الغرب.. نقاش حول عوامل الأفول وأسباب القوة.. كتاب جديد
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
الكتاب: ماذا تبقى من الغرب؟
المؤلف: ريجيس دوبريه- رينو جيرار
المترجم: مراد دياني
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
"عاملان أساسيان يعيدان باستمرار طرح سؤال تهاوي الغرب وأفول عهد تفوقه، هما: تناقضات الغرب وأزماته الداخلية من جهة، وبروز قوى ناشئة على الساحة العالمية من جهة أخرى، فضلا عن توهم التهديد الإسلامي المزعوم".
إن الدكتاتوريين العسكريين العرب، علمانيين وقوميين، ليسوا أعداء رئيسيين لفرنسا، لكنهم يمكن أن يصبحوا كذلك مثلما كان جمال عبدالناصر في عام 1956حيث "ساعد على التمرد الجزائري لجبهة التحرير الوطني".هذا ما يقوله مراد دياني، الباحث في اقتصاد المعرفة ونظريات العدالة والديمقراطية، في مقدمته لترجمة هذا الكتاب، الذي يضم رسائل متبادلة بين الفرنسيين الفيلسوف والمناضل السابق رفيق غيفارا ريجيس دوبريه، وأستاذ العلوم السياسية والصحفي المتخصص في تغطية الحروب وقضايا الشرق الاوسط رينو جيرار.
ويدور النقاش بين المثقفين البارزين حول المشاكل الرئيسية التي تواجه الغرب في العصر الحالي، حيث بدا واضحا التباين والتباعد في رؤاهما وتشخيصهما لطبيعة هذه المشكلات وأسبابها. لكن دياني يتساءل ابتداء عما نقصده بالضبط عندما نتحدث عن الغرب؟ ويرى أن العديد من الكتاب يجدون في مسيحية العصور الوسطى الشكل النهائي للغرب، بينما يحيل آخرون على "النهضة الأولى" أو على عصر الأنوار، فيما يؤثر غيرهم تحديد حدودا الغرب ضمن منطقة جغرافية أوروبية-أطلسية بوصفها العالم الأول المغاير للعالم الثاني( الكتلة الشيوعية سابقا) والعالم الثالث. ويقول دياني أنه بما أن دوبريه هو أول من يطرق إشكالية "نهاية الغرب" فإنه يسلك منهجا أكاديميا جدليا لعرض ما يسميه "البيانات السريرية" للغرب، "بمنظور الطبيب الخبير المعالج"، وفق قوله، مشددا على التماسك المنقطع النظير للغرب تحت كنف واشنطن ، معتبرا بذلك أن الريادة الأمريكية مقبولة من جميع الأطراف الغربية، وأن الغرب في نهاية المطاف ليس سوى اسم مستعار لحلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتتمثل الحجة الرئيسية التي يعرضها جيرار في أن الغرب يجمع بلدانا قائمة على سيادة القانون، في حين أن باقي العالم يعيش في ظل دكتاتوريات تتخذ صورا وأشكالا عدة. كما أنه يؤكد على البعد المسيحي باعتباره إحدى أهم السمات المميزة للغرب، ساعيا إلى تأكيد عدم تنافر الغرب مع روسيا وأوراسيا، لذلك فهو يرى أن فلاديمير بوتين ليس عدوا للغرب إنما غريمه فحسب، بخلاف ما يسميه "الفاشية الخضراء" التي لم يفهم الغرب من طبيعتها سوى النزر اليسير، بل إنهم، بحسب ما يقول، تركوا من يغذيها سواء في أراضي البلاد العربية الإسلامية، أو في أراضي الغرب لدى الجاليات المسلمة المهاجرة.
احتكار الكوني
يرى دوبريه أن ثمة عوامل نجاح تقف وراء وجود ما يسمى "الغرب" كما أن هناك عوائق أو نقاط ضعف قد تكون سببا في تفكك هذه الكتلة أو انهيارها. من عوامل النجاح هذه النظام السياسي- العسكري الآخذ في التوسع، او ما يسميه "جغرافيا حلف شمال الأطلسي، الذي تقع قاعدته الأمامية في غرب الغرب أي في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه صار الآن يشمل أوروبا الشرقية سابقا، وكذلك حدود دول البلطيق. ولهذا "التصميم الأمني" كذلك ركائز متينة في منطقة آسيا والمحيط الهادىء مع اليابان وكورياالجنوبية فضلا عن أستراليا ونيوزلندا، وكما يقول دوبريه فإن الولايات المتحدة إذا تدخلت هناك لحسابها الخاص فهذا يكون أيضا باسم الغرب، وباسم أمنه وقيمه.
ويرى دوبريه أن الدول الأوروبية المنضوية تحت مظلة (الناتو)سعيدة جدا بذلك وهي تنظر إليه وكأنه ناد للأغنياء وتشعر بالانتماء إليه وكأنه أسرة روحية، وفي المقابل لا يعرّف أي آسيوي نفسه على هذا النحو، ولا تبدو آسيا مجموعة مترابطة أو أن لها مصيرا مشتركا. ويتابع دوبريه أن الغرب من جهته أحادي القطب ولا يجادل أي من أعضائه الريادة الأمريكية، وهو الكتلة المتعددة الجنسيات الوحيدة القادرة على القيام بعمليات عسكرية سريعة ومنسقة، مسلمة القياد للولايات المتحدة حتى عندما تتجاوز فكرة الدفاع إلى التدخل أو الغزو دون اعتراضات تذكر.
يشير دوبريه إلى عوامل نجاح أخرى منها ما أسماه "احتكار ما هو كوني" وذلك عبر تقديم السعي وراء المصالح الخارجية بوصفه تعبير عن مصالح الإنسانية بأسرها(الحرية والتحرر والتقدم)، ويقول إن الغرب وحده من يمتلك هذه "المهارة"، "ومن الرموز الجغرافية لهذه المصادفة توطين مقر الأمم المتحدة في نيويورك. إنه في قلب القوة العظمى الوحيدة حيث تكمن الهيئة المعترف لها ب"الضمير الكوني"، فحاضرة أكبر قوة عسكرية هي حاضنة أسمى قانون". على جانب آخر يؤمّن الغرب تكوين النخب الدولية في جامعاته وكلياته للأعمال ومؤسساته المالية، ومدارسه العسكرية، وشركاته الكبرى، وهذه البوتقة من الكوادر البشرية العليا لطبقة متوسطة هي نفسها معولمة، وهي التي تحول السيطرة إلى هيمنة، والتبعية إلى انتماء. فما وراء تدريب "القادة الشبان" الذي تنظمه السفارات الأمريكية، تُولّد هجرة الأدمغة الجذابة لاوعيا جماعيا مشتركا.
ومع ذلك ثمة مجموعة من العوائق أمام هذا الغرب أولها " الغطرسة المفرطة" و"عقدة للتفوق مسببة للعمى" فالتيقن من امتلاك اليد العليا يجعل المرء غير مبال بحقائق الواقع، بحسب ما يقول دوبريه. الغرب يعتقد أن المال يكفي لكل شيء بما في ذلك خلق الاندماج الاجتماعي، أو ما يسميه الإنسان الغربي"الحداثة"، و"فور أن يضع قدمه خارج نطاقه ، سيجد نفسه أمام مشكلة عضال: التقليد. وينزلق الدخيل، مستقو بطائراته الهليكوبتر التي تنفث النار، وبرزماته من الدولارات، وبمنظماته غير الحكومية، على سطح البلدان المحتلة، وينبغي عليه سريعا، قبل أن يلوذ بالفرار من البلاد أن ينكفىء على معسكراته المحصنة". الزمن، كما يقول دوبريه، يلعب ضد الغرب. فالغرب ذو النزعة القصيرة الأمد يحلم بالحرب الخاطفة، بينما الشرق لا يتعجل إلى الفعل، بل يترك الأمور تتضح ، ويفضل حرب الاستنزاف. هنا لغة الضربات وهناك لغة المقاومة، من يضرب يضرب كالصاعقة، ومن يُضرب يغوّص الخصم في الوحل وينسل إليه ويستنزفه.
أعداء الغرب
يضيف جيرار إلى قائمة دوبريه لعوامل نجاح الغرب عامل "سيادة حكم القانون" ويقول :" حيثما لم تصل روما ـ أو روحها ـ لا نجد القانون.. لماذا تودع الأوليغارشية الروسية ثروتها في الغرب؟ ولماذا الشيء الأكثر الذي يرغب فيه المليارديرات الصينيون هو جواز سفر غربي؟ لأن كل هؤلاء المقاولين الحاذقين ليست لديهم أدنى ثقة بسلطات بلدانهم. القانون ينطق بالحق في الغرب، والزعيم يفرض قانونه في الشرق". أما في ما يتعلق بالتدخلات الخارجية للغرب في بلدان الشرق فيرى جيرار أن الإشكال الكبير فيها هو أن قادتها ظهروا بمظهر العاجزين عن الرؤية إلى ما وراء يوم واحد. وعلى سبيل المثال يشير إلى التدخل في ليبيا ويقول إنه "لم يستغرق الأمر أكثر من عامين لكي يدرك الغربيون أن تدخلهم العسكري قد أحل محل دكتاتورية موالية للغرب، كانت تعمل جيدا إلى حد ما، فوضى عارمة معادية للغرب".
ما يميز الغرب هو أن نخبته الحاكمة أوسع بكثير، وأكثر تغيرا، وأكثر انفتاحا من الشرقويتابع جيرار بمنطقه هذا المغرق في استعماريته قائلا إن الدكتاتوريين العسكريين العرب، علمانيين وقوميين، ليسوا أعداء رئيسيين لفرنسا، لكنهم يمكن أن يصبحوا كذلك مثلما كان جمال عبدالناصر في عام 1956حيث "ساعد على التمرد الجزائري لجبهة التحرير الوطني".
ويضيف: "منذ عام 2011 نتعامل مع بشار الأسد كما لو كان قد أصبح العدو الرئيس لفرنسا... كون عشيرة الأسد تحكم بشكل سيء أو بوحشية فهذا لا يجعل منها عدونا الرئيس" إن العدو الرئيس لفرنسا وللغرب كما يراه جيرار هو الإسلام السياسي، الذي يجب أن يركز الغرب جهده الاستراتيجي على القضاء عليه " سواء وجد في ملجأ في الصحراء الليبية، أو في المناطق القبلية الباكستانية، أو في جنوب الصومال، أو حتى في أقصى شرق تركيا الممثلة برجب طيب أردوغان".
يمتدح جيرار كثيرا المنظومة الثقافية والسياسية للغرب، ويرى أن من أهم ميزاتها أنها تقبل النقاش في داخلها ، وصحيح أنها قد تحمل "بعض التحيزات، والمواقف المسبقة، والكليشيهات، وعقلية القطيع، لكن لا يجري أبدا(داخلها) تثبيط النقاش السجالي ولا تشنيعه".
ويرد على انتقاد دوبريه بخصوص أن الغرب السياسي هو في الواقع من صنع نخبة، بالقول أنه في كل المجتمعات هناك نخبة ضيقة هي من تقود. لكن ما يميز الغرب هو أن نخبته الحاكمة أوسع بكثير، وأكثر تغيرا، وأكثر انفتاحا من الشرق، على حد قوله، فالصين "تحكمها فئة طبقية صغيرة جدا،.. وروسيا يحكمها القيصر في الكرملين محاطا بأوليغارشيات أدت له الولاء، وفي العديد من الدول العربية القيادة العسكرية هي من يحكم.. والأسر الملكية نصبتها إنكلترا خلال المرحلة الاستعمارية".
ويقول جيرار أن أوروبا قد تمكنت، على الرغم من فترات انحدارها، من بناء نفسها، وهذا أفضل شاهد على أن الغرب السياسي ليس سيئا أو محتضرا، وأنه بالفعل وليد الغرب الثقافي الذي "يبجله" دوبريه.
لكن جيرار يعتقد أن أوروبا ترتكب خطأ جسيما مع رفضها القول عن نفسها إنها مسيحية، فهذه "الجماعة" التي "صممها مونيه، وشومان، وغاسبيري، وأديناور، كانت ناديا مسيحيا"، فالمسيحية "هي تحديدا جذور الغرب الثقافي".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب قطر كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أن الغرب ما یقول
إقرأ أيضاً:
تصريحات ترامب حول محاكمة نتنياهو تُحيي نقاش القانون الفرنسي الإسرائيلي.. ما هو؟
يتزايد الحديث في الأوساط الإسرائيلية والأمريكية حول إمكانية إنهاء محاكمة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع عودة النقاش حول ما يُسمى "القانون الفرنسي" الذي كان من المقرر أن يمنح رؤساء الوزراء الإسرائيليين حصانة من الملاحقة القضائية خلال فترة ولايتهم.
وجاء هذا الحديث بعد تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال فيها إنه "يجب إلغاء محاكمة نتنياهو فورًا أو منحه عفوًا، وأن الولايات المتحدة أنقذت إسرائيل، والآن ستكون هي من تنقذ نتنياهو".
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر إسرائيلي قوله إن تصريحات ترامب بشأن إنهاء محاكمة رئيس نتنياهو كانت جزءًا من تحرك واسع لإنهاء الحرب في غزة، وهي لم تُنشر عبثًا، بل كانت جزءًا من محاولة دبلوماسية شاملة يشارك فيها أيضًا فاعلون دوليون آخرون.
الخضوع للتحقيق
يتمتع أي عضو كنيست، بما فيهم رئيس الحكومة، بحصانة محدودة تنظمها القوانين، وهي حصانة لا تمنع المحاكمة، إلا أنها تمنع اعتقاله أو تفتيشه أثناء الجلسات، وتقيّد بعض الإجراءات إلا بعد تصويت لجنة الكنيست على رفع الحصانة.
ومع ذلك، في قضايا جنائية خطيرة مثل الرشوة والفساد والخيانة، يمكن للمستشار القانوني للحكومة أن يطلب رفع الحصانة عبر إجراءات رسمية.
ولا يقدم القانون الإسرائيلي حصانة مطلقة لرئيس الوزراء أثناء فترة منصبه، ويمكن اتهامه ومحاكمته كما حصل سابقًا مع أكثر من رئيس وزراء.
رابين
خلال فترة رئاسة الحكومة من قبل إسحاق رابين بين أعوام 1974 و1977، اكتشف الصحفي دان مرجليت من صحيفة "هآرتس" أن لرابين وزوجته ليا حسابًا مصرفيًا بالدولار في بنك أمريكي في واشنطن، حيث عمل رابين سابقًا في منصب سفير.
وفي آذار/مارس 1977، في حين كان رابين في لقاء مع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، رُصدت زوجته تخرج من بنك في واشنطن العاصمة، وكانت قد سحبت أموالًا من حساب بالدولار، وكان هذا الحساب المصرفي مشتركًا باسميهما.
وفي ذلك الوقت، كان غير قانوني للإسرائيليين إنشاء حسابات مصرفية في الخارج، إذا لم تطرأ ظروف استثنائية، وقد تم فتح هذا الحساب حين كان إسحاق رابين سفير "إسرائيل" لدى الولايات المتحدة في الفترة ما بين 1968 و1973.
ووفقًا للإجراءات، كان ينبغي أن يُغلق الحساب المصرفي بمجرد أن يغادر هذا المنصب، ولاحظ مرجليت خروج زوجة رابين من البنك، وسأل أحد الموظفين في الفرع عنها فأخبره أن لأسرة رابين حسابًا عندهم.
وفتح مكتب المدعي العام تحقيقًا رسميًا بالأمر، ولم يتمتع رابين بحصانة تمنع التحقيق، لكن السلطات القضائية والنيابة العامة قررت عدم توجيه اتهام جنائي مباشر بسبب مكانته.
واختار رابين الاستقالة من منصب رئيس الوزراء وزعيم حزب العمل قبل بدء الإجراءات القانونية الكاملة، كنوع من تحمل المسؤولية السياسية، ودفع غرامة إدارية، ولم تُصدر ضده إدانة جنائية رسمية.
شارون
وخلال فترة توليه مناصب وزارية ورئاسة الحكومة في "إسرائيل"، خضع أريئيل شارون لتحقيقات موسعة في عدة قضايا فساد أثارت جدلًا سياسيًا واسعًا، دون أن تنتهِ بتوجيه اتهامات جنائية مباشرة ضده.
وأبرز هذه القضايا كانت قضية “الجزيرة اليونانية”، حيث اشتبهت الشرطة بأن رجل الأعمال ديفيد أفيودور حوّل أكثر من 600 ألف دولار لابن شارون، غيلاعد، مقابل تسهيلات حكومية لمشروع عقاري في اليونان.
واستمر التحقيق بين 2002 و2004 وانتهى بقرار المستشار القانوني للحكومة إغلاق الملف لعدم كفاية الأدلة لربط الأموال مباشرة بتصرفات شارون الأب.
وفي قضية أخرى عُرفت باسم "قرض سيريل كيرن" دارت حول تمويل ديون حملة شارون الانتخابية عام 1999 عبر قرض سري من رجل أعمال جنوب أفريقي، وهو ما اعتُبر تمويلًا غير قانوني للحملة.
وأظهر التحقيق محاولات لتسديد القرض بقرض آخر بغرض إخفاء مصدر الأموال، ورغم الشبهات، قررت النيابة إغلاق الملف ضد شارون عام 2004، فيما جرى توجيه التهم لاحقًا ضد ابنه عومري شارون.
وأدين عومري بالفعل في قضية تمويل الحملات الانتخابية وقضى تسعة أشهر في السجن بعد اعترافه بتقديم تقارير مالية كاذبة وانتهاك قانون تمويل الأحزاب، هذه الإدانة ساهمت في تآكل صورة شارون السياسية بالرغم من عدم إدانته شخصيًا.
ورغم الاتهامات والضغوط السياسية والإعلامية، لم يتمتع شارون بأي حصانة قضائية تحميه من التحقيق، لكن المستشارين القانونيين اعتبروا أن الأدلة لم تكفِ لإثبات علاقة مباشرة بينه وبين الرشاوى المزعومة.
وفي عام 2006 دخل شارون في غيبوبة إثر جلطة دماغية، ما أوقف عمليًا جميع الإجراءات القانونية بحقه.
أولمرت
شغل إيهود أولمرت منصب رئيس الوزراء بين 2006 و2009، وواجه سلسلة من القضايا الجنائية التي شملت تلقي أموال ورشى خلال توليه مناصب حكومية.
وأبرز القضايا كانت قضية "تالنسكي"، التي كشفت عام 2008 عن تلقيه مئات آلاف الدولارات نقدًا من رجل الأعمال الأمريكي موشيه تالنسكي، في أظرف نقدية قُدمت لتغطية نفقات شخصية وسياسية.
رغم خطورة الشبهات، انتهت هذه القضية بإدانته بمخالفة الثقة دون إدانة مباشرة بتهمة الرشوة.
أما القضية الأكثر شهرة وخطورة فكانت قضية "هولي لاند"، التي بدأت تحقيقاتها في 2010 بعد خروجه من رئاسة الحكومة، اتُّهم أولمرت بتلقي رشاوى ضخمة لتسهيل مشروع عقاري ضخم في القدس، وأدين في آذار/مارس 2014 بتهمة الرشوة، حُكم عليه بالسجن ست سنوات قبل أن تخفّض المحكمة العليا العقوبة إلى 18 شهرًا، قضاها كاملة تقريبًا بين شباط/فبراير 2016 وتموز/يوليو 2017.
إضافة إلى ذلك، أُدين في قضية "مركز الاستثمارات" بمخالفة الثقة بسبب منح مزايا غير قانونية لشركات خلال عمله وزيرًا للصناعة والتجارة، وعوقب بغرامة وعقوبة مع وقف التنفيذ.
في ذروة الضغوط السياسية والإعلامية، أعلن أولمرت في تموز/يوليو 2008 عدم ترشحه مجددًا، وقدم استقالته في أيلول/سبتمبر من العام نفسه، وقد استمرت محاكمته سنوات بعد مغادرته المنصب، ليصبح أول رئيس وزراء إسرائيلي يدخل السجن فعليًا بسبب تهم فساد.
وأظهر مسار الأحداث أن الحصانة السياسية في "إسرائيل" ليست مطلقة، إذ خضع أولمرت لتحقيقات مطوّلة واستجوابات وهو لا يزال في الحكم، قبل أن تنتهي مسيرته السياسية بإدانة وسجن غير مسبوق.
نتنياهو
تتواصل محاكمة نتنياهو، التي تُعد من أكثر القضايا إثارة للجدل في تاريخ "إسرائيل"، ويواجه عدة تهم، أبرزها الرشوة، والاحتيال وخيانة الأمانة، إضافة إلى التأثير غير المشروع في القرارات الرسمية.
ومن بين القضايا البارزة التي ينظر فيها القضاء، قضية "4000" التي تتعلق بعلاقته بمالك قناة "بيزك" والموقع الإخباري "واللا"، حيث يُتهم بتلقي رشوات مقابل تغطية إعلامية إيجابية.
وتشمل القضايا قضية "2000" التي تخص محاولته التفاوض مع ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت" للحصول على تغطية محسنة، بالإضافة إلى قضية "1000" التي تتناول تلقي نتنياهو وزوجته هدايا ثمينة من رجال أعمال.
وجرى طرح مقترحات لإلغاء أو تعديل قوانين، من بينها إعادة تطبيق ما يعرف بـ "القانون الفرنسي"، الذي يمنح رئيس الحكومة حصانة من المحاكمة خلال فترة ولايته.
وتأتي هذه المحاكمة في وقت تشهد فيه "إسرائيل" انقسامًا سياسيًا حادًا، إذ ترى الأطراف الداعمة أن القضية هي خطوة ضرورية لمكافحة الفساد، بينما يعتبر المعارضون أنها استهداف سياسي لنتنياهو.
القانون الفرنسي
يطلق هذا التعبير في "إسرائيل" على فكرة مستوحاة بالفعل من فرنسا، حيث لا يمكن محاكمة الرئيس أثناء ولايته، بحسب المادة 67 من الدستور الفرنسي.
ولا يوجد هذا القانون أو التشريع في "إسرائيل"، لكن جرت عدة محاولات لتشريع قانون مشابه يمنح رئيس الحكومة حصانة كاملة من المحاكمة ما دام في منصبه.
وظهرت هذه المبادرة أول مرة في 2017 عندما طرح حزب الليكود اقتراح قانون رسمي بهذا المضمون، وفي السنوات الأخيرة، أعيدت الفكرة للنقاش عدة مرات كلما تصاعدت أزمة محاكمة نتنياهو، وكان يُشار إليها إعلاميًا بمصطلح "القانون الفرنسي".
وفي 2019، قالت صحيفة "هآرتس" في افتتاحية لها: إن "رد نتنياهو المُراوغ في مقابلته مع القناة 12 جاء ليدق ناقوس الخطر، سُئل رئيس الوزراء عمّا إذا كان سيُقدّم، في حال إعادة انتخابه، مشروع قانون يمنع توجيه اتهامات إليه في قضايا الفساد المُوجّهة ضده".
أنكر نتنياهو تعامله مع مشروع قانون كهذا، المعروف في إسرائيل باسم "القانون الفرنسي"، وقال إنه عرقل مثل هذه المحاولات، لكنه رفض الالتزام بأي شيء في المستقبل، قائلاً: "أعتقد أنني لن أفعل ذلك".
وأوضحت الصحيفة "يُثير رده المُبهم القلق بشكل رئيسي لأن لديه شركاء في الائتلاف مُستعدّون لتمرير مثل هذا القانون نيابةً عنه. وقد تجلّى ذلك مما قاله ممثلوهم في مؤتمر هآرتس للديمقراطية، وكان أبرز هذه التعليقات بتسلئيل سموتريتش، العضو البارز في اتحاد الأحزاب اليمينية (في ذلك الحين بينما أصبح وزيرًا بارزًا حاليًا)، الذي وعد بالترويج لنسخة جديدة من مشروع قانون يمنح أعضاء الكنيست حصانة من الملاحقة الجنائية".
وأثارت تصريحات ترامب حول رفضه محاكمة نتنياهو صدى في أوساط الائتلاف الحكومي، حيث يفكر بعض أعضائه في استغلالها لدفع مقترح قانون من شأنه أن يؤدي إلى إلغاء محاكمة نتنياهو.
وتشمل المقترحات المطروحة إعادة طرح "القانون الفرنسي"، الذي يمنح الحصانة لرئيس الحكومة من المحاكمة خلال ولايته، أو إلغاء تهمة "خيانة الأمانة"، أو حتى سن قانون يمنح عفوًا خاصًا ومحددًا لنتنياهو.
ورغم الشكوك داخل الائتلاف بشأن إمكانية تمرير القانون بشكل نهائي، فإن مجرد طرحه قد يسهم في تسريع خطوات أخرى باتجاه إنهاء المحاكمة.