فى مساء سكندرى جميل، وفى قاعة الأوديتوريوم بمكتبة الإسكندرية، تحدث الدكتور محمد عادل الدسوقى فى محاضرته المعنونة «إسكندرية كفافيس: بين البيوت والأبيات» عن وجه آخر للمدينة الخالدة، وجه تسكنه الذاكرة ويغذيه الشعر المبدع. لم يكن اللقاء محض تأمل فى قصائد شاعر يونانى عاش فى بلدنا، بل محاولة لاستنطاق روح الإسكندرية نفسها من خلال قصائد كفافيس، شاعر الانتظار والخذلان والدهشة.

سألته بعد المحاضرة عن سر هذا الشغف المتجدد بتاريخ المدينة الكوزموبوليتانى، فأجابني: «فى الأصل هو اهتمام بالمدينة، بالإسكندرية، وبمحاولة ادراك تعقيداتها وطبقاته. قرأت قصائده وأعجبتنى، لكننى أدركتها بشكل مختلف تماماً عندما أتيحت لى الفرصة للعمل كعضو فى اللجنة العلمية لتجديد متحفه بالإسكندرية. توفرت لى الفرصة حينها للقراءة والتساؤل والنقاش مع مجموعة من أهم المتخصصين فى شعره وسيرته».

قلت: ألا ترى أن الاهتمام بتاريخ الإسكندرية الكوزموبوليتانى ربما يكون علاجاً ضد سموم النزعات القومية والثقافية الضيقة التى نراها فى عالم اليوم؟

قال: «السردية الكوزموبوليتانية المنتشرة اليوم سردية رومانسية، وهى Eurocentric إلى حد كبير، لذلك لا أراها علاجاً أو ترياقاً، فى المحاضرة حاولت تقديم فنان اختار أن يحيى فى المدينة، بلا مكاسب كولونيالية، بل كان موظفاً فى وزارة الرى يسكن شقة بلا كهرباء. أعتقد ان الحل فى إتاحة التاريخ وتقبل تعدد الرؤى وليس فى تبنى سرديات وسرديات مضادة».

وعن سؤالى الافتراضى: لو عاش كفافيس فى القرن الحادى والعشرين، كيف كان سيرى الإسكندرية المعاصرة؟، أجاب الدسوقى إجابة تنم عن تأمل عميق: «أظنه كان سيشعر بغربة شديدة، لكنه — كعادته — كان سيجد فى الغربة والاغتراب مصادر لمواصلة الكتابة».

وهى إجابة تلخص جوهر تجربة كفافيس كلها: الغربة بوصفها وطناً إبداعياً، والمنفى كشرط للكتابة الصادقة.

وعندما طلبت منه أن يختار قصائد يقدم بها كفافيس إلى القارئ المصرى، أجاب: «ربما القصيدة التى اقترحتها حضرتك فى القاعة «فى انتظار البرابرة» قرأتها عليكم فى المحاضرة بكل سهولة لأننى شديد الإعجاب بها. تليها «عندما تخلت الآلهة عن أنطونيو» لأنها نموذج مهم لعالم كفافيس الشعرى، ثم «إيثاكا» وهى قصيدة عبقرية».

هذه الاختيارات الثلاث ترسم بوضوح خريطة عالم كفافيس: الانتظار الميتافيزيقى، النفى البطولى، والرحلة الأبدية بحثاً عن المعنى.

وفى ختام الحديث، سألته عن الدرس الذى يقدمه كفافيس اليوم للعالم عن الهوية والذاكرة، فقال الدكتور دسوقى بعبارة موجزة آسرة: «أراه مثالاً يحتذى لأى فنان فى الصدق والاخلاص الحقيقى للفن والفن فقط».

هكذا ختم الدسوقى حديثه، وكأنه يلخص سيرة الشاعر وسيرة المدينة معاً:

فالإسكندرية، مثل كفافيس، لا تموت؛ إنها تسجل همساتها القديمة فى أبيات تضيء عبر الزمن، مدينة تحفظ ذاكرتها بالشعر، وتجد خلاصها فى التأمل والإبداع.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مكتبة الإسكندرية روح الإسكندرية

إقرأ أيضاً:

قصائد من سوريا ومصر تضيء ليالي معرض الشارقة الدولي للكتاب

ضمن فعاليات الدورة الـ44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، التي تُقام في مركز إكسبو الشارقة حتى 16 نوفمبر الجاري تحت شعار "بينك وبين الكتاب"، نظمت ساحة الشعر أمسية شعرية جمعت الشاعرة السورية وراد خضر والشاعر المصري جعفر حمدي، وأدارها الإعلامي فواز الشعار.

قدّمت الشاعرة وراد خضر، مجموعة من قصائدها التي تنوّعت بين الغزلية والتأملية، فقرأَت قصيدتها «كتاب» التي انسجمت مع روح المعرض وأجوائه، قائلة:

يامؤنس الناس بين الوحي والكَلِم عذبُ المنابع ريانٌ لكلّ ظمي

تستدرج العقل حرّاً ليس يأسره إلا شعاعُك بين الجهل والظُّلَم

في معرض للكتاب اليوم يحملني شوق شفيف الرؤى يرتدّ كالحلم

من جانبه، قرأ الشاعر والباحث المصري جعفر حمدي، الحائز على جائزة الشارقة للإبداع العربي 2018 عن ديوانه «كآخر نقطة في البئر»، مجموعة من قصائده التي تنوّعت بين الغنائية والتأمل الوجودي، من أبرزها قصيدة «قلبي النقي» التي يقول فيها:

قَلْبي النقي مَشى بِئراً لِواردِهِ كَما تَهَيّأً عُصُفورْ لصاندِه
مَشى يُقلْبُ كَفَيْ شِعْرِهِ، فَعَدا يَلْوحُ لِلشَّمْسِ إذ تَزْهُو بعائدهٍ

 

كما قدّم قصيدته «سورة الضعفا» التي تناول فيها معنى الضعف الإنساني وقوة الشغف، وجاء في أحد مقاطعها:

لأنّ كتابةَ الدنيا نزيفٌ يقتضي شغفًا

ونخلُك يا أبي رئةٌ ترشُّ نسيمَها السعفَا.

وشهدت الأمسية تفاعلًا واسعًا من الجمهور الذي تنقّل بين القصائد في صمتٍ مفعم بالإنصات وتصفيقٍ يترجم الامتنان، في لقاءٍ وصفه مقدمها بأنه "جلسة أسرية للشعراء وعشاق الكلمة تحت سقف واحد، بين الكتب والقصائد"، ضمن سلسلة من الفعاليات والأمسيات الشعرية التي يحتضنها المعرض في دورته الرابعة والأربعين.
 

مقالات مشابهة

  • طقس الإسكندرية.. أجواء مشمسة جزئيا وبرودة ليلا مع هدوء أمواج البحر
  • مواعيد القطارات على خط القاهرة الإسكندرية والعكس اليوم
  • من الإسكندرية لـ أسوان.. مواعيد القطارات اليوم الأحد 9 نوفمبر 2025
  • لو مسافر.. اعرف مواعيد قطارات «القاهرة - الإسكندرية» اليوم الأحد 9 نوفمبر 2025
  • قصائد من سوريا ومصر تضيء ليالي معرض الشارقة الدولي للكتاب
  • قصائد تضيء ليالي «الشارقة للكتاب»
  • "أصل وفصل".. محاضرة ثقافية للمعماري سالم حسين بمتحف نجيب محفوظ الليلة
  • جدول مواعيد قطارات «القاهرة - الإسكندرية» اليوم السبت 8 نوفمبر 2025
  • مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الجمعة