الدكتور سلطان القاسمي يكتب: هل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسانُ
تاريخ النشر: 9th, December 2024 GMT
في نهاية عام 1491م، عاد «كريستوفر كولومبس» «Christophorus Columbus» الإيطالي إلى إسبانيا، وللمرة الثانية محاولاً إقناع الملكة «إيزبيلا» والملك «فيرناندو» بمساعدته في تمويل مشروعه، وهو عبور المحيط الأطلسي، بعد أن حاول العبور إلى الشمال والجنوب وفشل، وفي هذه المرة إلى الغرب.
الحوار الذي جرى بين «كريستوفر كولومبس» والملكة «إيزبيلا» «Isabella’s» والملك «فيرناندو» الثاني «Fernando II» ملك أراغون.
«كريستوفر كولومبس»: سيدي رجوت كثيرين من أصحاب النفوذ ولسنين طويلة وأنا أشرح للهيئات واللجان، أنه من الخطأ أن نفكر في الوصول إلى الهند عن طريق إفريقيا، يجب أن تبحر السفن غرباً، وقد جئت من البرتغال وسئمت من كثرة الوعود، كما سئمت التجاهل، وعدم الفهم والتقدير من الجميع.
الملك «فيرناندو» الثاني: هل تعلم أن البحّار «أولمان» قام بمغامرة تشبه مغامرتك، ولم يعد أبداً، المسألة ليست مسألة تجاهل أيها الضيف، علماؤنا يتفقون مع كل من ملك فرنسا وملك البرتغال بأن الأرض مستديرة، نحن نعرف بعلم التصورات ونبوءات «سينيكا» وقصص «إريك»، أخبرني هل لديك أسس علمية تدعم نظريتك هذه؟.
«كريستوفر كولومبس»: أنا واثق بأننا لو أبحرنا غرباً سنصل إلى الجزر خلال شهرين.
الملك «فيرناندو» الثاني: أمتأكد أنت؟
«كريستوفر كولومبس»: نعم سيدي.
الملك «فيرناندو» الثاني: حسناً أخبرني كم تبعد هذه الأراضي؟
«كريستوفر كولومبس»: 750 فرسخاً.
الملك «فيرناندو» الثاني: ما هي ضماناتك؟
«كريستوفر كولومبس»: سيدي ضماناتي يقيني.
الملك «فيرناندو» الثاني: هو قليل لمغامرة بأربعة ملايين.
«كريستوفر كولومبس»: أنا واثق من هذا، عملت على هذا المشروع لسنوات.
الملك «فيرناندو» الثاني: أخبرني علمائي بأن حساباتك غير دقيقة أبداً.
«كريستوفر كولومبس»: ما الأسس التي استند إليها العلماء؟
الملك «فيرناندو» الثاني: نفس الأسس التي تجعلك واثقاً، إليك نصيحتي: أعد دراسة مشروعك وعد إلينا.
«كريستوفر كولومبس»: صاحب السمو، كن واثقاً يا سيدي بأن مستشاريك على خطأ، إن الذهب هناك بانتظارك، ما تستطيع إنهاء الحرب به، تستطيع به غزو إفريقيا، وإنقاذ الكنيسة أيضاً من غير المؤمنين الذين يهددونها، والأهم من ذلك إيصال البعثات التبشيرية إلى ملايين الناس. سيدي أنت تجازف بالمال، ولكن أنا أجازف بحياتي.
الملكة «إيزبيلا»: أتظن أن مشروعك قد يكلف أقل من ذلك؟
«كريستوفر كولومبس»: أجل، إسهامات أخرى تقدم السفن.
الملك «فيرناندو» الثاني: كفى، طور مشروعك وعد فيما بعد، سوف نساعدك.
الملك «فيرناندو» الثاني للملكة «إيزبيلا»: سوف أهديك العالم الجديد الذي سوف يكتشف، إنما غرناطة أولاً.
كانت غرناطة وأميرها محمد بن علي بن سعد، والملقب باسم أبي عبدالله، تحت الحصار الإسباني فطلب «كريستوفر كولومبس» من الملكة «إيزبيلا» والملك «فيرناندو» الثاني السماح له بدخول غرناطة لمقابلة العالم العربي المسلم، لأخذ المعلومات منه، فسمحا له بذلك.
الحوار الذي دار بين «كريستوفر كولومبس» والعالم المسلم في معمله.
العالم المسلم: ادخل، لدينا القليل من الوقت، اجلس.
«كريستوفر كولومبس» متفحصاً بعض النماذج المصغرة من السفن: هذه السفن متى بُنيت؟
العالم المسلم: منذ عشرين سنة، ومن ثم اكتشفنا أن مقدمة السفينة عريضة وأنها ستكون أسرع لو أن مقدمتها تشبه صدر الطير، هذا أمر مهم جداً، منذ عشرين سنة تقريباً كان ذلك لا يخلو من الجرأة، لكننا تعلمنا ولو تدريجياً أن من الأفضل شق الأمواج بدلاً من اقتحامها، كنا نحلم أن مثل هذه السفن تستطيع الوصول إلى نهاية العالم.
«كريستوفر كولومبس» يتفحص مجسماً كروياً عليه خريطة: لا شك أن خريطة السماء ببروجها وكويكباتها سوف تدلنا على ما نبحث عنه، ويبدو سهلاً جداً أن نصل إلى الجزر الهندية.
العالم المسلم: حسب تقديراتك كم هي المسافة يا ترى؟
«كريستوفر كولومبس»: سبعمئة وخمسون فرسخاً.
العالم المسلم: بل أبعد، أبعد بكثير، عالمك صغيرٌ جداً.
«كريستوفر كولومبس»: لقد اطلعت على بعض الرسومات السرية والتي تعود للعالم الفرنسي «الدوس كنيلي».
العالم المسلم: الحسابات الفرنسية هذه كلها خطأ، ودائماً يخلط بين الميل العربي والميل الإيطالي، نحن نعلم منذ زمن بعيد أن الأرض أكبر بكثير، ما الذي تعتقدونه أنتم، ومن هنا بدأ الخطأ.
«كريستوفر كولومبس»: نعم الميل العربي مذهل حقاً.
العالم المسلم: هذا صحيح، لذلك ستحصل على نتائج دراسات العديد من الناس، لقد استغرقتكم زمناً طويلاً، كانت الظروف مهيئة لنا لنقوم بمحاولتك، كنت متأكداً أن شخصاً ما سيحاول.
«كريستوفر كولومبس»: إنه أنا.
العالم المسلم: هل تعرف وجهتك عندما تخرج إلى عرض البحر؟
«كريستوفر كولومبس»: باتجاه الارتفاع.
العالم المسلم: لن تحقق شيئاً بهذه الطريقة، عليك أن تبحر جنوباً متتبعاً هذه التيارات والرياح المواتية، هذه التيارات مكنت البحارة البرتغاليين من العودة إلى بلادهم بعد أن داروا حول رأس فاجتور، هذه الرياح ستحملك إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي.
«كريستوفر كولومبس»: لمَ تساعدني؟
العالم المسلم: سوف أموت، لي رغبة في نظرياتي، غرناطة تذهل النحل، وهذا السر يجب ألا يضيع، خذ هذه الخرائط يا بُني وأكمل ما لم نستطع نحن القيام به، حماك الله وسدد خطاك.
فقبّل «كريستوفر كولومبس» يد العالم العربي المسلم.
بعد سنة من عبور «كريستوفر كولومبس» المحيط الأطلسي، أرسل رسالة بتاريخ عام 1493م، إلى الملك «فيرناندو» وملكة إسبانيا يخبره فيها بأنه اكتشف العالم الجديد، وكان ذلك نصراً لإسبانيا، حيث أعلن في العالم ذلك الاكتشاف.
أما العرب المسلمون فقد كافأهم الإسبان بما يلي:
في عام 1501م، قام «ثيسنيروس» «cisneros» بمصادرة آلاف المخطوطات العربية في غرناطة، ولاسيما في مجالات دراسات الإلهيات، والفلسفة، والعلوم الإسلامية، وقد جُمعت هذه المخطوطات في ساحة «باب الرملة» في غرناطة وأُحرقت علناً لتكون بمثابة رمزٍ لمحو الذاكرة الثقافية لحضارة بني نصر. ولم ينجُ من هذا التدمير سوى عدد قليل من المخطوطات العلمية والطبية، نظراً لسبق المعرفة بأهميتها في أوروبا.
أثر التدمير:
أدى هذا التدمير إلى خسارة لا تُقدر بثمن للإرث الفكري العالمي. فقد كانت مكتبات بني نصر، بما في ذلك مكتبة الحمراء، تشتمل على آلاف المخطوطات التي تتناول مختلف المجالات كعلم دراسة الإلهيات، دراسة منطقية، والقانون، وعلم الفلك، والطب، والأدب، والهندسة المعمارية، وكانت هذه النصوص انعكاساً لقرون من المعرفة المتراكمة التي تأثرت بالتقاليد الإسلامية، واليونانية، والرومانية، والفارسية.
وتسبب هذا التدمير في تعطيل شديد لنقل المعرفة العربية إلى أوروبا، فقد كان الكثير من هذه المخطوطات فريدة من نوعها، وحرم فقدانها الأجيال اللاحقة من الاطلاع المباشر إلى ما كان بها من كنوز الحكمة. ومع ذلك، فقد نجت بعض الأعمال بفضل ترجمتها إلى اللاتينية قبل سقوط الأندلس، وهو ما سمح ببقاء جزء من هذا الإرث، خاصة في مجالي الرياضيات والطب.الدكتور سلطان بن محمد القاسمي
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة العالم المسلم
إقرأ أيضاً:
«منبر الإسلام» في عددها الجديد بعنوان: «الإحسان.. تزكية للإنسان وعمارة للأوطان»
أصدرت وزارة الأوقاف العدد الجديد من مجلة «منبر الإسلام» لشهر جمادى الآخرة ١٤٤٧هـ، وتم تخصيص العدد لقيمة “الإحسان” وأثره في تزكية الإنسان وعمارة الأوطان، وذلك من خلال مقالات لكبار العلماء والكتّاب والمتخصصين.
وجاء في مقدّمة تلك المقالات مقالٌ لمعالي الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إذ أكّد فيه أنه حين يقف الإنسان على ثغرٍ من ثغور الفكر والمعنى، ويفتح قلبه لاستقبال نفحات الوحي، يدرك أن أعظم ما يترقى إليه السالك في درجات الإيمان هو مقام الإحسان؛ تلك القيمة التي جعلها النبي ﷺ ذروة السلوك الإيماني، وغاية الوعي الروحي، ومحور الرسالة التي جاء بها الإسلام.
وأشار إلى أن الإحسان ليس خُلقًا عابرًا أو فضيلةً جزئية، بل هو صورة كاملة من الرقي الإنساني الذي يجمع بين صفاء الروح، ودقة العقل، ونُبل الفعل، حتى يصير الإنسان مرآةً صافيةً لجمال الوجود، ومفتاحًا من مفاتيح العمران.
وجاء العدد مفعمًا بمقالاتٍ متنوعة تعبّر عن أهمية قيمة الإحسان، من أبرزها:
مقال أ.د. محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تحت عنوان: "حب المصريين لآل البيت ومساجدهم في مصر".
ومقالٌ لفضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، تحت عنوان: "أثر التصوف في عمارة الأرض".
ومقالٌ للأستاذ الدكتور علي عبد الوهاب مطاوع، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر، تحت عنوان: "الشعر الصوفي.. معراج الروح إلى عوالم الفضيلة والطهر والصفاء".
وسلّطت المجلة الضوء على محاور وزارة الأوقاف الأربعة، والمتمثلة في: “مواجهة التطرف الديني واللاديني، وبناء الإنسان، وصناعة الحضارة”، وذلك من خلال مجموعة من المقالات والتقارير التي تدعم رسالة وزارة الأوقاف.
كما سلّطت المجلة الضوء على قرار وزارة الأوقاف بعودة مجالس قراءة البُردة الشريفة للإمام البوصيري في المساجد الكبرى، من خلال إبراز القيم الروحية التي تحتوي عليها قصيدة "البردة".
وأجرت المجلة حوارًا خاصًّا مع الأستاذ الدكتور محمد مهنا، أستاذ القانون الدولي بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، من أجل تعريف معنى التصوف كما أراده روّاده الأوائل، وعلاقته بمقام الإحسان الذي به يستقيم الدين، كما ناقش جذور الانحرافات التي شوّهت هذا الطريق، وقدم رؤية واضحة تعيد للتصوف مكانته كقيمة تربوية وروحية أصيلة في الحضارة الإسلامية.
وتقديرًا لرحلته العطرة في خدمة الإسلام، اختارت مجلة "منبر الإسلام" الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم باعتباره رائدًا من رواد مدرسة الإحسان والتزكية، ومؤسس الطريقة المحمدية.
وفي تقرير خاص، سلّطت المجلة الضوء على جهود مشيخة عموم الطرق الصوفية ونقابة السادة الأشراف في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن التصوف وترسيخ الوعي الديني المستنير.
كما سلّطت المجلة الضوء على جهود وزارة الأوقاف في حماية الأطفال من العنف، عبر رؤية تحليلية قدمها الكاتب الصحفي محمود الجلاد، معاون وزير الأوقاف لشئون الإعلام.
إضافة إلى الأبواب المتنوعة التي اشتمل عليها هذا العدد المميَّز، والذي يأتي في ضوء جهود وزارة الأوقاف لبناء الإنسان تحت رعاية الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف.
كما حرصت المجلة في هذا العدد على إهداء قرّائها كنزين علميين نفيسين من تراث القراءات وعلوم القرآن، وهما: كتاب «المصحف الشريف: أبحاث في تاريخه وأحكامه» لفضيلة الشيخ عبد الفتاح القاضي، وكتاب «أحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر» لفضيلة الشيخ محمود خليل الحصري، على أن تواصل المجلة تقديم كتابين هدية لقرّائها في كل عدد شهري دعمًا لرسالتها في خدمة العلوم الشرعية وترسيخ الوعي الرشيد.