كيف يُسهم الذكاء الاصطناعي في «تعفّن الدماغ»؟
تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT
تشير أبحاث عالمية حديثة إلى أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي قد يسهم في تدهور الإدراك والمعرفة، ما يعرف بـ«تعفن الدماغ».
هذه الظاهرة ليست جديدة تماماً، لكنها تتسارع مع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي مثل برامج الدردشة، وتطبيقات التواصل الاجتماعي التي تغمر المستخدمين بمحتوى سريع السهولة الاستهلاك.
في ربيع العام الماضي، كلفت شيري ميلوماد، الأستاذة بكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، مجموعة من 250 شخصاً بمهمة كتابة نصائح حول نمط حياة صحي.
قُسِم المشاركون إلى مجموعتين: الأولى استخدمت البحث التقليدي عبر غوغل، والثانية اعتمدت فقط على ملخصات المعلومات المُولّدة بالذكاء الاصطناعي.
أظهرت النتائج أن النصائح الناتجة عن الذكاء الاصطناعي كانت عامة وغير مفيدة، مثل «تناول أطعمة صحية» أو «احرص على النوم»، بينما قدّم مستخدمو البحث التقليدي نصائح أكثر تفصيلاً تغطي الصحة البدنية والعقلية والعاطفية.
وخلصت ميلوماد إلى أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وحده يؤدي إلى أداء أدنى في مهام التعلم والكتابة.
عصر «تعفن الدماغ»مصطلح «تعفن الدماغ» أصبح كلمة العام 2024 بحسب قاموس أكسفورد، ويشير إلى الحالة العقلية المتدهورة نتيجة الانغماس في محتوى إنترنت رديء الجودة.
استخدام تطبيقات مثل «تيك توك» و«إنستغرام» ومشاهدة مقاطع الفيديو القصيرة يساهم في تحويل الدماغ إلى حالة تشبه الهريس، بفقدان التركيز والعمق في التفكير.
التكنولوجيا والدماغ: هل تضعفنا حقاً؟القلق من تأثير التكنولوجيا على القدرات العقلية ليس جديداً، فحتى سقراط انتقد اختراع الكتابة لخوفه من إضعاف الذاكرة البشرية.
وفي عام 2008، نشرت مجلة «ذا أتلانتيك» مقالاً بعنوان «هل يجعلنا غوغل أغبياء؟»، لكن الدراسات آنذاك اعتبرت المخاوف مبالغاً فيها. إلا أن ظهور الذكاء الاصطناعي وتوسع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي جعل هذه المخاوف أكثر جدية، خاصة مع انخفاض مستويات القراءة والفهم لدى الأطفال والمراهقين الأميركيين بعد جائحة كوفيد-19 وزيادة وقت الشاشة.
الدراسة الأبرز في معهد ماساتشوستس للتكنولوجياأظهرت دراسة على 54 طالباً جامعياً تأثير استخدام «جي بي تي» على الكتابة والتذكر.
قُسِم الطلاب إلى ثلاث مجموعات: مجموعة استخدمت «جي بي تي»، ومجموعة استخدمت البحث التقليدي، ومجموعة اعتمدت على أدمغتها فقط.
النتائج كانت واضحة: مستخدمو «جي بي تي» سجلوا أدنى نشاط دماغي خلال الكتابة، وبعد دقيقة واحدة من إكمال المقال، لم يتمكن 83% منهم من تذكر أي جزء منه، بينما استطاع الطلاب الآخرون الاقتباس من مقالاتهم.
وأكدت الباحثة ناتاليا كوزمينا أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يقلل من المسؤولية الذهنية ويضعف القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات.
وسائل التواصل الاجتماعي وتدني الأداء الإدراكيأظهرت دراسة جامعة كاليفورنيا أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين الأطفال والمراهقين مرتبط بتراجع نتائج اختبارات القراءة والذاكرة والمفردات.
كل ساعة يقضيها الطفل في تصفح التطبيقات تقلل من الوقت المخصص للقراءة والنوم والأنشطة الأكثر إثراءً.
استخدام صحي للذكاء الاصطناعييمكن توظيف الذكاء الاصطناعي بطريقة تعزز الدماغ بدلاً من إضعافه، مثل استخدامه للإجابة عن أسئلة صغيرة أو التحقق من الحقائق بعد إجراء البحث والتفكير الشخصي أولاً.
كما يُنصح بتحديد مناطق خالية من الشاشات للأطفال ومنع استخدام الهواتف في أماكن مثل غرفة النوم وطاولة الطعام لضمان التركيز والدراسة والنوم الجيد.
التفكير أولاً، ثم الاعتماد على الذكاء الاصطناعيالدراسة أظهرت أن الطلاب الذين بدأوا بالكتابة بأدمغتهم فقط ثم استخدموا «جي بي تي» لاحقاً، حققوا نشاطاً دماغياً أعلى، مقارنة بمن اعتمدوا على «جي بي تي» منذ البداية.
هذا يشير إلى أهمية البدء بالجهد الذهني الشخصي قبل اللجوء إلى أدوات الذكاء الاصطناعي، على غرار استخدام القلم والورقة قبل اللجوء للآلة الحاسبة.
الذكاء الاصطناعي للجوهر وليس للنسخيجب استخدام الذكاء الاصطناعي للإجابة عن التفاصيل الصغيرة أو للتحقق من المعلومات، وليس لاستبدال عملية التفكير والبحث العميق، وتبقى قراءة الكتب والبحث التقليدي الأساس لتعزيز الإدراك والمعرفة بشكل صحي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي تعفن الدماغ الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي التواصل الاجتماعي على الذکاء الاصطناعی التواصل الاجتماعی تعفن الدماغ جی بی تی
إقرأ أيضاً:
النساء وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي.. واقع افتراضي أم مرآة للحياة؟
أشارت دراسات اجتماعية ونفسية حديثة إلى أن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على النساء أكبر من تأثيرها على الرجال، فبينما يستخدم كلا الجنسين المنصات الرقمية للتواصل وتبادل المعلومات، تظهر النساء معدلات أعلى من الارتباط العاطفي بها، ما يجعل الانغماس في "العالم الافتراضي" جزءًا مهمًا من حياتهن اليومية.
تعتمد منصات مثل إنستجرام وتيك توك وفيسبوك على المحتوى البصري والانفعالات اللحظية، مما يدفع النساء للتفاعل بشكل أعمق مع الصور والقصص ومظاهر النجاح والرفاهية، ويشير خبراء علم الاجتماع إلى أن النساء غالبًا ما يقارنن حياتهن الواقعية بما يُعرض على هذه المنصات، ما قد يؤثر على مستوى الرضا عن الذات وتقديرها.
تحديات التفريق بين الواقع والخيال
مع كثرة الوقت الذي تقضيه النساء على وسائل التواصل، تتداخل الحدود بين الواقع والنسخ الرقمية المثالية. فصور الأجسام المثالية، والحياة الأسرية الفاخرة، والسفر المترف قد تخلق فجوة بين الواقع وما يُعرض، مما يدفع بعض النساء إلى الشعور بالنقص أو محاولة تقليد نماذج مصطنعة.
تحذر متخصصات في علم النفس من أن هذا النمط قد يزيد معدلات القلق والاكتئاب لدى النساء مقارنة بالرجال، خصوصًا مع انتشار ثقافة المقارنة الدقيقة.
الفرق بين استخدام النساء والرجال
في المقابل، غالبًا ما يستخدم الرجال وسائل التواصل لأغراض محددة مثل متابعة الأخبار أو الاهتمامات المهنية أو الألعاب الإلكترونية، بينما تعتمد النساء على هذه المنصات لبناء صورة ذهنية عن الحياة المرغوبة، والتعبير عن الذات، وتكوين روابط اجتماعية. ويؤدي هذا الانخراط العاطفي المكثف إلى تأثير نفسي أعمق وأكثر تعقيدًا على النساء.
يرى الخبراء أن الحل لا يكمن في الانقطاع عن وسائل التواصل، بل في تعزيز "الوعي الرقمي"، أي إدراك أن ما يُعرض على المنصات لا يعكس الواقع بالكامل. كما ينصحون بنشر ثقافة المحتوى الحقيقي وتعزيز تقدير الذات المبني على التجربة الشخصية وليس المقارنة مع الآخرين.
الانعكاس على الحياة الزوجية
وأوضحت الدكتورة نيفين وجيه، الاستشارية الأسرية، أن هذا الفارق في الاستخدام قد يؤثر مباشرة على الحياة الزوجية، حيث تسعى بعض النساء لتحقيق نموذج "الكمال" المعروض على منصات التواصل، ما يؤدي إلى مقارنات مستمرة بين الواقع والحياة الرقمية، ويولد توترًا ومطالب غير منطقية داخل الأسرة.
وأضافت أن الرجال غالبًا أكثر قدرة على الفصل بين ما يظهر على الشاشات وما يحدث في الواقع، ويميلون للتعامل مع المشكلات بهدوء أكبر.
وأكدت وجيه على ضرورة رفع الوعي الرقمي داخل الأسرة وتعزيز ثقافة الحوار بين الأزواج لفهم تأثير المحتوى الافتراضي على السلوك والمشاعر، مشيرة إلى أن التعامل الناضج مع وسائل التواصل أصبح جزءًا أساسيًا للحفاظ على استقرار العلاقات.