القيادة الأسرية بين الرجل والمرأة
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
تتمثل أهمية الأسرة الناجحة في كونها الركيزة الأساسية لاستقرار المجتمع، حيث يُقاس نجاح المجتمع بمدى وجود الأسر الناجحة فيه. ومن هنا، تبرز أهمية اختيار الشريك بعناية وفهم جيد لبعضهما قبل الزواج، لأنَّ نجاح تكوين الأسرة يقوم على هذه الأساسيات، فعندما يكون هناك فهم صحيح بين الزوجين، يمكن للأسرة أن تبني قيمًا ومبادئ صحيحة تؤدي إلى نمو مستدام ونجاح لأفرادها، وبما أن القوامة في الأسرة للرجال، والقوامة معناها: القيام على الشيء، والرعاية والحماية والإصلاح، حيث يعتبر الرجل قائمًا بمسؤوليات الرعاية والحماية والإصلاح داخل الأسرة قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) [النساء: 34].
ومن خلال العناصر الأساسية لتكوين الأسرة الأب والأم لابد من الحديث والإشارة إلى أنواع القيادة والتي أذكرها هنا في الآتي:
1- القيادة الإشرافية: والتي غالبًا ما تُناط بالأب نظرًا لميله إلى قضاء مُعظم وقته خارج المنزل سواء بسبب التزامات العمل أو غيرها، وهناك كثير من فئات الرجال الذين يقضون معظم أوقاتهم خارج المنزل. يجسد ذلك نمط القيادة الذي يعتمد على المُراقبة والتوجيه من بعد، حيث يتحمل الأب مسؤولية اتخاذ القرارات الرئيسية وتوفير الدعم اللازم للأسرة، رغم غيابه الجسدي المتكرر. وينظر إلى هذا الدور على أنه يمثل ركيزة الاستقرار والأمان ضمن الوحدة الأسرية. إلى جانب ذلك، تأتي القيادة التشاركية، حيث تشارك الأم في صنع القرارات وإدارة شؤون المنزل بشكل فعَّال، مكملة بذلك دور الأب ومعززة لمفهوم الشراكة ضمن الأسرة. هذا التكامل في الأدوار يساهم في خلق بيئة أسرية متوازنة، تقوم على الاحترام المتبادل وتقاسم المسؤوليات.أعلى النموذج
2- 2- 22 2- القيادة التنفيذية: وهذا النوع يكون للأم في البيت بحكم الدور الكبير الذي تقوم به في القيادة والتربية والتوجيه وكافة الأعمال المنزلية. وهنا أوجه كل الشكر والتقدير لكل امرأة قيادية ناجحة في قيادة أسرتها إلى بر الأمان من خلال تربية الأبناء تربية صالحة، حيث يكون على عاتق الأم تعليم الأبناء والاهتمام بدروسهم وزرع الصفات الحميدة في الأبناء من خلال احترام الآخرين والتزام الأبناء بالصلاة والعبادات وكل ما يخصهم من أمور الحياة.
3- القيادة الملهمة: تلعب الأم دورًا حيويًا داخل الأسرة، حيث تمتلك قدرة فريدة على تحفيز أبنائها لاحترام الذات والآخرين داخل الأسرة بشكل إيجابي، وذلك بتوجيهها للأطفال نحو التعبير عن مشاعرهم بطريقة صحيحة وتقديم الاعتبار لأفكار وآراء الآخرين، كما تسهم في بناء بيئة أسرية متوازنة وصحية. وبما أنَّ الأم تعمل كنموذج يحتذى به لدى الأبناء، فإنها تكون مصدر إلهام لهم، حيث يقتدون بسلوكياتها وقيمها، مما يساعدهم على تطوير ثقتهم بأنفسهم وتعزيز علاقاتهم العائلية بشكل إيجابي.
4- القيادة المؤثرة: وتتمثل في قدرة الأب في التأثير في أبنائه من خلال أفعاله المتطابقة مع أقواله وبالتالي ينعكس ذلك على تنشئة الأبناء تنشئة صالحة.
فحسن القيادة أو سوؤها يؤثر على الأبناء، وعلى نظرتهم لأمور الحياة إذا كبروا ومن ثم لا نستغرب إذا كرروا أخطاء الأبناء إذا أصبحوا آباء.
ومن المتعارف عليه أن الابن لا يهمه من يقود الأسرة أبوه أو أمه، كل ما يعنيه هو استقراره وتلبية احتياجاته وتوفير الحب والحنان له، وقبول كل إشارة يرسلها بهدوء، واحترام كل فكرة يبديها، وتهيئة وسائل العيش الكريم له وسط جو من التقدير والرعاية والهدوء.
كما ترتبط أنواع القيادة بعدة أساليب تخص الوالدين يتم من خلالها توجيه الأبناء بطرق مختلفة داخل الأسرة ومنها ما يلي:
أ- أسلوب القيادة التوجيهية:
وهذا الأسلوب يتمثل في توجيه، و تقويم أداء الأبناء وسلوكياتهم وما اكتسبوه من والديهم وتطويره من خلال تحديد أهداف محددة، وتقديم الملاحظات والإرشادات المستمرة لهم. ويتطلب هذا الأسلوب تحديد أهداف واضحة وخلق بيئة أسرية إيجابية ومحفزة لدعم الأبناء وتوجيهم عن طريق طرح الأسئلة الإرشادية بدلاً من إعطاء الأوامر، لتنمية المهارات وأدراك أهمية التعلم المستمر واكتساب المهارات والعادات والتقاليد من أجل النمو بطريقة صحية وايجابية.
ب-أسلوب القيادة التفويضية:
ويعني أن يقوم الوالدين بتفويض بعض المهام الأسرية إلى الأبناء: كالذهاب إلى شراء مستلزمات البيت، أو دفع فواتير الكهرباء والمياه، وغيرها من الأعمال الأسرية، والهدف من ذلك التركيز على الإنجاز دون تدخل من الأبوين، لبناء الثقة المطلقة التي تؤدي إلى اعتماد الأبناء على أنفسهم في إدارة شؤونهم وأسرهم مستقبلاً . ويعتمد نجاح هذا الأسلوب على تحمل المسؤولية، وتفضيل العمل الفردي، كما يشجعهم على القيادة والابتكار.
جـ- أسلوب القيادة الاستراتيجية:
ويتمثل هذا الأسلوب بشكل أشمل، حيث يشمل الأداء، والإنجاز في نفس الوقت، وبالتالي يؤدي إلى زيادة فرص التطور الجماعي داخل الأسرة، لأن التفكير الاستراتيجي يمكنه دعم العديد من الأشخاص في آن واحد، لذلك يجب الحفاظ على استقرار الأسرة في سبيل منفعة جميع أعضائها.
د- أسلوب القيادة التحويلية:
حيث يعتبر هذا الأسلوب أحد أساليب الوالدين معاً حتى يستطيعوا تحفيز الأبناء وتحسين أدائهم من خلال توجيهم للمهام المحولة، وهذا الأسلوب يجمع بين أسلوب القيادة التوجيهية وأسلوب القيادة التفويضية معاً ومعرفة زمن إنجازها، مما يؤدي إلى إحداث تغيير إيجابي في السلوك بجانب حالة الرضا الجماعي للأسرة.
ومن خلال تصفحي لأحد المواقع في هذا الجانب شدني ما قرأته عن التجربة الماليزية في تطوير الأسرة وانخفاض معدل الطلاق السنوي لديهم من ٣٥٪ في التسعينيات إلى ٨٪ سنوياً في الأعوام الأخيرة، ويعزى ذلك إلى اخضاع المتقدمين للزواج إلى دورات تدريبية في شؤون الأسرة وبعدها إصدار لهم ما يسمى بالرخصة العائلية.
وتتضمن الدورات دروساً حول الحياة الزوجية، فيما تتيح المعاهد التي تقدم البرنامج فترات يلتقي فيها الطرفان من أجل تعارف أكثر. وتضم ملفات عقد القران في ماليزيا: رخصة الزواج، إضافة إلى الفحوص الطبية والوثائق الأخرى.
يذكر أن الخطة الماليزية لتشجيع الزواج تتضمن تدريس الثقافة الجنسية في الإسلام في المناهج الدراسية للتلاميذ بالمدارس، إضافة إلى الاستعانة بالإعلام المفتوح، لبث برامج تتوافق مع عادات وتقاليد ماليزيا، لاسيما من الناحية الدينية والاجتماعية. إلا ان مجتمعنا تحكمه العادات والتقاليد التي قد تعيق تطبيق مثل هذه التجربة ولكن لا يمنع من الاستفادة بما يتوافق مع عاداتنا وتقاليدنا وتعاليم ديننا الإسلامي من خلال عدة آليات، بما في ذلك:
الفحوص الطبية: يمكننا تبني نهجًا مماثلا للفحوص الطبية قبل الزواج كجزء من إجراءات تنظيم الأسرة والصحة العامة. هذا يمكن أن يساهم في تقليل المشاكل الصحية والوراثية في الأسرة، وبالتالي يعزز من استقرارها.إدراج الثقافة الأسرية في المناهج الدراسية: يمكن تضمين دروس حول الحياة الأسرية والعلاقات الزوجية في المناهج الدراسية، سواء في المدارس أو الجامعات، لتوعية الشباب وإعدادهم لدور الزوج والزوجة بشكل صحيح ومسؤول. البرامج التثقيفية في وسائل الإعلام حول البرامج الأسرية: يجب تطوير برامج تثقيفية عبر وسائل الإعلام، مثل التلفزيون والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي، لنشر الوعي حول قضايا الأسرة وتقديم نصائح وإرشادات عملية للأفراد في بناء علاقات أسرية صحية ومستقرة.
وختاماً، فإني أتقدم بالشكر الجزيل لمربية وموجهة أبنائي وملهمتهم على كل ما قدمته وتقدمه لهم في ظل غيابي أثناء فترة عملي سابقاً، كما أتقدم بالاعتذار لأبنائي الأعزاء عن كل قصور حدث مني في توجيههم وإرشادهم بما ينفعهم في دينهم، ودنياهم، أو لأني أساءت التقدير في بعض المواقف التربوية، راجياً من الله العلي القدير أن يهدينا وإياهم لما فيه خير ديننا ومجتمعنا إنه على كل شيء قدير.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
في ملتقى الإعلام العربي بالكويت.. جمال السويدي يحدد الأسلوب الأمثل للتعامل مع التحول الرقمي في مجال الإعلام
شارك معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ورئيس منتدى الفكر والثقافة العربية، يوم أمس السبت، في فعاليات الدورة العشرين للملتقى الإعلامي العربي في دولة الكويت، برعاية الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح، رئيس مجلس الوزراء الكويتي، وتحت شعار “تحديات الإعلام في ظل تطور التكنولوجيا والتحول الرقمي”.
وتم تكريم دولة الإمارات العربية المتحدة، التي حلّت ضيف شرف الملتقى، تقديراً لمكانتها الريادية في المجال الإعلامي ومواكبتها للتطورات التكنولوجية. ويأتي هذا التكريم عقب اختيار دولة الكويت “عاصمة الثقافة والإعلام العربي” لعام 2025، حيث تستمر فعاليات الملتقى حتى 12 مايو الجاري.
يُعقد الملتقى بمشاركة عدد من وزراء الإعلام والإعلاميين والكُتّاب والصحفيين والأكاديميين العرب، إلى جانب مجموعة من الشباب وصنّاع المحتوى والمهتمين بصناعة الإعلام وتطوير محتواه، لمناقشة واقع الإعلام العربي ومستقبله في ظل التحولات التكنولوجية وتعدد مصادر الأخبار.
وبدأ حفل الافتتاح بعزف السلام الوطني، تلاه عرض فيلم تسجيلي قصير بعنوان “الملتقى الإعلامي العربي: سيرة ومسيرة”، يروي تاريخ الملتقى وإسهاماته. كما أُلقيت كلمة نيابة عن الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح، راعي الملتقى، رحّب فيها بالحضور وأكد أهمية الإعلام في مواجهة التحديات الراهنة. وتلتها كلمة دولة الإمارات العربية المتحدة، ضيف الشرف، التي أبرزت دورها في تطوير الإعلام الرقمي.
ومن جانبه، ألقى معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي كلمة ترحيبية تناول فيها أهمية تعزيز التعاون العربي لمواجهة تحديات التكنولوجيا. وقدّم السويدي شكره إلى دولة الكويت والكاتب والإعلامي ماضي عبدالله الخميس، الأمين العام للملتقى الإعلامي العربي، على دعوته للمشاركة في هذا الملتقى المميز، وعلى اختيار دولة الإمارات العربية المتحدة ضيف شرف الملتقى.
وقال السويدي، “لقد أصبح الإعلام العربي والعالمي، بلا شك، أمام لحظة تاريخية فارقة تتمثل في التحول الرقمي الكبير ودخول تقنيات الذكاء الاصطناعي في جميع مناحي الحياة الإعلامية والثقافية والاجتماعية. هذه اللحظة لا يمكن التعامل معها على أنها مجرد تطور تقني عابر، بل يجب أن تُقرأ في سياق حضاري أوسع يشمل إعادة تشكيل الوعي الإنساني وأساليب التواصل، الأمر الذي يدفعنا جميعاً إلى مزيد من الجدية والتفكير النقدي في مستقبل الإعلام وآلياته ومخرجاته”.
وأضاف السويدي أن التكنولوجيا الحديثة، بما فيها الذكاء الاصطناعي، لم تَعُد مجرد أدوات مساعدة، بل أصبحت الركيزة الأساسية التي تُعيد تشكيل المشهد الإعلامي وتحدد معالم المستقبل، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي يقدم اليوم فرصاً غير مسبوقة لتطوير المحتوى الإعلامي وتحليله وتوزيعه بشكل أكثر دقة وفاعلية، مما يسهم في الوصول إلى شرائح أوسع من الجمهور بأساليب أكثر تفاعلية وجاذبية.
وأشار السويدي إلى أن هذه الإمكانات التقنية الهائلة تطرح تحديات جادة تتعلق بضمان النزاهة والشفافية والعدالة الإعلامية، وتفرض ضرورة وضع معايير واضحة وصارمة تنظم الاستفادة من هذه الأدوات وتحد من مخاطر سوء الاستخدام أو التضليل.
وأوضح السويدي أن التحولات الرقمية فرضت على المختصين مسؤوليات كبرى، خاصة فيما يتعلق بأخلاقيات الإعلام، قائلاً، إن التقنيات المتقدمة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، توفّر قدرات استثنائية لإنتاج المحتوى وإدارته وتوزيعه بشكل فوري، مشيراً إلى أن هذه التحولات تثير أسئلة جوهرية حول أخلاقيات العمل الإعلامي، بدءاً من احترام خصوصية الأفراد وضمان حقوق الملكية الفكرية، مروراً بالحفاظ على الحقيقة والمصداقية، وانتهاءً بمسؤولية الإعلام في تعزيز الاستقرار والسلم الاجتماعي.
وأضاف السويدي، أن “الذكاء الاصطناعي والتقدم التكنولوجي باتا ضرورة حتمية تستوجب منّا مواكبة واعية ومسؤولة. وهذا ما دفعني شخصياً إلى الخوض في تفاصيل هذه التقنيات وانعكاساتها المحتملة على مستقبل البشرية، من خلال كتابي الأخير “الرحم الاصطناعي: عالم ما بعد التكاثر البشري”، حيث حاولت استشراف المستقبل وتسليط الضوء على ضرورة مناقشة الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية والقانونية للتكنولوجيا”. وأكد على أهمية الحوار البنّاء والمستمر حول هذه القضايا المصيرية.
وتابع السويدي: إن الإعلام العربي في العصر الرقمي يقف أمام فرصة تاريخية غير مسبوقة لتأكيد حضوره وريادته، من خلال تعزيز قيم المسؤولية والنزاهة والشفافية، مضيفاً، “يمكن للإعلام العربي أن يلعب اليوم دوراً محورياً في توجيه وتوعية المجتمعات العربية حول الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للذكاء الاصطناعي، بما يتوافق مع قيمنا الثقافية وهويتنا الحضارية، ويحمي مجتمعاتنا من المخاطر المحتملة للتقنيات الحديثة، مثل التضليل الرقمي واختراق الخصوصية وانتشار الأخبار الزائفة”.
وخلال كلمته، قال المستشار ماضي عبدالله الخميس، الأمين العام للملتقى، إن دولة الإمارات العربية المتحدة تحل ضيف شرف الملتقى هذا العام تقديراً لمكانتها وإعلامها، الذي يخطو خطوات مميزة، ويواكب التطورات الإعلامية، مشيراً إلى أن فعاليات هذا العام تركّز على دور الإعلام العربي في مواجهة التحولات الرقمية المتسارعة، وما تفرضه من تحديات وفرص، وكيفية توظيف التقنيات الحديثة لتعزيز الحضور الإعلامي العربي وتوسيع نطاقه العالمي، مع تسليط الضوء على دور الإعلام في دعم التنوع الثقافي والحفاظ على الهوية العربية.
وفي النهاية وقع معالي الدكتور السويدي نسخ من كتابه “صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إضاءات في مسيرة رجل الإنسانية” وكتابه “الهوية الوطنية في دولة الإمارات العربية المتحدة بين خصوصية الثوابت والقيم وعالمية المعايير”، للمشاركين في الملتقى الإعلامي العربي الذين أبدو تقديرهم وشكرهم على هذه الإصدارات القيمة.