ارتفاع حالات حمى الضنك بجنوب دارفور
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
شهدت حالات الإصابة بحمى الضنك ارتفاعاً مضطرداً في جنوب دارفور منذ تاريخ تسجيل أول حالة في 21 اكتوبر الماضي.
نيالا: التغيير
أعلنت الإدارة العامة للطوارئ الصحية ومكافحة الأوبئة بوزارة الصحة- ولاية جنوب دارفور، عن تسجيل 3 حالات إصابة جديدة بحمى الضنك، تم تسجيلها يوم السبت بأحياء كرري والوادي بنيالا جنوب.
وخلال الثلاثة أشهر الماضية شهدت مناطق واسعة في السودان، انتشاراً مقلقاً لحالات حمى الضنك والكوليرا، خاصة في إقليم دارفور، في ظل وضع صحي متردي جراء الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي تقترب من إكمال عامها الثالث، مما أدى لتسجيل آلاف الإصابات والوفيات.
وقالت إدارة الطوارئ بوزارة الصحة جنوب دارفور في تقريرها الوبائي ليوم السبت، إن إجمالي حالات الإصابة بحمى الضنك ارتفعت إلى 48 حالة إصابة منذ تاريخ تسجيل أول حالة في 21 اكتوبر الماضي، منها 26 حالة بنيالا شمال و19 ببلدية نيالا وحالة واحدة بمحلية الملم.
وفيما يتعلق بوباء الكوليرا كشفت الإدارة العامة للطوارئ الصحية ومكافحة الأوبئة، عن تسجيل زيرو كوليرا ليوم السبت.
وعليه يظل إجمالي حالات الإصابة بوباء الكوليرا المسجلة بالولاية 5915 حالة إصابة و275 وفاة منذ تسجيل أول حالة في السابع والعشرين من مايو الماضي في ثلاثة عشر محلية بالولاية.
وكان المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين أكدت في وقت سابق، أن المنظمات الإنسانية والمتطوعين المحليين وغرف الطوارئ والسلطات المحلية بإقليم دارفور تبذل جهودًا جبارة لمكافحة المرض، لكنها تحدثت عن وجود صعوبات وتحديات كبيرة بسبب ارتفاع معدلات الإصابة، بالإضافة إلى انتشار الملاريا وسوء تغذية الأطفال.
وفي اكتوبر الماضي، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، من أن تفشي الكوليرا في السودان تسبب في أكثر من 3 آلاف وفاة و120 ألف إصابة، في وقت يواجه فيه النظام الصحي شبه انهيار كامل بسبب الحرب الدائرة منذ أكثر من عام ونصف.
وأكد أن 75% من المرافق الصحية في السودان خرجت عن الخدمة جراء النزاع بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، ما جعل البلاد عاجزة عن احتواء انتشار المرض.
الوسومالجيش الدعم السريع السودان الكوليرا حمى الضنك دارفور مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية نيالا وزارة الصحةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان الكوليرا حمى الضنك دارفور مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية نيالا وزارة الصحة جنوب دارفور
إقرأ أيضاً:
سقوط الفاشر يفتح فصلًا جديدًا من المأساة في حرب السودان
ترجمة: بدر بن خميس الظّفري -
يمثل سقوط مدينة الفاشر، آخر المدن الكبرى في إقليم دارفور، التي كانت تحت سيطرة القوات الحكومية السودانية، هزيمة عسكرية عميقة ومأساة إنسانية فادحة؛ فقد كانت المدينة، على مدى شهور طويلة، رمزًا لصمودٍ هشّ، وملاذًا للنازحين الباحثين عن الأمان، وبصيص أمل في بقاء فكرة السودان الموحّد حيّة؛ غير أن سيطرة قوات الدعم السريع عليها أطفأت ذلك الأمل، وخلّفت وراءها آلاف المدنيين عالقين بين الجوع والخوف والضياع.
وسقوط الفاشر لا يُعدّ حدثًا محليًا فحسب، بل يعكس تفكك السودان ذاته، حيث تتلاشى الحدود بين الحرب والبقاء، وبين الضحية والشاهد. وما حدث في دارفور اليوم قد يرسم ملامح مصير البلاد بأكملها غدًا.
جاء سقوط المدينة بعد حصارٍ طويل وهجماتٍ متكررة استهدفت مخيمات النازحين والمنشآت المدنية. وقد أفادت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية بوقوع عمليات نزوح جماعي ومجاعة وقتل خارج القانون أثناء محاولات الفرار، وأدّى ذلك إلى تدفق أعداد هائلة من النازحين إلى المدن المجاورة وعبر الحدود، ما أرهق الموارد المحلية والممرات الإنسانية. وتبدو المخاطر أشد قسوة على الأطفال والنساء الحوامل والفئات الأكثر هشاشة.
كما شهد المستشفى السعودي في الفاشر مجزرة مروعة راح ضحيتها نحو 460 شخصًا، ما أدى إلى انهيار آخر مركز طبي كبير في المدينة، وجعل من تنسيق الخدمات الطبية وعمليات الإجلاء أمرًا شبه مستحيل. ونتيجة لذلك، ارتفعت الحاجات الإنسانية على نحوٍ حاد. وكانت عمليات إيصال المساعدات في دارفور تعاني أصلًا من ضعف الأمن والقيود البيروقراطية، ومع انتقال السيطرة إلى قوات الدعم السريع بات الوصول إلى المتضررين أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
فعندما تسقط المدن المحاصرة، تتسع فجوة الحماية، فتقلّ الإمدادات الطبية والغذائية، وتتعقد عمليات الإغاثة والإجلاء، وتتعاظم احتمالات المجاعة المحلية وتفشي الأوبئة وسوء التغذية المزمن بين الأطفال.
إن دارفور منطقة مثقلة بتاريخٍ طويل من العنف الأهلي يعود إلى مطلع الألفية. وتنحدر جذور قوات الدعم السريع من ميليشيات الجنجويد، وقد أثارت ممارساتها الأخيرة مخاوف جدّية من أعمال انتقامية ضد مجتمعات يُنظر إليها على أنها موالية للجيش السوداني.
وتشير تقارير حديثة إلى عمليات تهجير قسري للسكان الأصليين، ومداهماتٍ منزلية، وإعداماتٍ ميدانية، وهي أنماط من الانتهاكات يعتبرها خبراء القانون الدولي جرائم حرب وربما جرائم ضد الإنسانية. ومن ثم فإن سقوط الفاشر يرفع احتمال دخول دارفور في دورة جديدة من الفظائع ما لم تُتخذ تدابير عاجلة للحماية والمساءلة.
وبسيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، باتت تهيمن على جميع عواصم ولايات دارفور، ما يمنحها عمقًا جغرافيًا واتصالًا مباشرًا بخطوط التجارة عبر الصحراء الكبرى، وقدرةً على فرض الحصار وجباية الموارد. ويحذّر المحللون من أن ذلك يمهّد لواقع تقسيم فعلي، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على الغرب والجنوب، مقابل سيطرة الجيش السوداني على أجزاء من الوسط والشرق.
غير أن مثل هذا الانقسام سيكون هشًّا بطبيعته، وقد يؤدي إلى ترسيخ الانفصال عبر إقامة حكومة موازية في منطقة نيالا تمتلك أجهزة أمنية خاصة بها وتدّعي الشرعية، مما يجعل التوصل إلى تسوية وطنية شاملة أمرًا في غاية الصعوبة. كما أن هذا التقسيم قد يفتح الباب أمام القوى الخارجية المتنافسة لتوسيع نفوذها، مفاقمًا حروب الوكالة في الإقليم.
إن هذا التحول الاستراتيجي يُضعف الحافز على المشاركة في مفاوضات سلام وطنية بوساطة دولية؛ فعندما تتمكن جماعة مسلحة من تحويل مكاسبها الميدانية إلى سلطةٍ فعلية على الأرض، تقلّ حاجتها إلى التنازل أو التفاوض. وقد تجد السودان نفسها أمام مسارات حوار متفرقة، أو ربما غياب أي حوار، تهيمن عليها الحسابات المحلية بدلًا من الرؤية الوطنية الجامعة.
ورغم أن مجلس الأمن والدفاع السوداني عقد هذا الأسبوع جلسة لمناقشة مبادرة هدنة ترعاها الولايات المتحدة، إلا أن الاجتماع انتهى دون إعلان أي تفاصيل. وفي بيانٍ متناقض، عبّر وزير الدفاع عن شكره للجهود الدبلوماسية الأمريكية، لكنه أكد في الوقت نفسه التزام الحكومة بمواصلة الحرب ضد قوات الدعم السريع، متحدثًا عن «الاستعداد لمعركة الشعب السوداني»، ومعتبرًا أن «الجاهزية القتالية حق وطني مشروع».
ما لم يتخلَّ الطرفان عن خيار الحرب، فإن الدعم السريع سيواصل على الأرجح تقدمه نحو كردفان ووسط السودان، لتتحول المعارك إلى حرب استنزاف طويلة.
تُعد دارفور ملتقى لحدود هشة مع دول الجوار، وسيطرة الدعم السريع على الخطوط الحدودية مع ليبيا وتشاد تنذر بتحركات عابرة للحدود تشمل المقاتلين والأسلحة والمدنيين. كما أن تدفقات اللاجئين تُرهق المجتمعات المضيفة وقد تُذكي مشاعر الغضب في المناطق الحدودية. ومن المرجح أن تستجيب الدول المجاورة بتشديد إجراءاتها الأمنية أو بدعم وكلاء محليين، وهو نمط طالما عمّق الفوضى في إقليم الساحل والقرن الإفريقي. لذا فإن تمكّن الدعم السريع من ترسيخ سلطته في دارفور يحمل خطرًا مضاعفًا: إذ يمكن أن تتحوّل الانتكاسة الوطنية إلى أزمة أمنية إقليمية إذا لم تتعاون دول الجوار والمنظمات الإقليمية في تنسيق ردّها.
تتجه الأنظار الآن إلى القاهرة لتقود مبادرة سلام جديدة، ليس فقط بوصفها عضوًا فاعلًا فيما يُعرف بــ«الرباعية» التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، بل أيضًا كدولةٍ جارةٍ تتأثر أمنًا باضطرابات حدودها الجنوبية. غير أن سرية المفاوضات الجارية، التي تستثني القوى المدنية، قد تفضي إلى اتفاق يُكرّس تقسيم السودان فعليًا.
ومن القاهرة، أكّد المستشار الأمريكي مسعد بولس أن الطرفين المتحاربين توصلا إلى هدنة إنسانية مدتها ثلاثة أشهر، رغم عدم صدور أي بيان رسمي داخل السودان يؤكد ذلك. ومع توسع نفوذ الدعم السريع، بدأت تظهر هياكل إدارية موازية مثل نقاط تفتيش، وجبايات غير رسمية، وترتيبات أمنية تُقصي المؤسسات المدنية. وهكذا يتآكل احتكار الدولة لاستخدام القوة وتقديم الخدمات، ما يؤدي إلى تفكك منظومة الحكم.
ويملأ شيوخ القبائل والميليشيات ورجال الأعمال الانتهازيون هذا الفراغ، فيرسخون أنماطًا من الافتراس الاقتصادي والسياسي يصعب تفكيكها أكثر من الانتصارات العسكرية نفسها. ومع مرور الوقت، يُعمّق هذا النمط من الحكم المسلح المحلي الفساد، ويقوّض سيادة القانون، ويرفع كلفة إعادة الإعمار بعد الحرب.
فقدان الجيش السوداني مدينة الفاشر يُعد خسارة مادية واستراتيجية، كونه فقد قاعدة رئيسية، ورمزيةً لأنه فقد السيطرة على دارفور. سياسيًا، يعزّز ذلك من قوة الدعم السريع التفاوضية في أي محادثات وطنية، ويضعف نفوذ الأطراف الداعية إلى انتقال مدني موحّد.
هذا التحول في موازين القوة ينعكس على جهود «الرباعية» الساعية لفرض السلام، إذ أصبحت قوات الدعم السريع في موقع يتيح لها المطالبة بحصصٍ أكبر من السلطة والثروة. وبعد أن بسطت سيطرتها على أكثر من ثلث مساحة السودان، الغني بالموارد والمواقع الاستراتيجية، باتت مكانتها التفاوضية أقوى من أي وقت مضى.
أما حلفاء الجيش المسلحون، كقوات دارفور المشتركة بقيادة جبريل إبراهيم وميني مناوي ومصطفى تمبور، فيواجهون خطر فقدان وزنهم التفاوضي بعد الهزيمة الميدانية في دارفور التي أضعفت حضورهم السياسي. ونتيجة لذلك، يُتوقّع أن تزداد محادثات السلام تعقيدًا، مع ارتفاع سقف مطالب الدعم السريع.
يعد سقوط الفاشر اختبارا لفعالية الأدوات الدولية التقليدية مثل العقوبات والعزلة الدبلوماسية والوساطة وآليات العدالة الدولية. فالعقوبات، رغم كونها إشارة رفضٍ دولي، تظل محدودة التأثير إذا تمكّن الدعم السريع من ترسيخ سلطته المحلية والاحتفاظ بداعميه الخارجيين.
الأولوية يجب أن تُمنح للمساعدات الإنسانية، لكنها لا يمكن أن تكون بديلًا عن الحلول السياسية أو عن المساءلة. فالمحكمة الجنائية الدولية وآليات الأمم المتحدة قادرة على توثيق الانتهاكات وملاحقة مرتكبيها، غير أن العدالة بطيئة وتتطلب إرادة سياسية وأدلة يصعب جمعها في مناطق النزاع النشط.
إن استجابةً دولية منسّقة ينبغي أن تجمع بين الحماية العاجلة، من خلال ضمان وصول المساعدات وفتح ممرات آمنة للإجلاء، وبين رسائل مساءلة واضحة، كالعقوبات الموجّهة وتجميد الأصول، إلى جانب دبلوماسيةٍ إقليميةٍ مكثفة لمنع تمدد العنف. لكن نافذة هذا التنسيق تضيق سريعًا؛ فكلما طال أمد الواقع الجديد على الأرض، تقلّ القدرة على تغييره.
وإلى ما بعد الأزمة الراهنة، يحمل سقوط الفاشر خطر تفككٍ اجتماعي طويل الأمد. فسنوات النزوح والمعاناة تآكل الثقة بين المكوّنات المجتمعية، وأضعفت آليات الوساطة التقليدية، وأجّجت الصراع على الأرض والموارد.
تكاليف إعادة الإعمار، من استعادة الخدمات الأساسية إلى ترميم النسيج الاجتماعي ونزع سلاح الجماعات، ستكون باهظة، وقد تتجاوز قدرات السودان دون دعمٍ دولي مستدام. إن تجاهل الاستثمار في «إصلاح النسيج الاجتماعي» سيُبقي البلاد رهينة دوائر متكررة من التعبئة والانتقام تمتد عبر الأجيال.
السياسة الدولية المسؤولة يجب أن تضع حماية المدنيين والممرات الإنسانية في صدارة أولوياتها، وأن تدفع باتجاه تحقيق العدالة عبر جمع الأدلة وفرض العقوبات على القادة المتورطين في الانتهاكات. كما ينبغي أن تنخرط في هذا الجهد كلٌّ من الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) والأمم المتحدة لضبط الحدود وإدارة تدفقات اللاجئين، مع تمويل طويل الأمد لإعادة الإعمار ودعم مبادرات المصالحة المحلية.
إن سقوط الفاشر يُغلق فصلًا من مأساة السودان ليفتح فصلًا أشدّ قتامة. فهو يُعمّق الانقسام الوطني، ويختبر حدود القدرة الإنسانية على الاحتمال، ويكشف صمت العالم الذي طال أمده. ومع ذلك، ما زالت الأصوات السودانية تصرّ على الحياة والكرامة والسلام.
فإذا كان لسقوط الفاشر أن يحمل معنى، فيجب أن يكون نقطة تحولٍ للضمير، لا انتصارًا للغلبة. فمستقبل السودان مرهون بقدرة العالم، وقادته في الداخل، على إدراك أن كل مدينةٍ تسقط، تُسقط معها جزءًا من روح الوطن.
أسامة أبوزيد هو باحث مختص في قضايا التنمية والحوكمة، يعمل حاليًا باحثًا مشاركًا في المركز الفرنسي لدراسة القرن التاسع عشر، ومنسقًا لبرنامج منح المساعدات لمشروعات الأمن الإنساني والتنمية المحلية.
الترجمة عن موقع ميديل إيست آي.