العيد في العراق بين الماضي والحاضر: ما الذي طرأ على المجتمع
تاريخ النشر: 30th, March 2025 GMT
آخر تحديث: 30 مارس 2025 - 11:34 صبقلم:د. مصطفى الصبيحي
العيد في العراق كان مناسبة ذات طابع خاص اجتماعياً ودينياً يعكس التلاحم بين الأفراد والعائلات. كانت الاستعدادات تبدأ قبل أيام، حيث تنشغل العائلات بصناعة الحلويات التقليدية مثل الكليجة، وهي من أبرز رموز العيد التي يجتمع حولها الكبار والصغار. وكانت الأسواق تشهد حركة نشطة لشراء الملابس الجديدة، خاصة للأطفال، الذين كانوا ينتظرون هذه المناسبة بلهفة للحصول على “العيدية”، وهي المبلغ المالي الذي يمنحه الكبار للصغار كنوع من العطاء والبركة.
كان العيد أيضاً فرصة للتزاور وصلة الرحم، حيث يحرص الجميع على زيارة الأقارب والجيران وتبادل التهاني. ولم تكن هذه الزيارات مجرد مجاملات، بل كانت تعكس روح المحبة والتضامن بين أفراد المجتمع. كما لعبت المساجد والمجالس العشائرية دوراً محورياً في توحيد الناس، حيث كانت تقام فيها الصلوات وتبادل التهاني بين أفراد القبائل والعشائر المختلفة.
وشهد العراق تغيرات اجتماعية كبيرة خلال العقود الأخيرة أثرت على طبيعة الاحتفال بالعيد. في الماضي، كانت العلاقات العائلية أكثر تماسكاً، وكانت الزيارات تتم ببساطة ودون تكلف. أما اليوم، فقد تغير نمط الحياة، وأصبحت الزيارات العائلية أقل تواتراً بسبب الانشغال بالعمل أو الابتعاد الجغرافي الناجم عن الهجرة الداخلية والخارجية. ومع ذلك، لا تزال بعض العادات قائمة، وإن كان يتم التعبير عنها بطرق حديثة، مثل تبادل التهاني عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من الزيارات المباشرة.
ومنذ عام 2003، شهد العراق تحولات سياسية وأمنية أثرت على الطابع الاجتماعي للأعياد. في بعض الفترات، أدى الانقسام السياسي والطائفي إلى تراجع بعض مظاهر الاحتفال بالعيد، خاصة في المناطق التي شهدت اضطرابات أمنية. كما أن الهجرة الداخلية بين المحافظات، بسبب النزاعات أو البحث عن فرص اقتصادية، أحدثت تغييرات في طبيعة العلاقات الاجتماعية، مما أثر على التجمعات العائلية الكبيرة التي كانت سائدة سابقاً.
ورغم هذه التحديات، يبقى العيد مناسبة تجمع العراقيين، حيث يحاولون تجاوز الخلافات السياسية والاستمتاع بأجواء الفرح، ولو بطرق أكثر تحفظاً وأقل انفتاحاً مقارنة بالماضي.
ولعبت الظروف الاقتصادية دوراً بارزاً في تغيير عادات العيد في العراق. في الماضي، كانت العائلات قادرة على تحمل نفقات العيد من شراء على تحمل نفقات العيد من شراء الملابس الجديدة وإعداد الولائم وتقديم العيديات. أما اليوم، فمع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، أصبح الكثيرون يقتصدون في نفقات العيد، مما أثر على بعض العادات الاستهلاكية المرتبطة بالمناسبة. ورغم ذلك، يحاول العراقيون التكيف مع هذه الأوضاع، حيث باتت الاحتفالات أكثر بساطة، لكن الروح الحقيقية للعيد، المتمثلة في التواصل الاجتماعي وتبادل الفرح، لا تزال قائمة. وكان للإعلام دور مهم في توثيق مظاهر العيد في العراق عبر العقود. ففي الماضي، كانت الإذاعة والتلفزيون تقدمان برامج خاصة بالعيد، تشمل الأغاني الوطنية والفقرات الترفيهية، كما كانت الصحف تسلط الضوء على أجواء العيد في مختلف المحافظات. أما اليوم، فقد تطور الإعلام مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت هذه المنصات جزءاً من الاحتفال، من خلال نشر التهاني والصور والفيديوهات التي توثق الأجواء العائلية والمجتمعية خلال العيد. ويرتبط مستقبل العيد في العراق بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد. مع تطور التكنولوجيا، قد تصبح بعض العادات أكثر رقمية، مثل تبادل التهاني عبر الإنترنت بدلاً من الزيارات التقليدية. ولكن في المقابل، لا يزال هناك تمسك قوي بالعادات الأصيلة، خاصة بين الأجيال الأكبر سناً التي تسعى لنقلها إلى الشباب. إذا تحسنت الأوضاع الأمنية والاقتصادية، فمن المتوقع أن يستعيد العيد في العراق أجواءه السابقة، وأن يعود ليكون مناسبة تجمع العراقيين في احتفالات أكثر بهجة، رغم استمرار بعض التغيرات التي فرضها العصر الحديث. ورغم التغيرات الكبيرة التي طرأت على العراق، فإن العادات والتقاليد لا تزال تحافظ على هوية العيد. لا تزال الكليجة تُصنع في أغلب البيوت، ولا تزال الأسر تحاول جمع شملها في هذه المناسبة رغم الصعوبات. كما أن فكرة العيدية، وإن تضاءلت قيمتها المالية بفعل التضخم، لا تزال تشكل فرحة للأطفال. بشكل عام، يعكس العيد في العراق مزيجاً من الأصالة والتغيير، حيث تحافظ بعض التقاليد على وجودها رغم التحولات الكبيرة، مما يؤكد أن هذه المناسبة تبقى رمزاً للاستمرارية والتواصل الاجتماعي في المجتمع العراقي… كل عام وانتم بخير
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: العید فی العراق لا تزال
إقرأ أيضاً:
عراقجي: أمن دول المنطقة من أمننا والدبلوماسية لا تزال الحل النهائي
قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده تؤمن بخطاب قائم على القواعد الدولية والحوار والسلام، وهي مستعدة للتعاون في هذا الشأن، معتبرا أن سياسة الهيمنة الأميركية تعني العودة فعليا إلى قانون الغاب، وفي قانون الغاب يجب أن تكون قويا للدفاع عن نفسك.
وأضاف عراقجي خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الدولي اليوم الأحد "القانون الدولي تحت الهجوم.. العدوان والدفاع" في العاصمة طهران أن "القانون الدولي يتعرض لهجوم، والعالم يواجه تحديات عميقة واتجاهات ومناهج مثيرة للقلق وتحولات إستراتيجية غير مسبوقة على مختلف المستويات".
وتابع "لقد تعرضت الأسس المتينة للقانون الدولي لهجمات غير مسبوقة من قبل القوى التي كان يُتوقع منها حمايتها بصفتها المطالبة (المتشدقة) دوما بهندسة النظام الدولي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية".
وأضاف "أصبح العنف والحرب معيارا جديدا في العلاقات الدولية، وأصبح استخدام الوسائل العسكرية قاعدة لتعزيز أهداف السياسة الخارجية لبعض الدول".
وتابع "نشهد عمليا محاولة لبناء "نظام دولي قائم على القوة من قبل الولايات المتحدة وبعض حلفائها"، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاء إلى البيت الأبيض حاملا عقيدة "السلام بالقوة"، لكن هذه العقيدة كانت في جوهرها غطاء لإطار عمل جديد هو "الهيمنة بالقوة".
وأكد أن ترامب قال بوضوح إن أميركا لم تعد ترغب في التصرف بناء على اعتبارات سياسية صالحة في إطار القانون الدولي، بل تريد أن تكون رابحة، مما يشير إلى سعيها للهيمنة وبالتالي العودة إلى شريعة الغاب، ولهذا يصبح وزير الدفاع وزيرا للحرب، وتعاد تجارب الأسلحة النووية إلى جدول الأعمال.
واستطرد بأن "الرئيس (ترامب) -الذي يُطلق على نفسه اسم رئيس السلام- يهاجم أينما شاء تعسفيا ودون أي سبب أو مبرر، ويأمر بإخلاء المدن، ويطالب بالاستسلام غير المشروط، وينتهك ويمزق جميع القوانين الدولية، حتى التزامات الرؤساء الذين سبقوه".
إعلانويرى عراقجي أنه "في الغابة التي خلقتها أميركا لا يوجد قانون، ويجب أن تكون قويا للدفاع عن نفسك".
وتابع أنه نتيجة لهذه العسكرة المفرطة نشهد اليوم تصدعات جيوسياسية واسعة النطاق، وتنافسا متزايدا بين القوى العظمى، وتطوير الصواريخ والترسانات النووية والأسلحة الهجومية، والصراعات العابرة للحدود، وانخفاض التقارب الاقتصادي والثقافي وتهميش الدبلوماسية.
وبحسب عراقجي، فإن "نظام تل أبيب" يلعب دور الوكيل والتابع للولايات المتحدة في منطقة غرب آسيا، ويسعى بالتالي إلى "تحقيق طموحاتها الجيوسياسية اللامحدودة والخطيرة عبر مهاجمة أوضح أسس القانون الدولي".
وختم بأن إسرائيل ارتكبت ولا تزال ترتكب "أبشع الجرائم ضد الإنسانية، من قتل واغتيال وإبادة جماعية وتطهير عرقي استنادا إلى شيك على بياض وقّعته واشنطن وبعض الدول الأوروبية، وبالاعتماد علی مليارات الدولارات من الأسلحة والمعدات العسكرية من حلف الناتو والغرب، والحصانة التي وفروها له في المحافل الدولية".