عربي21:
2025-10-27@06:34:18 GMT

تحريرُ غزة واحتلال الضفة الغربية!

تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT

لا زلنا في المرحلة الأولى من اتفاق إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، ولا تزال المعوقات تظهر بين الفينة والأخرى لتطيل من عمر هذه المرحلة ولتحول دون الانتقال إلى المرحلة الثانية. والمعوقات هنا من وضع نتنياهو ومن صنع “الشاباك” اللذين يتذرعان في كل مرة بذرائع مختلفة ومختلقة وعلى رأسها قضية جثامين الأسرى الإسرائيليين الذين تتهم إسرائيل حماس بأنها على علم بأماكن وجودهم ولكنها تتعمد التأخير والتسويف لالتقاط الأنفاس وإعادة بناء قُدراتها العسكرية تحضيرا للعودة المحتملة إلى الحرب.



تزعم إسرائيل أن ما قامت به في غزة يستهدف “تحرير غزة” وتمكين أهلها من كل أسباب العيش الكريم بعد المعاناة الكبيرة التي كابدوها في ظل حكم حماس المتعنّتة والمتعطشة للسلطة. ما تسميه إسرائيل “تحريرا” هو الاحتلال بعينه، إذ لا ينتظر من اللص أن يكون أمينا على البيت بل ينتظر منه أن يمعن في خرابه وأن يسطو على كل ما يجد بداخله على أنه غنيمة مستحقة. ما تفكر فيه إسرائيل وتسعى إليه هو زحزحة حماس وبسط يدها على بر غزة وبحرها وتحويلها إلى مستعمَرة منزوعة السلاح ومحو كل ما يرمز إلى عمقها التاريخي وشهودها الحضاري وجعل أهلها شيعا وأحزابا ومد يدها لكل خائن من شاكلة “ياسر أبو شباب”.

تحرير غزة من حماس أسطوانة مشروخة لا تنطلي على الغزيين الأوفياء لوطنهم ولدينهم، ولا يصدّقها ويطمئن إليها إلا من باع نفسه للاحتلال ورضي أن يكون بوقا من أبواقه، ينفذ خططه ويتبع خطواته.

ليس لإسرائيل حاجة في “أبي شباب” فهو بالنسبة لها مجرّد وسيلة لنشر الفوضى وزرع الفتنة في قطاع غزة، فإذا أنجز المهمة تبرّأت منه وأسلمته لتبعد عن نفسها كل شبهة ولتحمِّل خصمها جريرة ما يحدث له وتفسيره على أنه انتقام طائفي من المخالفين والمعارضين. هكذا تفكر إسرائيل، تصنع الخونة وتموّلهم وتسلحهم وتؤلّبهم على وطنهم وأبناء جلدتهم ثم تسمي هذا “تحريرا” وتغدق على صانعيه من المديح ما يخيل إلى الآخرين أنه نضال من أجل الوطن وهو ليس من النضال في شيء بل رجس من عمل الشيطان.

ينبغي أن لا يغترّ الغزيون سواء الموالون لحماس أو المناوئون بما يروّجه الاحتلال الذي لا يقيم وزنا للموالين لحماس وللمناوئين، بل ينظر إليهم على أنهم خصوم كلهم لا يأمن جانبهم ولا يستأمنون على مستقبل غزة إلا من باع ضميره وارتمى في أحضان الاحتلال.

تحرير غزة في التصور الإسرائيلي يعني تجريدها من كل شيء وجعلها كالكل على مولاه لا تقدر على شيء، توجهها إسرائيل حيثما شاءت، تصنع حكامها وتضع سياستها وتعبث بمقدراتها وترسم مستقبلها وتهوِّدها وأهلها وتفعل بها ما تشاء. هذا ما تخطط له إسرائيل، وليس هذا ببعيد بل سيكون تتويجا لخطة ترامب التي تريد إسرائيل أن تستثمر فيها قدر الإمكان بما تتماشى مع سياستها ويحقق أهدافها ويمكِّنها من عدوها.

هناك فراغاتٌ كثيرة وجوانب مبهمة ومبادئ فضفاضة في خطة ترامب يمكن أن تتسلل منها إسرائيل وتستغلها للمناورة وخلط الأوراق، فعلى الطرف الفلسطيني أن يتفطن لذلك وأن يتحلى بأعلى درجات اليقظة، فسجلُّ إسرائيل في المكر والخديعة وأساليبها في الإيقاع بالخصم لا تخفى على الضالعين بالشؤون الإسرائيلية.

إسرائيل تريد أن تجعل من خطة ترامب وسيلة لتحقيق ما عجزت عنه بالقوة العسكرية طالما أن هذه الخطة تتضمن تحرير الأسرى ونزع سلاح حماس وإبعادها من أن يكون لها دورٌ سياسي أو عسكري في المستقبل، فهذا بالضبط ما يريده نتنياهو، فعلى الفلسطينيين أن يعلموا أن ما تخطط له إسرائيل لا يستهدف حماس وحدها ولا فصيلا سياسيا أو عسكريا بمفرده بل يستهدف كل مكونات الشعب الفلسطيني، فإسرائيل رافضة لحكم فلسطيني لقطاع غزة بالمطلق، وتراهن على أن تقوم بهذه المهمة جهة موالية تخدم سياستها وتنفذ أجندتها وهذه الجهة لن تكون جهة عربية فكل البلدان العربية سواء القائمة بدور الوساطة أو غيرها متفقة على أن فلسطين للفلسطينيين وأنها لا تقبل أن يحكمها ويتحكم في مستقبلها عنصرٌ خارجي.

لا تقف إسرائيل عند التفكير في تحرير غزة على طريقتها –كما أسلفت- بل تفكِّر في توسيع دائرة الاحتلال والاستيطان ليشمل الضفة الغربية، وقد شرعت الحكومة اليمينية في إسرائيل في هذا المسار وما تصويت الكنيست الإسرائيلي ولو بأغلبية بسيطة على القراءة الابتدائية لمشروع بسط السيادة على الضفة الغربية إلا دليلٌ إضافي على الفكر التوسعي الاستيطاني الذي تخطط له إسرائيل رغم المعارضة الشديدة لهذا المشروع من المجموعة العربية وخاصة دول الطوق ومن المجتمع الدولي بصفة عامة، لأن بسط السيادة على الضفة الغربية –كما تسميه إسرائيل– هو انتهاك للقانون الدولي ورفض صريح لحل الدولتين الذي حقق ما يشبه الإجماع الدولي.

إن إسرائيل ترفض حل الدولتين وحل الدولة الواحدة وتصر على بسط سيادتها على قطاع غزة والضفة الغربية والقائمة مفتوحة. إن التفكير الإسرائيلي في ضم الضفة الغربية لم يأت من فراغ بل هو تكريس لنصوص توراتية تجعل من الضفة الغربية –يهوذا والسامرة- في المخيال الإسرائيلي الجزء الأهم من إسرائيل التاريخية ومن ثمّ فإن ضمها واجب ديني مقدس غير قابل للتفاوض.
إن أقصى ما يطالب به الفلسطينيون والعرب من أرض فلسطين التاريخية هو قطاع غزة والضفة الغربية اللذان لا يمثلان مجتمعين إلا ما يقارب 22 بالمائة من فلسطين التاريخية
إن أقصى ما يطالب به الفلسطينيون والعرب من أرض فلسطين التاريخية هو قطاع غزة والضفة الغربية اللذان لا يمثلان مجتمعين إلا ما يقارب 22 بالمائة من فلسطين التاريخية وهو ما يسمى حدود 4 جوان 1967، فكيف يقبل الفلسطينيون والعرب أن يُنتقص هذا الجزء الفلسطيني المتبقى من أرض فلسطين التاريخية من أطرافه ويرضوا بتجزئة المجزأ؟ ماذا سيبقى من الجغرافيا الفلسطينية إذا انتُزعت منها الضفة الغربية علما أن إسرائيل تسيطر حاليا على نصف مساحة غزة وهي موجودة وربما ستبقى داخل الخط الأصفر الذي يعني ببساطة احتلالا تحت غطاء الجدار الأمني الفاصل؟

إذا نجحت إسرائيل في تمرير مشروع ضمّ الضفة الغربية فإنها ستنتقل إلى مرحلة لاحقة وهي التفكير في ضم أراض عربية أخرى، ستفكّر إسرائيل في ضم سيناء وستبرر ذلك بأنها كانت الحاضنة التاريخية لشعب إسرائيل، وستفكر في ضم ما يحيط بغور الأردن وستبرر ذلك بأنه يختزن ذكريات تاريخية تعدّ جزءا لا يتجزأ من الذاكرة اليهودية كما تزعم، وستتطلع إسرائيل إلى بلاد النيل وستبرّر ذلك بأنها كانت الموطن الأول للشعب الإسرائيلي، وستتطلع إسرائيل إلى بابل وإلى ما وراء بلاد الرافدين وستبّرر ذلك بضرورة الانتقام للمظلومية التاريخية التي عاناها اليهود في بابل، وهكذا دواليك…

إن حصيلة الاعتداءات الإسرائيلية على الضفة الغربية ليست بحجم ما حدث في غزة، ولكن المصادر الإعلامية تتحدث عن استشهاد 1016 فلسطيني وإصابة نحو سبعة آلاف آخر واعتقال ما يزيد عن 18500 فلسطيني وفق إحصاءات فلسطينية. إن الإعلام الإسرائيلي يحاول إلهاء العالم عما يحدث في الضفة الغربية مستغلًّا أن هذا العالم يلقي بكل ثقله على ملف غزة ومن ثم فهي الفرصة السانحة لنتنياهو لتمرير خطة احتلال الضفة الغربية على حين غفلة من العالم وربما رغم أنف العالم كما صرح وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش الذي قال في مستوطنة عوفرا بالضفة الغربية: “إن السيادة لا تقرَّر في واشنطن أو في الأمم المتحدة بل تقرَّر هنا في إسرائيل”. فكيف سيتعاطى المجتمع الدولي مع هذا التحدي وما هو فاعلٌ لكسر شوكة الاحتلال؟.

الشروق الجزائرية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال الضفة الغربية غزة الضفة الغربية الاحتلال الضم مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فلسطین التاریخیة الضفة الغربیة إسرائیل فی تحریر غزة قطاع غزة على أن

إقرأ أيضاً:

ضم الضفة الغربية قائم رغم نفي واشنطن وتجاهل الإعلام الإسرائيلي.. مراسلة القاهرة الإخبارية تكشف التفاصيل

قالت ولاء السلامين، مراسلة «القاهرة الإخبارية» من رام الله، إن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو حول رفض ضم الضفة الغربية، تأتي استكمالًا لمواقف أمريكية سابقة، والذي أكد في مؤتمر صحفي مع بنيامين نتنياهو أن واشنطن لن تسمح بخطوات ضم، مشيرةً إلى أن الخطاب الأمريكي الرسمي لا يزال يؤكد على حلّ الدولتين، رغم ما يجري فعليًا على الأرض من انتهاكات متواصلة.

وزير الخارجية الأمريكي: الأونروا لن تتمكن من لعب دور في قطاع غزةإنجاز طبي جديد بجامعة الإسكندرية لإنقاذ مريض فلسطيني مصاب من قطاع غزة

وأضافت السلامين، خلال رسالة على الهواء لقناة «القاهرة الإخبارية»، أن الواقع الميداني في الضفة الغربية يعكس صورة مغايرة تمامًا للتصريحات السياسية، حيث تتوسع المستوطنات الرعوية بوتيرة متسارعة، وتتصاعد الاعتداءات على المزارعين وأراضيهم، خصوصًا مع استمرار طرد الفلسطينيين من مزارع الزيتون ومصادرة مساحات شاسعة لصالح المستوطنين، موضحة أن الضمّ قائم فعليًا على الأرض، حتى وإن لم يُعلن رسميًا في الإعلام الإسرائيلي أو الغربي.

وأكدت مراسلة القاهرة الإخبارية أن الولايات المتحدة وإسرائيل تتعاملان وفق تفاهم غير معلن يهدف إلى حماية المصالح المشتركة، سواء من خلال الحفاظ على الهدوء المؤقت في الضفة أو عبر توسيع رقعة الاستيطان تدريجيًا دون إعلان رسمي، مشددة على أن ما يحدث يتناقض مع الخطاب الأمريكي المعلن، ويُكرّس واقعًا جديدًا يهدد أي فرصة حقيقية لتحقيق السلام في المنطقة. 

طباعة شارك الضفة الغربية ضم الضفة الغربية واشنطن الإعلام الإسرائيلي القاهرة الإخبارية

مقالات مشابهة

  • إصابة خمسة فلسطينيين برصاص الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية
  • الجيش الإسرائيلي يعتقل 9 فلسطينيين في الضفة الغربية
  • ضم الضفة الغربية قائم رغم نفي واشنطن وتجاهل الإعلام الإسرائيلي.. مراسلة القاهرة الإخبارية تكشف التفاصيل
  • حماس تُرحب بالموقف الأمريكي الرافض لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل
  • روبيو يستبعد أن تضم إسرائيل الضفة الغربية
  • أونروا: يجب أن توقف إسرائيل عمليات الضم المتزايدة في الضفة الغربية
  • الأونروا تحذر من التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية
  • ترامب: إسرائيل لن تفعل شيئا بشأن الضفة الغربية
  • الإمارات تدين مصادقة الكنيست الإسرائيلي على مشروعي قانونين لفرض السيادة على الضفة الغربية المحتلة