شبكة اخبار العراق:
2025-05-10@13:56:51 GMT

كل هذا الغبار من تلك الحروب

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

كل هذا الغبار من تلك الحروب

آخر تحديث: 2 دجنبر 2023 - 9:53 ص بقلم:فاروق يوسف ألا يزال ذلك الجندي الآشوري يحارب؟ تعرفت عليه في المتحف العراقي ولم أكن في حاجة إلى التعرف على عمره. فالمسافة بين ولادته وموته يغطيها الغبار نفسه الذي أثقل خطوات الملايين من رجال عصرنا والعصور التي سبقته الذين مشوا إلى أرض الموت مكللين بالأغاني التي لم يصدقوها.

“احنه مشينا للحرب”. كان يضحك وهو يسمعها. لا يصدق كلمة واحدة منها. “لست أنا من مشى”، يقول لي وهو يشير إلى قدميه. كان الغبار يعلوه حتى بعد أن يغوص في مياه المحيطات كلها ويخرج. فغبار الحرب يقيم عميقا في روحه. لا يصدق الآخرون أنه خرج حيا. غير أنه يعرف أن الحياة في مكان آخر. مكان لا تقع عليه أعين الآخرين الذين لم يعيشوا السنوات العمياء التي مرت به واخترقها مدفوعا بهواء الأناشيد الوطنية الثقيل. عاد حيا كما لو أنه لم يكن حيا من قبل. ذلك لغزه الذي لن يتمكن من شرح تفاصيل دروب متاهته. تلك متاهة لا تقع على الأرض. كانت الكوابيس جزءا من وجبته الليلية. لن يتمكن من وصف عشائه الأخير. وكل عشاء هو عشاؤه الأخير. “كلهم ميتون” سيكون متأكدا من أنه حين يعود لن يجد أحدا. سيجلب معه شيئا من الغبار. ذلك ما سيهبه طابع الشبح الخارج من التاريخ. لا زمن له بعد أن كان غادر بقوة الغبار الزمان الذي صدق يوما ما أنه ابنه. لم يعد في إمكانه أن يقنع أحدا بأنه عاش زمن الآخرين. فليس لديه ما يقوله. لديه أخبار لا يفهم لغتها أحد. لقد لعبت الجغرافيا بذاكرته. فبين معارك شرق البصرة وحرب غزة مسافة تسكنها الألغام المشبوهة بقدرتها على خلق الأوهام. لا شيء يهم في ما يعتبره الآخرون طرفي المعادلة المجنونة. إما النصر أو الهزيمة. تلك معادلة كاذبة. فلا نصر في الحرب ولا هزيمة. دع المنتصرين والمهزومين يحتفلون بنجاتهم. ولكن الحرب لم تنته بعد.

إما النصر أو الهزيمة. تلك معادلة كاذبة. فلا نصر في الحرب ولا هزيمة. دع المنتصرين والمهزومين يحتفلون بنجاتهم. ولكن الحرب لم تنته بعد

الأسوأ أنك حين تعود من الحرب تصدم أن البشر من حولك لم يتغيروا. إنهم كما تركتهم. ما زالوا يكذبون وينافس بعضهم البعض الآخر إلى درجة الحسد والغيرة وتمني الموت ويتمتعون بحيلهم الصغيرة كما لو أنهم يصنعون المعجزات ويضحكون من الفشل ويغيظهم النجاح ويصفقون للسياسيين الذين أقنعوهم بأن الحرب هي آخر الحلول ويسخرون من المفكرين الذين دافعوا عن السلام باعتباره مجموعة متلاحقة من المحاولات التي لا تنتهي. تحتاج حينها إلى كيلومتر من غبار الحرب في إمكانها أن تُلهم العالم تنفس هواء مختلفا، هو هواء الحقيقة التي انتهت إليها البشرية. تعرف أن صرختك لن تصل. فقد يعتبرك الكثيرون مجنونا. سيكون عليك أن تصدق أنك مجنون. ولكن جنون الحرب لا يعفي أحدا من هذيانه. نحن جميعا نهذي أيها الجندي الآشوري. حين تسلقنا الجبل لم نكن نرغب في رؤية قمته. كنا في كل خطوة صعود نفكر في الهبوط. ولكن الأرض التي صغرت أثناء صعودنا كانت أرضا أخرى غير التي غادرناها. لا أشجار ولا منازل ولا بحيرات ولا شوارع ولا كهوف ولا مزارع ولا حتى قصائد يمكن أن نغوي من خلالها الفتيات الجميلات. سوداء تلك الأرض التي طردتنا حين اختارتنا محاربين من أجل أوهام عدد من بنيها الذين أقنعوا الجميع بأنهم رأوا السماء قريبة وأن الأفق قريب. ذلك ما يحدث دائما. واقعيا لم ينج صدام حسين أو ياسر عرفات أو معمر القذافي من ذلك الوهم. “تلك هي أنوار القدس”، لطالما قالها عرفات بإلهام شبه إلهي. لا تأسف على ما فاتك أيها الجندي الآشوري. أنت تحارب منذ أكثر من ألفين وخمسمئة سنة. هل هي مهنتك؟ ليس حمل الغبار مهنة. ولكن للحروب حساباتها. وأنت ابن الحروب لا ابن الزمن. “عشت زمنا أسطوريا” يقول لي. يضيف “بدلا من 18 شهرا وهو زمن الخدمة العسكرية الإلزامية خدمت عشر سنوات بسبب الحرب مع إيران. لم أذهب إلى بيتي إلا وقتا قصيرا إلا واستدعيت للخدمة الاحتياط من أجل الحرب في الكويت. لقد صدقت ما قاله الآخرون من أنني خرجت حيا من الحرب الأولى وهو أمر غير مؤكد غير أنني لم أصدق أنني سأعود حيا من الحرب الجديدة. لقد استيقظ الغبار القديم في روحي وهو ما دفعني إلى السخرية من تفاؤل الآخرين. لقد خُلقنا إذاً للموت. ذلك ما يقولونه وهو ما تحققه لهم الحروب”. تلك خلاصة عيش لا حياة فيها. هناك أجيال عاشت وهي تتنفس غبار الحرب. إذا لم تكن إيران هناك أميركا أو إسرائيل. أما حين ترى المنتصرين وهم يرقصون فإنك تفكر بقبضة من غبار الحرب. قبضة واحدة كافية لكي يستيقظ الموتى من أوهامهم.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة

 

في السادس عشر من مايو 1916م، تم التصديق على أكثر الاتفاقات التي قلبت العالم العربي، ولا تزال الشعوب العربية تجني ثمارها المرّة حتى يومنا هذا. إنها «اتفاقية سايكس بيكو» التي قسمت العالم العربي وكأنّه مجرد قطعة أرض تُوزّع بين القوى الاستعمارية، دون أدنى احترام لشعوبها أو تاريخها. وقّعت بريطانيا وفرنسا وروسيا اتفاقًا في الخفاء لتقاسم الميراث العثماني، دون أن يكون للعرب أي صوت في تحديد مصيرهم، ليبدأ بذلك فصل جديد من التبعية والتفكك.

فلسطين، الأردن، العراق، سوريا، لبنان، وحتى المضائق التركية، قُسّمت وكأنها غنائم تُوزّع بين الجلادين، ليبدأ الانقسام الذي لم يتوقف. لم يُستشر العرب في هذه الاتفاقات، بل وُجدوا أسرى لخرائط وصفتهم المستعمرات بها، والتي رسمها أعداء الأمة في خيانات معترف بها. لكن ما هو أشد مرارة من خيانة المستعمر هو صمت المتواطئين وتخاذل أولئك الذين كان من المفترض أن يكونوا حماة الأمة.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: بعد أكثر من قرن من الزمن، هل تغيّر شيء؟ وهل استفاقت الأمة من غيبوبة سايكس بيكو؟

للأسف، ما بدأه سايكس وبيكو من تقسيم على الورق، استمر الحكام العرب في ترسيخه في الواقع. بدلاً من إزالة الأسلاك الشائكة بين الأقطار العربية، تحولت الحدود إلى خطوط حمراء تُرفع عليها البنادق في وجه الأخوة. بدلًا من بناء مشروع عربي موحّد، أُقيمت مشاريع قطرية تابعة، تفتقر إلى أي رؤية سيادية، وتكتفي بالعجز، والتطبيع، والاستنجاد بالغرب في كل أزمة.

قادة العرب – إلا من رحم ربي – لم يستخلصوا العبرة. بل أصبح البعض منهم حراسًا أمينين على إرث سايكس بيكو، يتفاخرون بسيادة وهمية داخل حدود رسمها الاستعمار، ويقمعون كل محاولة لتجاوز هذه القوالب المصطنعة. بعضهم فرط في القدس، وبعضهم باع ثروات بلاده، وبعضهم ما زال ينتظر الإذن للوقوف مع شعبه، أو حتى ليغضب.

مايو ليس مجرد ذكرى خيانة، بل مرآة نرى فيها تخاذلنا المستمر. إنها لحظة يجب أن يُحاسب فيها القادة قبل الشعوب: إلى متى سنظل أسرى خريطة صنعها أعداؤنا؟ إلى متى يظل الانقسام قدرًا والتبعية خيارًا؟

سايكس بيكو لا تزال حية، لأن أدواتها باقية: أنظمة تابعة، نخب خانعة، وصمت عربي يشرعن الجريمة. أما التحرر الحقيقي، فلن يبدأ إلا عندما نكسر جدران الصمت، ونكفّ عن استجداء من قسمونا، ونستعيد قرارنا بأيدينا.

في مايو، لا نحتاج خطبًا ولا بيانات، بل نحتاج صحوة تخلع شرعية التبعية وتعلن بوضوح: هذه الأمة تستحق أن تحكم نفسها، لا أن تبقى رهينة اتفاقية خائنة وقيادات عاجزة.

ما سايكس بيكو إلا البداية في سلسلة طويلة من المؤامرات والمؤتمرات التي ما تزال تُحاك ضد الأمة حتى اليوم. كما عبّر عن ذلك بوضوح السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في إحدى كلماته بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد عام 1443هـ، حين قال: « هي أيضًا استراتيجية وسياسة يبنون عليها مخططاتهم، ولهم في ذلك مؤتمرات، في مراحل ماضية، ومراحل متعددة من التاريخ، هناك مؤتمرات غربية يحرِّكها اللوبي اليهودي الصهيوني من زمان، مؤتمرات تنعقد وتخرج باتفاقيات ومقررات معينة، هي عدائية بكل وضوح ضد هذه الأمة، هناك مثلاً اتفاقيات، مثل اتفاقية سايكس بيكو… واتفاقيات أخرى، ونقاط ومخرجات لمؤتمرات عقدت في المراحل الماضية، في مراحل متعددة، وإلى اليوم، الأمر مستمر إلى اليوم، مخرجات تلك المؤتمرات، تلك المناسبات، تلك الفعاليات، مخرجاتها من اتفاقيات ومقررات عدائية بكل وضوح لأمتنا الإسلامية، تضمَّنت: تقسيم العالم الإسلامي، العمل على منع توحده، إثارة النزاعات بين أبنائه تحت مختلف العناوين: العناوين الطائفية، العناوين السياسية، العناوين المناطقية، العناوين العرقية… تحت مختلف العناوين،…. « كلمات السيد القائد لم تكن مجرد توصيف عابر، بل تشريح دقيق لطبيعة المشروع الاستعماري الذي لم يتوقف عند سايكس وبيكو، بل امتد وتطور وتجدّد، تحت عناوين جديدة ومظاهر خادعة، لكنه لا يزال يستهدف الأمة في هويتها ووحدتها ونهضتها.

فهل يدرك قادة العرب اليوم أن بقاءهم أسرى سايكس بيكو هو قبول طوعي بالذل، وشهادة زور على استمرار المؤامرة؟ أم أن الخنوع أصبح سياسة رسمية تُدار بها العواصم تحت الرعاية الغربية؟

إن لم تكن ذكرى «سايكس بيكو» جرس إنذار، فهي شهادة جديدة على أننا نعيش في زمن الاستسلام المغلّف بالكذب الرسمي. العدو لم يعد يخطط في الخفاء، بل ينفذ جهارًا، والحكام – إلا من ثبتت مقاومتهم – لم يعودوا عاجزين فقط، بل مشاركين في اغتيال الكرامة.

لكن في قلب هذا الركام، ينهض أحرار الأمة ومعهم أحرار العالم، أولئك الذين لم تلوثهم اتفاقيات الذل، ولم تنكسر إرادتهم تحت وقع الهزائم. أحرار يصرخون في وجه الاستعمار الحديث: لن تمرّوا، ولن ننسى، ولن نبقى أسرى خرائط صنعتها بنادق الغزاة وحبر الخونة.

لا خلاص للأمة إلا برفع راية الوعي والمقاومة، وبإسقاط أنظمة التبعية التي تحرس حدود الاستعمار، وتقدّم مفاتيح الأوطان لأعدائها. فإما أن يُكسر قلم سايكس ويُدفن حبر بيكو تحت أقدام الأحرار… أو نبقى شعوبًا تُدار كالخرائط، وتُساق كالغنائم.

الخيار واضح: إما مقاومة تُعيد للأمة سيادتها… أو خنوع يُبقيها بلا ملامح ولا مصير. ومع أحرار العالم، سنحطم خرائط العار، ونكتب بقبضات المقاومة خريطة جديدة… خريطة لا يخطّها الغزاة، بل تنحتها إرادة الشعوب، وتُعلن ولادة زمنٍ لا مكان فيه للهيمنة، ولا سيادة فيه إلا للكرامة والحرية.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • أسيرة إسرائيلية سابقة تتحدث عن الأيام التي عاشتها في غزة فوق وتحت الأرض
  • ضابط استخبارات في جيش الاحتلال يكشف تفاصيل كمين القسام في مخيم جباليا
  • الهند تعلن مقتل 5 أشخاص بهجوم لباكستان التي بدأت بعملية البنيان المرصوص
  • سايكس بيكو.. جريمة مايو التي مزّقت الأمة
  • درجات الحرارة تبدأ بالانخفاض التدريجي اعتبارًا من الأحد وتحذيرات من الغبار في البادية
  • خبير تمور الأحساء: رياح "العج" وحلم الغبار يهددان محصول "الخلال"
  • رسالة من شيخ الأزهر إلى الهند وباكستان: أوقفوا الحرب
  • خبير أمني: الشائعات أصبحت أخطر الأسلحة غير التقليدية المستخدمة في حروب الجيلين الرابع والخامس
  • شيخ الأزهر يدعو الهند وباكستان للتحلِّي بالحكمة.. ويؤكد: العالم لا يحتمل مزيدًا من الحروب
  • ماهي التهديدات التي يواجهها الدولار في دول اسيوية