يسعى الفلسطينيون في قطاع غزة إلى استغلال فترة الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار المؤقت بطرق مثلى، إذ يقضونها ما بين الاطمئنان على ذويهم ومنازلهم أو حتى البحث عنهم، وبين تأمين أمور المعيشة والغذاء.

وبدأت الهدنة الإنسانية في قطاع غزة الساعة السابعة من صباح أمس الجمعة، ومن المتوقع الإفراج عن 50 من أسرى الاحتلال مقسمين على 4 أيام، مقابل 150 أسيرا فلسطينيا.



انتشال الجثث من تحت الركام 
يقول محمود (40 عاما) وهو أحد الناجين من قصف طال منزل عائلته في حي الشجاعية، لـ "عربي21" إنه كان ينتظر الهدنة بفارغ الصبر من أجل استكمال انتشال جثامين عائلته من تحت الركام.

وفقد محمود كل من والده وزوجته وأولاده وأخوته وزوجاتهم خلال استهداف منزله، حيث كان الرجال في الطابق العلوي من البناية وجرى انتشالهم، أما كل من هو في الطابق الأرضي ما زال تحت الركام، وفق حديثه. 

إذ تسبب إنقطاع الوقود في القطاع من إمكانيات الإنقاذ التي ينفذها الدفاع المدني، مع عدم إتاحة استخدام الجرافات أو المعدات الثقيلة، وذلك أيضا خشية من الاستهداف الإسرائيلي.

ويضيف محمود: "تخيل أنك تعرف أن أفراد عائلتك شهداء تحت الحجارة ولا تستطيع فعل له شيء، حتى حق الميت في الدفن والحزن عليه محرومين منها".


لقاء الأهل بعد حرب دامية 
بدورها، تقول دانة (33 عاما) لـ عربي21 : "لم ألتقي بعائلتي من قبل الحرب بأسبوع بسبب ضغط العمل، ثم لأكثر من 47 يوما بسبب الحرب، كدت انسى ملامحهم وصوتهم".

تقول دانة  أنها تسكن في مدينة غزة، ثم نزحت مع عائلة زوجها إلى منطقة أخرى ، وبعدها مرة أخرى إلى مخيم النصيرات ضمن المنطقة الجنوبية للقطاع.

وتوضح "في النصيرات كانت الاتصالات منعدمة تقريبا بسبب تضرر الشبكة، ضربوا (قصف إسرائيلي) وحدات التقوية المنتشرة فوق البيوت العالية، كنا لا نعرف أخبار عائلاتنا لأسابيع سوى من لحظات اتصال بسيطة بالإنترنت تتم على فترات متباعدة حسب المتوفر".

وتشير إلى أنها تمكنت أخيرا من زيارة عائلتها في مكان نزوحهم، في رحلة استغرقت عدة ساعات تمت بواسطة عربة. 

العودة للعمل 
أما مها (38 عامل) تحولت من موظفة في مؤسسة إغاثية دولية إلى نازحة تسعى للاستفادة من برامج الإغاثة، وفق حديثها لـ "عربي21". 

أما خلال فترة الهدنة عادت مها للعمل من أجل جمع مستفيدين من البرامج الطارئة التي ستطلقها مؤسساتها خلال الأيام المقبلة.

وتضيف "طالما كان لدينا قاعدة أن المستفيدين يجب بحثهم ميدانيا بشكل دقيق وألا تكون هناك أي علاقة سواء قرابة أو صداقة بين العامل في المؤسسة والمستفيد، إلا أنه في ظل الظروف الحالية طالبت المؤسسة منا الإستفادة من من المساعدات مع تزويدها بأسماء معارفهم وأقاربهم علة وجه السرعة".

البحث عن مأوى 
الأمر كان مختلف بالنسبة لسليمان (40 عاما) النازح في أحد مراكز الإيواء، إذ اعطى الأولوية لإيجاد مكان بديل لعائلته التي تعاني منذ أسابيع من نقص المياه والمرافق الصحية.

يقول لـ عربي21: "أمتلك أموالا ومعارف وعلاقات واسعة لكني عاجز عن توفير مكان صحي لعائلتي، أبحث عن شقة للإيجار بأي ثمن ولا يوجد". 

ويضيف: "أطفالي الذين كانوا في مدارس ومراكز تعليمية مرموقة أصبحوا الآن يقفون على طابور الحمام والمياه وكل فترة يصابون بالقمل.. إحنا مش أحسن من الناس هذا حال الجميع لكننا تعبنا". 

ويبين "أبحث الآن حتى لو على خيمة للإقامة فيها مع سطل (جردل) وأكياس بلاستيكية من أجل قضاء الحاجة بكرامة، ومن شدة التعب في الأيام الماضية قمت بالنوم وأنا متمدد على فرشة بالية، وايقظتني زوجتي وأنا غارق في ماء المطر دون أن أشعر بذلك".

ويضيف "أبحث عن مكان للإقامة، لأنه سيكون مقر العيش لفترة غير معلومة، أعرف أن بيتي تهدم د، أخبرني أحد الجيران بذلك لكن لم أخبر أحدا حتى الآن لأن الأمل يعطيهم قوة المواصلة، الحمدلله على كل حال".

الفرحة تعم المكان 
وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر الفرحة التي بدت على وجوه الأطفال أثناء العودة إلى منازلهم، وبينما بقيت غزة لـ 49 يوما دون وقود، ابتهجت العائلات بوصول الوقود للقطاع .  

وشارك بعض أبناء القطاع صورهم في أول أيام الهدنة والبسمة تبدو على وجوههم، وشبه  أخرون أول أيام الهدنة بالعيد. 

فرحة أطفال غـزة
بعودتهم إلى منازلهم.. pic.twitter.com/SiBFnadPDn — نُـسَـ????‏يـبـة. (@_Nosayba_) November 24, 2023
الوقود إلى غزّة أخيرًا، الحمد لله من قبل ومن بعد، ولا حول ولا قوة إلا بالله. pic.twitter.com/6hkn5qWCbL — بثينة العيسى (@Bothayna_AlEssa) November 24, 2023
من صباح الهدنة وكأنه صباح الـعـيـد في شوارع غزة الآن رغم الألم والحزن الكبير ..

الإبتسامة في كل مكان أخيراً بعد 47 يوم من الموت ..

اللهم لك الحمد ❤️❤️❤️❤️ pic.twitter.com/Ok6pFLzS6r — MO (@Abu_Salah9) November 24, 2023

الي غزَّة..
ربما تكون صورة أخيرة..
دعواتكم#Gaza pic.twitter.com/nqU1hZbqu9 — ???????????????????? ???? ???????????????? ‎???????? (@AlDirdasawii) November 24, 2023

أما بعضهم الذي كان يتفقد عائلته وأقاربه كانت الهدنة فرصة للقاء، إذ التقت نور عاشور في خطيبها الذي يعمل في مستشفى الشفاء طيلة أيام الحرب مع انقطاع تام للتواصل بينهم. 

وكتبت على منصة أكس (تويتر سابقا):" لأول مرة أجتمع بخالد بعد 45 يوم ، وقلت سابقاً إني على ثقة به أنه لم يخذل أحد وسيخرج آخر شخص من مجمع الشفاء ، وفعل ". 

لأول مرة أجتمع بخالد بعد 45 يوم ، وقلت سابقاً إني على ثقة به أنه لم يخذل أحد وسيخرج آخر شخص من مجمع الشفاء ، وفعل .. #غزة pic.twitter.com/ReHscdzfC6 — نور عاشور (@NoorMAshour) November 23, 2023
بينما تداول ناشطون مقطع فيديو للطفل أشرف نافذ والذي يعبر بها عن فرحته بالهدنة :" سامعين فش صوت طيارات، صار في هدنة، بس مؤقته، يا رب تنحل الأمور وتصير هدنة أبدية، والله الدنيا حلوة بدون صوت القصف". 

"فش صوت طيارات، دخلت الهدنة". pic.twitter.com/SvuL19w7Ll — شجاعية (@shejae3a) November 24, 2023

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة الهدنة حرب الفرحة غزة حرب هدنة فرح سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة pic twitter com

إقرأ أيضاً:

جعابيص في حوار مع عربي21: أشكر المقاومة.. وهذا أصعب ما أواجهه خارج السجن

أجرى الصحفي والناشط المصري أحمد دومة حوارا لصالح "عربي21"، مع الأسيرة الفلسطينية المحررة إسراء جعابيص.

وأشادت جعابيص بالمقاومة الفلسطينية، وتحديدا حركة "حماس"، وقالت إن السلاح هو الحل الوحيد لتحرير البلاد من الاحتلال الإسرائيلي.

كما تحدثت جعابيص عن ظروف اعتقالها المأساوية، والتي جاءت بعد إصابتها بحروق شديدة في وجهها وكافة أنحاء جسدها.

وتاليا نص الحوار بقلمة دومة:
ثمّة أجساد قد تحترق، لكنّها تبقي أرواحًا تضيء الطريق.
هذا هو عنوان الحكاية، ومدخل اللقاء مع إسراء جعابيص، السيّدة التي أُحرقت عمدًا على مشارف القدس، وظنّ الاحتلال أنّ ذلكَ سيُرمّدها ويمكنه بعد أن يذُرّها في العدم، اعتقلوها بحروقٍ التهمت نحو نصف جسدها، ومنعوها قسرًا من العلاج، لكنّهم لم يُسكتوا صوتها أو ينالوا من عزيمتها، ودعمها للمقاومة ونضالها من أجل الأسرى والأسيرات الذين لم يخرجوا بعد.

على هامش انتقالٍ قسريٍّ بين بلدين، يختلف فيهما الحال، لكن يتشابه كثيرًا مع حال وطنها -فلسطين- إذ يخشى الناس التجمّع، ويهمسون حين يلتقون، ويقبع على مدخل البناية التي ستلتقي بهم فيها عشرات الضبّاط والجنود ومركبات الشرطة المدرّعة (أليس هذا ملمحٌ هربت منه باعتباره علامةُ احتلال؟)، عرّفها أصحاب الدعوة عليّ بما هو أكبرُ من قدري، فبدّلت المواقع في لحظة، ودون قرار، أصبحت تسبق كلامها عن الأسر بـ "انت عارف" ثم تحكي، خلقت التعريف بي كـ معتقل سابق، أو "أسير محرّر" كما عرّفتني هي في إهدائها على كتابيها " موجوعة" و "فضفضات"، خلّق هذا شيئًا من مودّة وأُلفة.


لكن في الختام، كانت الألفة جماعيّة حين عرفت أن غالب من حولها -شبابًا وشيبة- معتقلون سابقون أو "أسرى محرّرون"، صحيح أبقت لي سنوات الاعتقال الثلاث عشرة ميزةً على لسانها؛ فـ "السجن بالأقدميّة" وقواعده تسري بين أهله حين يلتقون حتى بعد خروجهم منه.

عن وجعها وأسرها وإبادة أهلها، وخروجها من وطنها فقط لتحصل على علاج بلا حواجز ولا مراقبة ولا تهديدات، عن الكلمة والمقاومة وهواجس السجن ، كان لنا هذا اللقاء مع الأسيرة المحرّرة -الموجودة في مصر لأيّام قبل عودتها لعمّان- إسراء جعابيص، صاحبة القصّة التي يعرفها الجميع، والصورة التي أحرقت قلوب الإنسانيّة كلّها، كما هي صاحبة الفرحة التي رقص لها الكثيرون حول العالم أو زغردوا أو سجدوا وكبّروا، فرَحًا بلحظة تحرّرها بأمر المقاومة.

"مالك؟"
جعابيص:
في المحكمة سألني أحد أفراد العائلة : مالك؟ كنت متعبة وأشعر بأوجاع وتعب التنقل من محكمة لمحكمة في البوسطة (وسيلة نقل الأسرى يسمّونها بوسطة) فسألوني مالِك؟ حكيت لهم : موجوعة .
هذه الكلمة عوقبتُ عليها بحرمان من الزيارة، والكانتين وغيرها من أشكال العقاب، لذلك كانت تسميتي للكتاب ، لأن الاحتلال عاقبني على الكلمة فخلق فيّ تحدٍّ إنّه ليس أنت من يعاقبني بسبب كلمة قلتها، وإن كانت هذه الكلمة مبررا للعقاب فسأعاقبك أنا بأنّك ستسمعها طوال حياتك من كل مكان في اعالم . . هذا هو سبب التسمية .



أولى الصدمات التي تلقّيتها كانت وجودي في الأسر أصلاً.

لكنّ كذلك في فترة التحقيق قبل دخولي السجن كانوا يحضرون نساء ويستخدموهنّ لإغاظتي ومكايدتي أو للضغط عليّ نفسيًّا بحركات تقمن بها وما إلى ذلك، كما وضعوا لي مرآة – على غير المعهود في هذا المكان- ليواجهوني بما حدث لي على يدهم، لكنّ واجهتها وتعاملت معاها، وصرت أتطلّع عليها .


الحالة الصحية ولقاء الابن
جعابيص:
تعاملت مع غياب الرعاية الصحية ومنع إجراء العمليات الجراحيّة بشكل عادي، لكنّي كنت مشغولة بأثر ذلك على ابني.

وكان وجود قاصرات بالسجن موضع اختبار، وكنت أسأل نفسي من خلالهم : كيف سأتعامل مع ابني وكيف سيتعامل معي هو، واختبرت شعورهنّ من حيث تقبّلي والتعامل معي لأعرف شعور ابني تجاهي، من خلالهم.
 
أول تواصل لي معه كان بعد سنة وسبعة أشهر، كان لقاء صعب، خيّطتُ لنفسي زيًّ نمر، ولبسته باعتباري حكواتيّه أصلاً، لبسته لأفرحه وأخبره أن أمك مازالت هي أمّك، فحكى لي : لأ اشلحيه؛ أنتِ أمي وأنا أعرف أنّكِ أمّي . ورفض بقائي به. 

لم أكن أرتديه لإخفاء شكلي فقد رآني وعرف ما حدث من خلال الصور والإعلام والناس، فقد أردت أن أفرحه وأطمئنه.

كواليس الصفقة
جعابيص:
كنّا نسمع دائمًا بوجود صفقة وكان ذلك يشغلنا، أننا سنتحرّر، الصفقة الأخيرة كنّا مبسوطين لحدوث صفقة (تبادل أسرى) لكننا كنّا متألمين جدًا لأنّ الناس تموت وتستشهد. 

كنا نتمنى أن نخرج على فرحة وزينة وجمعة العائلة دون أذى، لكن ما حدث عكس ذلك؛ من ناحية ما حدث بعد طوفان الأقصى والإبادة التي صارت في غزّة والظروف الصعبة التي فيها وفي كثير من البيوت الفلسطينيّة، ومن ناحية بيت عائلتي الذي تم الاعتداء عليهم يوم تحريري بالضرب والأذى، وتنقيلنا من زنزانة لزنزانة ومن تحقيق لتحقيق حتى وصلنا للبيت ففي اليوم الثاني.

ظللنا أربعة أو خمسة أيام قبل التحرير يفتحوا الزنزانة -من باب التشويق واللعب بالأعصاب- و"ما يروّحوناش"، أو يروّحوا آخرين، أو يفتحوا الزنازين ليبلغونا : لن تخرجوا من هنا، أو يفتحوا الزنزانة ليُخرجوا صاحبتي -على أساس خارجة- ثم يخبروها : تعالي خدي الفطور .

حصلت أشياء كثيرة في هذه الفترة، وضعوا صور الأسرى الإسرائيليّين في كلّ الشوارع، ولم يسمحوا يوضع أي صورة لنا، ومنعوا كل أشكال البهجة، منعوا حتى أهالنا أن يفرحوا بخروجنا، منعوا الزينة والأعلام، وضربوهم، ضربوا أبي وأخوتي وأختي منى، كل هذه المواقف كنت مؤذية لي، تخيّل أسمع داخل السيارة هذه الأخبار بأنّها حدثت لأهلي.
ثم أدخل على البيت دون القدرة على الضحك، ولا حتى دموع الفرح قدرتُ عليها . 

أزمات ما بعد التحرر
جعابيص:
انتهت أزمة الأسر وبدأت أزمات جديدة، في القدس كنت مهدّدة طوال الوقت، دائمًا يلازمني شعور بأنّهم سيعيدون اعتقالي، هناك تهديدات على أهلي وإخواني، ومراقبة وطائرة زنّانة صغيرة وسيارة الشرطة تلفّ حولنا، كلّ هذا عبّأني بنار، وكرّس هاجس أنّهم سييعيدون اعتقالي قبل أن أُعالج، كل ما كان يهمني هو علاج يدي، الألم الذي مررتُ به خلال تسع سنين "ما بدّي يستمرّ"؛ فلجأتُ للأردن لأحصل على العلاج ولأتخلّص من العبور لحاجز إلى حاجز ومن منطقة عازلة لمنطقة عازلة، هناك مخاوف دائمة لذا قررت أنّ أقلّ ما يمكنني فعله هو العلاج بهدوء وأمان وراحة، لذلك ذهبت لعمّان. 

أما تونس فقد ذهبتُ إليها لأنقل رسالة الأسرى، لنقل رسالتنا التي لم تصل ونحن نباد ونقتل، أقلّ ما فيها الأرواح التي بقيت تتنقّل وتنقل الرسالة.


في السجن كانت هناك أسوار عالية وأسلاك، تتحرّك من باب لباب وسجّان على كلّ باب، في القدس يحدث الأمر ذاته، معابر وأسوار عالية وأبواب كأنّك في سجن، نفس الهيئة التي كنت أراها في السجن أراها في خارجه في السجن الأكبر " فلسطين" .


التأقلم مع الناس
جعابيص: 
الناس هم أكثر ما لم أتأقلم معه حتى الآن، صحيح أتعامل معهم وأتواصل، لكن يبقى أن يرفعوا حاجز رؤيتهم لشخص متغيّر عنهم ويتقبّلوا هذه الفكرة، أنا التي تعرّضتُ لها تقبّلتها وراضية عنها. تبقّى هم.

في السجن لا أجرؤ على التفكير هكذا، هناك أحكام أعلى مني يمكنها أن تفعل، هناك عمالقة في تفكيرهم ومجهودهم الثوري والمقاوِم، المجاهدين هؤلاء هم الذين يخشون النسيان، وكثير منهم أسماء منسيّة بالفعل، أما أنا فعرفتُ أنني لن أنسى، أولاً لأنّ الله معي وأهلي معي – أهمّ وأوّل شيء في حياة الأسير هو وجود أهله، إذا كان أهلك معك معناه أنّ كل الكون معك، ووجودهم كان أكبر دعم لي، إضافة لأصدقاء فترة الدراسة والعمل وما قبل الاعتقال، كذلك الناس الذين لا أعرفهم لكنّهم عرفوا قصّتي وتضامنوا معي وساندوني.

كنت أشاهد هذا التضامن على التلفزيون، وكنت أعرف أنني "أوّل عن آخر راح أروّح"، ووقت طوفان الأقصى كنت أُحضّر نفسي؛ سأخرج بعد ثلاثة وثلاثين شهرًا حين أنهي حكمي، أما الأسرى المؤبّدين فلا يفكّرون بهذه الطريقة، والفكرة الوحيدة لديهم "خلص، إنّه عمري راح" إما تأتي صفقة أو لا تأتي، هناك أسرى مرّت عليهم ثلاث صفقات تبادل أسرى ولم يخرجوا إلا بعدها، بعد أن أنهو مدد حكمهم 22 سنة و 21 سنة؛ هؤلاء وحدهم من له الحقّ في التفكير والتعبير بشكل أكبر عن الخوف من النسيان . 


مع المقاومة
جعابيص:
أنا أشكر المقاومين كلّهم وعلى رأسهم حركة حماس لأنّهم قاوموا لأجل القدس والأقصى والعقيدة التي تم المساس بها من قبل الاحتلال، لأجل النساء الذين يتم الاعتداء عليهنّ على بوابات الأقصى وفي الجامع الإبراهيمي، لأجل الأطفال الذين يتم الاعتداء عليهم وقتلهم، لأجل الأسرى الذين يُعتدى عليهم ويقتلون داخل السجون، لأجل الأمهات الثكالى، لأجل كل فلسطيني حرّ
المقاومة قاومت لأجل كل شخص ، ودافعت عن كرامة كل المجتمع الفلسطيني وعن كرامة كل العالم.

موقف المقاومة-في السابع من أكتوبر-كان لازم من زمان،  لا يضايقني أن أرى شخص لا يقاوم وينتقد هذا ويعقّب على تصرّف ذاك، يمكن اعتبار أننا لم نسمعه ولم نره، أمّا المؤذي أولئك الذين يزايدون على المقاومة ويزرعون الفتنة ويخربون وحدتنا الوطنية، تخيّل ترى المقاومة تفعل كل ما لديها لتحرير بلدك وأمّتك ومقدّساتك-وهذا واجبت أصلاً- ولتحرير الأسرى والأسيرات، ثم تزايد عليهم وعلى تصرفاتهم وموقفهم ؟ 

لا نسمع لهذه الأصوات التي تدعو بنزع سلاح المقاومة، أيًّا كانت، نحن مع المقاومة قلبًا وقالبًا، الفلسطينيون لم يتركوا شيئًا إلا وجرّبوه مع إسرائيل، ومع ذلك احتلوا وانتهكوا وأبادوا بعنصرية ولا إنسانيّة، ما بيحرّر البلاد غير السلاح والمقاومة بكل أشكالها، والعين بالعين، الإبادة لن تتوقّف إلا بمقاومتها.

تفاؤل بالمستقبل
جعابيص:
فلسطين قادرة على لملمة جراحها بنفسها، لكن ماذا عن المقدّسات، ليست واجبًا على الفلسطينيين وحدهم، بل فرض على كل عربي ومسلم، على كلّ حر، "رجّال" وكل إنسان لديه كرامة، وجب عليه أن يحرّك نفسه ويحرر القدس.

أمّا المقاومة فأشكالها كثيرة، بالسلاك وبالقلم وبالفنون وبالتعريف بالقضية ورفع راية لا إله إلا الله و راية فلسطين، و بحقّ العودة لكل فلسطيني مشتّت في بقاع الأرض، اللاجئن قديمًا والذين يهجّرون الآن من غزّة.

" صحاب الأرض همّ اللي يضلّوا، واللي دخلوا بيوتنا واحتلوا أراضينا يطلعوا"

تحرير كلّ الأسرى والأسيرات مفروغٌ منه، بل وتحرير فلسطين والأقصى إن شاء الله، ما دامت المقاومة قد وعدت، والأسرى وأنا أوّلهم سدًا وسندًا ودعمًا للمقاومة، كما كانوا معنا فنحن معهم.

الكلمة عنوان تحدّي ومقاومة، عندما تمّت معاقبتي على كلمة كتبتها وسجّلتها، لتجسّد كيف أكون "أنا" من جديد، وتجسيد لحال كل الحركة النسويّة الأسيرة وكل الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال: حياتهم وظروفهم وأحلامهم وآمالهم وإنجازاتهم رغم قسوة السجن.
الكلمة مقاومة. 


مقالات مشابهة

  • غالانت: بعد 591 يوما من الحرب لا زالت حماس تسيطر على غزة.. فشل صارخ
  • جعابيص في حوار مع عربي21: أشكر المقاومة.. وهذا أصعب ما أواجهه خارج السجن
  • غالانت يخرج عن صمته بشأن حركة الفصائل الفلسطينية بعد 591 يوما على الحرب
  • هكذا تفاعل الفلسطينيون مع بيان الغرب ضد إسرائيل
  • العدوان على غزة يترك تبعاته السلبية على سوق العمل الإسرائيلي
  • تفاصيل مقترح الـ60 يوما بشأن غزة.. هذا موقف إسرائيل وحماس
  • مفاوضات غزة.. تفاؤل وحديث عن موافقة حماس على "هدنة 60 يوما"
  • الجوع ينهش بطون الأطفال في غزة.. عربي21 ترصد شهادات مروعة
  • خبير تربوي: الذكاء الاصطناعي يسهم في تسهيل المذاكرة وقد يقضي على الدروس الخصوصية قريبًا
  • سقوط 32 شهيدا في غزة على خلفية توسيع إسرائيل هجومها رغم تزايد دعوات الهدنة