أكد وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة أن الذكاء الاصطناعي وسيلة وأداة يجب أن نوظفها وبقوة في كل ما يحمل الخير ويحقق النفع للإنسانية جمعاء، مؤكدا أن الوزارة ستبذل ويعها لتوظيفه في خدمة مشروعها الدعوي، مشيرا إلى أنه لم يعد لدينا أدنى رفاهية أو فسحة من الوقت لاقتحام عالم الفضاء الإلكتروني بشجاعة وتوظيف جميع التقنيات الحديثة وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي في خدمة مشروعنا الدعوي العلمي التثقيفي الهادف إلى نشر الفكر الوسطي المستنير الذي يبني ولا يهدم، ويعمر ويصنع الحضارة الإنسانية الشاملة الراقية.


جاء ذلك خلال ورشة الذكاء الاصطناعي في المجال الدعوي أولى ورش عمل مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الرابع والثلاثين، وذلك تمهيدًا لافتتاح أعمال المؤتمر الدولي الرابع والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي سيعقد في الفترة من (9 - 10) سبتمبر المقبل برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي تحت عنوان: "الفضاء الإلكتروني والوسائل العصرية للخطاب الديني .. بين الاستخدام الرشيد والخروج عن الجادة".


وعُقدت الورشة بمقر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية حول: "آلية استخدام الذكاء الاصطناعي في الخطاب الديني"، برئاسة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف وحضور الدكتور هشام عبد العزيز علي رئيس القطاع الديني، والدكتور محمد عزت أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والدكتور أيمن أبو عمر وكيل الوزارة لشئون الدعوة، والمهندس وليد حجاج خبير أمن معلومات صائد الهاكرز وعضو لجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية بالمجلس الأعلى للثقافة، والدكتور/ محمد عزام خبير التحول الرقمي عضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لإدارة التكنولوجيا عضو المجلس الاستشاري لجامعة النيل، والدكتور محمد خليف عضو لجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية بالمجلس الأعلى للثقافة، والمهندس هيثم يونس رئيس وحدة التحول الرقمي وزارة الثقافة.


وأضاف وزير الأوقاف أن الأدوات والوسائل لا يمكن الحكم عليها في ذاتها بالقبول المطلق أو الرفض المطلق فهناك العديد من الأدوات والوسائل التي يمكن أن توجه للخير أو للشر، ومنها وسائل الاتصال الإلكتروني التي يمكن أن نستخدمها في كل ما يخدم العلم والدعوة والبشرية وتيسير سبل التواصل، كما يمكن استخدامها للهدم على نحو ما تفعل الجماعات الإرهابية والمتطرفة. 


وقال وزير الأوقاف إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا أعظم المثل في استخدام مهارات التواصل الدعوي بمختلف أنواعها، حتى وإن لم يسمها بذلك ، أو لم تُعرف في زمانه (صلى الله عليه وسلم) بهذا الاسم ، فقد أداها بما آتاه الله (عز وجل) وعلَّمه إياها من البلاغة والفصاحة والبيان ، وما آتاه من جوامع الكلم وأدواته ووسائله , ومع ذلك كله حرص (صلى الله عليه وسلم) على التنوع في الأسلوب واستخدام سائر مهارات التواصل الدعوي للنفاذ إلى عقل المتلقي وقلبه، وإثارة اهتمامه وانتباهه، وإيقاظ مشاعره، ومن هذه المهارات استخدام لغة الجسد الرصينة المتزنة و استخدام أسلوب الإشارة كالإشارة إلى القلب أو اللسان أو غيرهما ، واستخدام لغة الأرقام ، والرسم التوضيحي ، وضرب الأمثلة التوضيحية .


وأوضح أن النبي استخدم أسلوب الألغاز لتنشيط أذهان السامعين وفي تنوع أساليب ووسائل الدعوة ما بين الحديث الشريف ، والخطبة ، والموعظة ، والوصية ، والرسالة ، ما يؤكد حرص نبينا (صلى الله عليه وسلم) على إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة ، وإقامة الحجة واضحة وبيِّنة جلية لا لَبْسَ فيها بكل الوسائل والأساليب المتاحة في عصره (صلى الله عليه وسلم) ، وهو ما يُحمِّلنا أمانة الاقتداء به (صلى الله عليه وسلم) في استنفاد وسعنا في استخدام وسائل التواصل الحديثة والعصرية المتاحة في عصرنا لإبلاغ رسالة ديننا بلاغًا مبينًا.


وأكد أنه اهتمامًا منا بالدعوة الإلكترونية أطلقنا عام ٢٠٢٣م عاما للدعوة الإلكترونية، وجعلناها هدفًا محوريًا لنا، فقد اقتحمت الوزارة وبقوة هذا الفضاء من خلال استخدام عدد من الوسائل والتقنيات الإلكترونية الحديثة وعقد العديد من الدورات التدريبية في الاستخدام الرشيد للفضاء الإلكتروني، وتلك الدورات التي كان لها مردود إيجابي واضح على أرض الواقع، إضافة إلى التنبيه المستمر من خلال إصداراتنا ومقالاتنا على محاذير الاستخدام الخاطئ للفضاء الإلكتروني، ومن ذلك كتاب حروب وهمية الصادر عن سلسلة (رؤية) للنشء التي تصدرها وزارة الأوقاف ممثلة في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالتعاون مع وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب، حيث يتناول الكتاب مخاطر الاستقطاب الإلكتروني للشباب والأطفال من خلال شبكة الإنترنت، والتنبيه على مخاطر ألعاب الموت، وتلك الألعاب التي تجرف الناشئة جرفًا نحو العنف.


وخلال كلمته، أكد المهندس زياد عبد التواب مقرر لجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية الثقافية بالمجلس الأعلى للثقافة أن قضية تجديد الخطاب الديني أخذت منحى آخر في ظل الفضاء الإلكتروني والوسائل الحديثة، وأن العالم يشهد تطورًا في المحتوى على شبكة الإنترنت وكذلك في المدة الزمنية، وأن تأثير المحتوى الرقمي في الأشخاص قوي وبخاصة المحتوى الديني، مبرزًا أن الخطاب الديني أصبح له من الأدوات ما يصل به إلى أعلى درجة من التأثير، وأن الذكاء الاصطناعي يعتمد على قواعد البيانات والخوارزميات للوصول إلى النتائج بسرعة فائقة، ولدينا القدرة لإنشاء محتوى ديني إلكتروني قوي.


من جانبه، أكد الدكتور محمد عزام خبير التحول الرقمي عضو المجلس الاستشاري لجامعة النيل أن هناك ضرورة تقتضي مناسبة المحتوى الرقمي لواقع المجتمع، مع التركيز على الحوار البسيط، وقد أثبتت وزارة الأوقاف نشاطًا وتفاعلًا كبيرًا حين خاضت تجربة السوشيال ميديا عبر الصفحات المختلفة والمتنوعة والمتخصصة، وأثبتت وجودًا حقيقيًا عبر وسائل التواصل المختلفة، مؤكدًا  ضرورة وجود تعاون إقليمي للاستفادة الأكبر من الذكاء الاصطناعي، ووضع آليات ووسائل للتوعية بأهميته.


وبدوره، أكد المهندس أحمد قابيل العضو المنتدب لشركة ( nts ) أن مهمتنا توظيف الذكاء الاصطناعي بما فيه من قوة كبيرة قادرة على الوصول إلى الملايين من البشر نحو ما ينفع ولا يضر، حيث إننا في حاجة إلى توجيه الأجيال إلى حسن الاستفادة من مثل هذه المستجدات وتغذية المحتوى الموجود بما يحفظ وعي الأجيال، وبما يتلاءم مع الدور الاستراتيجي والمؤثر للدولة المصرية.
 

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي.. وصياغة التاريخ الموازي

منذُ أن بَزغَ فجرُ الخوارزميّات الذكيّة القادرة على إنتاج اللغة والصورة والمرئيات بقدراتٍ تُحاكي مخيّلة الدماغ البشريّ، انفتحتْ لنا نافذةٌ غير مسبوقة على ما يمكن أن نسمّيه «مجرَّة الاحتمالات التاريخيّة» الذي نقصد به الفضاء اللامتناهي من السيناريوهات التي لم تقع، ولكنها -لو وقعَتْ- لكان بوسعها أن تُبدِّل من مسار الحضارات الإنسانية وصورتها، ولعلّ ما نطلق عليه بـ«التاريخ الموازي» أو بـ«التاريخ المضاد» (Counterfactual History) يثير شغفنا باعتباره حقلًا نظريًّا ينشطُ حِينًا ويخبو أحايينَ؛ فيستهوي بعضَ المؤرِّخين والفلاسفة عبر طرح أسئلة تخالف أبجديات التاريخ وقواعده الثابتة، مثل: ماذا لو لم يُقتل يوليوس قيصر؟ ماذا لو انتصر العربُ في بلاط الشهداء؟ ماذا لو أُجهِضت الثورةُ الصناعيّة في مهدها؟ ماذا لو انتصر العربُ في حرب 1967 أو قبلها في حرب 1948؟ بيدَ أنّ هذه التساؤلات ـ قبل ظهور الذكاء الاصطناعي ـ كانت تنتمي إلى ضربٍ من العبث العقلي أو التأمّل الفلسفي غير الخاضع للقياسات المنطقية؛ إذ يفتقر الباحثُ إلى أدواتٍ تجريبية تمنحه القدرة على إخضاع مثل تلك الفروض لاختبارٍ شبه علمي.

لكننا اليوم، ومع تطوّر نماذج المحاكاة القائمة على خوارزميات التعلّم العميق والشبكات العصبيّة، أضحى بإمكاننا أن نزوّد هذه الخوارزميات الذكيّة بمكتباتٍ ضخمة من الوقائع، والمعطيات الاقتصاديّة، والديموغرافيّة، ونُطلقها لتُنجِزَ ملايينَ المحاكاة التي تتعقّبُ التغيّر البنيويّ لحدثٍ واحدٍ إذا انحرفَ عن مساره قيدَ أنملة؛ ليغدو الذكاءُ الاصطناعي أداةَ «إحياء» لا للتاريخ كما كان، ولكن للتواريخ الممكنة التي لم تكن؛ فيمدّنا بسرديّاتٍ بديلة تُظهِر مآلاتٍ تقترن بزمنٍ متخيَّل، ولكنها مُرتكَزةٌ علميًّا على نماذج سببيّة واحتمالات دقيقة. من المعلوم أن المؤرِّخَ التقليديّ يعتمد على الوثائق والشهادات والآثار المادّيّة، وبمعنى عام، يكون اعتماده على ما تبقّى من الأثر في الزمن، ولكنّ الخوارزميّات تُضيفُ إلى هذا الثالوث بُعدًا رابعًا، سنطلق عليه «الاحتمال المُحاكَى»؛ لتُرَكِّب بُنيانًا من البيّنات وتنسج خريطة علاقات سببيّة، ثمّ تُعطى حرّيّة تعديل عقدةٍ واحدة من عقد هذه الشبكة لترى كيف سيُعاد ترتيب الأنماط؛ فإذا أبدلنا نتيجةَ معركةٍ حاسمة أو قُيِّض لقائدٍ ما أن ينجو من الاغتيال؛ تدحرجت التأثيراتُ كسلسلة «دومينو» في نموذج رياضيّ يمكن تتبّعه عدديًّا وصُوَريًّا.

لا أستبعد أن يقول قائلٌ: أليست هذه مُغالاة في الثقة بقدرة الآلة -الذكاء الاصطناعي- في إعادتها لصياغة الأحداث ومساراتها المستقبلية؟ بلى، ويبقى الحذرُ واجبًا؛ فلا يملك الذكاء الاصطناعي معرفةً واعيةً بالماضي، وإنما يتوقّع تركيب الأنماط ويعيد تصميمها وفقًا لما لُقِّنَ من بيانات. غير أنّ قيمته الحقيقية لا تكمن في المطابقة القطعيّة ولا في النبوءة الغيبيّة، ولكن في أنّه يوفّر لنا «مِرآةً مُفترَضة» نعكس عليها تصوّراتنا؛ فنقارن بينها وبين الوقائع الحقيقيّة؛ لنفهمَ بشكل أعمق قانونَ الصدفة والضرورة في التاريخ.

تفترض التصوراتُ العقلية أنه حين تُمنح المجتمعاتُ الإنسانية فرصةَ الاطّلاعِ على سرديّات بديلة وفق المحاكاة العلمية؛ فإن بنيةَ الوعي تتغيّر وفقَ عدة سُبل، وأول هذه السبل أن ينكسر وَهْمُ الحتميّة التاريخيّة؛ إذ يدرك الفرد الإنساني أنّ المسارات الكبرى ليست قدَرًا محتومًا، وإنما حصيلةُ قراراتٍ بشريّة قابلةٍ لأن تُسلكَ أو تُستبدَل وتتفاعل مع قانون السببية والاحتمالات الكونية المتعددة، ويُحرّر مثل هذا الإدراك طاقاتٍ سياسيّة جديدة، لأنّ الفرد يرى في الحاضر مفصلًا مفتوحًا، لا ذيْلًا مقطوعًا من ماضٍ مكتوبٍ على حجر. ثاني هذا السبل أن تُسهم هذه «الواقعات المضادّة» في توسيع مخيّلة «المظلوميّات التاريخيّة»؛ فيمكن للشعوب التي تعرّضت للاستعمار أو الإبادة أن تجد ـ عبر المحاكاة ـ صورًا من التاريخ النزيه الذي حرمها إيّاه المنتصرون «المعتدون»، ولا يعني ذلك استبدال الماضي بحلم منزوع الواقعية، وإنما يكون عن طريق توزيع حسّ العدالة الرمزيّة؛ ليُعطي الضحيّةَ أفقًا روحيًّا للتعافي الجمعيّ. ثالث هذه السبل، نراه فيما يخص حقل علوم السلوك السياسيّ؛ حيثُ توفّر هذه النماذج مختبرًا افتراضيًّا لاختبار السياسات قبل تطبيقها؛ فيمكن لمحاكاةٍ مستندةٍ إلى تاريخٍٍ بديلٍ أن تكشفَ مخاطرَ أو فرصًا ما كانت لتظهر بالتنبّؤ الاستنباطيّ وحده.

يُعيدنا هذا كلّه إلى سؤالٍ جوهري: ما مفهومنا للتاريخ؟ هل هو تسلسلُ ضروراتٍ تحدّدها بنيةُ الأنظمة الاقتصاديّة والطبيعيّة؟ أم أنّه رقصة الاحتمالات حول محورٍ من القرارات الإنسانيّة الحرّة؟ لا أملك إجابات حتمية لهذه الأسئلة، ولكن جلَّ ما أدركُه أنّ الذكاءَ الاصطناعي ذو قدرةٍ على تمثيل آلاف الشُعَب الزمنيّة؛ ليوغل بنا في رؤيةٍ «كوسمولوجيّة»، حيثُ يتجاور الماضي الواقعيّ مع أطيافٍ لا تُعدّ من الأزمنة المحتملة، وتصبح سلسلة الوقائع أشبهَ بمتعدِّدٍ «طوبولوجيّ»، لا خطًّا مستقيمًا. هنا يلتقي العلمُ بالرياضيات الإحصائيّة مع الفلسفة القاريّة في نقدها لفكرة «التقدّم الخطيّ»، ويلتقي أيضًا مع قواعد الفيزياء الكوانتمية التي ترى الواقعَ «دالة موجيّة» تتقلّص إلى حدثٍ واحدٍ يعكس الوجود اللحظي الذي نعيش فيه؛ فالاحتمالات وفقَ النظام الكوانتمي متعددة ولها عوالمها الموازية التي تشمل ما نسميّه بالتاريخ الموازي.

في حالة مغايرة تستدعي يقظة وعينا، نجد أنّ فتح بوّابة «التواريخ البديلة» ليس فعلًا عادلا محضا؛ فيمكن لبعض الأنظمة السياسيّة أو الاقتصاديّة أن توظّفها لصنع سرديّات ترويجيّة تتلّبس بلباس العلم؛ فتختار المعطيات وتُعيد وزنها لتصيغ مستقبلًا مرغوبًا؛ فتدّعي أنّه المسار «الأكثر ترجيحًا»؛ فتتقاطع -حينها- المحاكاة مع تصورات الرأي العام، وتصبح الخطورةُ كامنةً في قدرة الخوارزميّة على إنتاج قصصٍ «مقنِعةٍ» بصريًّا ولسانيًّا تؤثّر في اللاوعي الجمعيّ أكثرَ من الخُطب والشعارات، وحينها يتطلب الأمر صياغة مواثيق أخلاقيّة تُنظّم استعمال هذه التقنيات؛ لتوثّقَ مصادرَ البيانات، وتُعلن افتراضات النموذج، وتمنح الباحثين تدقيق التصوّر الخوارزمي للمسار التاريخي ونموذجه المستوحى والمُحاكَى؛ لنتجنب عدم تحوّل المحاكاة من مختبرٍ معرفيّ إلى «مصنع أوهام» تخدم مصالح مجتمعات على حساب مجتمعات أخرى.

لابد أن نقرَّ أن الإنسان -بإرادته وتفوّقه العلمي- منح الذكاءَ الاصطناعي قدرةً غير مسبوقة على تفكيك الزمن وإعادة ترتيبه وفقَ رغبات الإنسان نفسه، لا لنهرب من الماضي، ولكن لنعيد تأويله ونكشف هشاشته، ولهذا من العدالة أن نتصور أنّ إحياء الواقعات المضادة ليس تمرينًا سرديًّا فحسب؛ ولكنّه مشروعٌ معرفيٌّ يعيد الإنسانَ إلى مركز الفعل التاريخيّ بعد أن ظنّ أنّه أسيرُ قَدَرٍ اقتصادي أو سياسي أو جينيّ، وإذا كانت الفلسفة ـ كما يقول الفيلسوف الألماني هوسرل ـ «علم البدايات المطلقة»؛ فإنّ هذه التقنية يمكن أن تمنحنا بدايةً جديدةً للتفكير في التاريخ: لا باعتبارها تراكم ما حدث، ولكن باعتبارها فضاء لما كان يمكن أن يحدث، ولا يزال بعضُه ممكنًا في مستقبلٍ لم يحن موعده بعد. هكذا، حين نجعل من الخيال المُحاكَى مختبرًا للعقل؛ فإننا نستعيد القدرةَ على السؤال، ونوسّع مساحةَ الحريّةِ العقلية ومخيّلته، ونمنح الأجيالَ القادمة وعيًا أكثر مرونةً واستعدادًا لكتابة فصولٍ أقلّ بؤسًا؛ فالذكاء الاصطناعيُّ، إن حَسُن استعماله؛ فإنه يُعيدنا إلى تلك اللحظة «البروميثيوسيّة» الأولى حين سرق الإنسانُ الأول النارَ من الآلهة -وفقَ خيالات الأدب الأسطوري القديم-؛ ولكنّ نارَ الاحتمالات -كما في معرض مقالنا وفرضياته المذكورة- لا تحرق، وإنما تُضيء ممرات التاريخ المظلمة؛ فترشدنا إلى دروبٍ ما كانت لتُعرفَ لولا رياضيات الخيال الخوارزميّ وملاحمه التاريخية القابلة لإعادة أحداثها ومساراتها.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

مقالات مشابهة

  • الحوز :هل يعلم وزير الأوقاف أن فيلا فاخرة فوق أراضي الأحباس بسيدي عبد الله غيات تُعرض للبيع:
  • كم من الأطفال يجب أن يَـقـتُـل الذكاء الاصطناعي؟
  • دعاء ردده النبي بعد كل صلاة.. واظب عليه
  • في احتفالية توديع أولى أفواج الحجاج.. وزير الأوقاف: سائرون معكم بقلوبنا
  • وزير الأوقاف لـ سانا: حجاجنا يغادرون بكرامة وأمان وحرصنا على أن تكون خدماتنا بأعلى المعايير
  • وزير الأوقاف لـ سانا: كل الجهات المعنية في الدولة، من وزراء ومديرين وموظفين، تعاونوا معنا في خدمة حجاج بيت الله الحرام، ويعتبرون هذه المهمة عبادة، وكلهم مستعدون لخدمة الحجاج
  • وزير الأوقاف يتفقد المغادرين من حجاج بيت الله الحرام خلال جولة على مطار دمشق الدولي
  • الذكاء الاصطناعي يحوّل الصور إلى فيديوهات عبر «تيك توك»
  • الذكاء الاصطناعي.. وصياغة التاريخ الموازي
  • وزير الأوقاف: الطبيب البيطري صاحب رسالة إنسانية عظيمة وشرف رفيع