تتعالى الأصوات في عالمنا العربي أحيانًا، وتخرج بعض المقاطع والتصريحات التي تثير الجدل وتؤذي مشاعر الكثيرين وتُحدث موجات من الاستياء نتيجة تصرفات غير مدروسة تفتقر إلى النُضج والوعي.
ومن بين هذه الوقائع المؤسفة، ظهور مقطع مصور للفنانة هيا الشعيبي أساءت فيه، دون مبرر، إلى حرم إحدى الجامعات المصرية ومكانتها العلمية المرموقة، هذا الأمر يعكس قصورًا حقيقيًا في إدراك القيمة التاريخية والتعليمية لمصر، البلد الذي يُعد إحدى دعائم المعرفة في العالم العربي، بادئ ذي بدء، يجب التأكيد على أن المقطع المصور الذي استندت إليه في تصريحاتها المسيئة لا يبدو أنه مرتبط بأي حرم جامعي مصري، بل من الواضح أنه تم تصويره في موقع عام بعيد عن جدران المؤسسات الاكاديمية العريقة.
التعليم الجامعي في مصر يتجاوز كونه مؤسسة أكاديمية إلى كونه إرثاً حضارياً يمتد لآلاف السنين فالجامعات المصرية مثل جامعة القاهرة، عين شمس، الإسكندرية، وغيرهما، تُعد منارات فكرية رفدت الأوطان العربية بأجيال من العلماء والمفكرين الذين كانت لهم بصمة واضحة في تطور مجتمعاتهم.
كما ساهم ذلك على مدار التاريخ في إعداد أجيال من العلماء والمفكرين الذين تركوا بصماتهم على المجتمعات العربية والعالمية، لذلك، أي محاولة للنيل من سمعة هذه الجامعات تصطدم بواقع يزخر بالإنجازات المشرفة والقيم التعليمية الراسخة، ما يزيد من حدة الموقف هو تناقض الفنانة هيا الشعيبي، التي لجأت الى مؤسسات التعليم المصري للحصول على شهادة علمية لتعزيز مسيرتها الشخصية، فمن يقدّر التعليم ويستفيد منه عليه أن يحترم المؤسسات التي منحته الدعم، لا أن يستخف بها أو يقلل من شأنها، فما صدر عنها لا يتماشى مع القيم التي يمثلها الشعب الكويتي المعروف برقيه واحترامه لمصر وتقديره لعلاقاته التاريخية والثقافية معها.
يجب التأكيد هنا على أن هذا الخطأ يظل فرديًا من شخصية اشتهرت بالتجاوزات المتكررة، ولا يمكن أن يُعزى إلى شعب الكويت الذي يتميز بالوعي والمحبة تجاه أشقائه العرب، الإساءة لم تتوقف عند مصر فقط، بل امتدت لتضر الشخصية نفسها، حيث أظهرتها في صورة غير لائقة بشخصية عامة يفترض أن تكون مثالاً يُحتذي به، فالسلوكيات المتهورة والمنفلتة لا تليق بمن يُفترض أن يكون قائداً للرأي العام ومصدر إلهام لجمهوره.
للأسف، مثل هذه التصرفات تمثل تراجعًا عن دور الفنان الحقيقي الذي يُفترض ايضاً أن يدفع نحو تعزيز القيم الثقافية والعلمية بدلاً من الانتقاص منها، الشعوب العربية عموماً والشعب الكويتي خصوصاً يدركون جيدًا القيمة الكبيرة التي تمثلها مصر ودورها في بناء النهضة المعرفية والفكرية للعالم العربي، وما يؤسف حقاً هو ظهور تصريحات لا تعبر عن ثقافة الاحترام والتقدير المتبادل التي تجمع بين شعوبنا وتؤكد الروابط التاريخية بين دولنا.
في الختام، يُعد تقديم الفنانة هيا الشعيبي لاعتذار علني وصريح للشعب المصري ولمؤسساته التعليمية العريقة ضرورة ملحة، ليس فقط من منطلق الالتزام الأخلاقي، بل كخطوة جوهرية نحو اصلاح العلاقات وتعزيز روح التضامن والاخوة بين الشعوب العربية، إن احترام القيم الإنسانية وصون مكانة المؤسسات الثقافية والعلمية يشكلان ركيزة أساسية لأي فنان يطمح لأن يكون مثالاً ايجابياً ومصدر إلهام للمجتمع، تبقى مصر على الدوام رمزاً للعلم والثقافة، وحماية مكانتها والحفاظ على احترامها تُعد مسؤولية مشتركة ينبغي علينا جميعًا الاضطلاع بها بكل إخلاص وتفانٍ.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: أميرة الحسن الجامعات الجامعات المصرية الشعب المصري مقالات هيا الشعيبي هیا الشعیبی
إقرأ أيضاً:
الحكومة توافق على إحياء الجامع الأزرق في قلب القاهرة التاريخية
وافقت الحكومة ، ممثلة في وزارتي الأوقاف والآثار والسياحة، على الاقتراح المُقدَّم من النائب عمرو عزت حجاج، عضو مجلس الشيوخ عن حزب التجمع، بشأن تطوير جامع الأزرق الأثري الواقع في حي الدرب الأحمر، أحد أعرق أحياء القاهرة.
جاء ذلك خلال اجتماع لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ، في استجابة رسمية لمبادرة تستهدف إنقاذ أحد أبرز معالم العمارة الإسلامية في مصر.
ويُعرف الجامع باسم جامع آق سنقر، نسبة إلى مؤسسه الأمير آق سنقر الناصري أحد كبار أمراء السلطان الناصر محمد بن قلاوون. ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 1346م (747 هـ)، ويُلقَّب بـ"الجامع الأزرق" نظرًا لكسوته المبهرة بالبلاط القاشاني الأزرق الذي يُزيِّن جدار القبلة وقبة الجامع.
الجامع تحفة معمارية نادرة، يضم: صحنًا مكشوفًا تحيط به أروقة مدهشة، أبرزها رواق القبلة الشرقي.
منبر رخام ملون يُعد من أقدم المنابر الرخامية في مصر.
مئذنة حجرية رشيقة تتكون من ثلاثة طوابق.
زخارف قاشانية فريدة تمثل مشاهد دينية مثل المحاريب والقناديل.
وتؤكد المصادر التاريخية مثل كتاب "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون" أن الجامع يحتوي على قبة تاريخية شُيِّدت لدفن السلطان علاء الدين كجك ابن الناصر محمد.
هذا التطوير المنتظر لا يمثل مجرد ترميم لمبنى أثري، بل هو بعث لحياة روحية ومعمارية تروي قصة مماليك القاهرة، وتعيد إحياء أحد أجمل مساجدها المنسية في وجدان الأجيال.