بي بي سي تتساءل: هل أخفقت إسرائيل في اختراق الحوثيين استخباراتيا؟
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
بينما كانت إسرائيل تضع كلا من حماس في غزة، وحزب الله بلبنان على رأس قائمة أولويات الأهداف التي تسعى للقضاء عليها، يبدو أن حركة أنصار الله الحوثية في اليمن لم تكن ضمن هذه الأولويات لدى الاستخبارات الإسرائيلية.
على الأقل، هذا ما يراه عدد من المراقبين والخبراء في المجال الأمني والاستخباراتي في الداخل الإسرائيلي، في وقت لم تتوقف فيه الهجمات الصاروخية الباليستية التي يشنها مسلحو الحركة ضد العمق الإسرائيلي.
يقول الجنرال يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، لبي بي سي: "إن الاستخبارات الإسرائيلية لم تستثمر كفاءاتها في اليمن، لأن هذا البلد لم يكن أبدا ضمن أولوياتها، مقارنة بالجماعات المسلحة في كل من غزة ولبنان. ولكن هذا لا يزعج إسرائيل لأننا نختار أولوياتنا وأي حرب نخوض".
ويشير عميدرو، وهو أيضا زميل في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي بواشطن، إلى أن البعد الجغرافي بين إسرائيل واليمن يشكل تحديا كبيرا في إطار ردع الهجمات الحوثية المتواصلة على إسرائيل.
يقول: "بين اليمن وإسرائيل أكثر من ألفي كيلومتر. هذا العامل الجغرافي سيظل عائقا حتى لو كانت الاستخبارات الإسرائيلية على علم كافٍ بالضربات الحوثية هذه".
ورغم ذلك، لا يعتقد عميدرور أن الحركة الحوثية تشكل "تهديدا استراتيجيا" لإسرائيل، بل يرى أنها تشكل "تهديدا عاجلا" ينبغي التعامل معه، مشيرا إلى أن ما يهم الداخل الإسرائيلي الآن هو تحديد المواقع التي يستخدمها أفراد الحركة الحوثية لشن هجماتهم على إسرائيل.
رأي لم يختلف كثيرا عن رأي إيال زيسر، وهو نائب رئيس جامعة تل أبيب والخبير في شؤون الشرق الأوسط، الذي قال لبي بي سي إنه كان على إسرائيل البدء في التحضير للهجمات الحوثية من مرحلة الصفر وهذا يستغرق وقتا، مشيرا إلى أن التهديد الذي تشكله الحركة الحوثية ينبع من كونها "الحركة الأكثر حضورا الآن" على الساحة الإقليمية بعد "القضاء على حماس في غزة وحزب الله في لبنان" على حد رأيه. فهي - برأيه- تحاول الحصول على "شرعية ما" من البلدان العربية من خلال شنها ضربات ضد إسرائيل.
ونفذت إسرائيل أربع جولات من الضربات الجوية ضد الحوثيين منذ يوليو/تموز ردا على 400 صاروخ وطائرة بدون طيار يقول الجيش الإسرائيلي إنها أطلقت على إسرائيل من اليمن، وقد تم إسقاط معظمها.
وشملت الضربات الإسرائيلية المضادة على مواقع يمينية، محطات وقود وكهرباء و ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي. كما هدد القادة الإسرائيليون بقتل شخصيات حوثية قيادية.
ويتفق محللون إسرائيليون آخرون مع عميدرور وزيسر، فيما يعتقد أن إسرائيل لم تكن مستعدة بالقدر المطلوب للهجمات الحوثية تلك، من بينهم يوسي كوبرفاسر، رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية (أمان) سابقا ، والدكتور يوسي منشروف، الزميل في معهد "مشغاف لبحوث الأمن القومي وللاستراتيجية الصهيونية".
يقول كوبرفاسر، وهو أيضا زميل في معهد ميشغاف، لبي بي سي: "بالطبع لم تكن الاستخبارات الإسرائيلية جاهزة للرد على الهجمات الحوثية، تماما مثلما لم تكن جاهزة لهجمات حماس. لم يتوقع أحد أن تأتي الهجمات من اليمن، ويبدو أن الضربات الإسرائيلية المضادة على تلك الضربات الحوثية ليست كافية كذلك، بدليل أنها مستمرة حتى الآن".
ويعزو الخبير الإسرائيلي والزميل في معهد القدس للأمن والشؤون الخارجية، عدم استعداد إسرائيل للهجمات الحوثية إلى عدم استثمار الجهات الإسرائيلية المعنية في الدراسة بشكل أعمق عن الحوثيين.
يقول: "لم نستثمر من قبل في فهم عقلية الحوثيين ولذلك تفاجئنا بهذه الضربات، لأننا لم نكن نتوقع أن اليمنيين الذين يعيشون بعيدا جدا عنا سيكونون طرفا في الصراع بل وأنهم سيضعون أنفسهم في خطر كهذا، وهذا شئ أرى أننا فقدناه، ولكن أعتقد أننا تمكنا الآن من اجتياز هذا التقصير، ولدينا دراية أكبر بالمواقع التي يستخدمها الحوثيون في شن الضربات".
أما الدكتور يوسي مانشروف، فيصف لبي بي سي الهجمات الحوثية بأنها الطريقة "المتفائلة" التي يعتقد أعداء إسرائيل والمعروفون باسم "محور المقاومة" بأنهم يردون بها إسرائيل بعد القضاء على حزب الله في لبنان، على حد تعبيره.
ويؤكد مانشروف أن"إسرائيل لم تكن جاهزة على الإطلاق لمثل هذه الهجمات، ولذلك "كانت في حالة من الإحراج في البداية ولم تكن تعرف كيف ترد أو تشن هجمات مضادة على مواقع استراتيجية ضد الحوثيين" ولكنه يشير إلى أن الوضع الآن بات أفضل فيما يتعلق بمعرفة إسرائيل كيف يكون الرد على الحوثيين، فحددت – برأيه- مواقع اقتصادية مهمة- لضربها.
"إسرائيل تتحسن في الرد"
ويرى بعضهم أن الهجمات الإسرائيلية المضادة ضد الحوثيين لم تكن مؤثرة بالشكل الذي يضع حدا لها، أمر علق عليه يوسي مانشروف، الزميل بمعهد مشغاف، بالقول إن إسرائيل لا تزال في مرحلة التعلم أكثر عن اليمن والحوثيين، متوقعا أن تكون الضربات الإسرائيلية ضد الحوثيين أكثر شراسة في الشهور المقبلة، بعد تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
يقول: "سنرى تعاونا بين الإسرائيليين والأمريكيين على أصعدة كافة من بينها الاستخبارات والجيش وذلك سيغير مستقبل الهجمات وستكون أكثر قوة ضد الحوثيين".
وفي الوقت الذي صعد فيه الحوثيون المدعومون من إيران هجماتهم الصاروخية ضد إسرائيل، هب مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الملاجئ في منتصف الليل، كما أثرت الهجمات على حركة الطيران ما دفع أدى إلى إبعاد كثير من شركات الطيران الأجنبية عن التحليق فوق إسرائيل.
لكن الجنرال يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، يرى أن الهجمات تلك لم تؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي بأي شكل، على عكس ما يراه يوسي كوبرفاسر، وهو أيضا زميل معهد القدس للدراسات الأمنية والشؤون الخارجية ، الذي قال إنها شكلت "عائقا" على الاقتصاد، وإن "الأمور تسير بصعوبة" في إسرائيل عما كانت عليه في السابق.
وتعليقا على الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، يقول كوبرفاسر إنها "دفعت السفن المتجهة إلى إسرائيل إلى اتخاذ طريق أطول وأكثر تكلفة حول أفريقيا صوب موانئ إسرائيل على البحر الأبيض المتوسط".
ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، يشنّ الحوثيون هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن انطلاقاً من المناطق الخاضعة لسيطرتهم في اليمن، في ما يعتبرونه "دعماً" للفلسطينيين في قطاع غزة حيث تدور حرب مدمّرة بين إسرائيل وحماس منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ومجتمعيا، لا يرى يوسي منشروف أن الضربات أثرت على المجتمع الإسرائيلي، "فالاحتماء في الملاجئ أمر اعتاد المجتمع الإسرائيلي عليه منذ بداية الحرب في غزة العام الماضي، خاصة وأن الحوثيين يشنون صاروخا واحدا كل ليلة لا يبدو أنهم يعتزمون تكثيف الضربات على إسرائيل".
"ورقة ضغط"
لم توقف الضربات الحوثية ضد إسرائيل الحرب في غزة، لكنها، كما يصفها حسين البخيتي، الصحفي المقرب من جماعة أنصار الله الحوثية، لبي بي سي"ورقة ضغط" مستمرة على إسرائيل. ويشير البخيتي إلى أن الهدف من العمليات العسكرية الحوثية في البداية كان فرض حصار اقتصادي على إسرائيل في البحر الأحمر ومنع أي سفن أو شركات تتعامل مع إسرائيل من المرور في البحر الأحمر، وهو "ما أثبت كفاءته، حتى أنهم بدأوا بالفعل في البحث على سبل بديلة لتمرير السفن، والآن تأتي الضربات الأخيرة هذه لتكون رسالة رعب في الداخل الإسرائيلي، فباتوا يلجأون في الملاجئ كما ارتفعت الأسعار هناك".
ويضيف البخيتي أن الضربات الحوثية أثبتت "فشل منظومة الدفاع الجوية الإسرائيلية التي لم تنجح في التصدي لجميع الصواريخ التي أطلقت في الداخل الإسرائيلي ووصلت لحيفا".
اتفق معه عبد الغني الزبيدي، المحلل السياسي المقرب أيضا من الحركة، الذي قال لبي بي سي إن "التأثير النفسي الذي تركته الضربات الحوثية كان ربما أكبر من التأثير الاقتصادي" على إسرائيل، مشيرا إلى أن الحركة "تبذل ما تستطيع وتشارك بكل ما لديها من قدرات وخبرات" لمساندة حركة حماس. وأضاف أنه من الصعب أن يتعرف الإسرائيليون على المواقع العسكرية التي يستخدمها مسلحو الحركة لشن ضرباتهم، وأن الحركة تعمل على تطوير مهاراتها بشكل كبير يوما بعد يوم.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن اسرائيل الحوثي حرب البحر الأحمر الاستخبارات الإسرائیلیة الداخل الإسرائیلی الضربات الحوثیة الهجمات الحوثیة فی البحر الأحمر على إسرائیل ضد الحوثیین بی بی سی فی غزة لم تکن إلى أن
إقرأ أيضاً:
اختراق محدود لخدمة دعم عملاء Discord يكشف بيانات حساسة
في حادثة جديدة تسلط الضوء على هشاشة سلاسل الأمان الرقمي، أعلنت منصة المحادثة الشهيرة Discord عن تعرض أحد مزودي خدمات دعم العملاء لاختراق أمني مكّن جهة غير مصرح لها من الوصول إلى بيانات عدد من المستخدمين.
وأوضحت الشركة أن الحادثة وقعت في 20 سبتمبر الماضي، واكتُشفت مؤخرًا بعد مراجعة أمنية داخلية، مؤكدة في الوقت ذاته أن أنظمة Discord الأساسية لم تتأثر وأن الاختراق لم يمتد إلى محادثات المستخدمين أو خوادمهم الخاصة.
الاختراق استهدف شركة خارجية تتولى الرد على استفسارات المستخدمين عبر قنوات دعم العملاء وفريق الثقة والأمان. وبحسب Discord، فإن البيانات التي تم الوصول إليها تشمل عددًا صغيرًا من بطاقات الهوية الرسمية مثل جوازات السفر ورخص القيادة التي أرسلها بعض المستخدمين للتحقق من أعمارهم أو هوياتهم ضمن إجراءات الأمان.
وأوضحت المنصة أن الخطر يقتصر فقط على المستخدمين الذين تواصلوا مع فرق الدعم الفني في وقت سابق، ما يعني أن بقية مستخدمي Discord البالغ عددهم أكثر من 150 مليونًا حول العالم لا يشملهم هذا الخرق.
وقالت الشركة في بيان رسمي إنها سارعت إلى إلغاء وصول مزود الخدمة المخترق إلى النظام فور اكتشاف الحادثة، وأبلغت السلطات المختصة وجهات إنفاذ القانون لمتابعة التحقيق. كما بدأت Discord في تنفيذ مراجعات أمنية إضافية على جميع مزودي الخدمات الخارجيين لضمان توافقهم مع معايير الأمان المعتمدة لديها.
وذكرت المنصة في رسائل بريد إلكتروني أرسلتها إلى المستخدمين المتضررين، أن المعلومات التي ربما تم الوصول إليها تشمل الاسم الحقيقي، واسم المستخدم (إن وُجد)، والبريد الإلكتروني، وبيانات الاتصال، وعناوين بروتوكول الإنترنت (IP)، بالإضافة إلى آخر أربعة أرقام من أي بطاقة ائتمان كانت مرتبطة بالحساب.
وأضافت الشركة أن رسائل الإشعار ستتضمن تفاصيل دقيقة لكل مستخدم حول ما إذا كانت بيانات الهوية الرسمية الخاصة به قد تعرضت للاختراق، مؤكدة أن تلك الفئة قد تكون أكثر عرضة لمحاولات سرقة الهوية مقارنة بغيرها.
ورغم حساسية الحادثة، أكدت Discord أن الاختراق لم يشمل كلمات المرور أو الأرقام الكاملة لبطاقات الدفع أو العناوين الفعلية للمستخدمين، مطمئنةً جمهورها بأن بيانات الحسابات الأساسية وملفات الدردشة لم تتعرض لأي تسريب.
وشجعت الشركة المستخدمين المتضررين على توخي الحذر من أي رسائل بريد إلكتروني أو اتصالات مشبوهة تطلب بيانات شخصية أو مالية، إذ غالبًا ما يحاول القراصنة استغلال مثل هذه التسريبات لتنفيذ هجمات تصيد إلكتروني أو انتحال هوية. كما أوصت بتفعيل المصادقة الثنائية (2FA) لحماية الحسابات من أي محاولات اختراق مستقبلية.
من ناحية أخرى، أشار محللون في مجال الأمن السيبراني إلى أن الحادثة تُبرز أهمية مراقبة سلاسل التوريد الرقمية، إذ أصبحت الجهات الخارجية — مثل شركات الدعم الفني أو مقدمي الخدمات السحابية — هدفًا مفضلاً للهجمات التي تسعى إلى تجاوز أنظمة الحماية المباشرة للشركات الكبرى.
ويرى الخبراء أن تركيز Discord على التدقيق في أنظمة الجهات الخارجية خطوة ضرورية في هذا الاتجاه، لا سيما مع تنامي اعتماد الشركات التقنية على مزودي خدمات خارجيين لمعالجة طلبات الدعم والمحتوى.
ورغم محدودية الأضرار، فإن حادثة اختراق مزود خدمة عملاء Discord تذكير صارخ بأن الأمن السيبراني لم يعد مسؤولية المنصة وحدها، بل سلسلة مترابطة تبدأ من المستخدم وتنتهي بأضعف حلقة في النظام. ومن المتوقع أن تواصل Discord مراجعة سياستها الأمنية، في وقت تتزايد فيه الهجمات على منصات التواصل والألعاب حول العالم بحثًا عن البيانات الحساسة للمستخدمين.
بهذه الخطوات الوقائية والشفافية في التواصل، تسعى الشركة إلى استعادة ثقة المستخدمين واحتواء آثار الاختراق، مع التأكيد أن حماية بياناتهم تظل أولوية قصوى في بيئة رقمية تزداد تعقيدًا يوماً بعد يوم.