«اقتحمت جماعات الهيكل المتطرفة المسجد الأقصى بعد حشد الكثير من المستوطنين الذين اعتادوا الاعتداء على المسجد واقتحامه بينما تتوسع اقتحامات المستوطنين في موسم الأعياد اليهودية ومنها ثلاثة أعياد منتصف سبتمبر الجاري، حيث يقومون بإحياء ما يسمى بـ «عيد رأس السنة العبرية» الذي يستمر يومين يتم خلالهما تنظيم اقتحامات كبيرة للأقصى والبلدة القديمة"
خبر نشرته بعض الصحف والمواقع الإخبارية وسط حالة من الصمت الدولي المهين، خبر أعاد إلى ذاكرتي أحداثًا جليلة مرت بها دولة فلسطين العظيمة ودفع أبناؤها دماءهم ثمنًا للحفاظ عليها والدفاع عنها، فارتوت الأرض بطهرهم ولا زالت صامدة بمجد أبطالها وأطفالها، فهل تأتي أجيال يمكن أن تنسى الأقصى أو تجهل ما جرى على أرض فلسطين؟!.
وتذكرت..
ظهر يوم 30 سبتمبر عام 2000 دخلت إلى بهو مقر نقابة الصحفيين الذي كان آنذاك في مبنى مجاور لقسم شرطة الأزبكية، فقد كان المقر الأصلي الكائن في شارع عبد الخالق ثروت يتم إعادة بناؤه بشكله الحالي، فوجئت بعدد كبير من الزملاء الصحفيين يلتفون حول شاشة كبيرة معلقة في بهو النقابة، نظرت إلى شاشة التلفاز فكان هذا المشهد الصادم الذي أصابني بحالة من الذهول، شعرت بتصلب شراييني وغليان الدم في أوردتي وكاد رأسي ينفجر من هول ما أرى، كان صغيرًا يحتمي بين أحضان والده ويبكي بينما يضمه أبوه بذراعه ويصرخ قائلاً «كفى.. كفى».
كان هذا مشهد استشهاد أيقونة الانتفاضة الفلسطينية الطفل الشهيد محمد الدرة
توقف عقلي للحظة ما بين الوعي واللاوعي، هل وصل الأمر بالصهاينة أن يغتالوا صغارنا علنًا على مرأى ومسمع من شاشات التلفاز وفي بث مباشر؟! وأي قلب هذا الذي احتمل التلاعب بحياة طفل في حضن أبيه يرتجف خوفًا ورعبًا بينما تلاحقه رصاصات المحتل الذي تعمد إذلاله وأبيه قبل قتله بدم بارد؟!
أعلم الكثير عن تلك المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق أبناء العرب على مدى التاريخ منذ أن تمدد كسرطان في جسد الأمة العربية، وكنت أتابع وأكتب منذ سنوات عن أحداث فلسطين وأطفال حجارتها لكني لم أرَ من قبل مشهد قتل كهذا الذي شاهدته فى ذلك اليوم.
التقطت عدسة المصور الفرنسي «شارل إندرلان» المراسل بقناة فرنسا هذا المشهد لتكشف الستار عن عورة ضمير المجتمع الدولي الميت والخائن لكل معاني الإنسانية، وسألت نفسي وقتها، لو أنني في موقف هذا المصور الصحفي ماذا كان يجب علي أن أفعل، هل أحاول إنقاذ الطفل أم أحرص على التقاط الصورة لفضح ما يجري أمام العالم، كان صراعًا قاسيًا داخلي، ولا زال.
كنت أسأل.. يا الله كيف تلقت أم الصغير الخبر وهل استطاعت أن ترى مشهد قتل ابنها واصطياده بوابل النيران وهل شاهدت نظرات الخوف في عينيه وهو يستغيث بينما يختبيء في حضن أبيه رعبًا؟! هل شاهدت أمه ذلك؟!.
ثم، كيف سيكمل أبو الدرة حياته بعد تلك اللحظات الصعبة التي عاشها مع ابنه ولم يتمكن من حمايته وقد استشهد في حضنه؟!! يا الله.. ما كل هذا الوجع؟!
لم أتوقف عن البكاء طوال طريق عودتي لمنزلي، دخلت إلى غرفتي وأغلقت الباب وظللت أصرخ صراخًا مكتومًا حتى لا ينفجر صوتي الذي إذا تركت له العنان لاهتزت لوجعي السماوات السبع، كان ليلة عصيبة لم أستطع فيها النوم، لكني من شدة ألمي وإرهاقي غفلت عيني للحظات أفقت بعدها على شعور غريب استمر معي لأكثر من ستة أشهر بعدها، وكأن روح الشهيد محمد الدرة تحلق في غرفتي، كنت أشعر بها وبأنفاسه وكأن الأمر حقيقة وليست مجرد تخيل أو رد فعل لهول هذا المشهد شديد القسوة والوجع
انتفضت من فراشي وكانت الساعة تقترب من الخامسة صباحًا، أمسكت قلمي وكتبت مقالاً بعنوان «رسالة من أم محمد الدرة» كانت يدي تسبقني في كتابة الكلمات، وكأنما كنت أسكب دموعي وألقي بجراحي فوق أوراقي العاجزة عن فعل شيء، طيف الدرة، تبعه صوت صراخ أمه يملأ سمعي، أكاد أجن، فما عشته في هذه الليلة لن يصدقه أحد!
في اليوم التالي سلمت مقالي للجريدة كنوع من التنفيس عن النفس طالما أنني عاجزة عن فعل شيء حقيقي يحفظ كرامتي وكرامة وطني المستباح ويرد الأذى عن أطفالنا ويعيد إلى الدرة حقه..
كان حزني مرًا لكن الأكثر منه مرارةً هو الشعور بالعجز عن فعل شيء، خرجت من الجريدة أنا وزميلتي الأستاذة ناهد صلاح، وتوجهنا إلى دار القضاء العالي بوسط القاهرة وقد اتفقنا على أن نصرخ وألا نكتفي بمشاهدة الأحداث والكتابة عنها، فقبل أن نكون صحفيات نحن بشر.
دخلنا من بوابة المبنى الكائنة بشارع 26 يوليو ثم إلى بهو المبنى ومنه إلى الساحة الكبيرة المطلة على شارعي 26 يوليو وشامبليون، جلسنا وحدنا على سلم دار القضاء العالي ورفعنا صور استشهاد الدرة وعلم فلسطين، وبمجرد أن رآنا حارس البوابة طلب منا الانصراف فرفضنا، وبعد حوار قصير تركنا ومضى، وبدا أنه سيتصل لإبلاغ الشرطة، وهذا ما حدث بالفعل، ولكن قبل أن تحضر قوات الشرطة كان مئات الأشخاص، شبابًا ونساءً ورجال، يتجمعون حولنا ويهتفون «تسقط تسقط إسرائيل، الموت لقتلة الأطفال»، والكثير الكثير من الهتافات التي تعبر عن حجم الألم الذي نعيشه، وضجت ساحة دار القضاء العالي وخارجها بالمتظاهرين الذين انضموا لنا عبر شارعي 26 يوليو وشامبلين، ووسط الزحام الشديد والهتاف وانتشار قوات الشرطة في المكان حاول أحد شباب المتظاهرين تسلق البوابة الحديدية الكبيرة المطلة على شارع 26 يوليو ليرفع علم فلسطين وكنت أقف عن قرب منه، وقتها وأثناء تسلقه البوابة أمسك بقدمه رجل شرطة محاولاً إنزاله ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أجذبه من ذراعه من الخلف بقوة ليترك الشاب وأقول له: «سيبه ده هيرفع العلم».
التفت لي الرجل ففوجئت أنه لواء شرطة كان ضخم البنيان وأظنه لمح نظرة المفاجأة في عيني، فلم أكن أدرك قبل أن أشده من ذراعه أنه «لواء شرطة» والحقيقة أنني لا أعرف كيف تجرأت وقتها وتحديت رجلآً بهذا الحجم!.
لكنه لمح نظرة المفاجأة في عيني فابتسم وكأنه يقول لي: «انتي يا عيلة بتشديني أنا»!
وتركني ومضى مبتسمًا، وتم رفع علم فلسطين على بوابة دار القضاء العالي.
في اليوم التالي أبلغني زميل لي أن الآلاف من طلبة جامعة الأزهر كانوا يرفعون مقالي الذي كتبته عن الدرة أثناء تظاهراتهم التي هزت أرجاء مصر..
بعد أعوام كثيرة دعاني الشاعر الأستاذ أحمد مغربي لأمسية عقدها في مكتبة الزاوية الحمراء، وهناك طلب مني تقديم فقرة الأستاذ جمال الدرة والد الشهيد محمد الدرة، قدمت الفقرة لكنه حتى كتابة هذه السطور لم يعرف ما جرى لإمرأة عربية مثلي أودمى قلبها استشهاد ابنه.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل نقابة الصحفيين المسجد الأقصى محمد اقتحام المسجد الأقصى الدرة محمد الدرة الطفل محمد دار القضاء العالی
إقرأ أيضاً:
شاهد .. حقيقة القبض على عامل سيرك وشقيقه في طنطا لسبب مثير
تمكنت قوات الشرطة بمباحث قسم أول طنطا من ضبط المدعو محمد البسطويسي عامل السيرك وشقيقه بعدما طلبت النيابة العامة استدعائهما لأخذ اقوالهما في واقعة سرقة مجهولين لمتعلقاتهما الشخصية أثتاء سيرهما بالطريق العام بشوارع طنطا.
جهود أمنية
وأفاد مسئول أمني أن اطراف واقعة السرقة قد اتهمت عامل السيرك وشقيقه بإحداث إصابات بهما.
من ناحية أخري حددت محكمة جنح طنطا بمحافظة الغربية في 31 مايو القادم أولي جلسات محاكمة "أنوسة كوته " في واقعة التسبب في إهمال اكل ذراع المدعو محمد البسطويسي من جهة أحد النمور أثناء تدشين أحد العروض الترفيهية بسيرك طنطا.
وكانت النيابة العامة بناءا علي توجيهات المستشار أحمد صفوت المحامي العام الأول لنيابات غرب طنطا الكلية كلف رئيس نيابة أول طنطا بتقييد الأوراق جنحة و مخالفة بالمادة ٢٤٤ فقرة ١ و ٢ و ٣٧٧ من قانون العقوبات ضد "محاسن مدحت محمد على كوتة "كونها فى يوم ٢٠٢٥/٤/١ بدائرة قسم أول طنطا تسببت خطأ فى إصابة المجني علية محمد إبراهيم عبد الفتاح أحمد بأن كان ذلك ناشئا عن اهمالها و رعونتها و عدم احترازها و اخلالها الجسيم بما تفرضة عليه أصول حرفتها أثناء ادائها لعرض حيوانات مفترسة بالسيرك محل الواقعة فلم تتخذ الإجراءات الكافية لحماية جمهور السيرك من خطر تواجد الحيوانات المفترسة بحالة ينجم عنها الخطر فتسببت فى إصابة المجني عليه و الذي تخلف جراءها عاهة مستديمة تمثلت فى بتر ذراعة الأيسر أعلى الكوع .
بينما حسب ما وصف بالتقرير الطبي المرفق بالاوراق على النحو المبين بالتحقيقات بصفتها من الموالين بإقتناء حيوانات مفترسة أو مؤذية قامت بإيذائه على النحو المبين بالتحقيقات.