سودانايل:
2025-05-13@04:12:14 GMT

ومات راعي الأغنام، فهل هناك من يفتقده من الأحياء؟

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

إنه ذاك الراعي الذي لا أعرفه ولا يعرفني، ولكن خبر موته أحزنني أيما حزن. إنه ذاك الراعي الذي خرج يومها بأغنامه للمرعى، ليلقى حتفه بطريقة لم يكن يحلم بها في منامه. لم يعرف الراعي المعني المدن والخضر، بل يعرف عالمه السحري الذي يجذب إليه في كل يوم دون محالة. عرف عن هذا الراعي أنه يخرج بأغنامه إلى الوديان والفيافي في كل يوم سير على الأقدام، ويختار لها من المراعي الجيد منها، وما يليق بحوجة أغنامه من كلأ وماء حتى تشبع وترتوي ويمتليء ضرع إناثها.

يخرج بها من قريته عند كل صباح باكر في موكب حافل للمرعى. والذي يتغير لون وشكل عبر مدار فصول السنة، مرة أخضر ولين في الفصل المطير، ومرة أصفر ويابس في فصول الجفاف. ولكن تميز هذا الراعي بتكيفه مع مرعى أغنامه ومع كل متغيرات الجو التي تحيط به وبأغنامه.

ربما ظن البعض وقالوا عنه، أنه ليس هو إلا راع للأغنام كغيره من الرعاة، ولكن يجور الظان والقائل إذ ظن وقيل. إنه وفي أبسط العبارات، الراعي الذي يشبع الجوع مما تشتهي الأنفس من لحم وحليب ومنتجاته. ولولا فضل مثل هذا الراعي بأغنامه، لما اكتملت فرحة الأعياد بالأضاحي، ولولا كرم مثل هذا الراعي، لما كف الصغار عن البكاء لسد حوجتهم من الحليب الذي لا يستطيعون العيش سواه. الراعي وما أبسطه من إنسان، هو ساعد الاقتصاد، ولولاه لما سمعنا بلحوم تصدر لتملأ خزانة الدولة، أو بجلود تصدر، لتعود علينا بأحذية وشنط وأحزمة تكفي حوجاتنا ومتطلباتنا وغير ذلك من منتجات.

يومها سمع أهل المنطقة بمحاولة جنود الدعم للتوغل في المنطقة الآمنة واستراتيجية الموقع للنفاذ لمواقع أخرى أكثر أهمية. وعلم الجيش بالخطة، وكان رد الجيش أن يزيد له الصاع صاعين، في أن يلغم المنطقة مداخل ومخارج، حتى لا يترك للدعم منفذ للدخول أو للخروج. وتم بالفعل تلغيم مطوق لم تعرفه المنطقة من قبل. وخرج الراعي كعادته باكرا من قريته في طريقه للمرعى في موكبه الجميل، تحفه أغنامه التي تفهم ما يعنيه راعيها بالإشارة ومن دون نفاذ كلمة واحدة من فمه. وفي أثناء ذلك الموكب البهيج الذي كان ينتشيه الراعي عند كل يوم، تفجر وهلة لغم كان مدفونا على طريقه وفي مكان وجوده. هنا الراعي مستلق على الأرض، وهناك دم منسكب على الأرض التي عشقها. لقد بدأ عاجز عن إسعاف أغنامه، وأغنامه بدت عاجزة عن إسعافه. ووقع يومها الراعي الذي يجود على الناس في الأعياد والمسرات بأغنامه ضحية.

تناثرت أطراف الراعي أشلاء، وتناثرت أغنامه بعد أن توزعت من حوله. لقد فاضت روح الراعي الطاهرة إلى بارئها، ومات بعد دقائق بجوار أغنامه التي أحبها وأحبته. ومن أغنامه ما مات، ومنها ما جرح، ومنها ما نجي من الموت بقليل. وقتها سمع أهل المنطقة بصوت الانفجار، بل رأى بعض منهم غبارا يتصاعد إلى أعلى ويلتوي إلى قلب السماء. ووقتها تعالت أصواتهم، وبدأ البحث عن مكان الحدث اللئيم. ولكن عند وصولهم لم يجدوا غير بقع كبيرة حمراء من الدماء تلون أرض المرعى، منها دم أغنام ماتت، ممتزجة بدم الراعي الذي عاش حتى آخر لحظات حياته من أجلها. وهناك رقدت أغناما ناجية من اللغم المتفجر، ولكنها جريحة تشكو بلوعة ما ألم بها من جراح وآلام. لقد مات الراعي وماتت بعض أغنامه في مرعاها، وتبقى بعض آخر منها على قيد الحياة.

برحيل الراعي تفقد البلاد "الدولة" إنسانا منتجا وغير كسول. لقد عاش الراعي ببساطة وزهد، ودعم بلاده دعم مباشر بإنتاجه المعتبر. الشيء الذي يجعل هذا الإنتاج ينعكس إيجابيا على اقتصاد الدولة. كان رأس مال الراعي في أيام حياته متمثلا في أغنامه، ومكان عمله متمثل في مرعى أغنامه، أخضر لين، أو أصفر ناشف كان. ولكنه متقبل للأثنين مهما طرأت عليه من متغيرات وأحلت به من ظروف. لقد خاب ظن الراعي في أهل الحداثة وصانعي الألغام. ربما كان يتوقع الراعي أن يموت بشجاعة وببسالة، ربما بسبب هجوم حيوان مفترس كبير عليه في مرعى أغنامه، يقابله وجه لوجه، يواجهه بفراسة ويتحداه بشجاعة، فإما أن يقتله أو يهرب منه ويولي الأدبار، وليحكي قصته مع الحيوان المفترس لبقية الأجيال. وتظل حسرة الراعي رغم موته، هي أنه لم يكن يتوقع أن يموت موت جبن وغفلة، بسبب لغم متفجر، يداهمه غافلا ويقتله.

لقد رجع الراعي إلى خالقه وبارئه نظيف نفس وطاهر روح. لم يعتد الراعي المتقشف دخول الأسواق بأغنامه لكي يسوقها، بل كان يتحاشاها لزهده وكبر نفسه. وكان على كل من يرغب في شراء أغنام منه أن يحضر للقرية أو للمرعى بعد أن يكرمه. ولم تعرف نفس الراعي أمراض العصر من سمنة وأمراض مزمنة، فكان عالمه هو هواء مرعاه الطلق، وتلون مرعاه على مدار فصول السنة. وكان غذاؤه يتمثل فيما تجود به أغنامه من حليب ولحم. ولم تعرف نفسه غير الكرم والعطاء، فكان دوما المجواد بما ملك، وما لا يملك من زاد لأهل قريته ومنطقته والمسافرين ومن ضل الطريق. ولم يكن الراعي يطمع في مال أو جاه أو وظيفة أو مقعد حكم في بلاده، بل كان خالص النيات في عمله ولبلاده. كان حبه للحرية وحبه للطبيعة يعنين له أكثر من الكثير. ألا رحم الله ذاك الراعي، وأدخله فيسح جناته مع الخالدين. آمين يا رب العالمين.

E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الراعی الذی هذا الراعی

إقرأ أيضاً:

عاجل|ترامب بعد تحرير عيدان ألكسندر: لن نترك أحدًا خلفنا ونواصل استعادة الأحياء والجثامين من غزة

 أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن ترحيبه بالإفراج عن الجندي الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، الذي كان محتجزًا لدى حركة حماس منذ أكتوبر 2023، مشددًا على أن إدارته لن تدخر جهدًا في إعادة جميع الرهائن الأحياء، واستعادة جثامين القتلى الأمريكيين الذين فقدوا حياتهم خلال احتجازهم في قطاع غزة.
وجاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده ترامب اليوم الإثنين، حيث وجه رسائل واضحة إلى الداخل والخارج، معبرًا عن اعتزازه بجهود المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ومؤكدًا أن ما جرى يمثل خطوة أولى نحو إنهاء الصراع الوحشي.
كما أشارت مصادر مطلعة إلى أن الإفراج عن ألكسندر سيمهد الطريق أمام مفاوضات شاملة تقودها الولايات المتحدة ومصر وقطر، لإطلاق سراح باقي الأسرى الإسرائيليين والأمريكيين المحتجزين في غزة.

 

ترامب: عيدان ألكسندر عاد حيًا وسنعيد البقية

 

خلال المؤتمر الصحفي، أكد ترامب أن "لدى الولايات المتحدة 20 أسيرًا أحياء وسنعمل على الإفراج عنهم" مضيفًا أن بلاده لا تكتفي بالجهود الخاصة بالأحياء فقط، بل تسعى أيضًا إلى استعادة جثامين المواطنين الأمريكيين الذين قُتلوا خلال فترة الأسر.
وشدد الرئيس الأمريكي على أن "حماية الرهائن مسؤولية إنسانية لا تقبل المساومة"، في إشارة إلى التزام إدارته الكامل بإعادة كل من فقدوا في الصراع المستمر بغزة.

 

الصليب الأحمر في طريقه لاستلام الأسير المحرر

 

أكد ترامب أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر باتت في طريقها إلى خان يونس لاستلام عيدان ألكسندر رسميًا، وذلك ضمن إجراءات منسقة بين الأطراف الدولية المعنية، ما يعكس تصاعد التنسيق بين الفاعلين الدوليين لإنهاء ملف الأسرى.

 

إشادة بدور ستيف ويتكوف

 

لم يغفل ترامب الإشادة بجهود مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، واصفًا إياه بأنه "رجل صفقات يقوم بعمل جيد".
وكان ويتكوف قد وصل مؤخرًا إلى إسرائيل، حيث أجرى اجتماعات مكثفة مع المسؤولين الإسرائيليين، في إطار دفع عجلة التفاوض باتجاه صفقة موسعة تشمل إطلاق سراح الأسرى وتثبيت هدنة إنسانية في القطاع.

 

مفاوضات شاملة مرتقبة بعد تحرير ألكسندر

 

حسب مصدر أمريكي لشبكة CNN، فإن خطوة الإفراج عن ألكسندر ستمهد الطريق أمام انطلاق مفاوضات مباشرة بين الأطراف المعنية، بهدف الوصول إلى اتفاق شامل يشمل باقي الأسرى.
وفي هذا السياق، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن إسرائيل سترسل وفدًا تفاوضيًا إلى القاهرة اليوم، ما يعكس تحركًا دبلوماسيًا مكثفًا على عدة مستويات.

 

ترامب: بادرة حسن نية وخطوة نحو نهاية الحرب

 

في منشور سابق له على منصة "تروث سوشيال"، وصف ترامب الإفراج عن ألكسندر بأنه بادرة حسن نية تجاه الولايات المتحدة، مضيفًا: "نأمل أن تكون هذه خطوة أولى نحو إنهاء هذه الحرب الوحشية".
وختم رسالته بعبارة عاطفية: "إنني أتطلع إلى يوم الاحتفال" في إشارة إلى أمله بعودة جميع الأسرى إلى ديارهم سالمين.

 

بيان عائلة ألكسندر

 

من جهتها، أصدرت عائلة عيدان ألكسندر بيانًا رسميًا مساء أمس، أكدت فيه تلقيها إشعارًا بالإفراج، مشيرة إلى تواصلها المستمر مع الحكومة الأمريكية بشأن تفاصيل العملية.
وجاء في البيان: “بصفته مواطنًا وجنديًا إسرائيليًا ومواطنًا أمريكيًا، فإن دولة إسرائيل والولايات المتحدة ملتزمتان بسلامته وعودته سالمًا إلى وطنه.”
وأكدت العائلة أن عدد الأسرى المتبقين بلغ 58 أسيرًا، مشددة في رسالتها على أن "لا ينبغي ترك أي شخص خلفنا"، في مطالبة واضحة بمواصلة الجهود حتى تحرير الجميع.

 

مقالات مشابهة

  • عاجل|ترامب بعد تحرير عيدان ألكسندر: لن نترك أحدًا خلفنا ونواصل استعادة الأحياء والجثامين من غزة
  • مجموعة stc الراعي البلاتيني لمنتدى الاستثمار السعودي الأميركي
  • أكثر من (45) مليون دولار استيرادات العراق من اللحوم الاسترالية خلال العام الماضي
  • 45 مليون دولار استيرادات العراق من اللحوم الأسترالية ومنتجاتها خلال عام
  • انخفاض حاد في أسعار العقارات بمناطق الزلزال في إسطنبول: هجرة إلى الأحياء الآمنة
  • مجازر الدارالبيضاء تغلق أبوابها مؤقتاً قبل العيد وتحدد آخر أجل لاستقبال الأغنام
  • الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصف الأحياء السكنية في غزة
  • مهنئاً البابا لاوون الرابع عشر.. راعي الأبرشية المارونية في أستراليا: نرجو ألا ينسى لبنان الوطن والإنسان
  • القسام تنشر رسالة لأسير إسرائيلي.. إشارة لعدد الأحياء (شاهد)
  • الراعي يتفقد أنشطة الدورات في عدد من المراكز الصيفية بمديرية التحرير