كيف يمكن خفض الكوليسترول في الدم دون أدوية؟
تاريخ النشر: 17th, November 2025 GMT
يعد الكوليسترول، وهو نوع من الدهون، ضروريا لنمو الخلايا وإصلاحها، وإنتاج فيتامين د والهرمونات الستيرويدية مثل الإستروجين والتستوستيرون. ولكن عندما تكون مستوياته مرتفعة جدا يمكن أن تتراكم الرواسب الدهنية في الشرايين وهذا يؤدي إلى تضييقها وتصلبها.
وأحيانا لا تظهر أي أعراض على المرضى، ولكن تراكم الدهون سبب رئيسي للنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
ويمكن للكوليسترول الضار أن يخترق بطانة الأوعية الدموية ويتراكم، والكوليسترول الضار هو البروتين الدهني منخفض الكثافة (low-density lipoprotein (LDL)).
ويحمل الكوليسترول الجيد، المعروف بالبروتين الدهني عالي الكثافة ((HDL) high-density lipoprotein)، الكوليتسرول الضار للكبد ويبعده عن مجرى الدم.
ويرتبط ارتفاع الكوليسترول في الغالب بنمط الحياة، ويمكن التغلب عليه من خلال تغييرات في النظام الغذائي ونمط الحياة من دون اللجوء للأدوية، فكيف السبيل إلى ذلك؟
تناول الدهون الصحية بدلا من الأطعمة قليلة الدسميتطلب خفض مستوى الكوليسترول في الدم تقليل تناول الدهون المشبعة مثل الزبدة، واللحوم المصنعة، والفطائر، والبسكويت.
ويقول الدكتور علي خافاندي، استشاري أمراض القلب التداخلية في مستشفى سوليس في المملكة المتحدة لصحيفة التلغراف البريطانية: "إذا كنت ترغب في تناول دهون صحية، فالتزم بالأطعمة ذات المكون الواحد مثل الأسماك الزيتية والمكسرات والبذور والزيتون والأفوكادو".
ويضيف "يعتقد الكثير من مرضاي أن الخيار الصحي هو شراء أي شيء يحمل كتب عليه "منخفض السعرات الحرارية" أو "قليل الدسم"، عادة ما تكون هذه الأطعمة فائقة المعالجة مع إضافة سكر. إنها منخفضة في الألياف المكافحة للكوليسترول، وتسبب ارتفاعا حادا في مستوى السكر في الدم، كما أن جميع المضافات والمستحلبات يمكن أن تسبب الالتهاب وتخل بتوازن بكتيريا الأمعاء، وهذا يساهم في النهاية بارتفاع مستوى الكوليسترول".
وجدت بعض الدراسات أن اتباع نظام غذائي غني بالطماطم يمكن أن يقلل من مستوى الكوليسترول الضار ويزيد من مستوى الكوليسترول الجيد، ربما لاحتوائها على الليكوبين، مضاد الأكسدة القوي الذي يمكن أن يرتبط بالكوليسترول الضار ويساعد في منع تأكسدها.
تناول الشوفان على الإفطاريحتوي الشوفان على نوع من الألياف القابلة للذوبان يسمى بيتا جلوكان، والذي يتحول تقريبا إلى هلام في المعدة ويرتبط بالكوليسترول، وهذا يحد من الكمية التي يمكن امتصاصها في مجرى الدم.
إعلان احصل على الستيرولات النباتيةالستيرولات النباتية والستانولات هي جزيئات تشبه الكوليسترول في الحجم والشكل، وعند تناولها تمنع امتصاص بعض الكوليسترول.
ويحتوي البروكلي والقرنبيط والأفوكادو على الستيرولات، بينما توجد الستانولات في الفول السوداني واللوز وبذور دوار الشمس.
استغنِ عن الزبدة بزيت الزيتون البكر الممتازثبت أن الدهون الأساسية في زيت الزيتون البكر الممتاز (الدهون الأحادية غير المشبعة) تخفض الكوليسترول الضار وتزيد من الكوليسترول الجيد.
كما أنه يحتوي على مضادات الأكسدة ومضادات الالتهاب التي تساعد على الحماية من تراكم الكوليسترول في الشرايين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات مستوى الکولیسترول الکولیسترول الضار الکولیسترول فی یمکن أن
إقرأ أيضاً:
هل يمكن اختزال الكون في رقم واحد؟ جدل عمره ثلاثون عاما
مقدمة الترجمة
منذ أن انطوى عقل الإنسان على جذوة دائمة الاشتعال بالسؤال عن طبيعة الكون، لم يتوقف عن محاولة اختزاله في معادلات بسيطة، أرقام قليلة تحمل في طياتها سر كل شيء. فهل يمكن فعلا أن يُختزل الكون في ثلاثة ثوابت فقط؟ أم ربما في واحد؟ أم أن الأمر برمّته وهم ناتج عن طريقتنا الخاطئة في القياس والفهم؟
من مقاهي سيرن في جنيف إلى مكاتب الفيزيائيين حول العالم، دار نقاش طويل امتد لثلاثين عاما حول عدد الأرقام التي نحتاج إليها لوصف الكون. نقاش اشتعل فتيله بداية من الجاذبية والنسبية والكم، لكنه لم يتوقف عند حدود المعادلات، بل امتد إلى أعماق الفلسفة ذاتها ليجعلنا نتساءل: ما الذي يُعدّ "أساسيا" لوصف الكون، وما الذي يمكن الاستغناء عنه؟
رحلة هذا المقال المترجم من مجلة نيوساينتست ليست عن أرقام جامدة، بل عن فكرة مدهشة بعض الشيء: أن ما نظنه جوهر الكون قد يكون مجرد طريقة أخرى لقياسه، وأن ساعة واحدة في النهاية، قد تكفي لقياس الكون بأسره.
بدأ كل شيء في ظهيرة أحد أيام صيف عام 1992 وقت الغداء، على الشرفة المطلة على مقصف مركز سيرن. ولو صادف أن كنت هناك في مختبر الأبحاث الفيزيائية قرب جنيف، لربما تناهت إلى مسامعك أطراف أحاديث يتجاذبها العلماء حول المسرّع الجسيمي الهائل الجديد الذي كان قيد التخطيط آنذاك، الآلة التي ستُعرَف لاحقا باسم "مصادم الهادرونات الكبير"، أو عن مشروع ناشئ لتبادل المعلومات يُدعى "الشبكة العنكبوتية العالمية"، لم يمضِ على ميلاده سوى أشهر قليلة فقط. غير أن هذا اليوم بالتحديد لم يكن كغيره، فقد اشتعلت على تلك الشرفة مناظرة حامية بين ثلاثة فيزيائيين.
جلس على تلك الشرفة ثلاثة رجال من عوالم مختلفة، الإيطالي غابرييل فينيزيانو، الذي كان من أوائل من نسجوا خيوط نظرية الأوتار، والعالم السوفياتي ليڤ أوكون، الذي منح الجسيمات المكوّنة من الكواركات اسمها الشهير "الهادرونات" (والكواركات هي إحدى اللبنات الأساسية للمادة، أي الجسيمات التي تُبنى منها معظم الأشياء في الكون، مثل البروتونات والنيوترونات الموجودة في نواة الذرة*).
إعلانأما الشخص الثالث فهو المنظّر البريطاني مايكل داف، صاحب البصمة البارزة في صياغة الامتداد الأجرأ والأكثر طموحا لنظرية الأوتار، المعروفة باسم "نظرية إم" (وهي نظرية تحاول توحيد كل القوى والقوانين التي تحكم الكون في معادلة واحدة*).
دار الجدل بين هؤلاء الثلاثة حول سؤال يبدو بسيطا في ظاهره، لكنه مخادع في باطنه: كم رقما نحتاج إليه لرسم ملامح الواقع؟ رأى فينيزيانو أن الطبيعة -لو صحّت نظرية الأوتار- لا تحتاج إلا إلى ثابتين اثنين يحكمان نسيجها العميق.
إلا أن أوكون رفض الفكرة، مشددا على أن أي نظرية جديرة بالاحترام تحتاج على الأقل إلى ثلاثة ثوابت أساسية تشدّ أركانها. وسخر داف من كليهما، مشيرا إلى أن الجواب الواضح في نظره هو صفر (أي أن القوانين الأساسية للطبيعة يمكن أن تُستمد كلها دون الحاجة إلى أي ثوابت*).
تحوّل هذا المزاح العابر على مائدة الغداء إلى حوار ثلاثي امتد لعقود طويلة، أخذ أصحابه إلى متاهة فكرية غائرة. ففي النهاية، أن تسأل عن عدد الأرقام التي نحتاج إليها لوصف الكون يعني أن تسأل عن ماهية هذا الكون.
وحتى يومنا هذا، لا تزال صدور العلماء تنوء بالحيرة والتأمل حول هذا النقاش، بل إن جيلا جديدا من الباحثين انضم مؤخرا إلى هذا النقاش الطويل، ليقدّم إجابة مفاجئة عن هذا السؤال المحيّر.
افتح أي مرجع من مراجع الفيزياء، وستجد وفرة من الأرقام التي تسبح بين صفحاته. كثير منها مما يُسميه الفيزيائيون "ثوابت"، وهي أرقام محددة تُدرَج في المعادلات لتنتج عنها حلول ذات معنى، مثل كتلة البروتون، أو شحنة الإلكترون، أو نصف قطر ذرة الهيدروجين. أما اللجنة المعنية بالبيانات في المجلس الدولي للعلوم، فهي الحارس الأمين لهذه القيم، إذ تحتفظ في جعبتها بقائمة طويلة تضم مئات الثوابت.
ومع ذلك، يظل هذا السؤال المخادع مُعلّقا في الأفق: كم رقما من هذه الثوابت جوهري حقا ولا يمكن الاستغناء عنه؟!
هل ثلاثة هو الرقم السحري للكون؟في الفترة التي اشتعلت فيها شرارة الجدل بين العلماء الثلاثة، كانت المراجع الفيزيائية تُولي اهتماما خاصا لثلاثة ثوابت تُعد أعمدة هذا العلم وأوتاده. يبرز أحدها في نهاية المعادلة الأشهر في التاريخ: "E = mc²"، التي خطها ألبرت أينشتاين لتكشف السر العجيب الذي يربط بين الطاقة والكتلة عبر ثابت واحد هو سرعة الضوء، التي يُرمز لها بالحرف "c".
يُعد هذا الثابت حجر الزاوية في نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين، التي أعادت تفسير آلية السببية في الكون. وتنص النسبية الخاصة على أن سرعة الضوء ثابتة لجميع المراقبين، مهما اختلفت سرعتهم أو موقعهم. ولكي يتحقق هذا الثبات الكوني، كان لا بد أن يتبيّن للعلماء أن الزمان والمكان ليسا عالمين منفصلين، بل نسيجا تجمع خيوطه سرعة الضوء، وتربطه في كيان واحد يُدعى الزمكان.
أما الرقم الثاني، فهو ثابت بلانك، وهو رقم صغير أشبه بتعويذة رياضية تربط بين طاقة الموجة وترددها، ويُرمز له بالحرف "h".
في علم الفيزياء، تُوصَف الموجات والجسيمات على أنهما وجهان لظاهرة واحدة يمكن التعبير عنها بطريقتين مختلفتين، وثابت بلانك هو المفتاح الذي يفتح الباب بين العالمين، مُرسيا بذلك أسس ميكانيكا الكم. ويستخدم ثابت قريب منه، يُعرف أيضا باسم "آش-بار" لتحديد المقياس الذي تبدأ عنده التأثيرات الكمية الظهور.
إعلانأما الرقم الثالث الذي يتوسط معادلات الكون، فهو ثابت الجاذبية لنيوتن، المعروف بين العلماء باسم "جي الكبير". يُحدِد هذا الثابت مقدار قوة التجاذب بين الكتل، ويشكل حجر الأساس في فهمنا لقانون الجاذبية. ومن خلاله يتضح كيف تخضع الأجسام ذات الكتلة لانحناءات الزمكان، وكيف يُعيد هذا الانحناء رسم مساراتها في الفضاء.
ومن الواضح أن ثمة نسقا معينا يتجلّى هنا، فهذه الثوابت لا تقتصر على رسم العلاقات بين الأشياء، بل تمارس سحرها الأعمق حين تدمج المفاهيم وتوحدها. فالمكان يغدو زمانا، والمادة تتبدد إلى طاقة، والموجة تتكثف لتصبح جسيما. يبدو أن الفيزياء في أبهى تجلياتها علم يميل إلى البساطة، فيُجرّد الكون من زوائده ليُبقي فقط على جوهره الأصفى.
كانت هذه الفكرة هي الجوهر أو الدافع الذي ألهم فينيزيانو عندما كتب بحثه عام 1986، ذلك البحث الذي أشعل فتيل الخلاف الشهير في مركز سيرن. استمد فينيزيانو إلهامه من نظرية الأوتار التي أحدثت آنذاك ثورة في فهمنا للعالم، إذ ترى أن الجسيمات التي تكوّن كل شيء ليست نقاطا صلبة، بل اهتزازات لأوتار دقيقة أحادية البعد. ومن جانبه، علّق فينيزيانو على ذلك بقوله: "كان معقد آمالنا أن تكون هذه هي النظرية التي تفسّر كل شيء، من اللبنات الأساسية للمادة إلى ما هو أبعد من ذلك".
ومن هذا المنطلق، رأى فينيزيانو أن الكون أبسط مما نتصور، وأنه لا يحتاج إلى تلك الثوابت الثلاثة التي تقوم عليها الفيزياء، سواء سرعة الضوء، أو ثابت بلانك، أو ثابت الجاذبية. إذ يمكن اختزال مفاهيم مثل الكتلة والطاقة إلى رقصات الأوتار وذبذباتها. وبهذا المعنى، خلص إلى أن الكون يحتاج فقط إلى ثابتين جوهريين: طول الأوتار وسرعة الضوء.
لكن أوكون لم يكن ليتقبل ذلك بسهولة. ففي نظره، كانت الثوابت الثلاثة، سرعة الضوء (c)، وثابت بلانك (h)، وثابت الجاذبية (G)، تمثل جوهر الفيزياء، أي الأساس الذي لا يمكن الاستغناء عنه أو اختزاله. فهي التي تنسج الخيوط بين النسبية، وميكانيكا الكم، والجاذبية.
وبحسب رأيه، فإن أي نظرية شاملة تفسّر الكون كله لا بد أن تضم هذه الثوابت الثلاثة في نسيجها.
وربما لهذا السبب، فضّل أن تبقى هذه النظرية الشاملة بعيدة عن التجريدات الغامضة لنظرية الأوتار، ورسم بدلا من ذلك خريطة بسيطة وواضحة للعلاقات بين النظريات، لتعمل هذه الثوابت كأنها مفاتيح تشغيل تتحكم في أبواب العالم الفيزيائي: فعندما تكون المفاتيح الثلاثة مغلقة (أي مساوية للصفر) نكون في عالم الميكانيكا الكلاسيكية، لا نسبية، ولا كم، ولا جاذبية.
ومع تشغيل سرعة الضوء (c)، يُفتح باب النسبية الخاصة. وعند تفعيل ثابت بلانك (h)، ننتقل إلى عالم ميكانيكا الكم. وعندما يجتمع الاثنان معا، تتشكل نظرية الحقل الكمومي.
ثم يأتي ثابت الجاذبية (G) ليضيف إلى الصورة ثقل الجاذبية، فنصل أولا إلى النسبية العامة، ثم بعد ذلك إلى الحلم الكبير: نظرية الجاذبية الكمومية، وهي نظرية افتراضية تجمع بين الثلاثة معا. بالنسبة إلى أوكون، لم تكن تلك الثوابت مجرد أرقام جامدة في المعادلات، بل الأعمدة التي يقوم عليها صرح الفيزياء ذاته.
استمر الجدل حول الثوابت زمنا طويلا. وبمرور الوقت، صار السؤال القديم طقسا معتادا كلما التقى الثلاثة في مؤتمر أو ندوة أو لقاء عابر. ورغم أن أوكون رحل عن العالم عام 2015، فإن داف وفينيزيانو ما زالا يتذكران ذلك النقاش بحنين مشوبا بلمسة مزاح، فهما يُدركان جيدا أن نقاشا كهذا لن يغيّر شيئا في الحسابات أو النتائج، ومع ذلك كان يحمل عمقا فكريا غريبا.
يتذكر فينيزيانو موقفا طريفا حدث حين تصادف لقاؤهم في رحلة تزلّج ذات مرة، فيحكي قائلا: "التقيت أوكون وهو يهمّ بالنزول من مقعد التلفريك (رافعة المتزلجين)، وحتى قبل أن يُلقي عليّ السلام، وجّه إصبعه نحوي مبتسما، وسألني: اثنان أم ثلاثة؟".
إعلانفي عام 2001، وبعد أن ظل الخلاف يدور على غير هدى دون حسم، كتب الثلاثة بحثا مشتركا يلخّص رؤاهم المتباينة. لكن ما الذي جعل مايكل داف يجزم بأن الكون لا يحتاج إلى أي ثوابت على الإطلاق؟ في الحقيقة، تمعن داف في المسألة من زاوية مختلفة تماما. فبالنسبة إليه، لم يكن السؤال يتمحور حول عدد الثوابت التي نحتاج إليها لوصف الكون، بل أي من هذه الثوابت يمثل شيئا حقيقيا، لا مجرد اصطلاح بشري.
ولكي يبسّط فكرته أكثر، دعا إلى تجربة ذهنية بسيطة: تخيّل أننا التقينا حضارة فضائية، تملك لغتها الخاصة، وتاريخها، وثقافتها، وطرق تفكيرها المختلفة، لكنها مثلنا تفهم قوانين الفيزياء بدقة. فما الأرقام التي سيضطرون حتما لاستخدامها في معادلاتهم؟ وهكذا تناول داف المسألة محاولا الوصول إلى جوهر السؤال من زاوية أعمق.
لفهم موقف داف على نحو أفضل، علينا أولا أن نميّز بين نوعين من الثوابت التي تستخدمها الفيزياء في وصف الكون، فبعضها ليس أكثر من نِسَب بين مقادير، مثل النسبة بين كتلة البروتون وكتلة الإلكترون، وهي رقم ثابت لا يتغير، لكنه لا يحمل أي وحدة قياس، لأنك حين تقسِم كتلة على أخرى تلغي الوحدات، فيصبح الثابت بلا أبعاد (أي عديم الوحدات).
لكن على الجانب الآخر، يختلف الأمر تماما مع الثوابت مثل سرعة الضوء (c)، وثابت بلانك (h)، وثابت الجاذبية (G)، فهذه الثوابت تحمل وحداتها معها، ولهذا تُسمى الثوابت البعدية.
خذ مثلًا سرعة الضوء، المعروفة بأنها تساوي 299,792,458 مترًا في الثانية. يرى داف أن هذا الرقم لا يعبّر عن حقيقة فيزيائية مُطلقة، بل هو نتاج الطريقة التي اخترعنا بها المتر والثانية.
فلو استخدمنا وسيلة أخرى لقياس المسافة أو الزمن، لتغيّر هذا الرقم حتما، فيعلّق ساخرا: "إحدى اللجان في باريس هي التي تقرر ما نسمّيه مترا، لكن الطبيعة لا تعبأ في الحقيقة بما تفعله تلك اللجنة." (والمقصود بهذه اللجنة هو المكتب الدولي للأوزان والمقاييس، الذي -بالمناسبة- يحتفل هذا العام بمرور 150 عاما على تأسيسه).
في الحقيقة، يمتد الأمر إلى ما هو أعمق من ذلك. فبإمكان العلماء، إن شاؤوا أن يختاروا وحدات القياس بحيث يتحول الثابت إلى العدد واحد. وهذه ليست مجرد حيلة نظرية، بل ممارسة شائعة في فيزياء الطاقات العالية، تُعرف باسم "الوحدات الطبيعية".
ولأن أي شيء يُضرَب أو يُقسَم على 1 يبقى كما هو، فإن الثوابت تختفي فعليا من المعادلات. لكن هذا لا يعني أن سرعة الضوء أو غيرها من الثوابت قد تبخرت من الوجود، بل إن العلماء ببساطة أعادوا رسم مقاييسهم ليصبح هذا الثابت هو المعيار الأساسي الذي تُقاس به الأشياء.
حين تفقد الثوابت قدسيتهايرى داف أن الثابت الذي يمكن طمسه بمجرد تغيير وحدات القياس لم يكن يوما ثابتا حقيقيا يمكن أن يُعوّل عليه. فالثابت الجوهري في نظره، هو ذاك الذي يصمد أمام كل تحويل أو إعادة تعريف، أي الذي لا يتبدل مهما تغيرت مقاييس البشر.
لذلك يفضل الاعتماد على الثوابت اللابعدية، التي تظل على حالها في كل لغة فيزيائية. ويعترف بأننا قد نحتاج إلى عدد منها، لكن هذا العدد يتغير بحسب النظرية، ولا يحمل في النهاية ذلك القدر من الأهمية. ففي النموذج القياسي للجسيمات، يمكن أن يصل عددها إلى 25 ثابتا لابعديا وفقا لطريقة صياغة المعادلات.
تحول هذا الجدل المتأرجح بين داف وأوكون وفينيزيانو، إضافة إلى ورقتهم البحثية عام 2001، إلى حكاية شبه أسطورية أو جزء من تراث متداول بين أروقة الفيزياء.
لكن على الجانب الآخر، يرى جورج ماتساس من جامعة ولاية ساو باولو في البرازيل أن هذا الجدل آن له أن يُحسَم بقوله: "من المخجل بعض الشيء، أننا بلغنا هذا العمق في فهمنا لأسس الفيزياء، وما زلنا عاجزين عن أن نبرأ من الخلاف حول هذه المسألة".
في عام 2024، قرر ماتساس وزملاؤه أن يضعوا حدا لهذا الجدل القديم، فعادوا إلى المبادئ الأولى، وأعادوا صياغة السؤال من جذوره، بادئين بهذا المثال: تخيّل فيزيائيا انتهى به المطاف على جزيرة نائية، وعليه أن يقيس كل ما في الكون من حوله: فما الحد الأدنى من أدوات القياس المستقلة الذي سيحتاج إليه ليصف العالم بدقة؟ هذا في جوهره معنى أن يكون الشيء "أساسيا".
فعلى سبيل المثال، عندما ترغب في قياس حجم صندوق، لن تحتاج إلى اختراع أداة جديدة، فالمسطرة وحدها ستفي بالغرض، إذ يمكن استخدامها في ثلاثة اتجاهات مختلفة للوصول إلى النتيجة. الأمر نفسه ينطبق على الفيزياء، إذ يغدو الطول أكثر أصالة من الحجم.
إعلانوفي حين أننا إذا وضعنا الثوابت الثلاثة الكبرى جنبا إلى جنب، فسنمنح العلماء ما يشبه أدوات القياس الأساسية للطبيعة: مسطرة للطول، وساعة للزمن، وميزانا للكتلة، فإن ماتساس وزملاءه كان لهم رأي آخر، وهو أن هذه الأدوات ليست كلها ضرورية، فبعضها يكرر وظيفة الآخر بطريقة أو بأخرى.
يقول ماتساس إن الأمر يبدأ من الكتلة. فبما أن الجاذبية تشد الأجسام نحو بعضها بطريقة يمكن التنبؤ بها، فيمكن معرفة كتلة جسم ما بمجرد قياس الزمن الذي يستغرقه في السقوط.
وكذلك، تمحو النسبية الحدود بين الزمان والمكان، حتى يغدو قياس أحدهما مرآة للآخر، وتكفي ساعة واحدة لتقيس بها المسافات نفسها (إذ يكفي أن تعرف كم من الوقت يستغرق الضوء ليقطع طريقه حتى يتحول الزمن إلى مسطرة خفية تمتد عبر أبعاد الكون*).
وعند هذا الحد، لا يعود السؤال عن "حقيقة" الكتلة أو الطول ذا معنى، فالأساسي حقا هو ما لا يمكن الاستغناء عنه. ووفقا لمنطق التبسيط الأقصى، كل ما تحتاج إليه هو ساعة.
وهذا يعني أنك لست مضطرا إلى استخدام الثوابت الثلاثة، سرعة الضوء (c)، وثابت بلانك (h)، وثابت الجاذبية (G)، إذ يمكنك أن تصف الكون بأكمله باستخدام ساعة واحدة، وثابت واحد يحدد الزمن، مثل تردد ساعة ذرّية. وبذلك يكون جواب ماتساس عن سؤال الثوابت ليس ثلاثة، ولا اثنين، ولا حتى صفرا، بل واحد فقط.
بالنسبة إلى ماتساس، فإن هذا الحل يجتث خيوط الجدل القديم من جذورها. فرؤية داف، التي تقول إن الثوابت ذات الأبعاد ليست أساسية في جوهرها، قد تكون منطقية ومتسقة من الناحية النظرية، لكنها لا تقدم للفيزيائيين إرشادا عمليا حول كيفية إجراء القياسات.
وتأكيدا على ذلك، يقول ماتساس: "حين تزعم أنه لا وجود لأي مقياس أساسي، فإنك تعني ضمنيا أن الزمكان نفسه لا يمدّنا بأي وسيلة لنعرف ملامحه".
ومع ذلك، لم تصفُ الأيام من شوائب الكدر ولم يُحسم الجدل بعد. فحتى ماتساس نفسه يعترف بأن حُجة فريقه تتهاوى عند المقياس الكمي. فمن الناحية النظرية، قد تكفي ساعة واحدة لقياس الكون بأسره، لكن من الناحية العملية، لا تسير الأمور وفق هذا النسق من البساطة. إذ لا يمكن صنع ساعة بدقة لا نهائية، فمبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ يفرض حدودا صارمة: فكلما حاولت قياس الزمن بدقة أكبر، كان عليك أن تُنفق طاقة أكبر.
لكن ما إن تبالغ في محاولة قياس الزمن بدقة شديدة، حتى تتدخل الجاذبية لتضع حدا لمحاولتك. فقد تنحشر طاقة هائلة في حيّز ضئيل إلى حد يجعل الساعة تنهار إلى ثقب أسود.
لهذا السبب، يرى ماتساس أن فكرته التي تشير إلى وجود ثابت واحد فقط لا تزال مرهونة بما قد تكشفه الفيزياء مستقبلا، إذ يقول: "ربما حين ينقشع الغموض عن سر الجاذبية الكمية، يتبدل الجواب الذي ظنناه نهائيا، وآنذاك قد ندرك أن الكون لا يحتاج إلى أي ثابت على الإطلاق، ويصبح الصفر هو الجواب الحقيقي".
على الجانب الآخر، يرى جواو ماغييجو من كلية إمبريال كوليدج في لندن أن هذا هو جوهر المأزق في النقاشات الفلسفية من هذا النوع، وقد سبق أن خاض جدالات مماثلة مع داف قبل أن يخلص إلى رأي نهائي يقول فيه: "هذا كله في النهاية مجرد انعكاس لتحيّزاتك النظرية. ومن الغطرسة أن نتصور أن ما نعرفه اليوم سيكون الكلمة الأخيرة إلى الأبد". ويشير إلى مثال من التاريخ في زمن غاليليو: "كانت جاذبية الأرض تُعد ثابتا كونيا لا يتغير، بينما نعلم اليوم أنها تتبدل تبعا للارتفاع عن سطح الأرض".
بعد كل تلك العقود من الجدل الذي بدأ في ظهيرة صيفية على شرفة مقهى سيرن، أدركنا أن السؤال لم يكن عن الأرقام، بل عن القناعات بماهية الواقع ذاته. فكم رقما نحتاج إليه لرسم صورة الكون؟ الجواب يتغير بتبدل نظرتك إلى الوجود. لقد مرّت سنوات طويلة حتى نسي داف وفينيزيانو تفاصيل ما قيل في ذلك الغداء الهادئ، لكن من الواضح أنه كان أمرا يستحق أن يُشغل في سبيله الذهن كثيرا.
____________
* إضافة المترجم
هذه المادة مترجمة عن نيوساينتست ولا تعبر بالضرورة عن الجزيرة نت