سودانايل:
2025-12-10@02:31:19 GMT

ومات راعي الأغنام، فهل هناك من يفتقده من الأحياء؟

تاريخ النشر: 24th, October 2023 GMT

إنه ذاك الراعي الذي لا أعرفه ولا يعرفني، ولكن خبر موته أحزنني أيما حزن. إنه ذاك الراعي الذي خرج يومها بأغنامه للمرعى، ليلقى حتفه بطريقة لم يكن يحلم بها في منامه. لم يعرف الراعي المعني المدن والخضر، بل يعرف عالمه السحري الذي يجذب إليه في كل يوم دون محالة. عرف عن هذا الراعي أنه يخرج بأغنامه إلى الوديان والفيافي في كل يوم سير على الأقدام، ويختار لها من المراعي الجيد منها، وما يليق بحوجة أغنامه من كلأ وماء حتى تشبع وترتوي ويمتليء ضرع إناثها.

يخرج بها من قريته عند كل صباح باكر في موكب حافل للمرعى. والذي يتغير لون وشكل عبر مدار فصول السنة، مرة أخضر ولين في الفصل المطير، ومرة أصفر ويابس في فصول الجفاف. ولكن تميز هذا الراعي بتكيفه مع مرعى أغنامه ومع كل متغيرات الجو التي تحيط به وبأغنامه.

ربما ظن البعض وقالوا عنه، أنه ليس هو إلا راع للأغنام كغيره من الرعاة، ولكن يجور الظان والقائل إذ ظن وقيل. إنه وفي أبسط العبارات، الراعي الذي يشبع الجوع مما تشتهي الأنفس من لحم وحليب ومنتجاته. ولولا فضل مثل هذا الراعي بأغنامه، لما اكتملت فرحة الأعياد بالأضاحي، ولولا كرم مثل هذا الراعي، لما كف الصغار عن البكاء لسد حوجتهم من الحليب الذي لا يستطيعون العيش سواه. الراعي وما أبسطه من إنسان، هو ساعد الاقتصاد، ولولاه لما سمعنا بلحوم تصدر لتملأ خزانة الدولة، أو بجلود تصدر، لتعود علينا بأحذية وشنط وأحزمة تكفي حوجاتنا ومتطلباتنا وغير ذلك من منتجات.

يومها سمع أهل المنطقة بمحاولة جنود الدعم للتوغل في المنطقة الآمنة واستراتيجية الموقع للنفاذ لمواقع أخرى أكثر أهمية. وعلم الجيش بالخطة، وكان رد الجيش أن يزيد له الصاع صاعين، في أن يلغم المنطقة مداخل ومخارج، حتى لا يترك للدعم منفذ للدخول أو للخروج. وتم بالفعل تلغيم مطوق لم تعرفه المنطقة من قبل. وخرج الراعي كعادته باكرا من قريته في طريقه للمرعى في موكبه الجميل، تحفه أغنامه التي تفهم ما يعنيه راعيها بالإشارة ومن دون نفاذ كلمة واحدة من فمه. وفي أثناء ذلك الموكب البهيج الذي كان ينتشيه الراعي عند كل يوم، تفجر وهلة لغم كان مدفونا على طريقه وفي مكان وجوده. هنا الراعي مستلق على الأرض، وهناك دم منسكب على الأرض التي عشقها. لقد بدأ عاجز عن إسعاف أغنامه، وأغنامه بدت عاجزة عن إسعافه. ووقع يومها الراعي الذي يجود على الناس في الأعياد والمسرات بأغنامه ضحية.

تناثرت أطراف الراعي أشلاء، وتناثرت أغنامه بعد أن توزعت من حوله. لقد فاضت روح الراعي الطاهرة إلى بارئها، ومات بعد دقائق بجوار أغنامه التي أحبها وأحبته. ومن أغنامه ما مات، ومنها ما جرح، ومنها ما نجي من الموت بقليل. وقتها سمع أهل المنطقة بصوت الانفجار، بل رأى بعض منهم غبارا يتصاعد إلى أعلى ويلتوي إلى قلب السماء. ووقتها تعالت أصواتهم، وبدأ البحث عن مكان الحدث اللئيم. ولكن عند وصولهم لم يجدوا غير بقع كبيرة حمراء من الدماء تلون أرض المرعى، منها دم أغنام ماتت، ممتزجة بدم الراعي الذي عاش حتى آخر لحظات حياته من أجلها. وهناك رقدت أغناما ناجية من اللغم المتفجر، ولكنها جريحة تشكو بلوعة ما ألم بها من جراح وآلام. لقد مات الراعي وماتت بعض أغنامه في مرعاها، وتبقى بعض آخر منها على قيد الحياة.

برحيل الراعي تفقد البلاد "الدولة" إنسانا منتجا وغير كسول. لقد عاش الراعي ببساطة وزهد، ودعم بلاده دعم مباشر بإنتاجه المعتبر. الشيء الذي يجعل هذا الإنتاج ينعكس إيجابيا على اقتصاد الدولة. كان رأس مال الراعي في أيام حياته متمثلا في أغنامه، ومكان عمله متمثل في مرعى أغنامه، أخضر لين، أو أصفر ناشف كان. ولكنه متقبل للأثنين مهما طرأت عليه من متغيرات وأحلت به من ظروف. لقد خاب ظن الراعي في أهل الحداثة وصانعي الألغام. ربما كان يتوقع الراعي أن يموت بشجاعة وببسالة، ربما بسبب هجوم حيوان مفترس كبير عليه في مرعى أغنامه، يقابله وجه لوجه، يواجهه بفراسة ويتحداه بشجاعة، فإما أن يقتله أو يهرب منه ويولي الأدبار، وليحكي قصته مع الحيوان المفترس لبقية الأجيال. وتظل حسرة الراعي رغم موته، هي أنه لم يكن يتوقع أن يموت موت جبن وغفلة، بسبب لغم متفجر، يداهمه غافلا ويقتله.

لقد رجع الراعي إلى خالقه وبارئه نظيف نفس وطاهر روح. لم يعتد الراعي المتقشف دخول الأسواق بأغنامه لكي يسوقها، بل كان يتحاشاها لزهده وكبر نفسه. وكان على كل من يرغب في شراء أغنام منه أن يحضر للقرية أو للمرعى بعد أن يكرمه. ولم تعرف نفس الراعي أمراض العصر من سمنة وأمراض مزمنة، فكان عالمه هو هواء مرعاه الطلق، وتلون مرعاه على مدار فصول السنة. وكان غذاؤه يتمثل فيما تجود به أغنامه من حليب ولحم. ولم تعرف نفسه غير الكرم والعطاء، فكان دوما المجواد بما ملك، وما لا يملك من زاد لأهل قريته ومنطقته والمسافرين ومن ضل الطريق. ولم يكن الراعي يطمع في مال أو جاه أو وظيفة أو مقعد حكم في بلاده، بل كان خالص النيات في عمله ولبلاده. كان حبه للحرية وحبه للطبيعة يعنين له أكثر من الكثير. ألا رحم الله ذاك الراعي، وأدخله فيسح جناته مع الخالدين. آمين يا رب العالمين.

E-Mail: [email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الراعی الذی هذا الراعی

إقرأ أيضاً:

علماء.. الأوقات على المريخ تختلف عن الأرض… والزمن هناك أسرع

#سواليف

خلص #علماء مختصون في #الفضاء والفلك ويقومون بدراسة الظروف على سطح كوكب #المريخ إلى أننا بحاجة إلى منطقة زمنية جديدة كلياً هناك، حيث أن #الزمن أسرع مما هو لدينا على كوكب #الأرض.

ويعود ذلك إلى أن توقيت الساعات على الكوكب الأحمر سيكون أسرع بـ477 ميكروثانية من توقيت الساعات على الأرض يومياً.
وقال تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية، إن الفرق في التوقيت يبدو ضئيلاً جداً، إلا أنه سيُحدث تأثيرات كبيرة على المدى الطويل، حيث يتقدم المريخ على الأرض بمقدار 1.7 ثانية كل عقد، وفقاً لفيزيائيين من المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتكنولوجيا «NIST».
وهذه الحقيقة الغريبة هي نتيجة لقوانين #النسبية العامة لأينشتاين، التي تُظهر أن الوقت لا يتحرك بنفس المعدل في جميع أنحاء الكون.
ويتقدم الوقت ببطء في المناطق التي تكون فيها الجاذبية قوية، وأسرع في المناطق التي تكون فيها قوة الجاذبية ضعيفة.
وعلى المريخ، حيث الجاذبية أضعف بخمس مرات من الجاذبية على الأرض، يعني هذا أن رواد الفضاء سيتقدمون في العمر أسرع قليلاً من أصدقائهم في الوطن، أي على كوكب الأرض.
وعلى الرغم من أن الفرق لا يتجاوز جزءاً من الألف من الوقت الذي تستغرقه رمشة عين، إلا أنه قد يُلحق ضرراً بالغاً بأنظمة الاتصالات والملاحة في المستعمرات المريخية.
ويقول الدكتور بيجوناث باتلا، المؤلف المشارك في الدراسة والفيزيائي في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا: «مثل أنظمة الملاحة العالمية الحالية مثل نظام تحديد المواقع العالمي «GPS»، ستعتمد هذه الأنظمة على ساعات دقيقة».
وعلى الرغم من أن العلماء يدركون قوة جاذبية المريخ على سطحه، إلا أن فهم كيفية تأثيرها على مرور الوقت ليس بالأمر السهل.
ويعود ذلك إلى تأثر المريخ بشدة بجاذبية كواكب النظام الشمسي الأخرى.
وعلى عكس الأرض والقمر، اللذين يدوران حول الشمس في شكل دائري، فإن بُعد المريخ عن الشمس وجيرانه، بما في ذلك كوكبي الغاز العملاقين المشتري وزحل، يجعله في مدار أكثر بيضاوية.
وهذا يعني أن مقدار الجاذبية التي يتعرض لها يتغير بشكل كبير على مدار العام.
ويقول الدكتور باتلا: «مشكلة الأجسام الثلاثة معقدة للغاية. الآن نتعامل مع أربعة: الشمس، والأرض، والقمر، والمريخ». وأضاف: «بُعده عن الشمس ومداره اللامركزي يجعلان التغيرات في الوقت أكبر».
وفي عام واحد، تغير جاذبية الكواكب المجاورة سرعة دقات الساعات على المريخ مقارنةً بالأرض بما يصل إلى 226 ميكروثانية في اليوم.
وبالمقارنة، توصل الباحثون سابقاً إلى أن ساعات القمر تدق أسرع باستمرار بحوالي 56 ميكروثانية في اليوم من ساعات الأرض.
وقد لا يبدو هذا مشكلة كبيرة للوهلة الأولى؛ ففي النهاية، سيستغرق الأمر أكثر من 344 عاماً حتى تتقدم ساعات المريخ على ساعات الأرض بدقيقة واحدة فقط.
ولكن، كما يشير الباحثون، حتى التغييرات الطفيفة في ضبط الوقت تسبب مشاكل كبيرة لمعدات الاتصالات والملاحة الحساسة.
وعلى سبيل المثال، تحتاج شبكات الجيل الخامس إلى المزامنة بدقة تصل إلى عُشر ميكروثانية. وبالمثل، تعمل أنظمة تحديد المواقع العالمية «GPS» عبر الأقمار الصناعية عن طريق قياس الوقت الذي تستغرقه إشارات الأقمار الصناعية المتعددة للوصول إلى جهاز الاستقبال، وهذا يعني أنه إذا أردنا أنظمة اتصال وملاحة متوافقة بين الأرض والمريخ، فمن الضروري أن نتفق على التوقيت.
ومع أن هذه ليست مشكلة في الوقت الحالي، إلا أنها قد تصبح أكثر إلحاحاً في المستقبل، عندما تبدأ أولى المستعمرات المريخية بالتشكل.
ويقول الدكتور باتلا: «قد تمر عقود قبل أن تُغطى آثار المركبات الجوالة المتجولة سطح المريخ، ولكن من المفيد الآن دراسة القضايا المتعلقة بإنشاء أنظمة ملاحة على الكواكب والأقمار الأخرى».

نظرية النسبية العامة

مقالات ذات صلة وداعاً للمس.. إطلاق أول هاتف في العالم يعمل ذاتياً دون أي تدخل بشري 2025/12/08

في عام 1905 أثبت عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين أن قوانين الفيزياء ثابتة لجميع المراقبين غير المتسارعين، وأن سرعة الضوء في الفراغ مستقلة عن حركة جميع المراقبين، وهي ما يُعرف بنظرية النسبية الخاصة.
وقدّم هذا العمل الرائد إطاراً جديداً للفيزياء، واقترح مفاهيم جديدة للمكان والزمان. ثم أمضى عشر سنوات يحاول تضمين التسارع في النظرية، لينشر أخيراً نظريته في النسبية العامة عام 1915.
وأكدت هذه النظرية أن الأجسام الضخمة تُسبب تشوهاً في الزمكان، يُشعر به كجاذبية. وفي أبسط صوره، يُمكن تصوره كقطعة مطاطية عملاقة في مركزها كرة بولينج. وعندما تُشوّه الكرة القطعة، يُثني كوكب نسيج الزمكان، مُولّداً القوة التي نشعر بها كجاذبية، أي جسم يقترب من الجسم يسقط نحوه بسبب هذا التأثير. وتنبأ أينشتاين بأنه إذا التقت جسيمان ضخمان، فسيُحدثان تموجاً هائلاً في الزمكان، بحيث يُمكن رصده على الأرض. وقد تجلى ذلك مؤخراً في الفيلم السينمائي الناجح «بين النجوم»، حيث في مقطعٍ من الفلم شهد زيارة الطاقم لكوكبٍ وقع في قبضة جاذبية ثقب أسود ضخم، تسبب هذا الحدث في تباطؤ الزمن بشكل كبير. ولم يتقدم أفراد الطاقم على الكوكب في العمر تقريباً، بينما كان من كانوا على متن السفينة أكبر سناً بعقود عند عودتهم.

مقالات مشابهة

  • الإمارات تحظر السفر إلى مالي وتدعو مواطنيها هناك إلى العودة
  • جابر: هناك توجه لدى السلطات العمومية لمراجعة قانون العمل
  • مستوطنون يعترضون رعاة الأغنام في تجمع بدوي شرق القدس
  • محمد شبانة: هناك رؤية مختلفة لملف التعاقدات في الأهلي
  • سلطنةُ عُمان تُشارك في معرض البحرين الدّولي للإنتاج الزّراعي والحيواني
  • علماء.. الأوقات على المريخ تختلف عن الأرض… والزمن هناك أسرع
  • مشروعات إعادة الأحياء.. وزير الإسكان يكشف حقيقة بيع منطقة وسط البلد
  • راعي جديد على قميص الزمالك
  • قطر: الفلسطينيون في غزة لا يريدون مغادرة الأرض ولهم كل الحق في العيش هناك
  • في حضرة المكان والزمان… كنت هناك في الديوان الملكي العامر