مصري يتحدى الزمن بمهنته.. تعرف على قصة صانع "السيرما"
تاريخ النشر: 11th, November 2024 GMT
في أحد ربوع منطقة الغورية التاريخية، وتحديداً بجوار الجامع الأزهر، يجلس يومياً رجل خمسيني أمام منزله، منكباً على نوله الصغير، وممسكاً بإبرة وخيط، ليطرز أقمشة سوداء منقوشة بآيات قرآنية كريمة ملونة بخيوط ذهبية، فيما يُعرف بمهنة "السيرما" أو "التقصيب"، والتي تعيد إلى الأذهان سنوات طويلة قضاها المصريون في نسج وتطريز كسوة الكعبة المشرفة.
في حديثه لـ"24"، قال صانع السيرما المصري محمد أبو ضيف، إن هذه المهنة تعد أحد الفنون التقليدية التي اشتهرت قديماً في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وقد أدخلها ارتباطها بكسوة الكعبة المشرفة إلى بيوت أمراء المماليك وبيوت كبار التجّار والأعيان، وجعلتها أناقتها وأصالتها قادرة على الاستمرار في البقاء كجزء من الديكور في كثير من المنازل حتى الآن.
وأوضح أن "السيرما" تقوم على تطريز الحروف بخيوط الذهب والفضة أو الخيوط الملونة عموماً فوق النسيج، ونالت شهرة واسعة إبان الفترة التي تم خلالها تطريز كسوة الكعبة في مصر، لكنها الآن كادت تدخل طور الاندثار مثل كثير من الحرف التراثية الأخرى.
وأشار "أبو ضيف" إلى أنه بدأ فى تعلم مهنة "السيرما" وهو في الصف الرابع الابتدائي وتحديداً خلال الإجازة الصيفية، ليتعلم على يد الحاج حسن عبد الحميد الماوردي، الشهير بالحاج "حميدو"، أحد صناع كسوة الكعبة المشرفة سابقاً.
وبعد عامين من التدريب والتعلم بدأ "أبو ضيف" الصغير في الإمساك بالإبرة والخيط والجلوس على "النول" ليعمل بيده، ويبدأ في تطريز الأعلام والبادجات، ويتذكر كيف كان الإقبال كثيفاً عليهم خلال اجتماعات جامعة الدول العربية، حيث كان يتم تطريز أعلام الدول جميعها يدوياً آنذاك.
حتى أغلفة الكتب كان البعض يطلب تغليفها بقماش مطرز، مثلما أشار "أبو ضيف" إلى هدية صنعها بيده وتم إهداؤها إلى ملكة إسبانيا، حيث طلب منه رجل مصري مقيم في إسبانيا أن يغلّف كتاباً عن تاريخ مصر بالقماش المطرز والمنقوش عليه اسمها "صوفيا"، وبالفعل نفذّه له وأهداها إياه.
ورغم قلة الإقبال أو بمعنى أدق ندرته حالياً، لا يزال المصري محمد أبو ضيف يحب مهنة "السيرما" حتى الآن، لا سيما تنفيذ الآيات القرآنية، مشبّهاً نفسه بـ"الدودة التي تعيش في الصخرة، فيأتيها رزقها من السماء".
وواصل: "أنا أعمل أمام منزلي في شارع جانبي ضيق، قد استمر لفترة طويلة دون بيع أي شيء، وفجأة يأتي أحدهم ويطلب عملاً معيناً، أو يمر سائح بالصدفة في الشارع بعدما تاه في المكان خلال جولته بشارع المعز، فيراني أقوم بالتطريز على النول فيسألني عما أفعله ويشتري مني إحدى القطع الموجودة أو يطلب مني تطريز اسمه أو عبارات معينة على القماش".
وأوضح "أبو ضيف" أن هذه المهنة تحتاج إلى صبر شديد؛ صبر في التنفيذ لأن القطعة الواحدة قد تستغرق من يومين إلى شهر، بحسب المقاس ونوع العمل المطلوب تنفيذه فيها، وصبر على المكسب لأنها لا تدر دخلاً ثابتاً أبداً، وقد تمر فترات بدون بيع نهائي.
واختتم صانع السيرما حديثه مع "24" بقوله: "هذه المهنة تكاد تندثر حالياً بسبب ذلك، فالشباب لا صبر لهم على التنفيذ بالجودة المطلوبة، ولا يستطيعون تأمين حياتهم بمصدر دخل غير ثابث كما هو حالنا الآن.. أنا أستطيع تحمّل ذلك، وأصبر حتى يأتيني الفرج.. ربما غيري لا يتحمّل ذلك، فلا ألومه".
مصري يتحدى الزمن بمهنته.. تعرف على قصة صانع "السيرما"
لمشاهدة المزيد من الفيديوهات:https://t.co/XKZstSvtfW pic.twitter.com/k1qTUKzO2V
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية مصر أبو ضیف
إقرأ أيضاً:
زيت تركي بطعم التاريخ.. معصرة حجرية تقاوم الزمن في أرتفين
منذ أكثر من 45 عاما يواصل الأخوان أحمد وعاصم أرسلان، في منطقة يوسفلي التابعة لولاية أرتفين شمال تركيا، إنتاج زيت الزيتون بالطريقة التقليدية التي تعتمد على الطاحونة الحجرية، محافظَين بذلك على إرث والدهما ومُحيين تقاليد عائلية متجذّرة في هذه المهنة.
وتشتهر منطقة يوسفلي بزيتون "بوتكو"، الذي يمتاز بنكهته الفريدة ونسبة حموضته المنخفضة، ويُعد من أبرز المحاصيل الزراعية في المنطقة.
ويُنتج هذا النوع زيتا متفردا في طعمه، حاز على جوائز عالمية متعددة، بفضل جودته العالية وخصائصه الطبيعية المتميزة، ويُزرع هذا الزيتون في وادي "تشوروه"، المعروف بخصائصه المناخية الفريدة، التي توفر بيئة مثالية لزراعة أشجار الزيتون، وهو ما يجعل إنتاجه عالي الجودة وذا قيمة مضافة.
ومع حلول موسم الحصاد منتصف أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، تنشط الحركة الإنتاجية في المنطقة، إذ يبدأ الأخوان أرسلان عملية استخراج زيت الزيتون وتعبئته باستخدام الوسائل التقليدية نفسها التي ورثاها عن والدهما، يعقوب أرسلان، الذي أسس قبل نحو 55 عاما معصرة الزيتون معتمدا على نظام العصر بالحجر.
بدأ الأخوان أحمد وعاصم أرسلان العمل في معصرة الزيتون إلى جانب والدهما منذ طفولتهما، وتعلّما منه أساسيات المهنة وتفاصيلها الدقيقة. وبعد تقدّم والدهما في السن، توليا مسؤولية الإنتاج وواصلا مسيرة العائلة في الحفاظ على هذا الإرث الممتد لعقود.
وبفضل التعاون المستمر بينهما، يواصل الأخوان ممارسة هذا العمل الشاق منذ أكثر من 45 عاما، ملتزمَين بالحفاظ على جودة الزيت وتقاليد العمل التي ورثاها عن والدهما.
وقال عاصم أرسلان لوكالة الأناضول إنه تعلّم أسرار وتفاصيل المهنة من والده، مؤكّدا أنه يمارس عمله بحب وشغف كبيرين. وأضاف "نحن نحب هذه المهنة ونعمل فيها بكل إخلاص، بدأنا في المعصرة عندما كنا في الـ12 من عمرنا، ولا يزال الشغف نفسه يرافقنا حتى اليوم".
إعلانوفي معرض حديثه عن زيتون "بوتكو"، الذي يُنتجان منه الزيت، أوضح عاصم أن له نكهة خاصة ويحتوي على نسبة زيت أعلى مقارنة بالأنواع الأخرى. وتابع قائلا "من 2.7 كيلوغرام من زيتون بوتكو يمكن استخراج لتر واحد من الزيت، وهذه الميزة تجعل منه أحد أكثر الأصناف المحبّبة في المنطقة. كما أن نكهته الفريدة وجودته العالية أثبتت مكانته، وهو ما أهّله للفوز بعدد من الجوائز المختلفة".
طلب متزايدوأشار عاصم أرسلان إلى وجود طلب متزايد على زيت الزيتون المنتج في المنطقة، موضحا أن الإقبال في تزايد مستمر لدرجة أنّهم يواجهون صعوبة في تلبية جميع الطلبات. وقال "الطلب على الزيتون وزيته يزداد عاما بعد عام. السكان هنا يستهلكون كميات كبيرة منهما، وبعد أن يلبّوا احتياجاتهم الشخصية، يبيعون الفائض".
وأكد عاصم أن معصرتهم هي الوحيدة التي ما زالت تستخدم الأساليب التقليدية في المنطقة، مشيرا إلى أن الأهالي يجلبون محصولهم إلى المعصرة من أجل وزنه وتحديد موعد استلام الزيت بعد عصره.
ويشرح عاصم طريقة العصر التقليدية التي يعتمدونها، قائلا "نغسل الزيتون أولا، ثم نطحنه بالطاحونة الحجرية. وبعد ذلك نضغط العجين لاستخراج الزيت، ونتركه ليترسب في أوعية خاصة ساعات عدة قبل تعبئته في عبوات مخصّصة".
وفيما يتعلق بالأسعار، أشار إلى أن سعر لتر واحد من زيت الزيتون لا يقل عن ألف ليرة تركية (ما يعادل نحو 23.5 دولارا)، مشيرا إلى أن المنطقة تشهد ارتفاعا واضحا في الطلب على الزيت في موسم الإنتاج.
وأضاف أن معظم الإنتاج يتركز في قرية "ياغجيلر" بوادي "تشوروه"، وهي من أبرز مناطق الزيتون في تركيا، فضلا عن أن المناخ الذي تتمتع به ولاية أرتفين عموما، والوادي خصوصا، يضفي جودة ونكهة مميزة على النباتات المتوسطية مثل الزيتون.
وفيما يتصل بالوصول إلى العالمية، قال عاصم "هنا يُزرع أفضل زيتون في تركيا. زيت الزيتون المنتج في هذه المنطقة حقق شهرة محلية واسعة، وهو في طريقه لأن يصبح علامة تجارية معروفة عالميا".
من جانبه، أكد أحمد أرسلان أنه وشقيقه عازمان على مواصلة العمل في إنتاج زيت الزيتون ما دامت صحتهما تسمح بذلك. وختم قائلا "هذه المهنة إرث عائلي ثمين، ونحن متمسكون به بقوة، وسنواصل العمل فيها ونقلها إلى الأجيال القادمة".