من النخيل إلى الرمال.. كيف يدمر تغير المناخ اليمن الأخضر
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
يواجه اليمن موجات قاسية من الجفاف والفيضانات، مما يشكل مزيجًا خطيرًا من الكوارث على شعب يعاني بالفعل من انعدام الأمن الغذائي الشديد.
قبل حوالي خمسة عشر عاماً من اليوم، كانت هناك قرية صغيرة في حضرموت اسمها "المخبية" وهو اسم يعني حرفياً "المختفية"، ويبدو أن هذا الاسم قد أُطلق عليها بسبب إحاطة غابة من أشجار النخيل بهذه القرية من ثلاث جهات لدرجة يصعب معها رؤية القرية.
يعد نقص المياه والتصحر بعض أعقد التحديات التي تواجه اليمن؛ تعاني البلاد من شح مزمن في المياه ونسبة تصحر عالية، ناهيك عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف والتغير في أنماط الطقس مثل ارتفاع درجات الحرارة. تؤثر كل تلك التحديات سلباً على البنية التحتية والاقتصادية للبلاد وعلى إنتاج الغذاء وانتشار الأمراض؛ بما يعكس مستقبلاً قاتماً لليمنيين الذين يتم دفعهم بلا هوادة إلى حافة المجاعة.
تشير التقديرات إلى أن نسبة التصحر وإزالة الغابات في اليمن قد ارتفعت من 90% في العام 2014 إلى 97% في العام 2022. وخلال موسم الجفاف والأمطار هذا العام في اليمن، ارتفعت درجات الحرارة بشكل حاد خلال شهر يونيو، وشهدت البلاد شحاً في الأمطار قبل أن تضربها الأمطار لاحقاً في يوليو وأغسطس، مما أثر بشكل كبير على الزراعة وسبل عيش السكان في المناطق الريفية.
تسبب الجفاف الشديد خلال هذا العام في إجهاد المحاصيل الزراعية وتقليل إنتاجيتها، مما اضطر بالعديد من المزارعين إلى تعليق أنشطتهم الزراعية. ولجأ البعض الآخر إلى زيادة الضخ من الآبار، مما يهدد بتدهور الموارد المائية على المدى الطويل. كما أدى ارتفاع الحرارة وزيادة الغبار إلى تفاقم المشاكل الصحية، خاصة لدى كبار السن ومرضى الجهاز التنفسي. بعد ذلك، وخلال موسم الأمطار، أضرت السيول والفيضانات بمساحات زراعية كبيرة مما أثر على سلباً على إنتاج الغذاء في اليمن وبالتالي ارتفاع أسعاره.
النزوح الداخلي والإِضرار بالنازحين والضغط على موارد المجتمعات المستضيفة هو أحد العواقب الوخيمة للتغير المناخي أيضاً. اليوم، تشير التقديرات إلى وجود أربعة ونصف مليون نازح داخلي في اليمن، غالباً يكون الصراع المحرك الأساسي للنزوح، لكن لا يمكننا إغفال تغييرات المناخ التي تؤثر على سبل عيش السكان. وفقاً لدراسة نشرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أواخر 2023 فإن اليمن يواجه تحديات تنموية معقدة ومتعددة الأوجه، ويعمل تغير المناخ بمثابة عامل مُضاعِف لعدم اليقين مع إمكانية تقييد مستقبل البلاد بشكل خطير. وتشير الدراسة إلى إنه في حالة وقوع سيناريو استمرار تغير المناخ في اليمن دون أي تدخل قادر على تغيير مساره فإن البلاد سوف تخسر 93 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2060.
يمكن أن تكون الأمطار الغزيرة في اليمن خلال موسم الأمطار هذا العام دليلاً صارخاً على الأضرار الكارثية، حيث تسببت الفيضانات الشديدة في مقتل 97 شخصاً على الأقل خلال شهر يوليو، 2024، وتفاقم نقص الغذاء لملايين آخرين كانوا قد نزحوا بالفعل بسبب سنوات من الحرب. أثرت الفيضانات أيضاً على ما لا يقل عن 56 ألف منزل في جميع أنحاء اليمن، ناهيك عن تأثّر أكثر من 33 ألف أسرة بالفعل منذ بدء موسم الرياح الموسمية في منتصف يوليو.
يعاني النازحون اليمنيون من انعدام الأمن الغذائي بشكل كبير. تشير التقارير إلى إن 85% من الأسر النازحة غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية اليومية. وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن أضرار موسم فيضانات هذا العام تجعل الأمور أسوأ بالنسبة لـ 4.5 مليون يمني نازح داخلياً. ناهيك عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية في كل أنحاء البلاد.
القرى والمجتمعات الزراعية الصغيرة في اليمن ليست الوحيدة التي تواجه آثار تغير المناخ، بل حتى المدن الكبيرة مثل صنعاء وعدن. وفي حين أن بعض آثار تغير المناخ يمكن أن تكون سريعة وواضحة مثل الفيضانات، فإن البعض الآخر، مثل الجفاف، يمكن أن يستغرق عقوداً قبل أن تلمس المجتمعات آثاره المدمرة. تشير التقارير والتقديرات مثلاً إلى إن معدل استهلاك المياه في اليمن أعلى من معدل التجديد، مما يعني – مثلاً – أن جميع آبار المياه التي تغذي صنعاء على وشك الجفاف. كما تعد مدينة عدن الساحلية، العاصمة المؤقتة للبلاد، سادس أكثر المدن في العالم عُرضة لارتفاع مستوى سطح البحر. يؤدي ارتفاع مستوى البحر إلى تسرب المياه المالحة، مما يجعل طبقات المياه الجوفية الساحلية مالحة وغير صالحة للشرب.
إن حكاية قرية "المخبية" ليست مجرد قصة قرية يمنية تختفي تدريجياً، بل هي انعكاس لمأساة مجتمعات كثيرة تواجه بمفردها تحديات وجودية بسبب تغير المناخ. فاليمن، الذي لطالما وُصف باليمن السعيد بسبب خُضرته، يدفع اليوم ثمناً باهظاً لتغيرات مناخية لم يكن طرفاً ذو بال في صنعها.
إن دور المنظمات المحلية وتضافر الجهود العالمية حاسم لإنقاذ اليمنيين من شحة المياه. في 2023، على سبيل المثال، نجحت منظمة عبس التنموية، بمحافظة حجة، في توفير مياه الشرب الآمنة وميسورة التكلفة لحوالي 3885 شخص في مديرية عبس؛ وذلك من خلال تشييد محطة لتنقية المياه تعمل بالطاقة الشمسية. يتم تنفيذ عشرات المشاريع لإعادة تأهيل شبكات المياه أيضاً في مناطق الساحل الغربي من اليمن بقيادة المجتمع المحلي، وبتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. لا توفر مثل هذه التدخلات والتعاون المياه الآمنة للسكان فقط، بل تهدف أيضاً إلى التخفيف من النزاعات المتعلقة بالمياه وتطوير قدرات المجتمع المحلي على إدارة النزاع.
ومع ذلك، تبقى هذه المساعدات غير كافية لتلبية الاحتياجات العاجلة التي تواجه اليمن. ففي شهر يوليو 2024، بلغ عدد منظمات العمل الإغاثي الفاعلة في اليمن 113 منظمة تعمل في مختلف المناطق من أجل تنفيذ خطة الاستجابة الإنسانية. من بين هذه المنظمات، 31 منظمة تعمل في مجال المياه والصرف الصحي. بالرغم من كل الآمال، إلا أنه لم يتم تمويل سوى 29.4 بالمائة من متطلبات الخطة البالغة قيمتها 2.71 مليار دولار؛ مما يعني أن جميع المنظمات الإغاثية العاملة في اليمن تعاني من نقص حاد في التمويل. يعاني قطاع المياه والصرف الصحي مثلاً من عجز يبلغ 141.3 مليون دولار حتى سبتمبر 2024.
إن مواجهة أزمة المياه في اليمن تستدعي تضافر الجهود المحلية والدولية على السواء؛ إذ يجب على الحكومة والمجتمعات المحلية والمنظمات الدولية العمل سوياً من أجل وضع وتنفيذ استراتيجيات للتكيف مع تغير المناخ، والاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة وإدارة المياه بشكل مستدام. كما يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم المالي والتقني لليمن، ومساعدته على بناء قدرته على الصمود أمام الصدمات المناخية. تبدأ الحلول من زيادة التمويل لخطط برامج الاستجابة للأزمة الإنسانية في اليمن؛ فبدون وجود موارد كافية وحوكمة قوية ستبقى الأزمة عند مستوياتها الحادة، والأرجح أن تتفاقم أكثر. تشمل قائمة المشكلات المحتملة نتيجة شح المياه تزايد النزاعات على موارد المياه، ارتفاع تكاليف استخراج وتوصيل المياه، وزيادة حدة الجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر.
بناء على ذلك، يجب أن تتركز الجهود على تدريب المجتمعات المحلية على إدارة موارد المياه وتحسين كفاءة استخدامها. يمكن القيام بذلك من خلال إجراء تقييم شامل للموارد المائية ووضع خطط إدارة متكاملة لها، علاوة على تطبيق تقنيات الري الحديثة وإعادة تأهيل البنية التحتية للمياه وتشجيع الزراعة المقاومة للجفاف. يمكن الانتقال بعد ذلك إلى التدخلات التي يمكن أن تكون أكثر تكلفة وتُنفذ على المدى الطويل مثل تنويع مصادر المياه من خلال مشاريع تجميع مياه الأمطار وحتى مصانع تحلية مياه البحر واستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة. أخيراً يجب أن تشمل الخطط برامج مكافحة التصحر وزيارة رقعة المناطق الخضراء ورفع مستوى الوعي لدى المجتمع بأهمية ترشيد استهلاك المياه والحفاظ على البيئة.
إن نجاح إنقاذ اليمن من أزمات شح المياه الحالية والقادمة مرهون بإيقاف النزاع في المقام الأول، وتوفير الدعم المالي والفني من الدول المانحة والمنظمات الدولية لتنفيذ المشاريع المائية، وبناء شراكات مع الدول الأخرى التي تواجه مشاكل مماثلة لتبادل الخبرات والتكنولوجيا، علاوة على زيادة المشاركة المجتمعية لفهم أفضل للمشكلات والأولويات وتبني أكثر الحلول فعالية.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى النخيل تصحر البيئة تغیر المناخ التی تواجه هذا العام فی الیمن یمکن أن من خلال
إقرأ أيضاً:
وزيرة الاقتصاد والمالية: يمكن أن نراجع التوقعات الاقتصادية للميزانية جراء تداعيات التوترات
قالت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، إنه « يمكن مراجعة التوقعات الماكرو-اقتصادية مابين 2026-2028، في حال تدهور آفاق النمو العالمي، خاصة في الاتحاد الأوربي، بسبب تداعيات التوترات الجيوسياسية، أو في حال تسجيل محصول فلاحي أقل من المتوسط ».
وأوضحت أن الفرضيات الأولية للإطار الماكرو-اقتصادي 2026-2028 تتوقع أن يبلغ محصول الحبوب 70 مليون قنطار، وسعر البترول (برنت) 65 دولارا للبرميل، بينما يتوقع أن يصل سعر البوتان إلى 500 دولار للطن، وسعر صرف الدولار 10,007 دراهم، في حين يرتقب أن يبلغ معدل التضخم 2 في المائة.
وفي ما يخص التوقعات الاقتصادية، أوضحت الوزيرة خلال اجتماع مشترك للجنتي المالية بمجلسي البرلمان، خصص لتقديم الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2026، أن نمو الاقتصاد الوطني يرتقب أن يواصل زخمه خلال سنة 2026، ليبلغ نحو 4,5 في المائة، وهو المستوى ذاته المتوقع خلال سنة 2025، مدفوعا باستمرار دينامية الأنشطة غير الفلاحية.
وأوضحت المسؤولة الحكومية أن البرمجة الميزانياتية للسنوات الثلاث المقبلة ترتكز على ضبط عجز الميزانية في مستوى 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، موضحة أنه بناء على مسار عجز الميزانية المستهدف من خلال هذه البرمجة الميزانياتية، يتوقع أن يواصل معدل الدين منحاه التنازلي على المدى المتوسط، لينخفض من 67,7 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2024 إلى حوالي 64 في المائة مع نهاية سنة 2028، حيث سيمكن هذا التوجه من تعزيز استدامة المديونية واستعادة الهوامش المالية.
وفي سياق ذي صلة، لفتت الوزيرة إلى أن تنفيذ قانون المالية لسنة 2025، وإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2026، والبرمجة الميزانياتية للثلاث سنوات المقبلة، تتم في سياق دولي يتسم باستمرار حالة عدم اليقين، في ظل توالي وتنامي التوترات الجيوسياسية وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
ورغم هذا السياق المعقد، تضيف وزيرة الاقتصاد والمالية، أبانت المالية العمومية عن درجة عالية من الصمود والاستدامة، بفضل التدابير الاستباقية التي اعتمدتها الحكومة، والاختيارات الاستراتيجية الهادفة إلى الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية، مع ضمان استمرارية تمويل البرامج الاجتماعية، ودعم الاستثمار، وخلق فرص الشغل.
وشددت على أن الحكومة، وهي تواصل تفعيل التوجيهات الملكية، تسعى إلى تنفيذ الأولويات الاستراتيجية، وتسريع وتيرة الإصلاحات الكبرى، مع الحرص على ملاءمة السياسات العمومية مع تطورات السياقين الوطني والدولي.
وتتعلق هذه الأولويات، تضيف الوزيرة، بتوطيد دعائم الدولة الاجتماعية، من خلال استكمال تعميم الحماية الاجتماعية مع ضمان نجاعتها وتمويلها المستدام، والإصلاح الشامل للمنظومة الصحية، ومواصلة تعميم التعليم الأولي، ودعم « مدارس الريادة »، ومواصلة تنزيل برنامج الدعم المالي المباشر لمقتني السكن.
كما أكدت مواصلة الأوراش الكبرى للبنية التحتية والاستراتيجيات القطاعية، لاسيما تنفيذ مشاريع كبرى في مجالات الماء، والكهرباء، والنقل، والفلاحة، والسياحة، والطاقات المتجددة، ودعم استراتيجية التحول الطاقي، ومواصلة تنمية البنية التحتية في المناطق القروية، إلى جانب تشجيع استثمارات القطاع الخاص وخلق فرص الشغل.
كلمات دلالية التضخم التوقعات الماكرو-اقتصادية المحصول الزراعي النمو نادية فتاح وزيرة الاقتصاد والمالية