أكد اتحـاد الغرف السعودية في الثامـن من فبراير الجاري، أن ارتفاع أسعـار البصل يمثل مشكلة عالمية، وأنه لا يخص السوق السعودي الذي زادت الأسعار فيه بنسبة 400%، أو بما يزيد عن ثمانية أضعاف، وهذا الكلام صحيح، ويعود إلى توقف الإنتاج في الدول الرئيسة المصدرة للبصـل، كالصين والهند ومصر وباكستان، وبدرجة أقل اليمن التي تهم المملكة أكثر من غيرها، ومعها الأزمة في أوكرنيا وفي غزة، وتــأثر حركة المـلاحة التجارية في البحر الأحمر، بفعل الاعتداءات المتواصلة على السفن، وفيضانات باكستان، والصقيع في آسيا الوسطى، والجفاف وزيادة تكاليف البذور والأسمدة في أوروبا.
بخلاف عدم اهتمام المزارعين المحليين بزراعته في العام السابق لتراجع أسعاره، ولأن تكاليف إنتاجه تفوق قيمته السوقية، ولعدم وجود دعم أو استثمار حكومي في هذه السلعة الاستراتيجية، مثلما يحدث مع الخيار والطماطم، مع أنه الأكثر استهلاكا بعد الطماطم على المائدة العالمية، وقد بدأ الارتفاع العالمي منذ فبراير 2023، وبما نسبته 65%، والمتوقع استمراره حتى الربع الثاني من العام الحالي، أو بعد حصاد المحصول الذي تمت زراعته في سبتمبر الماضي، والذي يحتاج نضوجه لستة أشهر، ما يعني أنه لا يمكن توقع انفراجات إلا في أبريل المقبل بأقل تقدير، وللعلم فإن المختصين يرون بأن الأسعار لن تتراجع قبل عام 2028.
المملكة ليست ضمن العشرة الكبار في إنتاج البصل، وتستورد قرابة 55% من احتياجها، ولا تنتج أراضيها، وفق إحصاءات 2022، إلا 45% من حجـــم الاستهـلاك الداخلي، وبما مقداره 310 آلاف طن، والأرقام في هــــــذه الأيام أقل بكثير، لأن زراعــــة البصل المحلي في عام 2023 كانت محدودة جداً، بينما وصل إنتاج الخيار إلى 101% والطماطم إلى 77%، ولم أفهم أسباب خروج البصل من المعادلة، والإنتاج العالمي من البصل، في الأحوال المثالية، يصل إلى 59 مليون وستمائة ألف طن سنوياً، وتأتي الصين في صدارة منتجيه المؤثرين عالميـاً، بإنتاجها لوحدها ثلث محصول العالم السنوي من البصل، وقدره عشرين مليون طن، ومن ثم الهند بـ13 مليون طن، ولا يزيد الإنتاج الأميركي على ثلاثة ملايين وأربعمائة ألف طن، بينما تتفوق مصر على باكستان وأوكرانيا في حجم الإنتاج، وبنحو ثـــلاثة مـلايين وسبعيـــــن ألف طــن للأولى، ومليــــوني طن للثانية، ومليـون طـن للثـــالثة، وتعتبر مصر، بحسب منظمة الفاو، أكبر منتج عربي للبصل، ويلحق بها على التوالي، السودان والجزائر والمغرب واليمن.
البصل يعتبر من أقدم المحاصيل الزراعية التي عرفها الناس، ويعود تاريخ زراعته إلى خمسة آلاف عام قبل الميلاد، وقد زرع للمرة الأولى في أواسط آسيا، وكان حضوره لافتا في الحضارات الفرعونية والسومرية والأغريقيـــــة، ووظفه الطبيب اليونـاني سبوريدوس في علاج بعض الأمراض، واعتبر من المحاصيل الأساسية في أوروبا القرون الوسطى بعد الفاصوليا والملفوف، ولدرجة استخدامه في دفع الإيجارات، وكهدايا في حفلات الزواج، ويظهر أن التاريخ سيعيد نفسه، وأول أزمة اقتصادية عرفها العالم سببها البصل، وحدثت في القرن السابع عشر الميلادي، فقد وصلت قيمته حينها لما يساوي مئة ألف دولار بأسعار اليوم، والأعجب أن البصلة الواحدة كانت تباع لأكثر من خمس مرات، وبدون أن تكون موجودة من الأساس.
دول الخليج بما فيها المملكة، واستناداً لإحصاءات الأمم المتحدة، تستورد 83% من احتياجاتها الغذائية، وتصنف باعتبارها الأولى في العالم في استيراد الأغذية الأساسية مقارنة بعدد السكان، والفجوة الغذائية للبصل في المملكة تصل إلى 55%، ولا بد من تجسيرها، وتوطين إنتاجه وتحفيز المزارعين على زراعته، أو تأجير أو امتلاك أراضي لزراعة البصل في الخارج بمعرفة شركات سعودية، نظراً لندرة الأراضي الصالحة للزراعة، ومحدودية المياه المتجددة، بالإضافة لأعداد السكان المرتفعة، ونمط الاستهلاك العالي، وبما يضمن ثبات واستقرار أسعاره، ولعل توفره في الأعوام الماضية خفض من قيمته الحقيقية، وغيب أهميته البالغة للسعوديين، ودخــــوله كعنصر أساسي في معظم الأطباق السعـودية، بجانب أنه المكــون الرئيس لغالبية الأكلات الرمضانية، والتي ستحل خلال أقل من شهر.
لا يجب استبعاد احتمالية الاحتكار للتحكم في الأسعار، فالبصل لا يتلف لمدة ثلاثة أشهر، إذا تم تخزينه في ظروف مناسبة، وقد ثبت بالفعل حدوث سابقة واحدة على الأقل، وتحديدا في أبريل 2020 المقابل لشهر رمضان 1441هـ، عندما ضبطت وزارة التجارة في الرياض، ست شاحنات محملة بأكثر من 100 طن من البصل، بعدما جرى إخفاؤها بجوار أسواق جملة الخضار في العزيزية جنوب العاصمة، لافتعال نقص في وفرة الكميات، وتبرير بيعها بأسعار مرتفعة، والمفروض أن تعمــــل وزارتا التجــــارة والبيئة على حلول نهـــــائية لهذه الإشكالية المتكررة، وبمشاركة مطلوبة من صندوق التنمية الزراعي، ومن الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني (سالك)، وعليهم التفكيـــر في حل مؤقت وعاجل لهذا العام، وذلك باستيراد البصل من الجزائر وبأسعار رخيصة، لقطع الطريق على تجار الأزمات إن وجدوا.
د. بدر بن سعود – جريدة الرياض
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: من البصل
إقرأ أيضاً:
بلومبيرغ: نقص ناقلات النفط في العالم يتفاقم
دفع نقص ناقلات النفط السفن حديثة البناء إلى تحميل الخام، وهي التي عادةً ما تحمل وقودًا مُكررًا في رحلاتها الأولى، وفق بلومبيرغ.
تُظهر بيانات تتبع السفن وبيانات عقودها، التي راجعتها بلومبيرغ وسيغنال أوشن، أن 6 ناقلات عملاقة تم تسليمها هذا العام أبحرت فارغةً من شرق آسيا لتحميل النفط الخام في الشرق الأوسط أو أفريقيا أوالأميركيتين، ويُقارن هذا برحلة واحدة فقط من هذا النوع العام الماضي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما تأثير خفض الفائدة الأميركية على الاقتصاد والمواطن؟list 2 of 2الذهب والنفط يتراجعان لهذه الأسبابend of listوعادةً ما يستخدم مالِكو ناقلات النفط، الذين على وشك استلام سفن جديدة، هذه السفن لنقل أنواع الوقود، مثل البنزين، مفضلين نقل هذه المنتجات على النفط الخام في الرحلات الأولى.
وحسب بلومبيرغ، فإن هذا منطقي من الناحية الاقتصادية والجغرافية، نظرًا لأن المنتجات النفطية أنظف من النفط الخام، ولن تحتاج السفن إلى غسلها بعد نقلها، فضلا عن أن العديد من هذه السفن تُبنى في شرق آسيا، التي تستورد كميات كبيرة من النفط الخام وتُصدّر الوقود المُكرر.
لكن النقص الحاد في ناقلات النفط يُغيّر هذا المنطق تمامًا، بعد أن رفع منتجو النفط، داخل منظمة أوبك وخارجها، إنتاجهم هذا العام.
في الوقت نفسه، أدت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا وأخطار الإبحار عبر البحر الأحمر إلى تعطيل الطرق التقليدية، مما أسفر عن رحلات أطول واستخدام عدد أكبر من السفن.
ودخلت ناقلات المنتجات النفطية الأصغر حجما إلى تجارة النفط، في حين اضطر بعض التجار إلى تجزئة الشحنات بسبب نقص السفن الكبيرة، مما زاد من تكاليف النقل.
وقفز مؤشر البلطيق لناقلات النفط Baltic Dirty Tanker Index، الذي يرصد أسعار نقل النفط الخام على 12 طريقا رئيسيا، بنسبة 50% منذ نهاية يوليو/تموز.
ونقلت بلومبيرغ عن غورغيوس ساكيلاريو، محلل تأجير السفن في شركة سيغنال ماريتيم، وهي شركة لإدارة أساطيل السفن تابعة لمجموعة سيغنال أوشن، قوله: "عندما تجني ناقلات النفط الخام الكبيرة جدا 100 ألف دولار يوميا، وناقلات سويزماكس 80 ألف دولار، لنقل النفط الخام، فإن الناس يفضلون الإسراع في تثبيت هذه الأسعار، تحسبا لتغيرها".
إعلانكانت ناقلة النفط العملاقة "ألياكمون 1" أول ناقلة نفط عملاقة من نوعها تُسجّل رحلة تجريبية فارغة هذا العام، وقد غادرت حوض بناء السفن في شمال شرق الصين دون حمولة في أواخر يونيو/حزيران، ثم توجهت إلى الكويت لتحميل ما يقرب من مليوني برميل من النفط، بعد ذلك، قامت السفينة، المملوكة لشركة ميتسوي اليابانية، بتسليم النفط الخام إلى كوريا الجنوبية في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني.