الحرب كوجه آخر لخيبات التطور المدني السياسي السوداني

وجدي كامل

بما أسجله من ملاحظة عن نفسي أولاً، وعن المجتمع السياسي والإعلامي والثقافي استطيع القول بأننا جميعاً بحاجة إلى جلسات من (الدعم) النفسي السريع غير المحدود لبلوغ الشفاء من نوبات ومتفاعلات الصدمة التي لحقت بنا جراء الحرب حتى نتمكن من إنتاج عقلي جديد يناسب ويتناسب مع اليوم التالي.

أولى خطوات العلاج تتمثل في أهمية الاعتراف بأننا فشلنا في أن نتعايش في، وضمن إطار وطني منتج وإيجابي المخرجات، وأن غالبية ما صنعناه من مؤسسات سياسية وثقافية وإعلامية وتعليمية تظل غريبة عن الواقع وإنسانه وأن الأخلاق الوطنية في محنة وأزمة تفوق الوصف، بما يعني أننا بحاجة ماسة وقصوى وعاجلة لتصميم خارطة طريق جديدة للتعايش الكلي بما تعنيه من علاج لمؤسسات الدولة في أبعادها العسكرية والأمنية والعدلية وتفعيل اقتصاد الفرد والجماعة ونبذ العطالة والمكابرة والعصبية والقبلية والمحاباة ببناء ثقافة مانعة لمكافحة الفساد ما ظهر منه وما بطن من فساد رمزي وبنيوي بالأفراد والمؤسسات.

والحرب وبما تعمق من جراح وضياع سياسي وحيرة نتيجة استمرارها وتماديها تكشف في المقابل عن عيوب هيكلية في المؤسسات السياسية المدنية ذات المصلحة في الحكم المدني الديمقراطي.

فالمؤسسات السياسية المدنية تساهم بنحو آخر في مد أيام الحرب في عجزها عن رؤية الاستراتيجي ومن ثم التوحد بنحو فعال ومبتكر وذكي يخرج بها من التشكيلات المتصارعة الراهنة.

فرؤية الاستراتيجي كانت وتظل بعد ثورة ديسمبر المجيدة تتمثل لكل فرد وجماعة ومؤسسة سياسية حادبة على التغيير الديمقراطي في تفكيك هيمنة نظام الاخوان المسلمين وثقافته بواسطة اقتلاع المؤسسات المنتجة والداعمة والميسرة لاستمرار تلك الهيمنة.

فقد أثبتت الأيام بعد الحرب أن الوثيقة الدستورية أو الشراكة السياسية مع اللجنة الأمنية لم تكن سوى الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه تحالف الحرية والتغيير بأسباب شتى وتقديرات لم تخل من قصر نظر ثوري وتكوين رأي في التسوية مخرجاً ليستبعد الاستراتيجي للثورة والممثل في الاستيلاء على جهاز الدولة بأكمله دون نقيصة أو نقصان.

هذا كان يعني ضرورة وأهمية إعمال التفكير الثوري لكافة مراحل ما بعد الثورة بتنقية الصفوف واستبعاد القوى السياسية والأفراد ذوي المصلحة في التغيير السياسي على شاكلة تغيير الجهاز التنفيذي وتعيين رئيس وزراء على عجل ودون مواصفات ثورية.

والاستراتيجي كان يعني العمل لأجل جني أكبر نصيب من النقاط لصالح الثورة وليس الرضاء والقبول بجزء يسير منها. فالقبول بالجزء اليسير عنى القضاء على رأس النظام السياسي للتنظيم الإسلاموي وليس القضاء على مؤسساته العسكرية والأمنية والاقتصادية والعدلية والإعلامية والثقافية. وها ذا هي المؤسسات المعبرة عن التنظيم السابق والثقافة السياسية المتصلة بطول حكمه تخرج برأسها وأسلحتها وتحشد مواليها ومنتقديها القدامى معاً وتشعل الحرب ومن ثم تناصر ديمومتها لتقصم ظهر الاستراتيجي الممثل في قوى الثورة الحيوية مما يعد تراجعاً فادحاً في جدول أعمال التغيير.

فافظع ما كشفت عنه الحرب ليس في الخسارات الفيزيائية الجسيمة في الأرواح والمباني والنزوح وما ينتظر من كوارث قادمة فقط، ولكن في فضح محتوى التفكير السياسي لخصماء ومعارضي الأمس لتنظيم الاخوان المسلمين الذين وقعوا فريسة داء الثنائية في الاختيار. فالحياة التي وفيما يبدو أنها قد اختارت اختصاراً مريباً ومجحفاً في شكل ثنائيات في تربة العقول السودانية حضرت هنا وبنشاط في معالجة مواقفها من الحرب.

وبدلاً من أن تذهب العقلية السياسية إلى الاستراتيجي من الثورة التي هي المستهدف من هذه الحرب من الفصيلين المتنازعين تناولت الطعم السام من الحرب بالاصطفاف والضياع بين خيوطه ومساراته مما ضاعف من تقسيم المقسم وأنتج هذه اللحظة من التوهان والعجز رغم المحاولات المدنية الداعمة لإيقافها.

هذه الحرب وفي وجهها الآخر فرصة للحركة السياسية ذات المصلحة في سودان ديمقراطي مدني بأن تراجع حساباتها وتوجه نقدها الذاتي بإعادة هيكلة تفكيرها وعلاقتها بالثورة والبحث في فرص تنمية فرصها ومواقفها من المستقبل وإلا سوف تنالها لعنة السودانيين للأبد بعد كل ما جرى لهم من تنكيل ودمار بسبب توحش اللعبة السياسية القائمة منذ بدايات الصراع السياسي ولحظة تكوين التنظيمات السياسية السودانية ما قبل الاستقلال (وليس ما بعده) كما يشاع ويلاك من الألسن ذات النظر القاصر في قراءة الأزمة التي تطورت إلى حرب أخرجت لسانها لأكثر من مائة عام من الحياة المدنية في مراكز البلاد وفي عاصمتها التي جنت قرار اختصارها للسودان في التخطيط والتفكير العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي فأفسدت وفضحت تفكيراً وثقافة سياسية قاصرة ودون حجم المقدرات البشرية والمادية من ثروات البلد العظيم المغدور بمؤسساته السياسية وأمراض نخبه المستوطنة.

الوسومالتفكير الثوري الحرب الحرية والتغيير السودان اللجنة الأمنية الوثيقة الدستورية ثورة ديسمبر وجدي كامل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرب الحرية والتغيير السودان اللجنة الأمنية الوثيقة الدستورية ثورة ديسمبر

إقرأ أيضاً:

“الثوري الإيراني”: صواريخنا عطلت مصفاة حيفا وضربت مركز للموساد خلال حرب الـ12 يومًا

الثورة نت /..

كشف المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، العميد علي محمد نائيني، أن القوات المسلحة الإيرانية عطلت مصفاة حيفا بإطلاق دفعتين من الصواريخ خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا، كما استهدفت مركزًا للموساد أسفر الهجوم عن مقتل 36 شخصًا.

وقال العميد نائيني، خلال مراسم يوم الطالب، اليوم الأحد، في جامعة آزاد أورميا، إن الحرب الأخيرة بدأت نتيجة “سوء تقدير العدو لإيران واعتقادهم بأنهم قادرون على استهداف المراكز النووية والصاروخية والقضاء على قادتنا دون أي رد”، بحسب وكالة “مهر” للأنباء.

وأضاف أن بعض المسؤولين الإسرائيليين تعرضوا لحالة من الانهيار، مشيرًا إلى أن قائد الثورة الإسلامية الإيرانية أكد أن “الكيان الصهيوني ارتكب خطأً فادحًا وسيكون مصيره البؤس”، وتحدث إلى الشعب عبر التلفزيون في اليوم نفسه.

وأوضح نائيني أن الجيش الإيراني أعاد تنظيم قياداته بسرعة، وأطلق عملية “الوعد الصادق 3″، وهي عملية متكاملة تعتمد على الحرب الإلكترونية والسيبرانية والصاروخية والطائرات المسيّرة، مستندة إلى معلومات استخباراتية وقاعدة بيانات كاملة.

وأكد أن الرد الإيراني على استهداف “إسرائيل” لمركز تخزين الوقود في طهران تم خلال خمس ساعات، حيث تم قصف مصفاة حيفا مرتين، مشيرًا إلى أن ذلك يمثل “تحفة من تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية”.

وذكر أن الهجوم “الإسرائيلي” على مركز استخبارات إيران قوبل باستهداف مركز للموساد أسفر عن سقوط 36 قتيلًا.

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري: كل من ارتكب جرما في العملية السياسية أو تورط في المال السياسي يجب أن يخضع للمحاسبة
  • على ماذا يعوّل .. لماذا يصر الجيش السوداني على الحسم العسكري
  • «الدفاع المدني» يدعو إلى توخي الحيطة والحذر إثر الحالة المناخية التي تشهدها مكة المكرمة
  • “الثوري الإيراني”: صواريخنا عطلت مصفاة حيفا وضربت مركز للموساد خلال حرب الـ12 يومًا
  • جرائم صادمة تهز المجتمع السوداني خارج ساحات الحرب
  • معركة حمص.. بين الحرب النفسية والميدان حتى لحظة التحرير
  • عباد يتفقد سير العمل بمكتب الأحوال المدنية وجمعية الثورة التعاونية
  • تراجع الدعم السياسي يضع حكومة السوداني أمام معادلة بقاء معقدة
  • تمدد المتشددين بالجيش السوداني بين النفي والواقع
  • قائد المنتخب السوداني: نتجاوز فواجع الحرب بـ «كرة القدم».. والفوز «يوم عيد»