قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن الرحمة نجد أن الله سبحانه وتعالى وصف بها نبيه ﷺ فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} ليس للمسلمين ولا للسابقين ولا للاحقين بل للعالمين، وهذا كلام يجعلنا نفهم حقيقة الدين، وأن ما دامت الرسالة قد بدأت بهذا وأصرت عليه وجعلته البداية والنهاية ووصفت مُبلِّغ هذه الرسالة بها فهي هذه حقيقة الدين يقول سيدنا رسول الله ﷺ : «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ».

وأضاف: "إذًا لابد علينا أن نضع على أعيننا نظارة مكوَّنة من عدستين "الرحمن الرحيم"، ما الذي نفعل بها هذه النظارة؟ أول شيء وقد افتقد كثيرٌ من الناس هذا قراءة النصوص؛ فعندما أقرأ النصوص لابد أن أقرأها بنظارة الرحمن الرحيم، وليست بنظارة المنتقم الجبار، ولا بنظارة المتكبر الشديد ، يمكن للنص أي نص ويمكن في اللغة بأي لغة أن نفهم النص بوجوهٍ مختلفة ، في اللغة حقيقة ومجاز، في اللغة مشترك، في اللغة ترادف، وهكذا".

وتابع: “فإذا ما قرأنا أمكن أن نؤوِّل النص؛ فهل نؤوله في اتجاه الرحمة أو أن نؤوله في اتجاه مشرب التشدد والعنف؟ هذه مشكلة كبيرة نراها الآن قد تغلغلت في مجتمعنا، وتغلغلت في العالم كله، وأصبح هناك ما نطلق عليه بالمتشدد أو المتطرف، وهذا  قد نزع نظارة الرحمة في قراءته لكل شيء، وأول هذا الشيء النص الذي يقدسه ويحترمه ويدخل إليه ويريد أن يجعله مرجعاً له”.

واستطرد: “فنحن ندعو الناس أجمعين إلى أن يستعينوا بالرحمة في فهم النصوص، النصوص إذا ما سلكنا بها مسلك الرحمة لا نجد بينها وبين نصوصٍ أخرى أي تعارض، لا نجد بينها وبين الواقع أي تعارض، لا نجد بينها وبين المصالح أي تعارض، لا نجد بينها وبين فطرة الإنسان أي تعارض؛ في حين أننا لو سلكنا بها مسلك التشدد ومشرب العنف فإننا نجدها سريعاً ما اصطدمت بالواقع، سريعاً ما اصطدمت بالمصالح -مصالحي الشخصية ومصالح الناس الآخرين-، والنبي ﷺ في هذا يقول: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» لا تضر نفسك ولا تضر غيرك، اصطدمت بالمآل الشيء له مستقبل تصطدم مع هذا المستقبل، تصطدم بحائط سنة الله ، تصطدم مع فطرة الإنسان، تصطدم مع استقرار الناس، العجب العجاب أن كثيراً من الناس عندما يرى المتشددين يفسرون النصوص بتشددهم وعنفهم فإنهم ينكرون النصوص، وكأنها هي السبب في البلاء، والحاصل غير ذلك النصوص بريئة لأنه يمكن أن تُقرأ بالرحمة، وإذا ما قُرأت بالرحمة كان المعيب هو القارئ لا المقروء، فنحن ندعوهم إلى الرحمة ، بالرغم أنهم أعلنوا عدم الرحمة”.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فی اللغة أی تعارض

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: الإنجاز بلا أخلاق خطر يهدد الإنسان والحضارة

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الفاجر القوي يتبنّى مبدأ تقديم الإنجاز على القيم والأخلاق، وهو نموذج يخافه الجميع لقوّته، رغم ظهور فضائحه وسوء أخلاقه، ولا يرى في ذلك ضررًا ما دام ينجز وينجح في عمله. ونحن نخشى على أولادنا من هذا النموذج، الذي يعلّمهم أن معيار النجاح في الحياة هو القوّة والإنجاز، ولو خالطه الفجور.

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أنه في المقابل نرى تربية الله ورسوله لنا على غير هذا الشأن؛ فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يربّينا أن نكون أقوياء، وأن نأخذ بيد العاجز منا ونصل به إلى القوّة؛ فالعجز مذموم، خاصة إن كان في عبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس. غير أنّ "المؤمن العاجز خيرٌ من الفاجر القويّ عند الله"، وينبغي أن يكون كذلك عند الناس؛ فالمؤمن يمتلك القيم والأخلاق، والإصلاح هو البناء الذي تقوم به الحضارة الإنسانية الحقيقية.

ومبدأ الإنجاز الذي نذمّه هو أن يكون وحده المعيار مع مخالفة الأخلاق والقيم والثوابت؛ أمّا الإنجاز مع الالتزام بكل ذلك فهو مطلوب ومأمور به في شرعنا.

ولم يكن نموذج الفاجر القوي بدعًا في اعتماد مبدأ الإنجاز المذموم؛ فتاريخ البشرية يشهد بوجود هذا النموذج منذ القديم. وخير دليل على ذلك "قوم عاد"، وهي إحدى الأمم البائدة، حيث تودّد لهم نبيّهم هود عليه السلام، كما حكى القرآن عنه فقال:

{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ} [الشعراء: 124–127].

وأدرك هودٌ أن قومه فُتنوا بمنجزاتهم؛ فأراد أن يذكّرهم أنّها نعم الله، وأن الله يزيدها إذا آمنوا به، فقال لهم:

{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [الشعراء: 128–133].

فتمسّكوا بشرعية النظام الذي هم عليه، وتمسّكوا بما ورثوه وقرّروه، ولو كان مخالفًا لمراد الله ورسوله، وقالوا حسمًا للقضية:

{قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 136–137].

ويبدو أنّا قد دخلنا دائرة التشبّه بعاد: "عبثٌ، وإنجازٌ بلا قيم، وقوّةٌ بلا تقوى"؛ فجعلنا الإنجاز قرين القوة، وجعلنا العجز قرين التقوى، والله لا يحب أن يتقدّم الفاجر القوي على العاجز التقي، ولا يحب من التقي أن يستمر على عجزه.

فينبغي على المسلم أن يقدّم المقدم، ويؤخّر المؤخر؛ فيقدّم الكيف على الكم، والتقوى على الإنجاز، ويقدّم الجار قبل الدار؛ فهو دائمًا يقدّم "*الإنسان على البنيان".

طباعة شارك الدكتور علي جمعة الفاجر القوي تربية الله ورسوله لنا

مقالات مشابهة

  • علي جمعة يوضح سنن الله في صراع الحق والباطل وثباتها عبر الزمان والمكان
  • علي جمعة: الذكر عماد القلب وأساس الطريق إلى الله
  • هل عدم طاعة الوالدين في الزواج من العقوق؟ علي جمعة يحسم بالدين
  • آثار صلاح الدين تكشف حقيقة منجم الذهب في الشرقاط
  • علي جمعة: الابتلاء والفتنة سنة لا تقتصر على الظالمين والمفسدين وإنما تشمل الصالحين والأبرار
  • هل السحر له حقيقة ويتسبب فى أمراض أم مجرد شعوذة وتخييل؟.. الإفتاء تجيب
  • علي جمعة: الإنجاز بلا أخلاق خطر يهدد الإنسان والحضارة
  • لماذا اختصمت ملائكة الرحمة والعذاب على ميت؟.. لهذا السبب
  • لغات الأنبياء.. هل تكلموا جميعهم بلغة القرآن ؟
  • علي جمعة: الذكر والتفكّر أساس بلوغ مرتبة الإحسان