الجزيرة نت ترصد حجم الدمار في الضاحية الجنوبية لبيروت
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
بيروت- شهدت الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت دمارا هائلا عقب سلسلة الغارات الإسرائيلية العنيفة على مدى الأيام القليلة الماضية، وقد أدت هذه الغارات إلى انهيار عشرات الأبنية والبنى التحتية في أحياء واسعة منها، حيث تعد هذه الهجمات الأعنف منذ حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل.
وكشفت الجولة الميدانية التي نظمها مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف عن حجم الدمار، ورصدت الجزيرة نت مباني سُويت بالأرض وأخرى مدمرة بالكامل أو متضررة بشكل كبير، بينما كان بعض الشوارع محطمة والنيران لا تزال تشتعل في بعض المواقع والدخان يتصاعد منها.
وعرقل الركام والحديد المتناثر في الشوارع حركة المرور، وجعل التنقل شبه مستحيل في العديد من الأحياء، بينما امتلأت الطرق بسيارات محترقة ومدمرة، لتزيد من قسوة المشهد الذي يعكس حجم العنف الذي تعرضت له المنطقة.
لم تقتصر الغارات الإسرائيلية على استهداف المنازل السكنية، بل طالت البنية التحتية بشكل واسع، فقد تضررت شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، ودُمرت العديد من المتاجر والمؤسسات المدنية التي كان أصحابها يعتمدون عليها لكسب رزقهم.
ومن اللافت أن الهجمات امتدت من منطقة إلى أخرى ضمن الضاحية الجنوبية، وكأن زلزالا مدمرا مر فيها، تاركا وراءه مشاهد من الدمار في كل زاوية وعند كل مبنى سكني وطريق فرعي، بينما نزح معظم السكان إلى مناطق أكثر أمنًا، تاركين خلفهم ضاحية شبه خالية من الحياة.
وعلى الرغم من مرور 3 أيام من الغارات المستمرة، لا يزال من المبكر الحديث عن تقديرات دقيقة لحجم الخسائر المادية، ففي ليلة أمس الثلاثاء وحدها، شنت إسرائيل أكثر من 12 غارة خلال ساعتين فقط، ودمرت مباني كاملة وأبراجا سكنية تحت ذريعة ضرب البنى التحتية لحزب الله.
وخلال الجولة الميدانية في الضاحية الجنوبية، والتي تعتبر الأولى من نوعها، أكد مسؤول الإعلام في حزب الله محمد عفيف أنه "لا وجود إطلاقًا لأي أسلحة في المباني التي قصفتها إسرائيل في الضاحية الجنوبية"، مشيرا إلى أن إسرائيل تمارس تدميرا ممنهجا ومتواصلا للمباني المدنية، لكنه يؤكد أن "هذا التدمير لن يزيد شعبنا إلا إصرارا على دعم المقاومة".
وقال عفيف إن رسالة العدو واضحة وهي "تحريض بيئة المقاومة ضدها، من خلال هذه السياسة التدميرية"، واستدرك بأن "العلاقة بين المقاومة وشعبها كعلاقة الدم بالشرايين"، مؤكدًا أنها تحظى بدعم واسع من جمهورها.
وأضاف المسؤول أن "قوات المقاومة اشتبكت اليوم مع العدو في العديسة ومارون الراس، وما حصل ليس إلا البداية"، وختم قائلا "نحن نعيش غزة لبنانية مجددًا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی الضاحیة الجنوبیة حزب الله
إقرأ أيضاً:
كيف تعيد اغتيالات إسرائيل تشكيل حزب الله
يقف لبنان مرة أخرى على حافة سيناريو حرب جديدة مع إسرائيل، لكن الخطر هذه المرة يبدو أكثر بنيويّة منه ظرفيا. فمن جهة، تُدفَع أجندة نزع سلاح حزب الله بقوة عبر ضغوط دبلوماسية تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون؛ ومن جهة أخرى، تواصل إسرائيل توجيه رسائل تهديد عسكري مباشرة من خلال خروقات يومية لوقف إطلاق النار، وعمليات اغتيال مستهدفة، وتوسيع رقعة عملياتها الميدانية.
إن الاغتيال الأخير للقائد العسكري البارز هيثم علي طباطبائي لم يكن مجرد حادث أمني معزول؛ بل كان إشارة متعمدة إلى أن إسرائيل لا تتعامل مع وقف إطلاق النار باعتباره إطارا ملزما، بل كهدنة تكتيكية تُستغل في تهيئة المرحلة التالية من التصعيد. لا تتجه استراتيجية تل أبيب نحو تثبيت الوضع القائم بقدر ما تهدف إلى استغلال حالة الضعف الحالية لمنع حزب الله من إعادة ترسيخ نفسه كقوة ردع مستدامة. بهذا المعنى، الهدف ليس الوصول إلى ردع متبادل عبر ضبط النفس، بل فرض الردع عبر إحداث عجز بنيوي لدى الطرف الآخر.
إلى جانب الضغط العسكري، أخذت الدبلوماسية بدورها طابعًا أكثر هجومية. فقد برزت مصر مؤخرا كأحد الفاعلين الرئيسيين في نقل هذا الضغط. فبعد جولات وساطة سابقة قادها رئيس جهاز المخابرات حسن رشاد، زار وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بيروت حاملا رسالة تمثل تحولا واضحا عن صيغ خفض التصعيد السابقة. فبدلا من المبادرات التي ركزت سابقا على ضبط النفس وإدارة الأزمة، شدّد الوزير المصري في محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين على أنه ما لم يقم حزب الله بنزع سلاحه ويدخل لبنان في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، فإن البلاد قد تواجه عواقب وخيمة. والأكثر لفتا أن القاهرة ابتعدت عن مقترحات تجميد السلاح لصالح طرح نزع سلاح شامل على مستوى البلاد. وبهذا النهج، تحولت مصر من دور الوسيط البحت إلى موقع أقرب إلى تبنّي الهواجس الأمنية الإسرائيلية.
يعكس هذا التحوّل حالة الإحباط المتزايدة في واشنطن من بطء وتيرة «إعادة هندسة» المشهد السياسي في لبنان. فبعد التغيير في سوريا وما تبعه من إعادة ترتيب سياسي في بيروت، كان الرهان أن يُحاصَر حزب الله سريعا عبر آليات مؤسسية. بالفعل، أوكل البرلمان اللبناني إلى الجيش مهمة إعداد خطة لنزع السلاح على المستوى الوطني قبل نهاية عام 2025. لكن، وعلى الرغم من انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة، ما زال حزب الله يحافظ على قاعدته الشعبية ونفوذه السياسي، وهو ما أعاق تنفيذ مشروع نزع السلاح وكشف حدود القدرة الخارجية على التحكم في البنية السياسية اللبنانية الممزقة.
الرئيس اللبناني جوزيف عون، رغم تقاطعه مع التفضيلات الغربية والخليجية، امتنع حتى الآن عن تبنّي أي سيناريو لنزع السلاح بالقوة. والحجة واضحة: فرض نزع السلاح عبر القوات المسلحة اللبنانية ينطوي على مخاطر عالية بانقسام المؤسسة العسكرية من الداخل، وربما الانزلاق إلى حرب أهلية. الجيش نفسه نقل هذه المخاوف بوضوح، ومن المعروف على نطاق واسع أنه يحاول البقاء في موقع حياد نسبي وسط حالة استقطاب عميقة. بالنسبة لواشنطن، التي استثمرت كثيرا في تقوية الجيش اللبناني بوصفه «موازِنا» لحزب الله، تبدو هذه الوضعية مصدر قلق كبير. فمن وجهة النظر الأميركية، فإن إحجام الجيش عن الانخراط في مشروع نزع السلاح يعزز بشكل غير مباشر شرعية حزب الله الداخلية، لأنه يكرّس ضمنا الانطباع بأن إسرائيل، لا حزب الله، هي التهديد الأساسي لأمن لبنان.
تصاعد التوتر أكثر عندما وجّه قائد الجيش، رودولف هيكل، انتقادًا علنيًا لخروقات إسرائيل لوقف إطلاق النار ووصف إسرائيل بـ«العدو». وبعد ذلك بوقت قصير، أُلغيت زيارته المقررة إلى واشنطن بشكل مفاجئ. وبدأت الأوساط السياسية في بيروت تتحدث علنًا عن احتمال وجود محاولات خارجية للتأثير في قيادة الجيش. سواء تحققت هذه السيناريوهات أم لا، فإن مجرد تداولها يكشف إلى أي حد باتت السيادة العسكرية للبنان مكشوفة أمام الأجندات الخارجية.
وبعد عجزها عن توليد ما يكفي من الضغط من الداخل، انتقلت إسرائيل والولايات المتحدة إلى تصعيد الإكراه من الخارج. الاغتيالات، الخنق المالي، ورسائل التهديد الفجّة التي تُنقل عبر الوسطاء باتت تعمل كآلية ضغط موحّدة تستهدف حزب الله والنظام السياسي اللبناني معًا. يُبنى حصار مالي واسع يهدف إلى إضعاف قنوات التمويل لدى حزب الله، فيما تواصل الدولة اللبنانية اعتماد سياسة اللامبالاة أمام الانتهاكات الإسرائيلية، الأمر الذي يفاقم التناقض بين السيادة المعلَنة والارتهان الفعلي.
وتجلى هذا التناقض بوضوح أكبر في اتفاق ترسيم الحدود البحرية الأخير بين لبنان وقبرص الجنوبية. ورغم أن المباحثات التقنية تعود إلى سنوات، فإن توقيته السياسي ـ مباشرة بعد التوتر بين قيادة الجيش وواشنطن ـ فُسِّر على نطاق واسع بوصفه بادرة حسن نية تجاه الولايات المتحدة. وبالنظر إلى تموضع قبرص الجنوبية الاستراتيجي إلى جانب إسرائيل في شرق المتوسط، اعتبرت الأوساط المحسوبة على حزب الله الاتفاق تنازلا عن حقوق سيادية. ومن هذه الزاوية، لم يُقرأ الاتفاق كترتيب قانوني فحسب، بل كإشارة سياسية على الانخراط في النظام الإقليمي الأميركي – الإسرائيلي الناشئ.
في ضوء كل ذلك، يمكن القول إن إسرائيل تبعث اليوم بثلاث رسائل واضحة إلى حزب الله: أولًا، أن القيادات العليا لم تعد محصّنة ضد التصفية المستهدفة؛ وثانيًا، أن سوريا لم تعد قادرة على أداء دور «العمق الخلفي الآمن»؛ وثالثًا، أن أي مواجهة مقبلة لن تبقى محصورة في جنوب لبنان. هذا التحول يمثّل نقلة نوعية في منطق الردع: فإسرائيل لا ترسل إشارة إلى الاحتواء، بل تُعِدّ الشروط لتصعيد إقليمي واسع في ظروف جيوسياسية أكثر ملاءمة لها.
بالنسبة لحزب الله، تتقلص الخيارات الاستراتيجية. فمنذ حرب غزة، تبنّى الحزب عقيدة «الصبر الاستراتيجي»، متحمّلًا الخروقات الإسرائيلية المتكررة، ومتجنبًا في الوقت نفسه أي خطوة يمكن أن تُستخدم ذريعة لشن حرب شاملة. غير أن هذا الصبر جاء بكلفة عالية: الضربات الحدودية اليومية، والاغتيالات المستهدفة، والخنق الاقتصادي، والحرب النفسية، كلها تستنزف تدريجيًا القدرة العسكرية وهوامش المناورة السياسية. وفي الوقت ذاته، يترك عجز الحكومة اللبنانية عن مواجهة العدوان الإسرائيلي حزب الله يتحرك داخل دولة تتحدث لغة السيادة، لكنها تفتقر إلى القدرة على حماية أراضيها نفسها.
في مثل هذا المناخ، يقترب لبنان من عتبة شديدة الخطورة. فتراكم الضغوط قد يدفع حزب الله في نهاية المطاف إلى نقطة يصبح عندها ضبط النفس أمرًا غير قابل للاستمرار. لن يكون التصعيد – في حال وقوعه – اندفاعًا أيديولوجيًا بقدر ما سيكون ردًّا قسريًا على عملية استنزاف وإلغاء منهجية. في الوقت نفسه، يدرك حزب الله تمامًا أن أي تحرك عسكري متسرّع قد يمنح إسرائيل المبرر الذي تبحث عنه لخوض حرب شاملة.
لهذا، تبدو الانتخابات النيابية المقررة في مايو 2026 ربما آخر «مخرج سياسي» ذي جدوى لتفادي مواجهة كارثية. فإذا حصل حزب الله على تفويض انتخابي قوي، يمكنه احتواء مشروع نزع السلاح المرتكز على الجيش عبر القنوات المؤسسية، وتقييد هامش المناورة المتاح للرئاسة. وإسرائيل تدرك تمامًا هذا الجدول الزمني السياسي. ومن منظور تل أبيب الاستراتيجي، قد تمثل الفترة التي تسبق إعادة التوازن الانتخابي «النافذة الأكثر ملاءمة» لتوجيه ضربة حاسمة.
أي مواجهة من هذا النوع لن تبقى محصورة داخل لبنان. فحزب الله لا يتحرك في عزلة، وأي تهديد وجودي له سيستدعي حتمًا ردودًا إقليمية. وقد تصاعدت رسائل طهران بالفعل؛ إذ صرّح علي أكبر ولايتي، أحد كبار مستشاري القيادة الإيرانية، بأن وجود حزب الله أهم للبنان من الخبز والماء. تحمل هذه العبارة رسالة واضحة: أي حملة تستهدف تصفيته لن تبقى صراعًا محليًا، بل ستتحول إلى حرب إقليمية متعددة الجبهات.ورغم أن لبنان دخل عام 2025 بقدر من التفاؤل الحذر عقب انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة، إلا أن مسار العام يمضي في اتجاه معاكس؛ فالدولة تجد نفسها أكثر تورطًا في صراعات القوى الخارجية مما كانت عليه منذ عام 2006. وإذا مضت إسرائيل نحو حرب استباقية بضوء أخضر أميركي، فإن الشرق الأوسط لن يواجه مجرد «حرب جديدة في لبنان»، بل سيدخل مرحلة أوسع بكثير وأكثر خطورة من المواجهة الإقليمية. في مثل هذا السيناريو، سيعود لبنان مرة أخرى ليكون ساحة لا لاعبًا؛ تُناقَش سيادته في الخطب والتصريحات، بينما تُفكَّك عمليًا تحت وطأة الضغط الخارجي والشلل الداخلي معًا.
تالها إسماعيل دومان باحث وأكاديمي تركي، أستاذ مساعد في معهد الشرق الأوسط بجامعة سكاريا في تركيا، ومتخصّص في دراسات الشرق الأوسط، وسياسات الصراع والسلام، والعلاقات الدولية.
عن صحيفة «ديلي صباح» التركية
تمت الترجمة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي