مخاطر ارتفاع معدلات الطلاق
تاريخ النشر: 16th, August 2023 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
تُعد قوة الرابطة الأسرية واحترامها من أبرز علامات صحة المُجتمع، ففيها تتجلى رحمة الله وإرادته لتعمير الحياة بالمحبة والتَّعاون، ولكن يظهر في زماننا الحاضر تحول ملحوظ في مفهوم الزواج والعلاقات الأسرية، حيث يعزف البعض عن هذه الرابطة والبعض الآخر يقدم على الانفصال لأتفه الأسباب، ما يجعلنا نتساءل عن السبب والمصير الذي يقود المجتمع نحو نسبة مرتفعة من حالات الطلاق، وتشير أحدث الإحصائيات إلى أنَّ عدد حالات الطلاق في سلطنة عُمان سجل ارتفاعًا.
وما نقرأه ونشاهده في هذه الأيام، العديد من المشاكل الاجتماعية والأسرية في المجتمع، وعدم اكتراث الكثير من الشباب للقدوم على الانفصال، وإنهاء الحياة الأسرية التي لا تكاد تغرس أركانها، وهناك مسببات كثيرة لهذا الموضوع، سأتطرق لها في سياق حديثي لاحقًا. نعم، الروابط الأسرية في الحياة لها قدسيتها واحترامها وتقديرها امتثالًا لقوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" (الروم: 21).
وتدلنا هذه الآية الكريمة إلى أن الزواج بين الجنسين الذكر والأنثى سكينة ومودة ورحمة، وبالتالي شرع الله الزواج، ونهى عن الطلاق، ووُصف بأنه أبغض الحلال عند الله، والدين الإسلامي حثَّ الشباب على الزواج، كما جاء في الحديث النبوي؛ حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنِّه له وِجَاءٌ". هذا الحث النبوي يأتي لصلاح المجتمع والبعد عن الرذيلة، ولذلك أدعو جميع الشباب ذكرًا أو أنثى من يستطيع الزواج فليقدم عليه من الذكور، وأما الإناث من يأتيها من ترضى له الدين والأخلاق فلتسهل، ولا تعسر، ولقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حسن اختيار الزوج بقوله: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
وعند النظر للحديث، فإنه واضح وصريح في حسن الاختيار، حيث ارتكز على صلاح الدين وصلاح الأخلاق، فعند توفر ذلك، يقينا سيكون زوجا صالحا.
وما يعكر صفو هذه العلاقة في وقتنا الحاضر هو كثرة الطلاق وتعدد الأسباب، وهنا أحصر بعض الأسباب التي أتت بها مكنونة أفكاري الآن وهي:
انغماس الجنسين في عالم الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي: نعم إن التكنولوجيا قد تقربنا جغرافيًا، لكنها في بعض الأحيان تبعدنا اجتماعيًا، كما أن الإدمان على وسائل التواصل قد أثر على جودة العلاقات الشخصية، حيث يتجاوز الأفراد الوقت المخصص مع أزواجهم لصالح الانخراط الدائم في العالم الافتراضي وإظهار الزينة والتبرج غير المبرر فيه وهذا يدل على أن المجتمع يسير نحو العزوف أو عدم تقدير للعلاقة العظيمة التي أمرنا الله ورسوله بها. المظاهر وما أدراك ما المظاهر؛ فكثير من البنات الآن-وليس هذا من باب التعميم- تشاهد ما يوجد مع أو ما تلبس صديقتها وتريد أن تقلدها دون النظر إلى إمكانيات زوجها أو أسرتها، وبالتالي قد يجرها ذلك إلى البحث عن تعويض هذا النقص بما يغضب الله ورسوله فالحذر الحذر أبنائي وبناتي من هذا السلوك، وما ذلك إلا حملًا ماليًا ثقيلًا يؤدي في النهاية إلى توترات وصراعات في العلاقة الزوجية. الشباب وملاهي الحياة والعزوف عن الزواج بحجة الهروب من المسؤولية وعدم المقدرة على تحمل أعباء تكوين الأسرة متناسين الرحمة والمودة التي بها يسهل الله كافة أعباء الحياة، وهنا أود أن أشير إلى تجارب كثيرة رأيتها وعايشتها بنفسي في أن الله عز وجل يسهل وييسر أمرين هما الزواج وبناء المنزل فكل من نوى وتوكل على الله في هذين الأمرين سهل الله أمره وفرج همه، وعليه أدعو كل شاب للتوكل على الله والبدء في إجراءات الزواج والله الميسر. المهور والمغالاة بها: فكثرة الطلبات وزيادة المهور ما هي إلا أثقال على كاهل الزوج وإجباره إلى الذهاب لطريق السلفة من البنوك وبالتالي إلى زيادة أعباء الحياة الزوجية وزيادة مشاكلها والتي قد تصل في نهاية المطاف إلى الطلاق. والواقع أن هذه مشكلة، وعقدة، عقدها الناس على أنفسهم، وشددوا فيما يسره الله تعالى عليهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الزوجات "أيسرهن مهرًا أكثرهن بركة" والنبي صلى الله عليه وسلم حينما زوج بناته زوجهن بأيسر المهور، لم يشترط لهن المئات ولا الآلاف، وإنما أخذ أيسر المهور، وكذلك السلف الصالحون. ظاهرة النسوية وما تلعبه من دور هذه الأيام في تغيير فكر بعض البنات والنساء المتزوجات بحجة أنها قادرة على أن تعيش بدون سند يسندها في الحياة متناسيات الروابط الشرعية التي شرعها الله بين البشرية جمعاء، فرسالتي إلى الجميع في هذا الشأن اتقوا الله ولا ترموا أنفسكم إلى التهلكة وعمروا مجتمعاتكم وأسركم بالحب والمودة والرحمة ولا تغيروا شرعة الله في خلقه، ولا أريد أن أطيل في هذه النقطة وأعطيها أكثر من حقها، فهي من الأساس خاطئة ولا يقدم عليها إلا من فقد دينه وتنازل عن شرع الله في خلقه والعياذ بالله. الترابط والرحمة: أدخل من هذا الباب لأن الزواج رحمة ومودة، ليس بين الزوجين فقط، وإنما بين أسرتين تربطهما صلة نسب لأبنائهم، وما نشاهده اليوم من بعض التصرفات هو أن مجرد الزوجة ترتبط بميثاق الزواج إلا وتعتقد أن الرحمة والمودة بينهما فقط! دون الاكتراث لأسرة الزوج، وهنا أقصد والديه، فنجدها متواجدة في بيت الأسرة التي بها والدين الزوج، وبمجرد ذهاب الزوج إلى العمل ذهبت هي إلى منزل والديها، وعند رجوعه رجعت معه، وكأنها تأتي للدوام الأسري فقط، لا فالمودة والرحمة عزيزاتي البنات هي مكتملة الأركان دون نقصان تشمل الزوج ووالديه وتكونين الونيس والمعين لهما بعد الله كما أن أطفالك هم بمثابة الحياة والطمأنينة لهم ووجودك أنتِ وأطفالك مع والدي زوجك يقوي الروابط الأسرية بين أطفالك وأجدادهم ويعلم أطفالك ما لم تستطيعي أنتِ تعليمهم. الاستعجال في بناء منزل الأسرة والتخبط في المغالاة في مكوناته وحجمه بما يزيد من قدرة الطرفين في السداد وبما تؤول له من أسباب تضييق على النفس في مصاريف الحياة فعلينا أن لا ننظر إلى ما يسكنه الآخرون من منازل وما يمتلك الآخرون من أثاث وغيرها من مظاهر الرفاهية، فكل إنسان ومقدرته المالية، فعلينا أيها الأبناء التفكير والتخطيط السليم لهذا المشروع العمري وأن نحفظ الحقوق للطرفين في حالة المشاركة تجنبًا لما تؤول إليها الحياة مستقبلًا.إن تزايد معدلات الطلاق وانخفاض نسب الاستقرار الأسري يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على مجتمعنا، ويجب أن نتعامل مع هذه الظاهرة بجدية، ويجب على الشباب أن يعيدوا التفكير في مفهوم الزواج والاستعداد لبناء حياة أسرية قائمة على الاحترام والتفاهم.
ويجب تعزيز الوعي بأهمية الرابطة الأسرية وتقديرها كركن أساسي في بناء مجتمع صحي ومستدام وعلى الشباب أن يتبنوا تقاليد الدين والقيم الأخلاقية ليكونوا قدوة إيجابية في تحقيق الاستقرار الأسري ونمو المجتمع بشكل عام، فلنعمل جميعًا على تعزيز الحب والاحترام والتواصل في علاقاتنا الأسرية، ولنتجنب الانجرار وراء الاتجاهات السلبية والمضرة، ولنعمل جميعًا بروح المحبة والتفاهم لبناء علاقات أسرية قوية ومستدامة، ولنساهم في تشكيل مجتمع مترابط ومتوازن يسوده السلام والرفاهية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«التنمية الأسرية» تستعرض خدماتها المدعومة بالذكاء الاصطناعي
دبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةاستعرضت مؤسسة التنمية الأسرية، خلال مشاركتها في «جيتكس جلوبال 2025»، أحدث خدماتها الرقمية المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، في إطار التوجهات الحكومية الرامية إلى تبني الذكاء الاصطناعي، وتعزيز كفاءة الخدمات الرقمية.وتمتلك مؤسسة التنمية الأسرية حالياً 29 خدمة رقمية متكاملة متاحة عبر منصة «تم»، وعملت خلال عام 2025 على تطوير 11 خدمة من هذه الخدمات لتصبح مدعومة بالذكاء الاصطناعي، بما يسهم في تحسين تجربة المستخدم، ورفع مستوى التفاعل، وتقديم خدمات استباقية وسلسة تلبي احتياجات المتعاملين بكفاءة وابتكار، وتدعم مسيرة التحول الذكي وجودة الحياة للأسرة والمجتمع.
وأكدت مريم محمد الرميثي، مدير عام مؤسسة التنمية الأسرية، أن سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة «أم الإمارات»، أرست بفكرها المستنير أسس الريادة في العمل الاجتماعي والتنموي، ووجهت بتوظيف التقنيات الحديثة لخدمة الإنسان والأسرة والمجتمع، مشيرة إلى أن الإنجازات التي تحققها المؤسسة في مجال التحول الرقمي وتبني الذكاء الاصطناعي تجسد ترجمة عملية لتوجيهات سموها في تعزيز جودة الحياة للأسر، وتمكينها من الاستفادة من الحلول الذكية التي تواكب تطلعات حكومة أبوظبي نحو المستقبل.
وقالت: «إن مشاركة المؤسسة في (جيتكس جلوبال 2025) تسلط الضوء على خدمة (مساعد تم الذكي)، التي تجسد نموذجاً متقدماً لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات الحكومية، حيث تمكن هذه الخدمة التفاعلية المستخدمين من الوصول بسهولة وسرعة إلى مختلف الخدمات والمعلومات عبر منصة (تم)، من خلال واجهة محادثة ذكية توفر تجربة سلسة ومتكاملة».
وأضافت: إن «مساعد تم الذكي» يسهم في تبسيط رحلة المتعاملين عبر جمع أكثر من 1100 خدمة رقمية ضمن قناة موحدة، ما يعزّز من كفاءة الخدمات الحكومية والخدمات التي تقدمها مؤسسة التنمية الأسرية، ويرتقي بمستوى التفاعل الرقمي، ويدعم جهود التحول الذكي الهادفة إلى توفير خدمات مبتكرة تلبي احتياجات الأفراد بمرونة وسرعة.
وأشارت الرميثي إلى أن المساعد الذكي في منصة «تم» يلعب دوراً مهماً في تعزيز كفاءة الخدمات الحكومية، وتسهيل وصول المتعاملين إليها، من خلال منظومة متكاملة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، حيث يتيح للمستخدمين التفاعل عبر واجهة محادثة ذكية تشبه المحادثات النصية العادية، متوافرة عبر الموقع الإلكتروني والتطبيقات الذكية، ويعتمد على تقنيات تحليل اللغة الطبيعية (NLP) لفهم اللغة العربية والإنجليزية، واستيعاب نية المستخدم.
وتابعت: يقوم المساعد الذكي بتقديم توجيه يساعد المتعامل في إتمام خدماته بخطوات واضحة وسلسة، مع تكامل مباشر وقواعد بيانات الجهات الحكومية لتوفير معلومات دقيقة وفورية، ويتميز بقدرته على التعلم المستمر من تفاعلات المستخدمين، ما يضمن تطوير أدائه، وتحسين جودة الخدمة بمرور الوقت، في إطار رؤية حكومة أبوظبي لتعزيز تجربة المتعاملين الرقمية.
وبينت أنه في إطار خطة التحول الرقمي الشاملة، طورت مؤسسة التنمية الأسرية خلال عام 2025 عدداً من الخدمات الرقمية لتصبح مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، بإجمالي 11 خدمة نوعية تهدف إلى تحسين تجربة المستخدم، وتقديم خدمات استباقية وسلسة تلبي احتياجات مختلف فئات المجتمع.
وأكدت أن هذه الخدمات تشمل مجالات متنوعة، مثل: طلب الالتحاق في ورشة مهارات التخطيط المالي السليم، وطلب الالتحاق في دورة إعداد المقبلين على الزواج، وتنمية المهارات الوالدية في مرحلتي الطفولة المبكرة والمراهقة، والحصول على التحسينات المنزلية لكبار المواطنين، وبيع وشراء المنح السكنية، وطلب إصدار بطاقة بركتنا، وطلب الالتحاق في ورشة التوازن بين الأسرة والعمل، والرعاية البديلة المؤقتة لكبار المواطنين، والموافقة على الاستفادة من أنظمة العمل المرنة للقائمين على رعاية والديهم، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار سعي المؤسسة إلى تعزيز جودة الحياة الأسرية من خلال حلول رقمية مبتكرة تدعم الكفاءة، وتسهل الوصول إلى الخدمات، وتحقق تجربة متعامل أكثر ذكاءً وسلاسة.
وشددت على أن مشروع الخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مؤسسة التنمية الأسرية يتماشى مع محاور «جيتكس جلوبال 2025» التي تركز على الابتكار والذكاء الاصطناعي والبيانات والخدمات الرقمية المتقدمة، حيث يجسد المشروع نموذجاً عملياً لتكامل الحلول الذكية مع المنصات الحكومية، لافتة إلى أنه يتميز بتطبيق تقنيات «مساعد تم الذكي» التي تمكن المستخدمين من الوصول إلى الخدمات بسهولة، بما يعكس روح الابتكار والتميز في تصميم الخدمات الرقمية التي أطلقتها المؤسسة حديثاً، ومنها خدمات بركتنا التي تُعد من المبادرات الحديثة ضمن منظومة التحول الذكي في أبوظبي.
وتابعت: يعزز المشروع الأثر الاجتماعي والقيمة المضافة من خلال تمكين فئات المجتمع، خصوصاً كبار المواطنين، من الحصول على الخدمات الحكومية بسهولة، بما يرسخ مبادئ الرفاه الاجتماعي وجودة الحياة، والتي تُسهم في ربط جهات حكومية عدة، ما يعكس مستوى متقدماً من التكامل المؤسسي، ويرتقي بكفاءة منظومة العمل الحكومي.
وأوضحت الرميثي أن هذا المشروع يُبرز الجاهزية والنضج التقني لمؤسسة التنمية الأسرية، إذ أصبحت خدماتها مطبقة فعلياً على منصة «تم»، ما يجعلها قابلة للتجربة والقياس ضمن فعاليات «جيتكس»، ويتيح عرضها بأسلوب سرد قصصي تفاعلي (Storytelling) يُبرز قصص نجاحها وأثرها الإيجابي في تمكين الأسرة والمجتمع، من خلال تجربة استخدام سلسة متعددة اللغات ومراعية لاحتياجات جميع شرائح المجتمع.
وأشادت بمشاركة المؤسسة في «جيتكس جلوبال 2025» التي تعكس التزامها بتوظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير خدمات رقمية مبتكرة تعزز جودة حياة الأسرة والمجتمع، مشيرة إلى أن استعراض الخدمات الذكية يجسد جاهزية المؤسسة وريادتها في دعم التحول الرقمي لحكومة أبوظبي، وتقديم تجارب متعاملين أكثر سلاسة وفاعلية.
ودعت جميع أفراد المجتمع إلى زيارة جناح مؤسسة التنمية الأسرية في «جيتكس جلوبال 2025»، والتعرف على منظومة خدماتها الرقمية المطورة والمدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي صُممت خصيصاً لتحسين تجربة المتعاملين، وتقديم خدمات استباقية ومبتكرة تلبي احتياجات الأسرة والمجتمع بكفاءة وفاعلية، مؤكدة أن هذه الجهود تعكس التزام المؤسسة بتعزيز جودة الحياة للأسر في إمارة أبوظبي، وترسيخ مكانتها، باعتبارها مؤسسة رائدة في توظيف الحلول الذكية لخدمة الإنسان والمجتمع.