الماء والخُبيزة.. غذاء من لم يمت من عائلات شمال غزة
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
غزة- في كل صباح، يتوجه شادي الصباغ، نحو الأراضي المفتوحة الواقعة شرقي مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، للبحث عن نبات "الخُبّيزة" وجمع كميات منه، لعلها تُشبع عائلته التي تعاني من الجوع.
ولا يخلو هذا العمل من الخطورة الكبيرة، نظرا لاستهداف قوات الاحتلال الإسرائيلية للمواطنين الذين يقتربون من المنطقة العازلة التي تنشئها على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة.
وبعد عودته إلى خيمته المقامة في ساحة مدرسة تتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأممية "أونروا" بمخيم جباليا، تبدأ زوجته بإشعال النار في الحطب، لطبخ "الخبيزة" عبر سلقها بالماء.
وتعد "الخبيزة" التي تنمو في الحقول والأراضي المفتوحة، في هذه الفترة من العام، خيارا متاحا ومجانيا، لعائلة الصباغ نظرا لعدم امتلاكه المال لشراء الطعام، وكذلك لعدم توفر المواد الغذائية في الأسواق.
و"الخبيزة" طعام شعبي، يحبه الفلسطينيون في غزة، ويقبلون على شرائه من الأسواق، فيما يفضل البعض جمعه بنفسه من الأرض.
بدأت معاناة أسرة شادي الصباغ جراء الحرب مبكرا، بعد أن دمر جيش الاحتلال منزله الواقع في منطقة المدرسة الأميركية، ببلدة بيت لاهيا، شمالي غرب قطاع غزة.
وعقب ذلك نزح عدة مرات هاربا بزوجته وأطفاله الثلاثة، من نيران الاحتلال، من مكان إلى آخر، إلى أن استقر به المقام في مركز إيواء بمدرسة تتبع لوكالة "أونروا".
وما إن بدأت الأسرة تشعر بالاستقرار، حتى بدأ الجوع يعصف بها. يقول الصباغ للجزيرة نت "عاجزون عن حماية أطفالنا، وعاجزون عن إطعامهم".
ويوضح أنه يشعر بألم شديد حينما يطلب منه أطفاله الطعام، ولا يستطيع توفيره لهم. ويقول إن خيمته تخلو تماما من الطعام، وإن أسرته لا تتناول حاليا إلا الماء و"الخبيزة".
ويضيف الصباغ "كان الحال صعبا منذ خروجي من منزلي، لكن هذه الأيام ازدادت صعوبة بسبب نفاد المال لدي وانقطاع كامل مقومات الحياة بسبب منع الاحتلال إدخال المساعدات إلى شمال قطاع غزة".
وقبل حوالي شهرين، كانت أسرة الصباغ تحصل على بعض "الأرز" من جمعية خيرية، وهو ما كان يمكنها من تناول بعض الطعام. أما الخبز، فمنذ عدة شهور، لم تذقه الأسرة نظرا لنفاد الدقيق في الأسواق، وارتفاع أسعاره بشكل فاحش في "السوق السوداء".
أما بخصوص "اللحوم"، فيقول الصباغ إنه وأسرته لم يتذوقوها منذ بداية الحرب، نظرا لارتفاع أسعارها. وحول الأصناف التي اشتراها خلال آخر زيارة له للسوق، قال "اشتريت الشاي وبعض الجزر ولم أستطع شراء سكر لارتفاع ثمنه".
واليوم، يضطر الصباغ وعائلته، إلى الاكتفاء بالماء وبوجبة واحدة في اليوم، تكون غالبا من الخبيزة. ويضيف "أنا وزوجتي نستطيع الصبر، لكن هؤلاء الأطفال كيف يصبرون على الجوع؟".
وانعكس الجوع على أوزان عائلة الصباغ، حيث انخفضت بشكل لافت خلال فترة الحرب، وخاصة في الآونة الأخيرة. ويقدّر الصباغ أنه فقد ما لا يقل عن 20 كيلوغراما من وزنه، حيث يقول إنه كان يزن قبل الحرب 80 كيلوغراما، والآن لا يتجاوز الـ60.
ويشير إلى أن طفله الأكبر "محمد" أُصيب برصاص الاحتلال، حينما كان يحاول الحصول على بعض الطحين من بقايا منزلهم المدمر، وكاد يفقد حياته.
وتتطرق زوجته شادية إلى جوانب أخرى من معاناته مع الجوع، تتمثل بإصابة أطفالها بالأمراض، والهزال والضعف الشديد، بسبب عدم توفر الطعام، والماء النظيف. وتضيف للجزيرة "أولادي مصابون بسوء التغذية ولا أستبعد إصابتهم بفقر الدم".
المجاعة تقتل
ولا يختلف حال أسرة الصباغ عن أحوال عائلات شمالي قطاع غزة، حيث تعصف المجاعة بالمنطقة جراء منع جيش الاحتلال الإسرائيلي إدخال الطعام للسكان، منذ بداية الحرب الوحشية التي بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويقول إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إنه تم تسجيل 8 حالات وفاة في منطقة شمالي القطاع، نتيجة المجاعة وسوء التغذية.
وأضاف الثوابتة للجزيرة نت "المجاعة تتعمق بشكل كبير جدا في الشمال حيث يعيش نحو 700 ألف إنسان، وسط حصار شديد من قبل الاحتلال، الذي يمنع إدخال المساعدات بشكل كامل منذ بداية الحرب".
وأضاف "نحذر من أن تعمّق المجاعة سيجعلنا في كل ساعة وكل يوم، نفقد الكثير من الأطفال وكبار السن من أبناء شعبنا".
وأشار إلى وجود نحو 60 ألف سيدة حامل، في منطقة شمال القطاع، لا يتلقون الرعاية الصحية ولا الغذاء اللازم، وهو ما قد يؤدي إلى إجهاض الأجنة أو تشوه المواليد.
من جانبه، يؤكد رائد النمس، المتحدث الرسمي باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ما ذهب إليه الثوابتة حول وفاة العديد من الفلسطينيين في شمالي القطاع بسبب الجوع.
وقال النمس للجزيرة نت "وصلنا أن عددا من الأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة توفوا بسبب عدم الحصول على الغذاء، كما وصلنا أن هناك إصابات للأطفال بفقر الدم وأمراض أخرى متعلقة بالجوع وسوء التغذية".
وأضاف "علمنا أن هناك حالات تسمم، بسبب تناول غذاء فاسد، جراء عدم وجود الطعام النظيف".
وأفاد النمس بأن ما يصل لشمالي قطاع غزة، من مواد تموينية، قليل جدا، مضيفا "جيش الاحتلال لا يسمح بإدخال شاحنات كافية لتلك المنطقة، كما أن هناك تراجعا في أعداد الشاحنات التي تصل من الخارج عبر معبر رفح لكل القطاع، وهذا يرجع لعمليات التفتيش التي تستغرق وقتا طويلا، واعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على قوافل المساعدات، وهو ما يمنع دخولها".
وحول الآلية الجديدة التي تحدثت عنها حكومة الاحتلال وتقضي بإدخال مساعدات لشمالي القطاع بشكل مباشر، قال النمس "حتى اللحظة، لم يصلنا أي قرار يفيد بوجود انفراج في أعداد الشاحنات، نسمع من الإعلام فقط".
وكانت القناة الـ12 الإسرائيلية، قد قالت الثلاثاء، إن مجلس الحرب، قرر إدخال المساعدات مباشرةً إلى غزّة، دون توضيح.
وناشد النمس المجتمع الدولي، والمؤسسات الدولية، بالضغط على إسرائيل لاحترام المواثيق الدولية التي تُجرّم سياسة التجويع والعقاب الجماعي وقطع الإمدادات الغذائية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شمالی قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
فيديو - بعد عامين على الحرب في غزة.. الغياب يثقل عائلات آلاف المفقودين
بحسب وزارة الصحة، جرى تسجيل نحو 3,600 شخص في عداد المفقودين، وتم التحقق من مصير 220 منهم، تبيّن أن سبعة فقط كانوا محتجزين لدى إسرائيل، فيما لا يزال مصير الباقين مجهولاً. اعلان
مع إتمام الحرب على غزة عامها الثاني، لا يزال آلاف الفلسطينيين يبحثون عن ذويهم المفقودين، بعد انقطاع أخبارهم أثناء القصف أو في ظروف غامضة خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وتوضح كاثرين بومبرجر، المديرة العامة للجنة الدولية لشؤون المفقودين، أنه لا توجد حتى الآن إحصاءات دقيقة للأشخاص مجهولي المصير، مشيرة إلى أن هذا الغموض ينعكس أيضًا على دقة أرقام القتلى.
وتتابع بومبرجر أن التحقيق في هذا الملف يتطلب تقنيات متقدمة لتحليل الحمض النووي، وعينات DNA من العائلات والجثث المجهولة، إضافة إلى استخدام الصور الجوية لتحديد مواقع الدفن والمقابر الجماعية، لكنها تشير إلى أن إسرائيل كانت قد منعت دخول مستلزمات اختبار الحمض النووي إلى غزة منذ ما قبل الحرب، ما يعقد جهود التحقيق.
أرقام وزارة الصحةتقول وزارة الصحة في غزة إن فرق الإغاثة عاجزة عن انتشال نحو 6000 شخص تحت الأنقاض بسبب ضعف الإمكانيات.
مع ذلك، يرجّح زاهر الوحيدي، المسؤول عن البيانات في الوزارة، أن تكون الأعداد الحقيقية أكبر بكثير، موضحًا أن بعض العائلات تُقتل بالكامل تحت القصف، ما يعني أنه لا يوجد من يبلّغ عن المفقودين، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد وصعوبة حصر الأعداد بدقة.
وحتى الآن سجلت الوزارة 3600 شخص في عداد المفقودين، وتم التحقيق في مصير 220 منهم فقط، فتبين أن نحو 7 كانوا معتقلين لدى إسرائيل، بينما يبقى مصير البقية مجهولًا.
Related على وقع المفاوضات.. الحرب في غزة تدخل عامها الثالث وترامب متفائل بـ "اتفاق وشيك"غزة: تدمير واسع لدور العبادة واستهدافٌ للرموز الدينية منذ بداية الحربنشطاء دوليون يروون معاناتهم بعد اعتقالهم في إسرائيل خلال محاولة كسر حصار غزة أرقام لجنة الصليب الأحمر والقانون الإسرائيليتمتلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر قائمة منفصلة تضم ما لا يقل عن 7000 حالة مفقودين لم يُعرف مصيرهم، بحسب المتحدث الرئيسي كريستيان كاردون.
وفي المقابل، تتهم منظمات حقوق الإنسان إسرائيل باحتجاز مئات الفلسطينيين قسرًا دون تهم أو محاكمة، مشيرة إلى أن السلطات الإسرائيلية لا تكشف عن أعداد المحتجزين إلا عبر طلبات قانون حرية المعلومات، وتؤكد أن هؤلاء المحتجزين يمكن اعتقالهم دون مراجعة قضائية تصل إلى 75 يومًا وفق قوانين الحرب الإسرائيلية.
عائلات المفقودين: نار لا تهدأمنذ انقطاع أخبار أبنائها، تعبّر عائلات المفقودين عن ألم لا يهدأ، إذ تقول فدوى الغلبان، والدة المفقود مصعب (27 عامًا): إنها تحاول تتبّع أثره منذ يوليو الماضي، حين ذهب لتفقّد منزل العائلة في جنوب غزة، ورآه جيرانه قرب المنزل قبل أن يدمره قصف إسرائيلي، ولم يعثروا على جثته.
ومع ذلك، لا تزال الغلبان تحتفظ بالأمل، مشيرة إلى أن معجزة قد تحدث، فقد سبق أن اعتُبر أحد أقاربها ميتًا قبل أن يتضح لاحقًا أنه معتقل في سجن إسرائيلي.
وتقول بمرارة: "مهما كان مصير ابني، أريد أن أعرفه. هناك نار في قلبي، فليخبروني بأي شيء، حتى لو دُفن، فذلك أسهل من هذه النار".
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة