.

ووصف حزب الله خطة الجيش اللبناني بأنها "خطأ جسيم" وتعهد بعدم التخلي عن سلاحه، متهمًا الحكومة بتنفيذ رغبات إسرائيل.

اتهامات لإسرائيل

وأكد رئيس الوزراء اللبناني أن إسرائيل هي الطرف الذي لا يلتزم بشروط اتفاق وقف إطلاق النار.

وتخرق إسرائيل الاتفاق بشكل مستمر عبر غارات عل مواقع مختلفة في لبنان، أوقعت إحداها 13 قتيلا أمس الأول إثر استهداف مخيم عين الحلوة بمدينة صيدا جنوبي لبنان.

كما يواصل الجيش الإسرائيلي التمركز في 5 مواقع مرتفعة على طول الحدود الجنوبية للبنان، والتي قال سلام إنها لا تقدم أي قيمة إستراتيجية في ظل وجود طائرات مسيّرة وأقمار صناعية حديثة ذات قدرات مراقبة أفضل بكثير.

إعلان

وأضاف "هذه المواقع ليس لها قيمة عسكرية أو أمنية، إنها أداة للضغط على اللبنانيين".

أما بالنسبة لإسرائيل، فإن هذه النقاط الخمس تمنحها عمقا إستراتيجيا لمراقبة حزب الله، الذي تقول إنه يسعى لإعادة بناء قدراته العسكرية.

وتقول الحكومة اللبنانية إنها لا تملك أدلة على محاولة حزب الله إعادة التسلح، وأكد سلام أن الجيش يجب أن يبقى يقظا وقد عزز سيطرته على طرق التهريب، خصوصا على الحدود مع سوريا.

وفي ظل اتهامات من الولايات المتحدة بأن لبنان يتحرك ببطء في ملف نزع السلاح، قال سلام "لماذا لا يمكننا التحرك بسرعة أكبر؟ أولًا: نحن بحاجة لتجنيد المزيد في الجيش، ونحتاج لتجهيز الجيش بشكل أفضل، ونحتاج لزيادة رواتب الجيش".

وأضاف أنه يعمل مع فرنسا والسعودية لعقد مؤتمر للمانحين لدعم إعادة الإعمار والتعافي في البلاد، وأن الحكومة تحرز تقدمًا أيضًا في مشروع قانون لسد فجوة تقدر بنحو 80 مليار دولار في القطاع المالي، آملاً أن يساعد ذلك في الإفراج عن تمويلات ضرورية من صندوق النقد الدولي.

وأكد سلام أن هناك فرصة للتغيير في المنطقة وأن لبنان "لن يفوّت الفرصة" هذه المرة.

مقالات مشابهة

  • عون في جولة بالجنوب: الجيش اللبناني لا يأبه بحملات التحريض
  • رئيس الوزراء اللبناني يطلب وساطة واشنطن: إسرائيل رفضت التفاوض
  • سلام: الجيش اللبناني يوسع وجوده بالجنوب وخطط نزع السلاح تسير بشكل صحيح
  • سعي لإنهاء نفوذ حزب الله في الدولة
  • توقعات بمعاودة التواصل اللبناني مع واشنطن وضغط للدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل
  • الإصرار على نزع سلاح حزب الله يجرّ لبنان للخطر
  • رئيس مجلس النواب اللبناني يدعو لتقديم شكاوى ضد إسرائيل لمجلس الأمن
  • حزب الله يدين مجزرة مخيم عين الحلوة ويطالب بموقف حازم لردع الاحتلال
  • أنفاق وشبكات تهريب وتجنيد.. هلع إسرائيل من ترميم ترسانة حزب الله
  • مسؤول أميركي يكشف سبب إلغاء اجتماعات مع قائد الجيش اللبناني