بملامح بريئة وعينين واسعتين وشعر ناعم تنسدل بعض خصلاته على جبينه.. يعلن الصبى الفلسطينى فرحته الغامرة بالهدنة وأن الدنيا حلوة كتير بدون زنانات الطائرات والمدافع.. لا أعرف اسمك يا ولدى الصغير.. ولا أين أهلك ومصيرهم.. وهل دك المحتل الإسرائيلى المجرم بيتك؟.. وما مصير لعبك القليلة وشنطة مدرستك وكتبك مزينة باسمك العربى الفلسطينى أباً عن جد؟
ما الذى بينك وبين الله يا ولدى لكى تدعوه بصوت اليقين: يارب تكون هدنة أبدية؟
يا ولدى الحبيب وأنت تدعو وتخاطب العالم بلقب الجماعة.
يا ولدى الفلسطينى الحبيب الذى أجهل اسمه.. اظهر مرة أخرى على شاشات التلفاز بنفس ابتسامتك الساحرة.. تجول بين الأنقاض برشاقة كالمرة السابقة.. احكِ لهم أن مدينة غزة أرض طاهرة..
من أقدم مدن العالم، أسسها العرب الكنعانيون قرابة الألف الثالثة قبل الميلاد، وسموها غزة، نسبة إلى هاشم بن عبدمناف جد رسولنا الكريم محمد «ص» الذى دفن بها فى المسجد الذى يحمل اسمه.. وهى مسقط رأس الإمام الشافعى رضى الله عنه صاحب أحد مذاهب الإسلام الأربعة.
ياولدى الفلسطينى الحبيب طلتك وأنت تعلن عن الهدنة جعلتك وجهًا إعلاميًا إنسانيًا.. لا تتوقف عن البث.. أنشيء قناة كأى بلوجر محترف.. قم كل يوم بإذاعة حلقة من برنامجك ولتكن بعنوان « مقاوم ». . افضح محتلك واحك أن هنا كانت مدرستك بطلائها الأبيض وفصولها النظيفة وأصدقائك الذين استشهدوا تحت ركامها فاختطلت دماؤهم الزكية بالمريلة والكراسة والقلم.
اظهر على شاشات التلفاز كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة.. حوّل حياتهم لكابوس مرعب من تأنيب الضمير الإنسانى.. ساعد من سيكتب التاريخ فى توثيق مجازرهم وإبادتهم لأهلك الطيبين..
يا ولدى الفلسطينى الحبيب اظهر كل يوم على شاشات التلفاز.. قل ما لم يستطع الجبابرة قوله.. قل إن مدينة غزة لن تهزم وتسقط فى أيدى الغزاة.. هى بوابة آسيا ومدخل أفريقيا بحكم الموقع الجغرافى بين مصر وبلاد الشام، وبين آسيا وأفريقيا، وأن مدينتك غزة عبر التاريخ نقطة مواصلات ومحطة قوافل وبالتالى مركز تجاري عالمي.
احكِ لهم عن مدينة غزة المشهورة بأشجار الفواكه المثمرة كالعنب والتين والتوت.. وشواطئها برمالها الذهبية البراقة. ولا تنس أن تروى لهم أن أهلك كانوا هنا عند ميناء غزة، وأن أرضية الفسيفساء التى تزينه تشهد بذلك.. حيث اكتشفت سنة 1966م، يزينها رسوم حيوانية وطيور وكتابات، يرجع تاريخها إلى بداية القرن السادس الميلادى، أما النص الكتابى التأسيسى الموجود فى الأرضية فباللغة اليونانية القديمة معناه «نحن تاجرى الأخشاب ميناموس وأيزوس أبناء ايزيس المباركة أهدينا هذه الفسيفساء قرباناً لأقدس مكان من شهر لونوس من عام 569 الغزية/ 508 /509م».
خذ العالم معك يا ولدى الفلسطينى الصغير صاحب أجمل ابتسامة ظهرت على شاشات التلفاز منذ تيبست ظهورنا ونحن نشاهد حرب الإبادة على مدينتك الصغيرة، إلى المسجد العمرى أقدم وأعرق مسجد فى مدينة غزة، وأقم صلاة الجنازة على شهداء طوفان الاقصى.. ارفع دعوتك للرحمن وجعل الملايين حول المعمورة يصلون ويبتهلون معك أن يكون النصر لغزة وأهلها.
تجول معهم فى أروقة المسجد العامرى العتيق ذات الـ38 عموداً من الرخام الجميل والمتين البناء، والذى يعكس فى جماله وروعته بداعة الفن المعمارى القديم فى مدينة غزة.
أخبرهم عن احتوائه على مكتبة مهمة يوجد فيها العديد من المخطوطات فى مختلف العلوم والفنون، ترجع إلى الظاهر بيبرس البندقدارى وتحتوى على مائة واثنين وثلاثين مخطوطة ما بين مصنف كبير ورسالة صغيرة، ويعود تاريخ نسخ أقدم مخطوط إلى سنة 920هـ.
خذهم يا ولدى إلى كنيسة الروم الأرثوذكس القديمة صاحبة الخمسة عشر قرناً من البناء بحى الزيتون، صلِّ ومن معك لرب العالمين أن تكون الغلبة لكم ولو بعد حين..
ختاماً يا ولدى الفلسطينى الحبيب.. لا أعرف اسمك ولكنى أريد أن أراك مرة أخرى على شاشات التلفاز تصدر الأمل والخير والإنسانية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الهدنة مدینة غزة
إقرأ أيضاً:
الهدنة مع الشيطان
كتب / ازال الجاوي السقاف
يُحكى أن حطابًا فقيرًا اعتاد أن يخرج يوميًا إلى “غابة الشيطان” ليحتطب ويكسب قوت يومه، وكان يُعيل إلى جانب أسرته مجموعة من الأيتام في الحي. وفي كل مرة يبدأ فيها بالحطابة، يظهر له الشيطان محاولًا منعه، فيدور بينهما عراك لا ينتهي إلا بانتصار الحطاب. تكررت هذه المواجهة يوميًا، حتى فكّر الشيطان في حيلة جديدة.
في أحد الصباحات، اعترض الشيطان طريق الحطاب، وكاد الأخير أن يشتبك معه كعادته، لكن الشيطان استوقفه قائلًا: “ما رأيك أن نُبرم هدنة؟ قل لي، كم تربح من الحطب يوميًا؟”
أجاب الحطاب: “درهمان، أحدهما لي ولأسرتي، والآخر للأيتام.”
فقال له الشيطان: “بدلًا من هذا العناء، سأمنحك أربعة دنانير ذهبية أضعها يوميًا تحت وسادتك، فترتاح من العمل، وتصبح غنيًا، وتنتهي مشكلتنا.”
أُعجب الحطاب بالفكرة، ووافق. وبالفعل، بدأ الشيطان يضع له الدنانير يوميًا، فاستمر الحطاب في التصدق بدرهم واحد على الأيتام، كما اعتاد، وادّخر الباقي لنفسه.
ومرت الأيام حتى أخلّ الشيطان بالهدنة وتوقف عن إرسال الذهب. لكن الحطاب، وقد اعتاد على المال، امتنع عن إعطاء الأيتام درهمهم اليومي، خوفًا على مدخراته، وظل يُمنِّي نفسه بعودة الشيطان للوفاء بوعده.
وأخيرًا، قرر أن يعود إلى الغابة ليقاتل الشيطان كما كان يفعل سابقًا. لكنه فوجئ هذه المرة بأن الشيطان قد تغلّب عليه بسهولة. فسأله بدهشة: “كيف غلبتني اليوم، وأنا من كان ينتصر عليك دائمًا؟”
ضحك الشيطان وقال: “في السابق، كنت تقاتل من أجل لقمة عيش حلال، وتتصدق على الأيتام، فكان الله معك. أما اليوم، فقد جئت تطلب الذهب، فجئت على باطل، فغلبتك.”
**
هذه الحكاية تُجسّد بعمق الواقع الذي نعيشه اليوم في اليمن. فقد حذّرنا منذ البداية من “الهدنة مع الشيطان” بتلك الكيفية وتحت تلك الشروط، وقلنا إن نتائجها ستكون كارثية. لكن لم يُنصت لأي صوت عاقل، بل جرى تشويه كل من حذّر من عواقبها، حتى بدأت الآن، وبعد أربعة أعوام من سريانها، الأصوات تتعالى مطالبة بالعودة إلى الحرب.
لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها، أن العودة إلى الحرب في ظل المعطيات الحالية فكرة عبثية، لا يمكن أن تحقق نتيجة أفضل مما نحن عليه الآن.
فقد شهدت السنوات الأربع من الهدنة تحولات كبرى، أبرزها تآكل ثقة الشعب في السلطة القائمة، بسبب رفضها إجراء إصلاحات حقيقية تخدم الناس، وسعيها المستمر لاحتكار السلطة وإقصاء الآخرين، وفرض رؤيتها الفكرية بالقوة على المجتمع.
كما أظهرت السلطة عجزًا فاضحًا عن مكافحة الفساد أو التخفيف من معاناة الشعب الاقتصادية، بل وأرهقته بالجبايات، وامتنعت عن تقديم أبسط الخدمات، وكرّست واقعًا جغرافيًا مجتزأً قطع صِلات الناس ببعضهم، وأضعف تماسكهم الوطني على مستوى عموم الجغرافيا اليمنية.
**
لسنا هنا بصدد شيطنة أحد، ولا نسعى لتصفية حسابات سياسية، وإنما نقول بوضوح:
إن أي سعي حقيقي للخروج من مأزق الهدنة، سواء عبر السلم أو الحرب، لن يكون ممكنًا دون إصلاحات جذرية تُعيد الشراكة الوطنية إلى نصابها الصحيح، وتبني الثقة مع الشعب، وتكافح الفساد بصدق، وتخرج من دائرة الانكماش المناطقي، وتفتح الجسور مع كل الجغرافيا اليمنية.
وإلا، فإننا – مثل ذلك الحطاب – سنعود لقتال الشيطان، ولكن هذه المرة بلا نية خالصة، ولا قضية عادلة، ولا مصداقية.
وسنُصرَع، مهما كان سلاحنا قويًا، لأننا فقدنا مقومات النصر: المصداقية، العدالة، التماسك، الوحدة، الإجماع، والنوايا السليمة