بوابة الوفد:
2025-05-18@10:28:14 GMT

باحثة البادية.. أول من نادت بحرية المرأة

تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT

ولدت ملك حفني ناصف “باحثة البادية” في ديسمبر 1886 بمدينة القاهرة وهي إبنة للشاعر المصري حفني ناصف القاضي، وبدأت تعليمها في المدارس " المكاتب " الموجودة آنذاك.

 التحقت "ملك" بالمدرسة السنيّة، حيث حصلت منها على الشهادة الابتدائية عام 1900. ثم انتقلت إلى قسم المعلمات بالمدرسة نفسها، وكانت أولى الناجحات في عام 1903.

 

وبعد تدريب عملي على التدريس مدة عامين تسلّمت الدبلوم عام 1905، وعملت مدرسة في القسم الذي تخرجت فيه بالمدرسة السنيّة مدة، وتفجّرت مواهبها الأدبية أثناء دراستها، وجرى الشعر على لسانها وهي في سن مبكرة، فنشرت بعض آثارها الشعرية في جريدة "المؤيد" للشيخ علي يوسف، ثم دعاها الشاعر الكبير “مطران خليل مطران” إلى الكتابة في مجلة "الجوائب المصرية" التي كان يصدرها، فنشرت قصيدة وهي في السابعة عشرة من عمرها تتأسى فيها لوضع الشرق وتتألم من حاله المتردي، وقد أثارت القصيدة إعجاب الشاعر، ورأى فيها نزوعا إلى الإصلاح والتجديد، وعندما تم الإعلان عن مشروع الجامعة المصرية كانت "ملك" الآنسة الوحيدة التي ألّفت لجنة لدعم المشروع الكبير، وجمعت قدرًا من المال حتى يتحقق أمل البلاد بظهور جامعة حديثة.

زواج باحثة البادية  

 تزوجت بعدها في عام 1907 بأحد أعيان الفيوم، وهو شيخ العرب عبد الستار بك الباسل، عمدة قبيلة الرماح بالفيوم، وهو شقيق حمد باشا الباسل أحد مؤسسي حزب الوفد ورفيق سعد باشا زغلول في رحلة المنفى، وقد انتقلت إلى هناك وعاشت في قرية قصر الباسل، وهي إحدى ضواحي مركز إطسا وسط تجمعات بدوية حول القرية.

وفي البيئة الجديدة "بادية الفيوم" التي أقامت فيها بعد الزواج اتخذت اسم "باحثة البادية" نسبة إلى بادية الفيوم، وفي تلك البيئة عرفت عن قرب الحياة المتدنية والصعبة التي تعيشها المرأة فكان ذلك دافعًا لها لتبدأ مطالبتها بحقوق المرأة، ومن ثم أوقفت نشاطها على الدعوة إلى الإصلاح وتحرير المرأة بما لا يتعارض مع الدين أو التقاليد.

 

إقرأ أيضًا .. "أتريبس " المعبد الذي لم يبح بكل أسراره


عُرِفت "ملك" بثقافتها الواسعة و كتاباتها في العديد من الدوريات والمطبوعات وكانت تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية وتعرف شيئا من اللغات الأخرى، وكانت باحثة البادية تطوف منازل صاحباتها ومعارفها؛ لتقنعهم بإرسال بناتهن إلى المدارس. 

بدأت "ملك حفني ناصف" بما هو أقرب للإصلاح، ولا يتعارض مع التقاليد ، فحين اندلعت معركة الحجاب بين مثقفي مصر، كان رأيها أن الأول هو التخلص من الحجاب المعنوي الملقى علي عقل المرأة، ثم يكون لها الحق في خلع الحجاب المادي، أو التمسك به قائلة “نطالبكم بتهذيب أرواحنا وتثقيف عقولنا، ولسن نطالبكم برفع نقابنا، فمن المروءة أن تلبوا طلبنا وتتركوا ما عداه لنا، فسيأتي الوقت الذي نشعر فيه بحاجتنا الي السفور، إذا قمتم بواجبكم نحونا وهو تعليمنا وتهذيبنا، كنا بعد ذلك أبصر منكم بما ينفعنا، وما يضرنا، كذلك نحن نعلم أن هذا الحجاب لن يدوم، ولكن ليس هذا أوان السفور، لأننا غير مستعدات له، ونفوسكم لا تصلح الآن باستقبال هذا السفور بالرضاء، فخذوا بأيدينا للعمل و التربية.

أما عن أمور الزواج، فقد رأت الشر في العادات والتقاليد المحيطة به، فطالبت بحق المرأة في رؤية العريس المتقدم لها، ومخالطته في وجود الاهل، حتى يعرف كل من الطرفين شريكه المقبل، وعن سن زواج الفتاة على ملاءمة سن الزوجين يتوقف شيء كثير من الوفاق والمحبة، والواجب ألا تتزوج الفتاة إلا متى صارت أهلا للزواج، كفؤا لتحمل مصاعبه، ولا يكون ذلك قبل السادسة عشرة وزواج مختلفي السن إضعاف للنسل، وشقاء للزوجين، وقلب لنظام الطبيعة الدقيق.

أسست باحثة البادية "اتحاد النساء التهذيبي" فضمَّ كثيرًا من السيدات المصريات والعربيات وبعض الأجنبيات، وكان هدفه توجيه المرأة إلى ما فيه صلاحها، والاهتمام بشئونها، كما كوَّنت جمعية لإغاثة المنكوبين المصريين والعرب، وهو أساس لما عُرِف فيما بعد ﺑ "الهلال الأحمر"، وأقامت في بيتها مدرسة لتعليم الفتيات مهنة التمريض، وكفلت لهذه المدرسة كل احتياجاتها، مثلت المرأة المصرية في المؤتمر المصري الأول عام 1911م لبحث وسائل الإصلاح، وقدَّمت فيه المطالب التي تراها ضرورية لإصلاح حال المرأة المصرية.

يرجع لمك الفضل في دعوتها الحازمة لتعليم المرأة، الذي رأت أنه يؤدي الي استقلال المرأة ” أن المرأة يجب أن تتعلم بما يمكنها أن تكون مستقلة عن الرجل نوعا، لاعالة عليه.” بل دعت ملك الي عمل المرأة، ولكن بنفس تحفظها المتدرج “لا أريد بقولي هذا أن أحث النساء علي ترك الاشغال بتدبيرالمنازل وتربية الاطفال الي الانصراف لاحتراف القضاء والمحاماة…ولكن اذا وجدت منا من تريد الاشتغال باحدي هذه المهن، فان الحرية الشخصية تقضي بألا يعارضها المعارضون.”

ولجأت باحثة البادية إلى وسيلة أخرى تؤازر مقالتها وتدعم تأثيرها؛ فاتجهت إلى الخطابة وإلقاء المحاضرات العامة على السيدات في دار الجريدة وفي الجامعة المصرية، وفي الجمعيات النسائية، وكانت خطيبة ذات تأثير في نفوس سامعيها؛ حتى إن “أحمد زكي باشا” الملقب بـ “شيخ العروبة” كان يُثني عليها، ويقول بأنها أعادت العصر الذهبي الذي كانت فيه ذوات العصائب يناضلن أرباب العمائم في ميدان الكتابة والخطابة.

وخلال فعاليات المؤتمر المصري الأول لبحث الإصلاحات التي يجدر بالأمة والحكومة أن تنتهجاها، تقدمت “باحثة البادية” بورقة ضمّنتها ما تراه واجبا للنهوض بالمرأة، وتلخّصت اقتراحات "باحثة البادية" في عشر نقاط، رأت أن المطالب التي قُدِّمت إلى المؤتمر قد خلت منها، فسارعت إلى تقديمها، وتتلخص في تعليم البنات الدين الإسلامي الصحيح، وتعليم البنات التعليم الابتدائي والثانوي، وتعليم التدبير المنزلي والصحة وتربية الأطفال، وتخصيص عدد من البنات لتعلم الطب وفن التعليم حتى يقمن بكفاية النساء في مصر، واتباع الطريقة الشرعية في الخِطْبة، والالتزام بالحجاب.

كما أسست عددًا من الجمعيات للنهوض بالمرأة، فأسست جمعية “التمريض” على غرار “الصليب الأحمر”؛ لإرسال الأدوية والأغطية والأغذية والملابس إلى الجهات المنكوبة بمصر والبلاد الشقيقة، فأرسلت إلى المجاهدين في ليبيا ضد الاحتلال الإيطالي بعض ما يحتاجونه، وأنشأت مدرسة لتعليم السيدات التمريض، على حسابها، وجعلت منزلها في القاهرة مقرًا للجمعية، وأزمعت إنشاء مشغل للفتيات وملجأ للفقيرات، وقررت أن توقف له خمسة وثلاثين فدانا من أملاك زوجها على هذا المشروع لكن موتها اغتال هذا المشروع النبيل.

أخيرا ، سارت ملك بتحفظ بين القديم والجديد، وآمنت بالتدرج في المطالبة باصلاح حال المرأة المصرية، حرصا منها علي الرأي العام الاجتماعي فيها، وهو ما ظهر جليا في موقفها من السفور والحجاب، الذي أثبتت ثورة 1919، أن ملك كانت متحفظة أكثر مما يتيح عصرها، فقد انخرط كثير من النساء في العمل السياسي والاجتماعي، وخلعن حجابهن كرمز لانقضاء عزل النساء، وانقضاء عصر الحرملك، كما أن سمات هذا العصر، لم يكن يسمح لملك أن تتصور حق المرأة المطلق في العمل واقتسام المهمات المنزلية مع الزوج، واعتبرت أن الوظيفة الاساسية للمرأة هو البيت والاسرة، فيما العمل خارج المنزل من حق المراة ذات الفرص القليلة في الزواج وتأسيس الاسرة، ليثبت انملك في أوائل القرن الماضي كانت تري أبعد مما طرحت من أفكار، كما واجهت ملك أشكالية أخري في طرح تلك الافكار، وهو خوفها من الاتهام الذي طال بعض مثقفي عصرها ، وهو الاتهام بالتقليد للغرب والتخلي عن الثقافة القومية، التي هي أحد أدوات مقاومة الاستعمار.

تركت "باحثة البادية" كتابًا بعنوان النسائيات، بالإضافة إلى شعرية متفرقة في شئون المرأة كالزواج والطلاق والسفور والحجاب، والتحررية كالمساواة والتعليم والعمل، كما كتبت بجريدة "الجريدة" مجموعة مقالات تحت عنوان "نسائيات" باسم مستعار وهو "باحثة البادية"، كتبت عنها الأديبة اللبنانية مي زيادة، ونشرت الكاتبة الكبيرة عائشة عبدالرحمن "بنت الشاطئ" دراسة عنها.

توفيت ملك حفني ناصف “باحثة البادية” في 17 أكتوبر 1918 ، وهي في الثانية والثلاثين من عمرها، بعد أن عاجلتها الحمى الأسبانية . فمشى في مشهدها كثيرات من سيدات عصرها، وعلى أثر وفاتها اجتمعت طائفة من النساء لتأبينها في الجامعة المصرية برئاسة هدى شعراوي ، واجتمعت طائفة أخرى من الأدباء لتأبينها يوم الأربعين في نفس القاعة التي حاضرت فيها، ورثاها الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران. 

لمزيد من أخبار المحافظات إضغط هنا 

 

قصر عبدالستار بك الباسل في الفيوم عبدالستار بك الباسل زوج باحثة البادية باحثة البادية مع صفية زغلول في قصر الباسل 


 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الباسل الفيوم المرأة البادية بوابة الوفد جريدة الوفد

إقرأ أيضاً:

عُمان التي أسكتت طبول الحرب

في ركنٍ من هذا العالم العربي الملتهب، حيث تتشابك مصالح الإمبراطوريات وتتصادم استراتيجيات الدول الكبرى على حساب الجغرافيا والتاريخ، هناك دولة اختارت طريقًا مختلفًا.

سلطنة عُمان هذه الواحة الهادئة وسط صحراء النزاعات لم تسمح لنفسها أن تكون بيدقًا في رقعة الشطرنج الدولية، ولم تُبدّد مكانتها في لعبة المحاور والاصطفافات، بل وقفت كـ«السيدة الحكيمة»، كما يسميها المراقبون، تمسح عن الوجوه غبار الحروب، وتفتح للخصوم أبوابًا لم يكونوا يتوقعونها.

في منطقة تتوزعها الرياح بين الطموح النووي الإيراني، والوجود الأمريكي الصارم، والاشتباك العربي المزمن، رفعت سلطنة عمان راية أخرى: راية «الاحترام المشترك»، و«الحوار قبل الضربة»، و«اليد الممدودة بدل الإصبع على الزناد».

وهنا، يكمن الاستثناء العُماني: دولة لم تُقامر يومًا بدماء جيرانها، ولم تبنِ مجدها على ركام الدول الأخرى. بل آمنت أن دورها الحضاري ليس بالتحالف مع الأقوى، بل بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع.

في السادس من مايو، بينما كانت شاشات الأخبار تغرق في صور الانفجارات، وبينما كانت المؤشرات تنذر بتوسّع خطير في الصراع الدائر بين جماعة أنصار الله والتهديدات أمريكية المتصاعدة تجاه استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر، خرجت مسقط باتفاق ناعم لكنه جلل: وقف إطلاق نار مؤقت بين واشنطن وصنعاء، يضمن سلامة الملاحة، ويمنح للسلام فرصة ليلتقط أنفاسه.

ولم تكن هذه المبادرة وليدة لحظة، بل هي نتيجة شهور من الحوار الصامت الذي أجرته سلطنة عُمان، بهدوء، بعيدًا عن الأضواء، في قنوات خلفية لا تعتمد على التصعيد، بل على بناء الثقة، حجرةً بعد حجرة.

لكن الأمر لم يتوقف عند اليمن.

إذ حملت الأيام التالية مفاجأة أكبر: إيران تُعلن موافقتها على مبادرة عُمانية لاستضافة جولة رابعة من المفاوضات مع الولايات المتحدة.

في وقتٍ كانت فيه التوترات تنذر بالانفجار، وبين تحركات بحرية ومواقف سياسية حادة، قررت طهران أن تستمع لصوت مسقط.

لماذا؟ لأن هذه الدولة التي لا تلوّح بالقوة، تملك ما هو أثمن من ذلك: تملك المصداقية.

لقد فهمت سلطنة عمان منذ بداية الجمهورية الإسلامية في إيران، ومنذ لحظة دخول الأساطيل الأمريكية للخليج، أن دورها ليس الوقوف في الضد، بل الوقوف في المنتصف، لا كحياد باهت، بل كوسيط نشط، بكرامة وهدوء.

فما الذي يجعل هذا البلد العملاق برسالته، ينجح فيما فشلت فيه دول كبرى، ذات أبواق وسفارات وميزانيات مهولة؟ الجواب، ببساطة، إنه لا يُمارس السياسة من أجل العنوان، بل من أجل الغاية.

ففي السياسة كما في الطب، لا يحتاج الطبيب الجيد إلى صخب، بل إلى يد ثابتة ونية خيّرة.

وهذا ما فعلته سلطنة عُمان.

اقتربت من الجراح وهي تهمس لا تصرخ، ووضعت الضمادة لا الحطب.

لقد وُلدت هذه الفلسفة من تاريخ طويل في العلاقات الإنسانية والسياسية.

فسلطنة عُمان، التي تفتح أبوابها للحجاج والدبلوماسيين على حد سواء، تعرف أن الكلمة الطيبة تُغيّر العالم أكثر مما يفعل الرصاص.

عرفت ذلك عندما وقفت على مسافة متزنة من كل صراعات المنطقة، وعندما شاركت في مساعي الاتفاق النووي مع إيران، وعندما رفضت أن تدخل تحالفات استنزفت الدول وأغرقتها في الرمال.

عُمان لا تُراهن على النصر، بل على النُبل.

لا تُقايض بالتحالفات، بل تُبادر بالثقة.

لا ترفع شعارات، بل ترسم جسورًا.

وفي لحظةٍ يخشى فيها العالم اندلاع حربٍ جديدة بين قوى كبرى، تُطفئ مسقط الشرارة قبل أن تصبح نارًا.

تجمع طهران وواشنطن تحت سقف واحد، لا لتفرض رأيًا، بل لتفتح نافذة.

هذا المقال ليس تمجيدًا لدبلوماسية، بل احتفاء بأخلاق دولة.

بدولةٍ فهمت أن القيادة لا تحتاج صراخًا، بل رقيًّا.

وأن التاريخ لا يخلّد الأصوات العالية، بل الأفعال العظيمة التي تمشي على أطراف الأصابع.

تحية إلى عُمان، دولة الأفعال الهادئة التي كلما اقتربت الحرب، قررت أن تكتب فصلًا جديدًا للسلام.

مقالات مشابهة

  • صراع بشأن ملتقط الصورة التي ساعدت على تغيير مسار حرب فيتنام
  • ما هي المخالفات التي تُحجز بها المركبة ومدة حجزها في الأردن
  • أبو الغيط: العراق هو الدولة الأولى التي تترأس القمتين السياسية والاقتصادية
  • "جيهان رجب: المشروعات الصغيرة تمهد طريق التمكين الاقتصادي للمرأة المصرية"
  • حول البلطجة التي تعرض لها ابراهيم نقد الله في القاهرة! 
  • باحثة سياسية: هناك محاولة لدمج الحوثيين سياسيا وإضفاء الشرعية عليهم
  • صريح جدا / هذه هي الرياضة التي يفضلها الأولياء الجزائريون لأبنائهم
  • مناشدة لإنقاذ منظمة بحرية إقليمية خليجية
  • إنعام محمد علي.. رائدة الدراما المصرية التي أنصفت المرأة وكتبت التاريخ بالصورة
  • عُمان التي أسكتت طبول الحرب