زيادة مبيعات النفط الإيراني رغم تفعيل آلية الزناد فما الأسباب؟
تاريخ النشر: 16th, November 2025 GMT
طهران – لم تمض سوى أيام على إعلان إيران تسجيل صادرات نفطية قياسية بالتزامن مع تفعيل الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) آلية الزناد وعودة العقوبات الدولية عليها، حتى كشفت شركة "تانكر تراكرز" لتتبع شحنات البترول عن بلوغ مبيعات طهران النفطية رقما غير مسبوق منذ عام 2018.
وعلى النقيض من الاعتقاد السائد لدى الرأي العام الإيراني بأن مبيعات النفط ستواجه تحديا خطيرا مع عودة العقوبات الدولية وأن الاقتصاد الوطني المثقل بالعقوبات سيتأثر سلبا، جاءت الإحصاءات الدولية معاكسة لهذه التوقعات.
فقد أكدت "تانكر تراكرز" -في منشور على منصة إكس– أن "إيران صدّرت خلال سبتمبر/أيلول الماضي نحو 2.3 مليون برميل من النفط الخام، وهو رقم قياسي غير مسبوق خلال السنوات السبع الماضية"، منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي واعتماد سياسة العقوبات الأشد على طهران.
وتظهر البيانات الرسمية لوزارة النفط الإيرانية أن صادرات البلاد الشهرية بلغت 66.8 مليون برميل، بمعدل يومي يناهز 2.15 مليون برميل، في حين رفض وزير النفط الإيراني محسن باك نجاد الكشف عن حجم مبيعات بلاده النفطية.
.
أسباب الزيادة
وقال باك نجاد -على هامش اجتماع المجلس الوزاري في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي- "للأسف لا أستطيع الكشف عن أرقام صادرات النفط، لكن لو كنت قد ذكرتها، لعرفتم أن الوضع أفضل بكثير من السابق".
ويرجع حميد حسيني، رئيس نقابة مصدري النفط والغاز والبتروكيميائيات في إيران، أسباب ارتفاع المبيعات إلى الزيادة المتزامنة في الإنتاج وتعديل مسارات التسويق، إضافة إلى سياسة تخزين الفائض على الأراضي الصينية.
وفي حديث للجزيرة نت، يرى حسيني أن سلوك إدارة ترامب تجاه إيران والصين عزز التنسيق بين الطرفين لمواجهة الضغوط الأميركية، مؤكدا أن تزايد الطلب على النفط مكّن طهران من بيع كميات كبيرة من نفطها العائم في المياه الدولية وتسجيل رقم قياسي في مبيعاتها.
إعلانويصف حسيني إحصاءات الشركات الدولية المعنية بتتبع شحنات النفط بأنها "موضوعية"، لكنه يستدرك بأن نظام تتبع ناقلات النفط -بعد إعادة تشغيله- أظهر أن كمية النفط الإيراني العائم لا تتجاوز 20 مليون برميل، وأن عدد سفن الأسطول الإيراني لا يتجاوز 70 سفينة بين محملة وأخرى عائدة بعد تفريغ حمولتها.
إرادة سياسيةوفي حين ترى شريحة من المراقبين في إيران أن البيانات الدولية حول مبيعات طهران النفطية تشكّل فشلا لتفعيل آلية الزناد وتحقيق هدفها الأساسي، يقول الباحث الاقتصادي محمد إسلامي إن إعادة العقوبات الدولية تم تفعيلها في سبتمبر/أيلول الماضي، لكنها تحتاج وقتا أطول لتأخذ فاعليتها.
ويشير إسلامي -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الخلاف بين القوى الشرقية والغربية في مجلس الأمن حول القرار الأممي 2231 حال دون تشكيل اللجان المعنية بتنفيذ العقوبات، وأنه لا يوجد إجماع دولي بشأنها.
كما يرى أن روسيا والصين تعتقدان بانتهاء القيود على إيران منذ 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو تاريخ نهاية بعض بنود الاتفاق النووي لعام 2015.
وبرأيه، فإن إيران سبق وتأقلمت مع أساليب إدارة ترامب في الضغط الاقتصادي، وقد تكون وضعت حلولا مسبقة للرد على خطوة الأوروبيين في تفعيل آلية الزناد. ويؤكد أن المعارضة الروسية والصينية لعودة العقوبات الأممية تدفع وزارتي الخزانة والخارجية الأميركيتين للعمل على إقناع الدول بتنفيذ العقوبات خارج إطار الأمم المتحدة.
ويضيف إسلامي أن العقوبات الأميركية لن تستطيع تصفير صادرات النفط الإيراني، لأن طهران لا تصدّر نفطها وفق التجارة الكلاسيكية ولا تعتمد القنوات المالية التقليدية لتحصيل عوائده، فضلا عن إصرار المشتري الصيني على عدم الامتثال للضغوط الأميركية. لكنه لا يستبعد لجوء واشنطن إلى أساليب مبتكرة لتقليص المبيعات.
من جهته، يقلل الباحث الاقتصادي سعيد ليلاز من أهمية الزيادة المتقطعة في مبيعات النفط ما لم تكن نابعة من زيادة فعلية في الإنتاج، موضحا وجود فجوة كبيرة بين بيع النفط وإدخال عوائده إلى البلاد بسبب الصعوبات المالية.
ولاحظ ليلاز -في حديثه للجزيرة نت- وجود إرادة سياسية إيرانية صينية تقف خلف ارتفاع المبيعات بالتزامن مع تفعيل آلية الزناد، معتبرا أنها تأتي في إطار تحدي السياسات الغربية الهادفة إلى تقويض القوى الشرقية. ويشير إلى أن "الولايات المتحدة سبق وأن استهلكت جميع طلقات بندقية آلية الزناد قبل تفعيلها، وبالتالي لا تأثير كبيرا لها على صادرات النفط والاقتصاد الإيراني".
وبحسب قوله، فإن إحباط مفعول الضغوط الأميركية لن يكون دون مخاطر، إذ قد يدفع ذلك خصوم طهران إلى التفكير بالخيار العسكري كما حصل في يونيو/حزيران الماضي، حين شعرت الإدارة الأميركية بأن ضغوطها فشلت في كبح البرنامج النووي الإيراني. ويضيف أن التصريحات السياسية في طهران وبكين قد تعكس توافقا على مقايضة الطاقة بالسلاح.
ويتابع ليلاز أنه إذا قررت الصين مواصلة شراء النفط الإيراني، فلن تتمكن العقوبات الغربية من تركيع الاقتصاد الإيراني، مضيفا أنه حتى في حال انخراط بكين في السياسة الأميركية، ستكون طهران قادرة على إدارة البلاد ببيع نحو 500 ألف برميل يوميا.
إعلانوبناء على تفعيل آلية الزناد وتصاعد الضغوط الأميركية، يضع الباحث السيناريوهات التالية لمستقبل مبيعات النفط الإيراني:
زيادة المبيعات، إذا تراجعت الضغوط الغربية على إيران، وهو سيناريو مستبعد. تراجع الصادرات، في حال خفض التوتر بين بكين وواشنطن، وهو احتمال ضعيف أيضا. الثبات أو التأرجح عند مستويات الكمية الحالية، إذا استمر الوضع السياسي على ما هو عليه.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات تفعیل آلیة الزناد النفط الإیرانی مبیعات النفط ملیون برمیل
إقرأ أيضاً:
في مهمة احتواء الخلافات وإعادة التموضع.. إيران تُعيد شهلايي إلى صنعاء
في خطوة استراتيجية تحمل أبعادًا أمنية وسياسية بارزة، أعادت إيران إلى صنعاء القيادي البارز في الحرس الثوري، عبد الرضا شهلايي، بعد غياب دام نحو عام، وفق ما نقلت مصادر سياسية يمنية رفيعة.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه جماعة الحوثي تصدعات داخلية متزايدة، مدفوعة بضربات أمنية وعسكرية استهدفت قيادات مهمة. بحسب هذه المصادر، فإن طهران تسعى من خلال إعادة شهلايي إلى اليمن إلى إعادة ترتيب صفوف مليشيا الحوثي، وتأمين نفوذها المباشر داخل الجماعة في مواجهة تداعيات الضربات الأخيرة.
بحسب مصادر سياسية يمنية، فإن عودة شهلايي تهدف إلى تعويض خسائر طهران في ساحات إقليمية مثل لبنان وسوريا، من خلال ترسيخ نفوذها في حليفها الحوثي عبر إدارة الملف الأمني والعسكري بيد إيرانية مباشرة. وأضافت المصادر أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة استهدفت مواقع حساسة داخل الجماعة، وأدت إلى مقتل قيادات عدة، ما شكل "انكشافًا أمنيًا غير مسبوق" داخل المليشيا وصدمة لمناصريها، وفق تعبيرهم.
عودة شهلايي تعكس، بحسب المحللين، رغبة الحرس الثوري في سد فراغ استراتيجي خلقه مقتل قادة إقليميين بارزين، وتعويض تراجع بعض الأدوار الإيرانية في محاور أخرى لصالح استثمار القوة الحوثية كذراع محوري لطهران في اليمن.
عبد الرضا شهلايي، الذي يُعرف أيضًا بأسماء مستعارة مثل "الحاج يوسف"، هو قيادي رفيع في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وله دور تاريخي في دعم الجماعات المسلحة الشيعية في دول مثل العراق واليمن. وُصنّف شهلايي كإرهابي من قبل الولايات المتحدة، التي عرضت مكافأة تصل إلى 15 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي لموقعه، نظرًا لدوره في التنسيق بين إيران والحوثيين في اليمن.
كما تتهمه الولايات المتحدة بدور في نقل أسلحة إلى الجماعة، وإشرافه على العمليات العسكرية والاستخباراتية الإيرانية داخل اليمن.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل صفعة استراتيجية للحوثيين، إذ تعيد إيران فرض سيطرتها المباشرة على الملف الحوثي بعد مرحلة من الاستقلال الجزئي للجماعة. ووفقًا لتقييم المصادر، فإن طهران تحاول عبر إعادة شهلايي إعادة ضبط الأجهزة الأمنية والاستخباراتية داخل الجماعة من خلال تطهير بعض القنوات من "الاختراقات" وتثبيت قيادات موالية لطهران، وكذا توحيد مراكز النفوذ والانقسام الداخلي خصوصا في ظل الصراع المحتدم بين أجنحة الحوثي على السلطة والمال، وإضافة إلى تحويل الجماعة إلى قاعدة نفوذ إيرانية أولية في اليمن بعد الخسائر التي تكبدتها طهران في محاور إقليمية أخرى.
مصادر يمنية تعتبر أن نجاح شهلايي في مهمته يعني تحوّل الحوثيين إلى ذراع إيراني أعمق وأكثر تماسكًا في اليمن، خصوصًا في ظل الفراغ الاستراتيجي الذي تعتقد طهران أنه تركه غياب بعض الشخصيات المؤثرة. وتضيف المصادر أن طهران تراهن على إعادة بناء نفوذها في اليمن ليس فقط عسكريًا، وإنما سياسيًا واقتصاديًا، عبر استثمار الجماعة كأداة محورية ضمن محور إيران الإقليمي.
من جهة أخرى، يبدو أن بعض الخبراء اليمنيين يرون في إعادة شهلايي خطوة مضادة للضغوط الإسرائيلية والأمريكية، تهدف إلى إعادة تماسك الجماعة بعد ضربات أمنية تركت جروحًا في الجهاز القيادي.