سويسرا ضوء جديد.. نحو نهج متكامل لوقف الحرب أولاً ثم إنهائها ثانيا.. قرار الجيش مع الشعب أم الفلول؟
تاريخ النشر: 24th, July 2024 GMT
ياسر عرمان
تقول الحكمة الصينية (على الرجل الغاضب ان لا يشعل الحرب فان غضبه سيزول لكن الضحايا لا يعودون) ومعظم حروب العالم أعلنها الرجال وفي الغالب ان الحرب رجل والسلام إمرأة فطوبى للنساء ضحايا الحروب الأوائل.
منذ بداية حرب ١٥ أبريل ومن واقع تجربتنا الطويلة درجت على الكتابة في محاولة للوصول لفهم مشترك بين القوى الديمقراطية المنادى الأصيل لوقف الحرب وصاحبة المصلحة الحقيقية في السلام وبغرض إجلاء المفاهيم وتكوين المواقف المشتركة، فهنالك مرحلتين مترابطين في اطار عملية واحدة شاملة ونهج متكامل، الأولى هي وقف الحرب بالتزام اطرافها على مخاطبة الكارثة الانسانية ووقف الانتهاكات وحماية المدنيين برقابة على الأرض، والثانية هي انهاء الحرب بمخاطبة جذورها وتأسيس الدولة واكمال مهام الثورة، والمرحلتين مترابطتين كحزمة واحدة فالحرب فضاء مغلق ووقف الحرب يوفر فضاء مفتوح وصحي للعملية السياسية.
١/ يجب التأكيد ان سويسرا هي حصرياً منبر انساني وهو ما ورد بوضوح في بيان وزير الخارجية الامريكي الذي دعا لمرحلة جديدة للتفاوض في ١٤ أغسطس، وأطراف المنبر الانساني ليس من مهامهم رسم وتشكيل المنبر السياسي الذي يحدد مستقبل السودان، وان اردنا حلولاً مستدامة فعلينا ان نستمع لصوت الشعب وثورته التي طالبت بتأسيس الدولة وبناء جيش مهني ودولة ديمقراطية قائمة على المواطنة والحرية والسلام والعدالة وعدم مكافأة الفول على حربهم.
٢/ أهمية ما يحدث في سويسرا انه مدعوم من مجلس الامن في اتفاق نادر ومهم بين اعضائه والآن وجد دعم قوي من الولايات المتحدة الأمريكية ويمثل ذلك أهمية بالغة لقضية الحرب المنسية في السودان كما ان جيران السودان والاقليم ومنظماته تبدو اهتماماً متعاظماً بوقف الحرب.
٣/ الدعم السريع ابدا موافقته واستعداده وهو امر جيد ويستحق الترحيب.
٤/ الأوضاع الجيوسياسية في البحر الاحمر وما خلفه تشهد تطورات متسارعة والقوى الاقليمية والدولية تعلم ان السودان يربط بين (البحر والساحل والقرن) البحر الأحمر والساحل الأفريقي والقرن الافريقي وهذا دافع مهم للاهتمام بحرب السودان.
٥/ اجتماع جيبوتي هذا الأسبوع الذي يضم قوى اقليمية ودولية يزيد من الزخم غير المسبوق لمخاطبة الكارثة الإنسانية وحماية المدنيين ووقف الحرب.
٦/ سويسرا هي جزء من اوربا مع ذلك فان تمثيل الاتحاد الأوربي كمراقب وبلدانه على مرمى حجر من حرب السودان والساحل والقرن الأفريقي مطلوب.
٧/ الجيش وقيادته تتعامل مع قضية استراتيجية والدعوة المقدمة لها لهذا الاجتماع تصب في دائرة حيوية وتحتاج لاعمال صوت العقل والحكمة وعدم الاستماع للفلول وأكاذيبهم سيما ان المؤتمر الوطني قد اعلن بلسانه تأييده لوقف الحرب على الرغم من انه لا يمتلك لسان يمسك به.
واخيراً فان الدعوة في حقيقتها تخدم الشعب واطراف النزاع وان استمرار الحرب سيمزق السودان ويزيد من تشريد اهله ويؤدي لانهيار الدولة، ومن اراد الحرب فانه يمكن ان يرجع اليها اما السلام فهو عملة نادرة ولنرجع البصر كرتين في الحروب التي من حولنا، ان شعبنا يستحق السلام ووقف الحرب حتى يعود النازحين لقراهم ومدنهم وتبدأ عملية سياسية ذات مصداقية لبناء نظام ودولة جديدة في فضاء مفتوح.
التطورات الجديدة والمتسارعة لتاخذ زخمها الحقيقي فان قضية وقف الحرب مجمع عليها بين قوى الثورة والراغبين في الحكم المدني الديمقراطي ويجب ان تكون اساس وحدتهم حتى يمكن الوصول إلى كتلة حرجة ذات رؤية شاملة وتأسس لنهج متكامل في إدارة عمليتي وقف وانهاء الحرب ولا مكافأة للفلول أو العودة لشراكة بائسة بل تأسيس الدولة واكمال الثورة وسلام مستدام.
والثورة ابقى من الحرب.
٢٤ يوليو ٢٠٢٤
الوسومياسر عرمانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: ياسر عرمان
إقرأ أيضاً:
السرديات المضللة في حرب السودان
السرديات المضللة في حرب السودان
فيصل محمد صالح
ليستْ هناك سردية واحدة لأسباب وبدايات ومجريات حرب السودان، ليس فقط لاختلاف التفسيرات، ولكن للاختلاف حول الوقائع نفسها، بدايةً من قصة بداية الحرب حتى الآن. هذه السرديات تتعامل بانتقائية شديدة مع الأحداث والوقائع، تأخذ ما تريده وتركز عليه وتتجاهل بقية المعطيات، وترفض ربط الأحداث ببعضها البعض، كما أنها تتعامل بتبسيط مخل… «إما أن تأخذ بضاعتنا كما هي، أو أنك عدونا».
سردية بداية الحرب تتعرض كل يوم لامتحان قاسٍ، عبر الفيديوهات التي تحمل إشارات وأقوالاً مباشرةً وعبر الأسرار التي تتكشف كل يوم عمن خطط لهذه الحرب وأعد لها من قبل شهوراً طويلة. هناك ثروة من التسجيلات واللقاءات والتصريحات وبعضها بها اعتراف صحيح بالمسؤولية عن الحرب، إلا أنه ومن باب الأمانة، ليس ثمة طرف من هذه الأطراف كان يظن أن الحرب ستطول أكثر من ثلاثة أو أربعة أسابيع، وهذه جريمة أخرى. وكثير من التصريحات الحالية لقيادات عسكرية نظامية وأخرى ميليشياوية توضح أن «الدعم السريع» عدو ثانٍ، لكن عدوهم الأكبر هو كل من انتمى لثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، ودونك الحديث الأخير لقائد «كتائب الحركة الإسلامية» المصباح أبو زيد.
الحشد السياسي للحرب كان في قمته، لكن الاستعداد العسكري ثبت أنه كان في أدنى مستوياته، بدليل نتائج الحرب في أول أسابيع. خلال أيام انزوت كتائب الجيش في ثكناتها، المهندسين ووادي سيدنا في أم درمان، سلاح الإشارة ومعسكر حطاب في بحري، والمدرعات وجزء من القيادة في الخرطوم. وما فعلت كتائب الجيش ذلك عن جبن ولا عن استسلام، لكنها كانت بلا تسليح ولا إعداد كافٍ وبلا حتى مجموعات مشاة قتالية كافية.
في الوقت نفسه ثبت أن «الدعم السريع» استعدت للحرب وأعدت قواتها وخططها، تدفعها قبل كل ذلك الطموحات السياسية لقائدها، وكان منطقه البسيط يقول إن معارفه الفطرية من دون تعليم نظامي أو تأهيل عسكري قادته ليكون الرجل الثاني في الدولة، فما الذي يمنع أن يكون الرجل الأول…؟
انظر، من ناحية أخرى، إلى حوادث مهاجمة مدينة بورتسودان بمسيّرات «قوات الدعم السريع»، وما يمثله من تصعيد خطير للحرب ونقلها لمرحلة ثانية. المؤكد أن هذه المسيّرات استهدفت مواقع عسكرية في اليومين الأوائل، لكنها عادت بعد ذلك لتهاجم مواقع للخدمات، مثل خزانات النفط وميناءي بورتسودان وعثمان دقنة وأحد أكبر فنادق المدينة. هذا الهجوم يستحق الإدانة لأن فيه مخالفات واضحة للقانون الدولي الإنساني ولكل المواثيق وتقاليد الحروب في العصر الحديث، ونتائجه المباشرة ستتسبب في زيادة معاناة المواطنين المدنيين ومضاعفة المخاطر التي يتعرضون لها.
هل يجب أن يكون المبدأ أن استهداف المواقع والمنشآت المدنية مدان ومرفوض، وهو من جرائم الحرب، أينما كانت هذه المنشآت وأياً من كان يستهدفها، أم أن الأمر يمكن أن يخضع للانتقائية…؟
الحقيقة أننا شاهدنا الانتقائية وعدم الموضوعية من على منصات ومواقع وصفحات أفراد كثيرين. فقد سبق للطيران الحربي الحكومي أن هاجم منشآت مدنية وأسواقاً ممتلئة بالمدنيين وراح ضحية ذلك المئات بينهم نساء وأطفال. وكان من المقزز أن تقرأ للبعض وهو يصفق ويهلل ويسمي سلاح الطيران بـ«صانع الكباب» في الإشارة لجثث الضحايا المتراكمة فوق بعضها البعض. وكانت الكتابات التي تشجع وتدعو لتدمير المنشآت المدنية والبنيات الأساسية من جسور ومنشآت اقتصادية كبرى، مثل مصفاة البترول تتوالى كل يوم. بل إن أحد أهم أبطال السوشيال ميديا المؤيدة للحرب دعا في تسجيل شائع وموجود قيادة الجيش لمهاجمة أماكن اعتقال أسرى الجيش وقصفها وتصفيتهم «حتى لا يصبحوا ورقة ضغط في يد (الدعم السريع)».
من المؤكد أن سردية «قوات الدعم السريع» بأنها جاءت لمحاربة فلول النظام السابق ونصرة الديمقراطية وعودة الحكم المدني أضعف بكثير من أن يتعامل معها المرء بجدية ليعمل على تفنيدها، فقد ذاق المواطنون المدنيون ثمار ديمقراطيتهم هذه في الخرطوم والجزيرة وسنار ومناطق أخرى كثيرة، قتلاً ونهباً واغتصاباً. الحقيقة أنها ظلت طوال هذه الفترة عبارة عن بندقية تبحث عن قتيل، لا يسندها منطق ولا رؤية سياسية أو وطنية عامة. ولعل هذا ما دفع قيادة «الدعم السريع» للتحالف مع كيانات وأحزاب وحركات مسلحة لديها مشاريع سياسية، لعل وعسى. لكن ستظل الصور الدموية في ود النورة والتكينة والهلالية وقرى البطانة في الذاكرة دائماً، حتى يوم قريب يأخذ فيه كل مجرم ومنتهك، أياً كان موقعه أو منصبه، نصيبه من العقاب.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومالجيش الحركة الإسلامية الدعم السريع السودان الشرق الأوسط المسيرات المصباح أبوزيد بورتسودان فيصل محمد صالح