علق الصحفي البريطاني، ورئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، ديفيد هيرست على مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب السابق، يؤاف غالانت، معتبر أن "إسرائيل" أصبحت رهانا خاسرا بالنسبة لشريكتها الرئيسية، أمريكا.

وقال هيرست في مقال له، بموقع "ميدل إيست آي"، ترجمته "عربي21"، إن من شأن مذكرات التوقيف أن تضيق الخناق حول رقبة "إسرائيل" من قبل الرأي العام ومن قبل القانون الدولي، وذلك من شأنه بكل تأكيد أن يزيد في عزلتها العالمية.



وشدد على أنه "يجب على الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن إسرائيل التي تزداد سمية".

وذكر الصحفي البريطاني المخضرم، أن "إسرائيل" قد تضعف النفوذ التجاري والعسكري لواشنطن عبر العالم، ما لم يدجنها الرئيس الجديد، دونالد ترامب بطريقة عجز عنها جو بايدن.


تاليا نص مقال ديفيد هيرست:
مرت ستة شهور منذ أن تقدم المدعي العام كريم خان إلى الدائرة الابتدائية في المحكمة الجنائية الدولية بطلب لإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، وبحق ثلاثة من زعماء حماس، اثنان منهم باتوا الآن في عداد الأموات.

خلال تلك الفترة، قتل ما لا يقل عن تسعة آلاف فلسطيني آخر تحت وطأة القصف الإسرائيلي الشرس والذي لا يعرف الهوادة، وبات العدد الإجمالي للموتى يقترب من خمسة وأربعين ألفاً، رغم أن مجلة ذي لانسيت قدرت أن الرقم الحقيقي قد يكون عدة أضعاف أعلى من ذلك.

حقيقة أن صدور هذا القرار استغرق قضاة الدائرة الابتدائية ستة شهور، رغم أن معدل فترة الانتظار هو شهران، دليل على كمية الضغط غير المسبوق الذي تعرضت له أعلى محكمة في القانون الدولي.
بالمقابل، لم تستغرق المحكمة الجنائية الدولية سوى ثلاثة أسابيع لتصدر مذكرات توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبحق ماريا أليكسيفنا، المفوضة الروسية لحقوق الطفل.

جاء الضغط الذي مورس على هؤلاء القضاة الثلاثة الشجعان حصرياً من تلك البلدان التي تزعم بأنها تحارب من أجل نظام عالمي يقوم على القواعد والأحكام.

قاد الرئيس الأمريكي جو بايدن الهجوم على المحكمة الجنائية الدولية وعلى منظومة العدالة الدولية من خلال تنديده بالطلب الذي تقدم به خان واصفاً إياه بالشائن.

وقال بايدن في شهر مايو (أيار): "دعوني أكون واضحاً: أياً كان قصد هذا المدعي العام، لا يوجد تماثل على الإطلاق بين إسرائيل وحماس. سوف نقف باستمرار مع إسرائيل ضد الأخطار التي تهدد أمنها." لاحظوا أن تصريح بايدن جاء قبل السماح بالبدء بأي إجراءات قانونية.

لا عجب أن يكون المدعي العام نفسه يواجه الآن محاولات تبذل لإقصائه بسبب مزاعم تتهمه بسوء سلوك جنسي، والتي هي الآن موضع تحقيق خارجي.

فرض عقوبات على المحكمة
في مساع أكثر مكراً لإبطال مذكرات التوقيف، قامت بريطانيا، ضمن آخرين، في البداية بإعادة طرح موضوع كانت المحكمة الجنائية الدولية قد حسمته فيما يتعلق بصلاحيات المحكمة في البت بما يجري داخل الأراضي المحتلة. فقد زعمت بريطانيا أنه نتيجة لاتفاقيات أوسلو، التي وُقعت في مطلع التسعينيات، ولكن لم تجد سبيلها للتنفيذ، فإن المحكمة لم يعد لها أي صلاحيات.

ما لبثت حكومة رئيس الوزراء كير ستارمر أن سحبت ذلك الاعتراض، حيث قال متحدث باسم ستارمر بهذا الشأن "لم نزل واضحين جداً بشأن أهمية سيادة القانون واستقلالية المحاكم، سواء المحلية أو الدولية"، ولسوف نرى.

في الولايات المتحدة، التي لم توقع على قانون روما، يوجد الآن أمام الكونغرس مشروع قانون للضغط على المحكمة الجنائية الدولية. أقل ما يقال بحق مشروع القانون الذي يهدف إلى معاقبة المحكمة على إصدارها لمذكرات التوقيف أنه محاولة سياسية فجة لتهديد الإجراءات السياسية، ومع ذلك صوت لصاح مشروع القانون اثنان وأربعون من الأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب. إلا أن البيت الأبيض عارضه، ولم يجزه بعد مجلس الشيوخ المنتهية ولايته بزعامة الديمقراطي تشاك شومر.

ولكن السيناتور جون ثيون، الذي سوف يصبح زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ عندما يصبح دونالد ترامب رئيساً للبلاد للمرة الثانية العام المقبل، تعهد بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية.

قبل بضعة أيام، كتب ثيون عبر منصة إكس (تويتر سابقاً) يقول: "إذا لم تتراجع المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام عن إجراءاتهم الشنيعة وغير القانونية للمضي قدماً في مذكرات التوقيف بحق المسؤولين الإسرائيليين، فسوف يسن مجلس الشيوخ في الحال تشريعاً بفرض العقوبات، تماماً كما فعل مجلس النواب لتوه باتفاق الحزبين".

غدا هذا الضغط على القضاة الثلاثة أمراً فوق الاحتمال. حتى أن أحدهم، وهي القاضية الرومانية لوليا ماتوك، طلبت الشهر الماضي إعفاءها من عضوية الهيئة المكونة من ثلاثة قضاة لأسباب تتعلق بوضعها الصحي، فاستبدلت بقاضية المحكمة الجنائية الدولية من سلوفينيا بيتي هوهلر.

ولكن بالرغم من كل هذه الضغوط، مضى القضاة الثلاثة الشجعان قدماً وأصدروا مذكرات التوقيف. وهم يستحقون الإشادة على ذلك لأنهم – وليس بايدن ومن على شاكلته في هذا العالم – هم من يمثل النظام القائم على القواعد والأحكام، والمنطلق من مبدأ سيادة القانون الدولي.

ما باتت تمثله الولايات المتحدة هو قانون الغاب الذي يُطوّع فيه الصواب والخطأ لنزوات الأقوياء. ولا أدل على ذلك من رد الفعل الذي صدر على قرار المحكمة الجنائية من قبل الديمقراطي السيناتور جون فيترمان، الذي كتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي يقول: "لا وزن له، ولا أهمية له، ولا سبيل. تباً لهذا الأمر،" مضيفاً إلى تعليقه علم إسرائيل.


أقلية تتشكل من واحد
وهذا منسجم تماماً مع كون الولايات المتحدة أقلية تتشكل من واحد، كما تجلى ذلك بوضوح من خلال استخدامها حق الفيتو (النقض) في مجلس الأمن الدولي ضد قرار يطالب بوقف إطلاق نار غير مشروط ومباشر في غزة – وهي المرة الرابعة التي تفعل فيها الولايات المتحدة ذلك خلال الحرب المستمرة منذ ثلاثة عشر شهراً.

في تصريح قوي، قال المبعوث الفلسطيني إلى الأمم المتحدة ماجد باميا: "لا يوجد حق في القتل الجماعي للمدنيين. لا يوجد حق في تجويع شعب بأسره. لا يوجد حق في إجلاء الناس بالقوة عن ديارهم. لا يوجد حق في ضم الأراضي. إن هذا هو ما تفعله إسرائيل في غزة. تلك هي أهداف حربها. وهذا هو ما يسمح باستمراره غياب وقف لإطلاق النار".

بعد ذلك بفترة قصيرة، قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بشن غارة سجادية على مجمع سكني بالقرب من مستشفى كمال عدوان في شمال غزة المحاصر، مما نجم عنه قتل ما لا يقل عن ستة وستين شخصاً.

صوتت الولايات المتحدة بالفيتو على الرغم من تعرضها للإهانة على يد حليفها قبل يومين فقط. فلدى حديثه بعد أسبوعين على انتصار ترامب الانتخابي في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، كرر نتنياهو انتقاده لموقف الرئيس بايدن، وذلك في خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي.

قال نتنياهو: "كانت لدى الولايات المتحدة تحفظات، واقترحت ألا ندخل غزة. كانت لديها تحفظات على دخولنا إلى مدينة غزة، وخان يونس، والأكثر أهمية، أنها عارضت بقوة دخولنا إلى رفح".

وأضاف: "قال لي الرئيس بايدن إنك إذا دخلت، فإننا سوف نكون لوحدنا. كما قال إنه سوف يوقف شحنات الأسلحة الهامة إلينا. ولقد فعل. ثم بعد بضعة أيام، ظهر وزير الخارجية أنطوني بلينكن وكرر نفس الكلام، فقلت له سوف نقاتل بأظافرنا".

هذه هي أسابيع الاحتضار في حياة ما سوف يسجل في التاريخ على أنه الرئاسة الأمريكية الأسوأ صيتاً في التاريخ.

إن ضعف بايدن، حينما طلب منه التصرف كزعيم عالمي، جعل أسلافه الجمهوريين، مثل رونالد ريغان وجورج إتش دبليو بوش، يبدون مقارنة به أركاناً من أركان السلوك الأخلاقي.


شريك في الجريمة
كان المستوى قد وصل إلى الحضيض في قاعة العار عندما استلم بايدن مقاليد الأمور قبل أربع سنين، وذلك بعد أن هيأت رئاسة ترامب بعناية الظروف التي أفضت إلى ما وقع من انفجار بعد ذلك. إلا أن بايدن تمكن من الانحطاط إلى أسفل من ذلك في إدارته لحرب إسرائيل على غزة.

فقرة واحدة في الحكم الصادر عن محكمة الجنايات الدولية تجلي ببشاعة المسؤولية التي تتحملها الولايات المتحدة عن المذابح التي ما لبثت ترتكب في غزة. قالت المحكمة إنه بينما تجاهلت إسرائيل مناشدات مجلس الأمن الدولي، والأمين العام للأمم المتحدة، والدول، والمنظمات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني حول الوضع الإنساني في غزة، إلا أنها لم تستجب للضغوط التي كانت تمارسها عليها الولايات المتحدة.

وقالت المحكمة في بيانها: "كما لاحظت المحكمة أن القرارات التي سمحت أو أمرت بزيادة المساعدة الإنسانية لغزة كثيراً ما كانت مشروطة. لم تكن تحصل وفاء بالتزام إسرائيل أمام القانون الإنساني الدولي ضمان أن يكون السكان المدنيون في غزة مزودين بما يكفي من البضائع التي يحتاجونها. بل كانت في الحقيقة رداً على ضغوط المجتمع الدولي ومطالبات الولايات المتحدة الأمريكية. في كل الأحوال، لم تكن المساعدة الإنسانية كافية لتحسين قدرة السكان على الحصول على المواد الأساسية".

بمعنى آخر، لم يكتف نتنياهو فقط بربط توقف المواد الأساسية والمساعدات الإنسانية بأهداف الحرب، بل جعل توفير الغذاء مشروطاً بالضغوط التي كان يواجهها.

وأضافت المحكمة: "ولذلك فإن المحكمة تجد أساساً معقولاً للاعتقاد بأن السيد نتنياهو والسيد غالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب من تجويع كأداة من أدوات الحرب".

وهذا بحد ذاته يثبت أن الولايات المتحدة شريكة في جرائم نتنياهو.

لا يمكن للمرء أن يبالغ في التأكيد على أهمية مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. لا تملك المحكمة صلاحية تنفيذية لتطبيق قرارها. فهي تعتمد على قيام الدول الأعضاء بتنفيذ مهام توقيف المتهمين أو المضي قدماً في إجراءات استسلامهم.

ولذلك تلقي مذكرات التوقيف بالتبعية على كل واحدة من الدول الأعضاء الموقعة على نظام روما وعددها 124. والسؤال المطروح على كل واحدة من هذه البلدان، والملزمة الآن بموجب القانون الدولي باحترام وتنفيذ تلك المذكرات، هو سؤال واحد وبسيط: "هل تؤمنون بالقانون الدولي أم بقانون الغاب؟"

تضييق الخناق
بعض البلدان في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية لن تكون لديها صعوبة في الإجابة على سؤال كهذا، ولكن غيرها ستكون له صعوبة.

وتحديداً، سوف يشكل هذا السؤال أكبر تحد لبريطانيا والبلدان الأوروبية التي تشكل العمود الفقري للدعم الذي يجده هجوم إسرائيل على سكان غزة، والتي ظلت تنقض باستمرار المطالبات بوقف مباشر للنار.


بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا كلها قالت إن لإسرائيل الحق في الاستمرار في الحرب على غزة باسم الدفاع عن النفس، وقادت حملات كبرى محلياً لتجريم الاحتجاج على الحرب، أولاً باعتباره معاد للسامية، ومؤخراً باعتباره إرهاباً.

إلا أن التحدي القانوني الذي تواجهه هذه البلدان كبير جداً. لا تنطبق مذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية فقط على المسؤولين الإسرائيليين المذكورين. بل قد تكون المذكرات نقطة الانطلاق نحو رفع قضايا محلية ضد مواطنين آخرين في إسرائيل، وبشكل خاص مزدوجي الجنسية ممن يحملون جنسيات لبلدان أوروبية، بعد أن خلصت المحكمة إلى أن جرائم قد ارتكبت بالفعل.

في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال تريستينو مارينيلو، المحامي الدولي المتخصص بقضايا حقوق الإنسان والذي يترافع عن الضحايا الفلسطينيين أمام المحكمة الجنائية الدولية: "أي شخص آخر يثبت ضلوعه في ارتكاب جرائم قد يتم جلبه إلى العدالة على المستوى المحلي وكذلك على المستوى الدولي".

الاحتمال ضئيل في أن يقدم نتنياهو أو غالانت على اختبار الإرادة السياسية لستارمر من خلال القيام بزيارة إلى بريطانيا أو أي من البلدان التي يمكن أن تنفذ فيها مذكرات التوقيف.

ولكن هل سيسمح ستارمر، بوصفه مديراً سابقاً لدائرة الادعاء العام، بمحاكمة مواطنين بريطانيين مزدوجي الجنسية ممن شاركوا في ارتكاب الجرائم التي أثبتت المحكمة الجنائية الدولية الآن حدوثها في غزة؟ لا ريب أن ذلك سوف يشكل اختباراً حقيقياً لمدى احترام بريطانيا للقانون الدولي.

وحتى لو لم يحدث شيء، فإن من شأن مذكرات التوقيف أن تضيق الخناق حول رقبة إسرائيل من قبل الرأي العام ومن قبل القانون الدولي. وذلك من شأنه بكل تأكيد أن يزيد في عزلتها العالمية.

لو رمق نتنياهو وغالانت بنظرهما قائمة أسماء ما يزيد عن خمسين متهماً آخر ورد ذكرهم في موقع المحكمة الجنائية الدولية على الإنترنت، فإنها ليست بالرفقة الحسنة التي سوف يرتاح لها الزعماء الإسرائيليون الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من العالم الغربي.

تشتمل القائمة على أشخاص مثل عمر البشير، الرئيس السوداني السابق، وجوزيف كوني، زعيم ما يعرف بجيش مقاومة الرب في أوغندا، وسيرجي شويغو، وزير الدفاع الروسي السابق، وهناك بالطبع بوتين نفسه.

الإمعان والإصرار
غريزياً، تمثل رد فعل الائتلاف الحكومي في إسرائيل في الإمعان والإصرار. اعتبر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتامار بن غفير قرار المحكمة إجراء معادياً للسامية من بدايته إلى نهايته، وقال إن إسرائيل ينبغي عليها أن ترد على المحكمة الجنائية الدولية من خلال الإعلان عن ضم الضفة الغربية.

على الأغلب سوف تدعم إدارة ترامب القادمة ذلك، ولكن يجدر بترامب أن يتوقف ليتأمل في تبعات ذلك قبل أن يتخذ موقفاً متسرعاً.

لو كان بالفعل صادقاً فيما تعهد به من وضع أمريكاً أولاً، فإنه يحسن بترامب أن يبدأ بالنأي بنفسه بعيداً عن الأفعال الرعناء لدولة منبوذة. وإلا فإنه ببساطة سوف يسير على خطا بايدن الذي بلغ من العمر عتياً ويقتدي به في السماح لإسرائيل بجر الولايات المتحدة أكثر فأكثر نحو الحضيض.

يجب على ترامب، البراغماتي الأكبر، أن يرى بأنه فيما لو قام بما تريده إسرائيل من ضرب لإيران وضم للضفة الغربية واحتلال لغزة، فحينها عليه أن ينسى كل العلاقات التجارية المربحة والصفقات العقارية المجزية التي يسيل لها لعابه ضمن خطته لإعادة بناء المنطقة.

من الآن فصاعداً، ما لم يتم تدجين إسرائيل بطريقة عجز عن القيام بها بايدن، فإن إسرائيل ستمعن في إضعاف النفوذ التجاري والعسكري للولايات المتحدة حول العالم. لن تتمكن من تعزيزه ناهيك عن أن تكون واحدة من أركانه.

لقد غدت إسرائيل رهاناً تجارياً خاسراً بالنسبة للشريك الأمريكي.

على الرغم من كل الدعاية الإنجيلية والأموال الطائلة التي دفعتها مريام أديلسون، المليارديرة الأمريكية الإسرائيلية، دعماً لحملته الرئاسية، أشك جداً في أن ترامب العلماني للغاية وصاحب العقلية التجارية البحتة لا يستطيع أن يرى ذلك بوضوح.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية مذكرات الاعتقال نتنياهو إسرائيل ترامب بايدن إسرائيل امريكا نتنياهو بايدن ترامب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على المحکمة الجنائیة الدولیة الولایات المتحدة مذکرات التوقیف القانون الدولی من خلال إلا أن من قبل فی غزة

إقرأ أيضاً:

استخدام إسرائيل سلاح التجويع بحربها على غزة من منظور القانون الدولي الإنساني

يُعَاني قطاع غزَّة أزمة إنسانيَّة متفاقمة ومتعددة الأبعاد والتَّداعيات، نتيجة سياسات التَّجويع التي تستخدمها قوَّات الاحتلال الإسرائيلي تجاه القطاع منذ السَّابع مِن تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث تستخدم إسرائيل سلاح الجوع والتَّجويع كإحدى أدوات وأساليب الحرب، فقد أعلنت منذ اليوم الأول للحرب عن فرض حصار شامل وكامل على القطاع، وقطعت إمدادات المياه والكهرباء، وأغلقت المعابر الحدوديَّة، واعتبرت قطاع غزَّة كيانا معاديا.

تحدث هذه الجريمة رغم أن القانون الدَّولي الإنساني يحظر استخدام تجويع السُّكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، ولا يجوز للطَّرف الذي يفرض الحصار أن يعمد إلى حرمان المدنيِّين من الإمدادات الأساسيَّة لبقائهم على قيد الحياة (مثل الغذاء والمياه والإمدادات الطبيَّة) في منطقة مُحاصَرة، وأن يتَّخذ ذلك وسيلة مشروعة لإخضاع عدوِّه.

يُعدُّ تجويع المدنيين أسلوبا محظورا من أساليب الحرب في القانون الدولي الإنساني الحديث. وقانونيّا يُعرَّف التَّجويع بأنّه حرمان المدنيِّين عمدا من الطَّعام إلى جانب حرمانهم من دُخُول المساعدة الإنسانيَّة، وهو ما يعتبر دليلا كافيا على أنَّ تجويعَهُم هو الغَرض الأساسي مِن الحِصار. وتستمدُّ هذه القاعدة شرعيَّتها من مبدأ التَّمييز المنصوص عليه في القانون الدَّولي الإنساني، للمرَّة الأولى في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 المادة 54 (1) من البروتوكول الإضافي الأول: المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني، واليوم تعتبر قانونا عرفيّا في النِّزَاعات المسلَّحة الدوليَّة وغير الدوليَّة (القانون الدَّولي الإنساني العرفي، القاعدة 53).

يعتبر التَّجوِيع جزءا من الإبادة الجماعيَّة التقليديَّة، التي تُركِّز على التَّدمِير الجسدي والبيولوجي للمجموعة العرقيَّة، ويعتبر التجويع أحد الأفعال الماديَّة التي إذا ما ارتكبت في سياق معيَّن يمكن اعتباره فعلا مِن أفعال الإبادة الجماعيَّة في اتفاقيَّة الإبادة الجماعيَّة لعام 1948
كما نصَّ نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة عام 1998 على أنَّ تجويع المدنيِّين عمدا عبر "حرمانهم من العناصر الأساسيَّة لبقاء حياتهم، بما في ذلك تعمُّد عرقلة إمدادات الإغاثة"، يُعدُّ جريمة حرب، ولا يشتَرط القصد الإجرامي اعتراف المعتدي؛ بل يمكن استنتاجُه من مجمل الظُّروف المحيطة بالحملة العسكريَّة، ومع ذلك فإنَّ هذا التصنيف ينطبق فقط على النِّزاعات المسلَّحة الدوليَّة.

يعتبر التَّجوِيع جزءا من الإبادة الجماعيَّة التقليديَّة، التي تُركِّز على التَّدمِير الجسدي والبيولوجي للمجموعة العرقيَّة، ويعتبر التجويع أحد الأفعال الماديَّة التي إذا ما ارتكبت في سياق معيَّن يمكن اعتباره فعلا مِن أفعال الإبادة الجماعيَّة في اتفاقيَّة الإبادة الجماعيَّة لعام 1948. ويُعرّف التَّعليق على البروتوكولات الإضافيَّة لاتفاقيَّات جنيف لعام 1977 التَّجويع بأنَّه "سلاحٌ لإبادة السُّكَّان أو إضعافهم"، إلَّا أنَّ النصَّ الصَّرِيح الذي يحمي المدنيين، ويَحْظِر استخدام التَّجْوِيع كسِلَاح حربٍ مَوجُود في المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول، وتنصُّ على أنَّه "يُحظَر مُهَاجمَة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد الَّتِي لا غنى عنها لبقاء السُّكَّان المدنيين، مثل المواد الغذائيَّة والمناطق الزراعيَّة لإنتاجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشُّرب والإمدادات وأعمال الري، بغرضٍ محدَّدٍ هو حرمان السكَّان المدنيِّين أو الطَّرف الخصم من قيمتها الغذائيَّة، مهما كان الدَّافع، سواء كان ذلك لتجويع المدنيِّين أو لإجبارهم على النُّزُوح أو لأيِّ دافع آخَر".

منظَّمَة أوكسفام الخيريَّة الدولية، أكدت في تقاريرها أنَّ التَّجويع يُستخدم كسِلَاح حرب ضد المدنيِّين في غزَّة، وجدَّدَت دعوتها للسَّمَاح بدخول الغذاء والماء والوقود وغيرها من الضَّرُوريات، وقامت الوكالة الدوليَّة بتحليل بيانات الأمم المتحدة، ووَجَدت أنَّ 2 في المئة فقط من الغِذَاء الَّذِي كان من المفترض أن يتمَّ تسليمُه دخَل غزَّة منذ فرض الحِصَار الشَّامل الَّذِي قد شُدِّد حاليا.

كما أن اللَّجنة الخاصَّة للأمم المتَّحدة للتحقيق في الممارسات الإسرائيليَّة كانت قد أصدرت تقريرا سابقا، أكَّدت فيه على أنَّ الحرب التي تشنُّها إسرائيل في غزَّة تتسق مع خصائص الإبادة الجماعيَّة، مع سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيِّين، وفرض ظروف تُهدِّد الحياة عمدا على الفلسطينيِّين هناك. ويغطي التقرير الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى تموز/ يوليو 2024. وقالت اللَّجنة: "من خلال حصارها لغزة، وعرقلة المساعدات الإنسانيَّة، إلى جانب الهجمات المستهدفة وقتل المدنيِّين وعُمَّال الإغاثة، وعلى الرغم من النِّداءات المتكرِّرة للأمم المتحدة، والأوامر الملزمة من محكمة العدل الدوليَّة، وقرارات مجلس الأمن، فإن إسرائيل تتسبَّب عمدا في المَوت والتَّجويع والإصابات الخطيرة، باستخدام التَّجويع -كأسلوب من أساليب الحرب- وفرض عُقُوبَات جماعيَّة على السكَّان الفلسطينيِّين".

إسرائيل تتسبَّب عمدا في المَوت والتَّجويع والإصابات الخطيرة، باستخدام التَّجويع -كأسلوب من أساليب الحرب- وفرض عُقُوبَات جماعيَّة على السكَّان الفلسطينيِّين
وكانَ مَسؤُول السياسة الخارجيَّة في الاتِّحاد الأوروبي السَّابق "جوزيب بوريل" قد أكَّد على "أنَّ إسرائيل تتسبب في مجاعة في غزة، وتستخدم التَّجويع كسلاح حرب، وقال بوريل في افتتاح مؤتمر حول المساعدات الإنسانيَّة لغزَّة في بروكسل: "في غزَّة لم نعد على شفا المجاعة، نحن في حالة مجاعة تُؤثِّر في آلاف الأشخاص"، بينما أكَّد مُفوِّض عام وكالة الأمم المتَّحدة لغوث وتشغيل اللَّاجئين الفلسطينيِّين "أونروا" فيليب لازاريني أنَّ إسرائيل استخدمت الجُوع كسِلَاح في قطاع غزَّة، مشيرا إلى حرمان السُّكَّان من الضَّرُوريات الأساسيَّة للبقاء على قيد الحياة.

بفضل هذه السياسات ويواجه أكثر من مليوني فلسطيني في غزَّة أزمة إنسانيَّة غير مسبوقة نتيجة القيود الإسرائيليَّة المفْرُوضة على دُخُول المساعدات منذ مطلع آذار/ مارس 2025، عقب انهيار المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة. ووفقا لتقرير التَّصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي الصَّادر مؤخرا، سيواجه 470 ألف شخص في غزة جوعا كارثيّا (المَرْحلة الخامسة والأشد من التَّصنيف) خلال الفترة بين أيار/ مايو وأيلول/ سبتمبر 2025، بزيادة قدرها 250 في المئة عن تقديرات التَّصنِيف السَّابقة. ويُحدِّد التَّقرير أنَّ السُّكَّان بأكملهم يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما يُتوقَّع أن يحتاج 71 ألف طفل وأكثر من 17 ألف أُم إلى علاج عاجل من سوء التَّغذية الحاد.

وفي بداية عام 2025 قدَّرَت الوكالات أنَّ 60 ألف طفل سيحتاجون إلى العِلَاج العاجل، حيث أكدت "هيُومن رايتس ووتش" أنَّ أطفال غزَّة يموتُون مِن مُضَاعفات الجُوع منذ أن بدأت الحكومة الإسرائيليَّة في استخدام التَّجويع كسِلَاح حرب، وهو ما يُعدُّ جريمة حرب. وقد ذكر أطبَّاء وعائلات في غزَّة أنَّ الأطفال -بالإضافة إلى الأمَّهات الحوامل والمرضعات- يُعَانون من سوء تغذية حاد وجفاف، وعدم تأهيل المستشفيات لعلاجهم.

مقالات مشابهة

  • العفو الدولية تدعو لرفض خطة المساعدات التي تستخدمها “إسرائيل” سلاحا ضد المدنيين في غزة
  • منظمة العفو الدولية: إسرائيل استهدفت المتضورين جوعا في غزة
  • رئيس غرفة تجارة السويداء.. مذكرات التفاهم مع الشركات الدولية في قطاع الطاقة دفعة كبيرة للاقتصاد السوري
  • محلل سياسي إسرائيلي كبير: “إسرائيل” فقدت شرعيتها الدولية لمواصلة الحرب
  • كندا تجلي 25 ألف شخص بسبب حرائق الغابات.. وتأثيرات الدخان يمتد لأمريكا
  • وجدي زين الدين: إسرائيل ترتكب فظائع غير مسبوقة في غزة.. والمجتمع الدولي يتجاهل المأساة
  • من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
  • أوروبا تنتفض الآن ضد إسرائيل.. والويل كل الويل للخونة
  • استخدام إسرائيل سلاح التجويع بحربها على غزة من منظور القانون الدولي الإنساني
  • نادي الأسير يحذّر من تصعيد الاحتلال لسياسة الاعتقال الإداري