عربي21:
2025-06-29@13:09:40 GMT

حقوق الإنسان في ذكراها الخامسة والسبعين

تاريخ النشر: 11th, December 2023 GMT

احتفى العالم الحقوقي ونشطاؤه يوم أمس باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وكان هناك اختلاف واسع حول مدى فاعلية المنظومة الحقوقية وتفرعاتها القانونية والإدارية. وبعد ثلاثة أرباع القرن من إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يُفترض أن يكون العالم قد قطع شوطا في احترام الحقوق الأساسية للبشر والحدّ من الانتهاكات المروّعة لإنسانيته من خلال سياسات القمع والاضطهاد.

لكن لم يكن هناك من الإنجازات في هذا المضمار ما يستحق التغنّي به خصوصا في الشرق الأوسط.

إذ لا يبدو أن ترويج المنظومة الحقوقية وتوسع مؤسساتها ومنظماتها قد حقق فعلا اختراقا حقيقيا في أساليب تعامل الحكومات مع الشعوب، خصوصا تلك التي تطالب بشراكة سياسية وتعددية وديمقراطية حقيقية. ويكفي النظر لما يجري في المنطقة لاستيعاب الواقع الصعب الذي يعانيه أهلها بسبب الظلم والاضطهاد. ففي غياب النظام السياسي العادل أو المنتخب من قبل المواطنين، تتلاشى فرص احترام البشر مع انعدام العدالة وحكم القانون وغياب التشريعات التي تراعي مصالح الناس.

ويضاف الى معاناة المنطقة بقاؤها تحت الاحتلال من جهة والهيمنة الغربية من جهة أخرى. وقد تزامن تأسيس الكيان الإسرائيلي مع ولادة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأصبح شعب فلسطين التجسيد العملي لغياب الحقوق التي ينص عليها ذلك الإعلان.

وقد أكدت تجربة امتدت ثلاثة أرباع القرن استحالة حصول الفلسطيني على حقوقه في ظل الاحتلال القائم على أساس الفصل العنصري عمليا. ووجود الاحتلال من بين عوامل انتشار الاستبداد وتهميش الإعلان المذكور. فلو حظيت الشعوب العربية بحقوقها المنصوص عليها في ذلك الإعلان لأصبح النظام السياسي العربي ديمقراطيا، ولأصبح لمواطنيه حق التشريع واتخاذ القرارات السيادية ومنها تفعيل مبادئ التضامن العربي التي تقتضي حماية فلسطين من الاحتلال.

أكدت تجربة امتدت ثلاثة أرباع القرن استحالة حصول الفلسطيني على حقوقه في ظل الاحتلال القائم على أساس الفصل العنصري عمليا.في العاشر من ديسمبر من العام 1948 تم إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبدأت الدول تصادق عليه تدريجيا. وعلى مدى 75 عاما توسعت دائرة الاهتمام بالإعلان الذي اعتبر تجسيدا للتطور الإنساني على صعيد المساواة والاحترام وحرمة النفس الإنسانية وكرامتها. يومها كانت الأمم المتحدة التي كانت قد تأسست قبل ثلاثة أعوام فحسب لتحلّ محل «عصبة الأمم» تتطلع لعالم أقل توحشا مما شهدته الإنسانية في النصف الأول من القرن خصوصا خلال الحربين العالميتين. واعتُبرت التشريعات الحقوقية ظهيرا يدعم تطلعات المنظمة الدولية وبداية إيجابية لتأسيس عالم يتقلص فيه الاضطهاد ومصادرة حقوق الآخرين والتوسع الذي كان ملازما لحقبة الاستعمار.

ويُفترض أيضا أن المنطقة العربية هي الأقرب لاحترام الحقوق نظرا لانتمائها للإسلام الذي منح الإنسان حقوقه. فما أكثر الآيات القرآنية التي تؤكد كرامة الإنسان وحقه في الحياة والحرية والعدالة. وما أوضح نصوص «وثيقة المدينة» التي كتبها رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام لتنظيم العلاقات في دولة المدينة، وكذلك «رسالة الحقوق» للإمام علي بن الحسين. فكلها تضع القواعد التي توضح ما للإنسان من حقوق، وما عليه من واجبات.

الواضح أن المنظومة الحقوقية الحديثة تركز على الحقوق ولا تتطرق بوضوح للمسؤوليات، وهذا أحد جوانب النقص في الثقافة الحالية. ولكي يتكامل الطرح لا بد من التعاطي الجاد مع مقولة «المسؤولية» سواء على مستوى الدولة التي تتحمل قسطا وافرا منها أم على مستوى الأفراد الذين لا مناص لديهم من تحمل قدر من المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية لكي يتكامل المجتمع ويتصالح مع نفسه. وبين هاتين المسؤوليتين تبرز حقوق الإنسان كضامنة لحقوق الأفراد وحمايتهم من اضطهاد السلطة خصوصا عندما تقع تحت هيمنة الاستبداد سواء كان من الحاكم الفرد أم الحزب أم القبيلة.

هذه الأسس قامت عليها ديباجة الحقوق التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أمل إقامة منظومة حياة يتمتع الإنسان من خلالها بالعدالة والكرامة والحرية. وفي ظل السياقات المتغيرة بشكل مستمر يُفترض أن يتعمق الشعور بعالمية هذه الحقوق والابتعاد عن التخندق ضمن مقولة «الخصوصية الثقافية» التي تُستخدم لتبرير التقاعس في هذا المجال. فقيم الحرية والعدالة والمساواة حقوق طبيعية عالمية مُستحَقة للإنسان من خالقه، ولا يحق لأحد سلبها منه أو مساومته عليها.


لكن أنظمة الاستبداد تدرك أن الفرد الذي يتمتع بهذه الحقوق الأساسية لن يقبل بالاستبداد ولن يسكت على الظلم، ولن يتنازل عن كل ما يعتبره حقا مشروعا له، ومن ذلك حق المشاركة في صنع القرار ورفض الاستعباد أو الاستهبال أو التهميش، وهي أساليب الأنظمة الشمولية التي لا تقبل بالمساءلة من قبل المحكومين. وهذا مناقض للمبادئ الإنسانية التي أقرها الإسلام: فالمسؤولية مشتركة (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وكذلك مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومبدأ رفض الظلم والإهانة. بل سيتحرك في عالم يتجه بشكل أكبر نحو التطور التكنولوجي. فهناك تحديات مشتركة تواجه رهانات تغير المناخ والتنمية المستدامة والتكنولوجيا الرقمية.

كما أن هناك حاجة للنهوض بالثقافة الحقوقية باعتبارها رافعة لتعزيز عالميتها. ومن المؤكد أن التطور التكنولوجي سيؤدي إلى أوضاع تُخِلُّ في بعض جوانبها بحقوق البشر خصوصا في مجال حق العمل. ومع توسع انتشار «الذكاء الاصطناعي» يتلاشى المجال أمام البشر في الكثير من المجالات. وهذا يؤدي للاستغناء عن العمالة البشرية، الأمر الذي يزيد ظاهرة البطالة بتقليص مجال العمل أمام البشر. والبطالة أحد تجليات تهميش الحقوق مهما كانت أسبابها. وهكذا تتصاعد احتمالات الاحتكاك بين التكنولوجيا وحقوق الإنسان.

برغم ما قيل فإن الأرضية الروحية والفكرية لحقوق الإنسان من منظور إسلامي لم يتم العمل بها خلال العصور اللاحقة، أي بعد انتهاء الخلافة الراشدة وقيام نظام سياسي ملكي مؤسس على توارث الحكم وهوى الحاكم، وتم خلاله تهميش حقوق البشر. فقد ساد الاضطهاد في أغلب حقب التاريخ الإسلامي، ومارس الحكام صنوف القتل والتعذيب بحق المعارضين. ولذلك لم تتطور الظاهرة الحقوقية ضمن النظرية الإسلامية خلال العصور السابقة، وحين أطلقها الغربيون بعد الحرب العالمية الثانية ووضعوا أسسها وأطرها اعتقد البعض أنها تطور إيجابي طارئ على البشرية، واحتار الكثيرون حول كيفية التعاطي معها. وانبرى علماء المسلمين لإعادة بلورة منظومة حقوقية إسلامية قادرة على مسايرة ذلك التطور، وما يزال السجال قائما بشأنها خصوصا في الأوساط التقليدية التي ترفض إعادة النظر في التاريخ الإسلامي للاستفادة منه في التخطيط لمستقبل أكثر التزاما بمنظومة القيم وأقل توجها نحو الاستبداد والديكتاتورية وانتهاك الحقوق.

ولكي يكون هناك ميثاق إسلامي لحقوق الإنسان لا بد أن يُستمد من النص الديني الأصلي وليس من ممارسة الحكام الذين انتهكوا حقوق الناس في وضح النهار، ومارسوا اللهو واللعب وحوّلوا الحكم إلى ملك عضوض بعيدا عن روح الإسلام وتعليماته.

برغم الموقف الغربي السلبي من موقع تلك الحقوق في المشروع الإسلامي، فإن التجربة الغربية لم تثبت قدرة الدول الصناعية على ضمان تلك الحقوق وحمايتها. فالمنظومة الأخلاقية ضرورة لتعميق الإيمان ليس بالمنظومة في شكلها النظري فحسب، بل في تجلياتها على أرض الواقع. وما يزال الإنسان الغربي يعاني من الاضطهاد خصوصا في مجال المعيشة. فما أكثر الذين يعيشون بلا مأوى ويقضون حياتهم في الشوارع يفترشون الأرض ويلتحقون السماء. وما أكثر العائلات المفككة بسبب خلل النظم والقيم الاجتماعية وتراجع حقوق الإنسان.

وهنا تبرز ظواهر في المناخات الاجتماعية بدول «العالم الحر». فمع تضخم الذات لدى المواطن العادي وما يرتبط بها من أنانية مفرطة، تتحرك الحكومات في المجال الحقوقي بعقلية انتقائية، حيث تختار ما يناسبها من تلك الحقوق وتتجاهل جوانب أخرى. فليس هناك سياسات ثابتة في المنظومة السياسية الغربية تتسم بالثبات على القيم بتطبيقها أو الدفاع عنها. كما ليس هناك تمسك بمبدأ العدالة والمساواة بين أرواح البشر.

وتُظهر الحروب والصراعات المسلحة تضاؤل قيمة الروح الإنسانية لدى القادة السياسيين والعسكريين، فما أسهل استهداف البشر بأسلحة القتل الشامل. أليس هذا ما يحدث في غزة؟ أليس الغرب صامتًا كصمت الأموات إزاء الموبقات التي تحدث في فلسطين؟ أليس الغرب صامتا أمام الانتهاكات الحقوقية من قبل الأنظمة والحكومات التي يعتبرها «حليفة»؟

المصدر: القدس العربي









المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين الأمم المتحدة حقوق الإنسان الأمم المتحدة فلسطين حقوق الإنسان العالم العربي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإعلان العالمی لحقوق الإنسان حقوق الإنسان خصوصا فی

إقرأ أيضاً:

منتدى الكناري: البوليساريو منظمة إرهابية ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان

زنقة 20 | متابعة

وجّه إغناسيو أورتيز بالاسيو، رئيس منتدى جزر الكناري والصحراء، اتهامات حادة إلى جبهة البوليساريو، واصفا إياها بـ”المنظمة الإرهابية” التي تهدد السلم في المنطقة، محملا إياها مسؤولية ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف و ذلك خلال ندوة دولية احتضنتها جنيف تحت عنوان “العودة حق لكل الشعوب”.

وقد سلط المشاركون في هذه الندوة الضوء على ما انتهاكات مستمرة تمارسها جبهة البوليساريو بدعم من النظام الجزائري، لا سيما في ما يتعلق بحرمان السكان من حق العودة واستغلال المساعدات الإنسانية

وخلال الندوة، تم الكشف عن تعاون البوليساريو مع منظمات إرهابية أخرى، مثل “حزب الله”، بهدف ممارسة التضييق والعنف بحق المدنيين. كما عرضت شهادات موثقة حول حالات اختطاف وتعذيب طالت نشطاء وصحفيين، من بينهم أحمد الخليلي ومصطفى سلمي، باعتبارهما نماذج لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

وقد سلط المشاركون في هذه الندوة الضوء على ما انتهاكات مستمرة تمارسها جبهة البوليساريو بدعم من النظام الجزائري، لا سيما في ما يتعلق بحرمان السكان من حق العودة واستغلال المساعدات الإنسانية، كما أدان المشاركون ما بالتلاعب الممنهج بالمساعدات الغذائية، مشيرين إلى دعم مباشر من النظام الجزائري لهذا التلاعب، وطالبوا المجتمع الدولي بتحرك عاجل لوضع حد لهذه الانتهاكات ومحاسبة المتورطين.

وفي السياق ذاته، أعلن منتدى جزر الكناري والصحراء عن تقديم شكوى رسمية إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، يُدين فيها الانتهاكات الجسيمة والممنهجة المرتكبة داخل مخيمات تندوف.

واعتبر رئيس المنتدى أن هذه المنطقة تعيش في “حالة إفلات من العقاب وانعدام للقانون”، حيث تُنتهك الحقوق الأساسية بشكل ممنهج ومستمر.

وتوثق الشكوى فئات متعددة من الانتهاكات، من بينها الإعدامات خارج نطاق القضاء، والاختفاء القسري، والتعذيب المنهجي، والعبودية الحديثة، والتمييز العنصري.

وقد رصد المنتدى ما لا يقل عن 21 حالة إعدام خارج القانون أو محاولة إعدام منذ عام 2014، معظمهم من الشباب الصحراويين.

كما ندد المنتدى بـ”الاختلاس المنهجي للمساعدات الإنسانية”، مستندًا إلى تقرير صادر عن مكتب مكافحة الاحتيال الأوروبي سنة 2015، والذي كشف عن اختلاس نحو 105 ملايين يورو من المساعدات الأوروبية الموجهة لسكان المخيمات بين عامي 1994 و 2004.

وفي ختام بيانه، طالب المنتدى بالسماح الفوري وغير المشروط للمنظمات الحقوقية الدولية، والأمم المتحدة نفسها، بإجراء بعثات تحقيق مستقلة داخل مخيمات تندوف، إلى جانب الدعوة لإجراء إحصاء شفاف وتحت إشراف دولي لسكان المخيمات وإنشاء آلية دولية للإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية”.

مقالات مشابهة

  • حقوق الإنسان في البصرة: مشروع التحلية وعد صيفي يتكرر منذ 7 سنوات
  • بيان عاصف من القومي لحقوق الإنسان بشأن حادث الطريق الإقليمي
  • مقاضاة بنك فرنسي لعدم الإفصاح عن دعمه إسرائيل
  • «حقوق الإنسان» تبحث التعاون مع «المفوضية السامية»
  • «حقوق الإنسان» و«المفوضية السامية» يبحثان تعزيز التعاون
  • برنامج تدريبي لرفع كفاءة العاملين بالقومي لحقوق الإنسان.. تفاصيل
  • القادة الأوروبيون يشددون على الحاجة إلى الاستمرار في زيادة الإنفاق على الدفاع في أوروبا
  • منتدى الكناري: البوليساريو منظمة إرهابية ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان
  • القومي لحقوق الإنسان يختتم البرنامج التدريبي حول الرصد والتوثيق بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية
  • «الأمم المتحدة»: الفلسطينيون يموتون وهم يحاولون الوصول للغذاء