السودان الجديد و التخلق من داخل الخنادق
تاريخ النشر: 2nd, August 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن إشكالية النخبة السودانية ذات التفاعل مع المسرح السياسية، أنها تقدم العاطفة على حقائق الواقع، و تحاول البحث عن مبررات لفعل مستقبلي قبل الشروع فيه، لأنها على قناعة أن خبراتها و قدراتها الذاتية لا تساعدها على مواجهة التحديات بالصورة المطلوبة، أن الأزمة السياسية بعد ثورة ديسمبر كانت حالة فريدة في تاريخ السودان، أن تعجز القيادات السياسية على إدارة الإزمة السياسية التي تواجهها، و تخضع خضوعا كاملا للنفوذ الخارجي لكي يدير لها الأزمة من وراء ستار.
أن حالة الفشل وسط النخب كانت تزداد كل يوم نتيجة لطول فترات النظم الشمولية، التي خلفت قيادات منهوكة القوى و متواضعة فكريا، الأمر الذي لا يؤهلها أن تقدم مشاريع سياسية تفرضها على الساحة السياسية لكي تتحاور فيها مع القوى الأخرى، كل كان يحاول أن يفرض شروطا على الآخرين دون أن يكون له أداة ضغط عليهم. هذا الضعف المتواصل أكده الدكتور منصور خالد في كتابه "النخبة و إدمان الفشل" عندما يكتب ( تعود الأزمة النخبوية – في جوانبها الفكرية – إلي تصدع الذات، الذي يقود، بطبعه، إلي الفجوة بين الفكر و الممارسة؛ بين ما يقول المرء و ما يفعل، بين التصالح مع الواقع السلبي في المجتمع و الإدانة اللفظية لهذا الواقع) الآن تجد الوسائط الاجتماعية التي أصبحت حلبة صراع إعلامي مليئة بالمطاردة التي تحمل معلومات مزيفة، باعتبارها معلومات تستند على الرغبات المؤسسة على الذات، و ليست بهدف حل المشكل وفقا لمعطيات الواقع، و هناك الذين يعتقدون أن الحل لا يمكن أن يكون إلا على يد النفوذ الخارجي، و أصبح الداخل و الدعوة إليه توقع صاحبها في اتهام بأنه مساندا للكيزان و الفلول، أن النخبة إذا لم تستطيع أن تخرج من حالة الوهم و الإدعاء السالب الذي يهدف لتضخيم الذات دون أي مقومات موضوعية لا تستطيع أن تسهم في الحل..
أن وقف الحرب و حل المشكلة السياسية السودانية لن يتم خارج السودان، و لن تكون أمريكا و توابعها من دول الجوار و الدول العربية هي التي سوف تحل المشكلة، و هي السبب الأساسي الذي قاد للحرب، أن الحل يجب أن يكون داخل السودان، و وسط الشعب السوداني، و الذين لا يرغبون مواجهة الشعب هؤلاء لا اعتقد سوف يكون لهم حظا في تقديم شيئا مفيدا للحل. و قبل الحل؛ كل قوى سياسية يجب أن تراجع أفكارها، و تعيد بناء مرجعيتها الفكرية، لكي تستطيع أن تتعايش مع أفكار الأخر.. أن التجارب التاريخية منذ المهدي أكدت أن أي قوى لوحدها لا تستطيع أن تفرض قناعاتها و شروط العمل السياسي على الأخرين.. في الحل لا يتم البحث عن معلمين للتلقين، بل البحث عن منابر تجمع الكل للحوار المفتوح و الوصول لتوافق وطني، الذي يوافق سوف يشارك، و من يرفض عليه أن يعتزل العمل السياسي.
هناك أيضا الذين يعتقدون أن وقف الحرب بهدف الرجوع للثورة مرة أخرى، هل هؤلاء يعتقدون أن الحرب أقل شأنا من الثورة، هؤلاء ماذا يريدون أن يهدموا بالثورة الذي لم تهدمه الحرب، الحرب لم تهدم فقط المؤسسات و المشاريع و كل المكونات المادية، بل هدمت حتى القيم الربانية و القيم الروحية، و الأخلاق و الاعراف و التقاليد، و استخدمت كل أدوات التنكيل و القتل ، و النهب و السرقة و الاغتصابات و التهجير و الإبادة الجماعية، أن الذين ينادون بإعادة الثورة بعد الحرب هؤلاء يعلمون أنهم عاجزون في التعامل مع الواقع الجديدة و إفرازاته، و أن مرجعياتهم الفكرية عاجزة ان تقدم رؤى لواقع كانت بعيدة عنه عندما بدأ يتشكل في مواجهة المؤامرة على البلاد.. أن الحل يجب أن يكون في السودان من خلال الحوار الوطني الجامع، و التوافق و التناغم الكامل بين القوى المدنية و العسكرية، بهدف حفظ أمن البلاد و تأمينها من آهل الأجندة الخارجية و العملاء في الداخل و الخارج.. و هذه الأشياء لا تتم بوجود الميليشيا أو التسوية معها و خدامها، لابد من هزيمتها و عدم رجوعها مرة أخرى إلي الساحتين العسكرية و السياسية. هزيمة الميليشيا تعني معرفة الحقيقة عن الحرب و من كان وراءها و الداعمين لها و الذين تعاونوا مع الميليشيا في الداخل و تقديمهم للمحاكمة أمام القضاء..
أن وقف الحرب ليس تعني وقف لأصوات المدافع و البنادق و الطيران، أنما تعني بداية لتخلق سودان جديد فرضته حالة التلاحم بين المستنفرين و المقاومة الشعبية و بين طلائع الجيش و القوى النظام الأخرى، الذين جمعتهم الخنادق و تقديم الأروح و مزيج الدم السائل من الجميع، صورة جديدة تخلقت مع مأساة السودان و التأمر عليه بهدف تقسيمه و نهب ثرواته.. أن الذي غاب عن هذه الملامح الوطنية غير جدير أن يفرض على آهل السودان شروطا، أو خيارات لا رجاء منها.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: تستطیع أن أن یکون
إقرأ أيضاً:
التشخيص الخاطئ في خدمة غزاة السودان
مع أول طلقة في هذه الحرب اللعينة اتخذتُ موقفًا داعمًا للدولة ومؤسساتها ضد ميليشيا الجنجويد البربرية. هذا الموقف، الذي فصّلته مرارًا وتكرارًا، يرتكز على فرضية أساسية تتلخص في أن المليشيا الهمجية ليست دواء مناسبا لعيوب الدولة السودانية وان هذا ليس مجرد نزاع داخلي، بل غزو أجنبي.
إنّ التركيز علي أهمية العامل الخارجي لا يعني تجاهل جذور الصراع الداخلية. بل يعني الاعتراف بأن الحرب تُدبّر بالكامل تقريبًا من الخارج. فالخارج يتخذ القرارات الرئيسية، ويوفر جميع الأسلحة الفتاكة والمعلومات الحساسة، ويموّل الذراع السياسي للميليشا، ويدير حملات دعائية مُعقدة ممولة بملايين الدولارات. والأهم من ذلك، أن الخارج يوفّر أيضًا الغطاء الدبلوماسي الذي يُحيّد مراكز القوة الدولية ويُشلّ وسائل الإعلام العالمية والرأي العام في الداخل والخارج. ويتصدى للدعاية الممولة بسخاء وطنيون سودانيون بلا مقابل وبشجاعة نادرة ندرة محمد كمبال وسوزى خليل ووليد أب ركب.
كان موقفي، ولا يزال، غير محبوب على الإطلاق بين رفاقي السابقين من اليسار وفي الأوساط العلمانية والليبرالية. أصرّوا على أن الحرب مجرد صدام بين جنرالين بنفس درجة السوء – أحمد وحاج أحمد – ، أو صراعًا فصائليًا بين أجنحة مختلفة لرأسمال طفيلي، أو مؤامرة من الإخوان لقمع الثورة مع أن الأخوان لم يطلقوا كتائب ظل أو يشعلوا حربا أهلية في ١١ أبريل ٢٠١٩ بل سلموا السلطة دون أن يشعلوا حربا وان البشير قال للضباط الذين أتوا لإعتقاله “علي بركة الله، أبقوا عشرة علي البلد”.
الأصدقاء السابقين، فسروا دعم الدولة بانه يعني الانحياز إلى الإخوان والدكتاتورية العسكرية. ونتيجةً لذلك، فقدتُ العديد منهم ء. لكن، بصفتي شخصًا انطوائيًا، متوحدًا ويردو،، وجدتُ في العزلة راحةً لا عبئًا، مُتحررًا من وطأة التفاعل الإنساني المرهق.
والآن، أصدر التاريخ حكمه. يؤكد إجماع المنظمات الدولية ووكالات الاستخبارات الغربية ووسائل الإعلام العالمية أن السودان يواجه بالفعل غزوًا أجنبيًا. وهذا يُثبت بشكل قاطع أن التشخيص من قبل اليسار والليبراليين بان هذا صراع داخلي، سوداني-سوداني على السلطة في جوهره – كان خاطئًا تمامًا.
بسبب تراكم هذه الأدلة العالمية، عدّل البعض في اليسار وفي الأوساط الليبرالية خطابهم بمهارة، واعترفوا بدور أجنبي “معقد” ولكنهم حاولوا تبريره أو جعله يبدوا طبيعيا بمختلف الحجج المتهافتة مثل القول بان الجيش له من يدعمه من الخارج أو أن تدخل الأجانب في الحروب الأهلية متوقع. وقد فندنا هكذا تهافت في كتابات سابقة ولا داعي للإعادة.
ومع ذلك، بالنسبة لمعظم الذين أجبرهم الإعلام العالمي علي الاعتراف بالدور المدمر للأجانب في إبادة الشعب السوداني، لم يكن لهذا الاعتراف أي تأثير يُذكر على موقفهم الأساسي من الحرب أو خطابهم أو مطالبهم. وهذه مفارقة مركزية: كيف يُمكن للمرء أن يكتشف أن الصراع هو مشروع إمبريالي يهدف إلى تفتيت الوطن، دون أن يُراجع موقفًا قائمًا على فهم مُعاكس؟ كيف يكون الموقف ثابتًا وكذلك التموقع والخطاب والمطالب والتحالفات، بغض النظر عن كونه غزوا أجنبية أم صراعا بين جنرالين أو بين أجنحة راسمالية طفيلية؟
أما الليبراليون علي سنة خطاب الهويات الأمريكي، القايلين روحهم يسار، الذين اتهمونا بالعنصرية بنزع الجنسية السودانية عن الجنجا بالقول أن هذا غزو، ديل بنقول ليهم، بنقول ليهم، بنقول ليهم …. ما بنقول ليهم حاجة. وكذلك الذين دعوا للحياد والإستثمار في توازن ضعف بين طرفي النزاع برضو ما بنقول ليهم حاجة.
ليس هدف هذا المقال هنا إلقاء اللوم على أحد. فجميعنا نُخطئ، والتشخيص الخاطئ جزء من طبيعة البشر. القضية الأهم هي أن هذا الخطأ تحديدًا خذّل المعارضة والتصدي ومنح الغزاة ميزة هائلة مجانا، لأنه ساهم في تضليل العالم بشأن الطابع الحقيقي للحرب بإخفاء البعد الأجنبي الحاسم. وهذا فصل حزين في كتاب تاريخ القوي السودانية التي تدّعي الدفاع عن الديمقراطية والعلمانية والمدنية.
الطريق إلى الأمام واضح. على القوى السياسية الفاعلة الآن أن تتحمل مسؤوليتها بأن تُسمّي هذه الحرب بمسماها الصحيح: غزو أجنبي. ثم عليها أن تُجيب على الأسئلة العملية المُلِحّة المترتبة التي تلي:
ما هي أولوياتنا بالضبط والوطن يستبيحه الغزاة بالإبادة والإغتصاب اليومي؟
هل يجوز الحياد بين “طرفي النزاع”؟
ما هي أفضل طريقة لمقاومة هذا الغزو بالوسائل السياسية والدبلوماسية والإعلامية وغيرها؟
والأهم من ذلك، هل لدينا القدرة على مُقاتلة الجيش الوطني والغزاة الأجانب في آنٍ واحد؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فيجب توضيح تفاصيل هذه الاستراتيجية التي تحارب الغزاة والجيش والاخوان في آن واحد.
كيف يكون الوطني في حياد تجاه غزو أجنبي؟
ما الفرق بين “إعتزال الفتنة” واعتزال الدفاع عن الوطن ولو بالكلمة في وجه غازٍ جائرٍ؟
معتصم أقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب