6 أكتوبر، 2025

بغداد/المسلة: يغرق الشارع العراقي هذه الأيام في بحر من اللافتات الملونة والصور اللامعة، حيث يتسابق المرشحون لملء الجدران والساحات بوعود فارغة قبل شهر من الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 نوفمبر.

يتجول المواطنون في بغداد وسامراء والبصرة، و يلقون نظرة سريعة على تلك الوجوه المألوفة، لكنهم يهزون رؤوسهم بيأس عميق، مدركين أن السباق لم يعد يدور حول برامج إصلاحية بل حول من يملك أكثر المال لشراء الولاءات.

ويتردد صدى الاحتجاجات السابقة في أذهانهم، تلك التي طالبت بتغيير بنيوي، إلا أن اليوم يبدو الإحباط قد انتصر، فالكثيرون يتساءلون إن كانت هذه الانتخابات مجرد مسرحية أخرى لتكرار الفشل.

يتنافس آلاف المرشحين على مقاعد البرلمان الجديد

ويتنافس أكثر من 7900 مرشح حالياً على 329 مقعداً نيابياً فقط، في مشهد انتخابي يعكس الفوضى السياسية السائدة في البلاد.

ويتجاوز عدد الأحزاب المشاركة 400، بينما تشكلت نحو 140 تحالفاً سياسياً، مع تركيز خاص في بغداد حيث يتنافس نحو 5000 مرشح على 65 مقعداً برلمانياً.

ويعود هذا الزحام غير المسبوق إلى تدفق الأموال المسروقة من خزائن الدولة، التي تحولت إلى وقود للحملات الدعائية الضخمة، حيث تنفق الأحزاب والتحالفات مليارات الدولارات على الإعلانات والتوزيعات النقدية.

ويتحول الانتخاب إذن إلى سوق مفتوح، يبيع فيه السياسيون أحلامهم المزيفة لأصوات الفقراء، بينما يغيب أي نقاش حقيقي حول الإصلاحات الاقتصادية أو مكافحة الفساد.

يعتمد المرشحون على العشائر والأبناء الجلداء

ويعتمد غالبية المرشحين على أصوات عشائرهم وأبناء جلدتهم، محولين الانتخابات إلى معركة قبلية تتجاوز الحدود الوطنية.

ويتجول زعيم عشيرة في محافظة النجف، يجمع أبناء قبيلته تحت راية مرشح يعد بمناصب وظيفية وإعانات مالية، بينما يردد الشيوخ في ديالى أن الولاء للعائلة أقوى من أي برنامج سياسي.

ويقول أبو علي، شيخ عشيرة في بغداد، في حوار: “وأنا أقول لك، يا ولدي، الانتخابات هذه ليست للشعب كله، بل لمن يعرف كيف يحافظ على دماء عشيرته. وإذا لم يفز مرشحنا، فسنفقد الوظائف والحماية، فالدولة بعيدة والعشيرة هي الدولة الحقيقية.”

ويعمق هذا الاعتماد الشقاق الاجتماعي، حيث يصبح الناخب جزءاً من شبكة زبائنية، يبادل صوته بمنفعة فورية، مما يعزز التراجع في القيم السياسية النبيلة.

يغيب البرامج وتختفي المفاهيم الأيديولوجية

ويغيب تماماً البرامج الانتخابية الواضحة، وتختفي مفاهيم “الإسلامي والمدني والليبرالي” من خطابات المرشحين، تاركة الميدان للصور والشعارات السطحية.

ويتجول النشطاء الشباب في ساحات تشرين، يهزون رؤوسهم أمام اللافتات التي لا تذكر سوى أسماء ووجوه، ويتمتمون بأن الإصلاح البنيوي أصبح حلم بعيد.

وتقول سارة، معلمة في البصرة وناشطة سابقة في الاحتجاجات، في تصريح: “وأنا أرى هذه اللافتات كل يوم، وأتساءل أين الوعود بتوفير الكهرباء أو مكافحة البطالة؟ وكل ما نجده هو وعود بـ’الخير’ العام، لكن الخير هذا يذهب للأقارب والأصدقاء. وإذا استمر الأمر هكذا، فالانتخابات ستكون مجرد طقس فارغ، لا يغير شيئاً في حياتنا اليومية.”

ويؤكد هذا الغياب على تحول السياسة إلى تجارة، حيث يركز الناخبون على المنافع المادية المباشرة، مثل التوزيعات النقدية أو الوظائف المؤقتة، بدلاً من بناء دولة حديثة.

شحن الأحزاب جمهورها بالمال والدعاية

وتشحن الأحزاب حالياً جمهورها بالمال والحملات الدعائية الضخمة، مستنزفة موارد الدولة في سباق يعكس انهيار الثقة العامة.

ويتوزع الدعاة في المساجد والأسواق، يوزعون أكياساً مليئة بالنقود مقابل وعود بالتصويت، بينما تتردد أصوات السيارات المزودة بمكبرات الصوت في الشوارع، تردد أغاني انتخابية تفتقر إلى المضمون.

ويعلق أحمد، تاجر في سوق الشورجة ببغداد، قائلاً: “وأنا أتلقى عروضاً يومية من مرشحين مختلفين، يعدون بزيادة الإعانات إذا صوتت لهم. وأنا أقول لهم، أعطوني الآن شيئاً، فالغد غير مضمون.

ووهكذا أصبحنا زبائن، نبيع أصواتنا لأعلى مزايد، وننسى أحلام الإصلاح التي كنا نحلم بها في 2019.”

و يعمق هذا النهج الشعور باليأس، إذ يرى التحليليون أن التركيز على الشريحة الزبائنية من الناخبين يقضي على أي أمل في تغيير هيكلي، محولاً الديمقراطية إلى آلية للحفاظ على الوضع الراهن.

 

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

أمطار محدودة.. وانتعاش مؤقت واتفاق أنقرة–بغداد بلا نتائج

21 نونبر، 2025

بغداد/المسلة: يشير جفافٌ قاسٍ ضرب نهر دجلة طيلة الصيف الماضي إلى هشاشة المنظومة المائية في البلاد، حيث بدت الضفاف مكشوفة على نحو غير مسبوق،

ويبدو أن موجة الأمطار الأخيرة أعادت قدراً من الحياة إلى مجرى النهر من دون أن تغيّر جوهر الأزمة.

وعلى صعيد آخر، تتحدث مصادر فنية عن أن كميات الأمطار المحدودة لا تكفي لتعزيز الخزين الاستراتيجي الذي بلغ مستويات حرجة خلال العامين الأخيرين.

ويفيد تحليل مختصين بأن غياب مشاريع حصاد الأمطار ما زال مشكلة مزمنة، وأن انتعاش بعض المناطق الشمالية لا يتجاوز كونه تحسناً موضعياً لا يعالج النقص الفعلي.

وتقول التقديرات إن كمية التساقطات لم تتجاوز 250 مليون متر مكعب، وهي كمية بسيطة جداً مقارنة بحاجات البلاد السنوية التي تتجاوز 40 مليار متر مكعب.

ومن وجهة نظر، لا يمكن اعتبار حل أزمة المياه الحالية عبر الأمطار مجرد طرح دقيق، إذ لا تُحدث السيول المتفرقة فرقاً فعلياً ما لم تتجه نحو مقدمة السدود.

وتشير قراءات ميدانية إلى أن “الفائدة من الأمطار والسيول تتحقق عندما تسقط في مقدمة السدود، إذ يمكن حينها الاستفادة منها في تعزيز الخزين المائي”.

ويبدو أن الرسائل المطمئنة التي ترسلها الجهات الرسمية لا تعكس الواقع، ولا يمكن نسيان أن بعض الخزانات وصلت بالفعل إلى مرحلة “الخزين الميت”، ما يعني أن البلاد تعيش حالة ندرة مياه حقيقية. وتؤكد الأحداث الأخيرة خروج معظم المحطات الكهرومائية عن الخدمة بسبب انخفاض المناسيب.

ويقول محلل سياسي إن تصريحات وزير الموارد المائية التي رجّحت “سنة رطبة” بعد موجة الجفاف الأشد في تاريخ البلاد ما زالت بحاجة إلى اختبارات عملية.

وأفاد مصدر بأن الاتفاقية التي وقّعها العراق وتركيا مطلع الشهر الحالي حول آلية إدارة المياه تُعد خطوة سياسية أكثر من كونها تقنية.

وقال مصدر برلماني إن العراق لم يلمس أي زيادة فعلية في الإطلاقات التركية.

وتحدث مديرو السدود عن أن الوضع “ما زال كما هو”، فيما تشير المراصد إلى غياب أي تحوّل جوهري في تدفقات دجلة والفرات.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • نتائج الانتخابات تخيّب آمال الأحزاب الكردية في المناطق المتنازع عليها
  • أمطار محدودة.. وانتعاش مؤقت واتفاق أنقرة–بغداد بلا نتائج
  • فرنسا تدعو إلى الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة
  • في عيد تأسيسها..بغداد تبكي قائداً نبيلاً يعيد لها مجدها
  • مصدر حكومي:وفد أمريكي يزور العراق قريباً
  • مصدر حكومي ينفي إنهاء مهمة (مارك سافايا) في العراق
  • مصادر سياسية:البرلمان المقبل إيراني بأمتياز من حيث عدد المقاعد
  • إحباط انتخابي في الاغتراب..
  • شاهد.. ما التفاصيل التي منحت العراق الأفضلية على الإمارات؟
  • أميرة العادلي: تعديل قوانين الأحزاب و مباشرة الحقوق السياسية ضرورة لبناء أحزاب قوية