آمال في انفراجة قريبة للأزمة السياسية الليبية
تاريخ النشر: 22nd, March 2024 GMT
دينا محمود (بنغازي، لندن)
أخبار ذات صلةوسط مؤشرات متزايدة على إمكانية بلورة القوى الليبية المختلفة توافقات قد تضع حداً للأزمة السياسية والأمنية المتواصلة منذ نحو 13 عاماً، أعرب خبراء ومحللون، عن أملهم في أن تشهد الفترة المقبلة اتخاذ خطوات ملموسة، من شأنها التمهيد لإجراء الانتخابات التي طال انتظارها في البلاد.
ومن بين العوامل التي يُعوِّل عليها الخبراء في هذا الصدد، ما تمخض عنه اجتماع عُقِدَ في القاهرة تحت رعاية جامعة الدول العربية في العاشر من الشهر الجاري، وضم رؤساء مجلس النواب عقيلة صالح والمجلس الرئاسي محمد المنفي والمجلس الأعلى للدولة محمد تكالة.
وخَلُصَ الاجتماع إلى توافق المشاركين فيه على ضرورة تشكيل حكومة موحدة، تقود لتنظيم الانتخابات التي تتعثر جهود إجرائها منذ أعوام، فضلاً عن اتفاقهم على أهمية اضطلاع تلك الحكومة المنتظرة بتقديم الخدمات الأساسية لليبيين، وكذلك توافقهم على سيادة ليبيا ووحدة أراضيها، ورفض أي تدخل أجنبي في شؤونها.
واعتبر الخبراء أن انعقاد اجتماع القاهرة يمثل أحد أبرز المؤشرات الإيجابية التي شهدتها الساحة الليبية في الآونة الأخيرة، خاصة أنه أعقب الإعلان عن أن الميليشيات المختلفة ستُخلي مواقعها فيها بعد انتهاء شهر رمضان.
ورغم تشكيك بعضهم في إمكانية وضع هذا الإعلان موضع التنفيذ، ثمة آمال لدى بعض الدوائر التحليلية المعنية بالشأن الليبي، بأن السلام الآن بات ممكناً في ليبيا، وأن الأجواء الحالية، قد تذلل العقبات التي تحول منذ أواخر 2021، من دون إجراء الانتخابات، حتى وإن كانت الخطوات التي قُطِعَت على هذا الطريق، لا تزال تُوصف حتى الآن بـ«المحدودة».
وفي تصريحات نشرها موقع مجلة «ذا ترامبت» الأميركية، أبدى المحللون تفاؤلهم إزاء المحادثات والمشاورات الجارية بين ممثلي الأطراف الليبية المختلفة، مؤكدين أنها قد تنهي حالة الشلل المؤسساتي القائم في البلاد، ولو أنها في حدها الأدنى في الوقت الحاضر. وشدد المحللون على أن ليبيا تبقى حتى في ظل الاضطرابات الراهنة في أراضيها أفضل حالاً من دول مجاورة، تعصف بها أعمال عنف وقلاقل تصل إلى حد الحروب الأهلية في بعض الأحيان، مشيرين إلى أن المحادثات التي أُجريت قبل أسابيع لتشكيل حكومة وحدة وطنية في طرابلس، يمكن أن تعزز الهدوء النسبي الذي يسود البلاد حالياً.
ولكن الخبراء أكدوا في الوقت ذاته أن هناك عقبات لا تزال تعوق تحقيق تقدم حقيقي باتجاه إعادة إرساء الاستقرار في ليبيا.
وعلى رأس هذه العراقيل، وفقاً لتقرير نشرته محطة «دويتشه فيله» الإذاعية الألمانية، استمرار الخلافات بين القوى السياسية الليبية، بشأن بنود القوانين التي ستجرى بموجبها أي انتخابات رئاسية أو برلمانية مزمعة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الأزمة الليبية الأزمة في ليبيا الأزمة السياسية في ليبيا ليبيا الانتخابات الليبية القاهرة
إقرأ أيضاً:
تآكل الجنيه إلى شلل النظام النقدي: نحو فهم جديد للأزمة النقدية السودانية
تآكل الجنيه إلى شلل النظام النقدي: نحو فهم جديد للأزمة النقدية السودانية
عمر سيد أحمد
خلال الأيام الماضية، تداولت منصّات سودانية تقريرًا منسوبًا إلى مركز دراسات في إحدى الجامعات الأوروبية، يتحدث عن تحوّل السودان إلى ما يُعرف اقتصاديًا بـ”الاقتصاد ما بعد العملة”.
وسواء كان ما نُشر دقيقًا أم لا، فإن القضية التي يطرحها التقرير تستحق التوقف عندها، لأنها تسلط الضوء على واحدة من أخطر الأزمات التي يعيشها السودان اليوم: فقدان العملة الوطنية لوظائفها الأساسية كأداة للتبادل والادخار والتسعير.
انهيار الجنيه: من وسيلة تبادل إلى عبء يوميظل الجنيه السوداني يتدهور بصورة متواصلة طوال العقود الأربعة الماضية، نتيجة للاختلال المزمن في الميزان التجاري، وعجز الدولة عن بناء احتياطيات نقدية حقيقية تستند إلى إنتاج فعلي يوفّر غطاءً للعملة ويحفظ قيمتها، حتى في فترة تدفق عائدات البترول.
إلا أن المنعطف الأخطر في مسار تدهوره جاء خلال الفترة الانتقالية، حين أقدمت الحكومة بقيادة وزير المالية الدكتور إبراهيم البدوي على تنفيذ حزمة إصلاحات صندوق النقد الدولي، شملت تعويم الجنيه في وقتٍ كانت فيه موارد النقد الأجنبي محدودة بشدة، والقطاع الصناعي في حالة شبه انهيار، والدولة تعتمد اعتمادًا شبه كلي على الاستيراد، فيما تمدّد الاقتصاد الموازي وهيمن على حركة التجارة والسيولة.
كانت تلك السياسات بمثابة النقطة الفارقة التي عمّقت أزمة العملة الوطنية ومهّدت لانهيارها الكامل لاحقًا.
ومع اندلاع الحرب في أبريل 2023، بلغ سعر صرف الجنيه السوداني نحو 560 جنيهًا مقابل الدولار الأمريكي، قبل أن يواصل الانحدار الحاد حتى تجاوز 3,700 جنيه في بعض المدن خلال أقل من ثلاث سنوات، ومازال يتدهور في ظل سياسات مالية ونقدية مرتبكة تتبناها حكومة الأمر الواقع، وسط غياب شبه تام للدولة الاقتصادية والمؤسسية لم يعد المواطن يحتفظ بالجنيه إلا لساعات معدودة، إذ يسارع التجار والمستهلكون إلى استبداله بأي عملة أجنبية متاحة، حتى في أبسط المعاملات اليومية. أصبح السوق الموازي هو السلطة النقدية الفعلية التي تحدد الأسعار وتتحكم في السيولة، حيث تُسعّر أكثر من 65% من التعاملات اليومية بالدولار أو الريال، فيما تُستخدم العملات الخليجية والأوروبية لتسعير السلع والخدمات الأساسية كالوقود والغذاء والإيجارات.
الجنيه السوداني لم يعد عملة بل رقم متقلب. والحقيقة المؤلمة أن السودان لا يواجه مجرد أزمة صرف أجنبي، بل أزمة وجود نقدي. فالجنيه لم يعد يُعامل كأصل اقتصادي له قيمة، بل أصبح رقمًا متقلبًا في السوق الموازي، بلا سلطة تنظيمية أو غطاء فعلي.
فقدان الوظائف النقدية الثلاثتشير المؤشرات الاقتصادية إلى أن الجنيه السوداني فقد وظائفه النقدية الجوهرية:
وسيلة للتبادل: لم يعد يُستخدم إلا كمرحلة مؤقتة قبل التحويل إلى العملات الأجنبية. وحدة للقياس: الأسعار لم تعد تُقاس بالجنيه، بل بالدولار أو الذهب، ما يعني غياب المرجعية المحلية للقيمة. أداة للادخار: المواطن لم يعد يرى في الجنيه مخزنًا للقيمة، فاتجه نحو الذهب، والعقارات، والماشية، والعملات الصعبة.إنها حالة انهيار نقدي وظيفي تشبه ما حدث في زيمبابوي وفنزويلا، حيث تحوّلت العملة الوطنية إلى مجرد رمز سياسي فاقد لأي قيمة اقتصادية حقيقية.
أسباب التحلل النقدييتجلى هذا الانهيار النقدي في مجموعة من العوامل البنيوية والسياسية، أبرزها:
غياب الثقة المؤسسية: نتيجة ضعف استقلالية بنك السودان المركزي وتسييس قراراته.
هيمنة السوق الموازي: الذي أصبح صانع الأسعار ومصدر السيولة الرئيس.
تآكل الإنتاج المحلي: بسبب تراجع الصادرات واحتكار الذهب وانهيار الزراعة والصناعة.
الحرب والانقسام الإداري: وتعدد مراكز القرار النقدي وتفكك سلطة الدولة المالية.
هذه العوامل مجتمعة جعلت الجنيه عملة بلا سيادة، تفقد قيمتها بمجرد طباعتها.
ما المطلوب؟ نحو إعادة تأسيس نقديةالخروج من هذه الدائرة المفرغة يتطلب إعادة بناء النظام النقدي من جذوره عبر إصلاحات جذرية تشمل:
إصدار عملة جديدة مدعومة بأصول حقيقية مثل الذهب والموارد الطبيعية والأصول الحكومية. تأسيس هيئة نقدية مستقلة بعيدة عن التدخل السياسي، تُعنى بالسياسة النقدية وإدارة الاحتياطيات. ربط العملة الجديدة بسلة من العملات الدولية لتحقيق قدر من الاستقرار النسبي. توحيد السوقين الرسمي والموازي عبر منصة شفافة لتداول النقد الأجنبي. إطلاق برنامج وطني للتثقيف المالي لإعادة بناء الثقة المجتمعية في النظام النقدي. خاتمةوما لم تُستعد الثقة بين الدولة والمجتمع عبر سياسة نقدية مستقلة وسند حقيقي للقيمة، فإن السودان يسير نحو اقتصاد بلا عملة وطنية، يُدار عمليًا بالدولار والريال والذهب، فيما تبقى العملة المحلية مجرد ذكرى من زمن ما قبل الانهيار.
إن التحوّل من اقتصاد الجنيه إلى اقتصاد الدولار لا يمثل مجرد تبدّل في أداة التبادل، بل يُعد إعلانًا صريحًا عن انهيار المنظومة النقدية الوطنية.
السودان بحاجة إلى إصلاح نقدي جذري يعيد تعريف العملة بوصفها أداة للسيادة الاقتصادية لا رمزًا للعجز المالي.
فمن دون إعادة تأسيس نقدية شاملة، لن يعود الجنيه وسيلة للتبادل أوالادخار، بل سيظل شاهدًا على مرحلة فقد فيها الاقتصاد روحه، والدولة ثقتها في نفسها.
مستشار مصرفي ومالي وتمويل مستقل
[email protected]
أكتوبر2025
الوسومالاقتصاد ما بعد العملة البنك الدولي الجنيه السوداني الدولار الذهب الريال السودان العقارات العملة الوطنية تعويم الجنيه حكومة الفترة الانتقالية عمر سيد أحمد وزير المالية السابق إبراهيم البدوي