الجزيرة:
2025-07-13@00:29:28 GMT

غزة ستؤسس نظامًا عالميًا جديدًا

تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT

غزة ستؤسس نظامًا عالميًا جديدًا

في ثلاثينيات القرن الماضي، كان العالم يعيش في ظلّ نظام يهيمن عليه قادة مستبدّون يتبنّون النزعة الدكتاتورية، حيث كانت الدول تُحكم من قبل زعماء وطنيين وحزب واحد. شهدت تلك الفترة تحول القومية إلى عنصرية، وتمجيد الدول القومية، وذروة السياسات العدوانية.

كما تحوّلت شخصيات مثل هتلر في ألمانيا، وموسوليني في إيطاليا، وفرانكو في إسبانيا، وستالين في روسيا، رموزًا لتلك الحقبة، وكانت هناك أنظمة مشابهة في جميع أنحاء العالم.

بل وصل الأمر إلى درجة أن شارب هتلر أصبحَ موضة في العديد من البلدان.

نُظُمُ العالم الجديدة تؤسس بعد الكوارث

بيدَ أن الناس أدركوا سريعًا كيف أن هذه الأنظمة المريضة جلبت البلاء إلى العالم. فالحروب التي أشعلتها تلك الأنظمة الدكتاتورية انتشرت في العالم، وأودت بحياة 70 مليون شخص. عندها أفاقت الإنسانية، وفهمت أن أنظمة الحكم الفرديّة، والمجتمعات المبنية على ثقافة وعرق واحد، والأنظمة القمعية تشكل كارثة على العالم، وأنه يجب التصدّي لها بشكل عاجل.

تطورت الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والتعددية الثقافية ومفاهيم وقيم العيش المشترك بسرعة بعد الحرب العالمية الثانية، وشكّل العالم نظامًا جديدًا. على الأقلّ، لم يعد النازيون الجدد في الغرب يصدرون فكرهم إلى العالم، بل تصاعدت المطالب بالحريّة.

من المؤسف أنّ البشرية لا تستطيع إحداث تغييرات كبرى إلا بعد وقوع الكوارث. ومن الغريب أن الإنسان لا يحقق تقدمًا إلا بعد الزلازل الاجتماعية التي تجلب له الألم والدمار.

النظام العالمي المنهار في غزة

أعتقد أننا دخلنا في فترة مشابهة.

غزة، بالنسبة لي، هي الشرارة التي تظهر أن العالم سيشهد تحولات كبيرة، وأن النظم الحالية ستنهار.

كما كان هناك فاشيون في إيطاليا وإسبانيا والنمسا يصفقون لهتلر، شاهدنا أعضاء في الكونغرس الأميركي يصفقون لنتنياهو الذي يرتكب إبادة جماعية. وقد اتضح مجددًا أن الديمقراطية الأميركية زائفة ومنافقة، عندما رست حاملة الطائرات في شرق البحر المتوسط لحماية الجنود الإسرائيليين الذين يقتلون الأطفال على شاطئ غزة.

كما أن فرضية أن بريطانيا مهد الديمقراطية والحرية قد دُفنت في صحاري الحُديدة عندما قصفت إسرائيل المدنيين في غزة، ولم تتحرك بريطانيا إلا عندما قصفت الحوثيين في اليمن.

الأمم المتحدة، التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية لمنع عودة الدكتاتوريين مثل هتلر الذين أشعلوا الحروب، أعلنت إفلاسها فعليًا عندما لم تستطع فعل شيء تجاه نتنياهو الذي يحرق فلسطين والشرق الأوسط.

شاهدنا كيف أن كل القيم والأفكار والشعارات التي أنتجتها أوروبا بعد الحرب، كانت في الواقع مجرد شعارات لأنفسهم، وأنهم يعيشون بأنانية، عندما تعرض المتظاهرون الذين نادوا بوقف المجازر في غزة للضرب من قبل الشرطة في عواصمهم.

عندما دمرت الجرافات الإسرائيلية المستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس، تبين أن محاكم حقوق الإنسان والمحاكم الدولية وإعلانات حقوق الإنسان التي أسسها الغرب ليست سوى مسرحية مزيفة. كما انهارت هي أيضًا.

كشفت غزة لنا مدى عبثية المؤسسات التي أقمناها بآمال كبيرة، إذ تحولت إلى هياكل جوفاء بلا معنى. فقد اندثرت مؤسسات مثل منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، في مياه البحر الأبيض المتوسط، تمامًا كما اندثرت طائرة الطفل التي تحطمت على شاطئ غزة.

سمعنا جميعًا بصوت الطفل الذي فقد والدته كيف أن مفاهيم مثل "الأخوة الإسلامية" و"الوحدة الإسلامية" و"الأمة" قد أُفرغت من محتواها، وأصبحت بلا معنى؛ بسبب أنظمة رسمية عاجزة.

سيتم تأسيس نظام عالمي جديد

تنهار جميع النماذج وجميع الخطابات المزخرفة في العالم واحدة تلو الأخرى، تمامًا مثل بيوت الطين في خان يونس. العقول تسجل وتخزن كل ما يحدث. العالم على وشْك أن يمر باضطراب شديد وتفكك وفوضى. الجميع يشاهد فقط نتنياهو الذي يسحب العالم نحو النار دون تردد مثل هتلر. إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة، فلن يكون بالإمكان تجنّب الكارثة التي سيتسبب فيها. ومع ذلك، لن يتمكّن أحد من منع إنشاء نظام عالمي جديد.

لا أعرف كيف سيحدث ذلك، ومن سيقوم بذلك، أو كيف سيكون النظام الجديد.

لكنني واثق من أن الأجيال القادمة، التي ستشهد عجزنا وفشلنا وخجلنا، هي من ستؤسّس هذا النظام الجديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات نظام ا

إقرأ أيضاً:

تفريط..

نعيش بين طرفي نقيض، في كل أمور حياتنا اليومية، أحيانا «مع سبق الإصرار والترصد» وأحيانا؛ تأتي الأمور مصادفة غير محسوبة الخطى، وفي كل الحالتين، هناك تفريط لكثير مما اكتسبناه في حياتنا من تراكم العمر وخبرة الحياة، ذلك لأن النفس بقدر ما هي مسيّرة في بعض مشاريع الحياة، هي في الوقت نفسه مخيرة، وهذا التخيير هو الذي يدفعها لأن تتجاوز حدودها الآمنة، والأمن هنا؛ هو مستويات من التوازن، والمعالجة الحكيمة للأمور، والقدرة على توظيف مكتسبات الخبرة.

فالفضيلة -كما هو معروف- تقع بين طرفين؛ كلاهما رذيلة؛ وذلك لأن المبالغة في الفعل تنقل الحالة من الإفراط إلى التفريط، فالكرم؛ على سبيل المثال؛ توحي المبالغة في تقديمه إلى مستوى الإسراف، ويوحي التقصير في واجباته إلى البخل، فيتحول الكرم من كونه فضيلة من الفضائل الإنسانية الرائعة، إلى رذيلة معابة عندما يسقطه صاحبه إلى كلا الطرفين (الإسراف أو البخل) وما ينطبق على الكرم، ينطبق كذلك على الشجاعة، عندما تسقط بين طرفي: (التهور أو الجبن) وقس على ذلك أمثلة كثيرة من سلوكياتنا اليومية التي نفرط في توازنها المعتاد بسوء تقديراتنا في التوظيف.

والسؤال هنا: هل المبالغة في كل حالاتها شر؟ وهل تعكس نفسا قلقة غير قادرة على تحييد جانبيها اللذين يوصلانها إلى الإفراط أو التفريط؟ وهل هناك مساحة زمنية يمكن للفرد أن لا يقع في أحد هذين الطرفين؟ وما الذي يحدد هذه الفترة الزمنية التي توصف بـ«الفلترة» لكي يكون أحدنا على بصيرة من أمره فلا يقع في مأزق طرفي الرذيلة؟ هل تراكم الخبرة والعمر؛ هل الاستشارة؛ هل التريث وعدم الانجرار سريعا نحو ممارسة الفعل؟ هل وضع خطة مسبقة؟ أو دراسة جدوى؟ لأن الصورة في مجملها غير مرتبطة بفعل الإنسان الفرد فقط؛ وفق خصوصياته؛ وإنما يمكن أن يقع في ذلك المجموع أيضا، سواء على مستوى الجماعة في شؤون الحياة المختلفة، أو حتى على مستوى المؤسسة عندما تتبنى مشاريع غير مدروسة، فتجازف في إنشائها فتقع في خسارات مضاعفة لما يفترض أن تكون عوائد، أو تفرِّط في مكاسب مهمة؟ والإنسان بحكم ضعفه الإدراكي، يفتقد إلى الكثير من الرؤية الصحيحة أو الاستشراف السريع لها، وهذا أمر مسلم به، ولكن غير المسلم له أن يقتنع الفرد أنه على صواب في كل ما يقوم به، وما يأمر به، وهذا يحدث كثيرا بين أحضان الأسر، عندما ينفرد الأب، أو الأم في اتخاذ قرارات تهم الأسرة كلها، دون الرجوع إلى أعضائها من الأولاد، خاصة عندما يكونوا هؤلاء الأولاد على قدر معقول من خبرة الحياة، فالعودة إلى حاضنة الأسرة للمناقشة لا ينتقص من مكانة ركنيها (الأب/ الأم) أي شيء، بل يقوي من حمولتها الأسرية، ويضع الجميع في ميزان المسؤولية، وما ينطبق على الأسرة، ينطبق على المؤسسة الوظيفية، والتي توصف غالبا بـ«الميكانيكية» وليست بـ«العاطفية» ولذلك فخطأ الأسرة المغلفة بالعاطفة؛ يوجد لها مبررا في التقييم، أو خطأ المؤسسة المحاطة بالميكنة في بعديها البشري والتقني، فلا يوجد لها مبرر على الإطلاق.

غالبا؛ ما تقع القرارات الارتجالية في مأزق «المبالغة» وطرفيها النقيضين، وهي -كما هو معروف- لا تصدر من الأقل أهمية في الدور، سواء على مستوى الأسرة، أو على مستوى المؤسسة الوظيفية، وإلا أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، ولكنها تصدر من الأكثر أهمية في الدور، ومن هنا يأتي تكرار الأخطاء، ويتحمل الجميع حينها تداعيات هذه الأخطاء، وما يمعن في الإساءة أكثر في هذا الواقع، هو غياب المساءلة في كلا المؤسستين، ذلك -كما قلنا- لأن متخذها هو الأهم في الدور، والمفارقة هنا هي أن المسؤولية يتحملها الجميع، وفي مجمل ذلك تفريط عالي الخسارة.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عُماني

مقالات مشابهة

  • تفاعل عالمي واسع مع الهلال.. وماركوس يتصدر مقاطع الأسبوع على تيك توك.. فيديو
  • ليلى خالد... المرأة التي هزّت سماء العالم
  • إنريكي: أحب «النقد» وليس «المديح»!
  • لويس إنريكي: روح الفريق وراء نجاح سان جيرمان
  • «جامعة عجمان» تفوز بمنحة ICANN لتطوير نظام عالمي في الأمن السيبراني
  • تفريط..
  • الهلال الثامن عالميًا والأول في الشرق الأوسط من حيث عدد الحضور الجماهيري
  • الخوذة التي تقرأ المستقبل.. الإمارات تُطلق أول جهاز توليدي بالذكاء الاصطناعي
  • مطار الملك خالد الدولي الأول عالميًا لشهر يونيو في التزامه بمواعيد الرحلات
  • أولمرت: أعداؤنا هم المليشيات اليهودية العنيفة التي تنكل بالفلسطينيين