الحروب من أصعب الكوارث الإنسانية ، وأكثرها انتشاراً ، ونسبة لكثرتها وتطور أسلحتها بسرعة وما تحدثه من موت ودمار وخراب في كل مكان ، أصبحت المهدد الأكثر شيوعا لموت البشرية.
المدنيون دائما هم الذين يدفعون فاتورة الحرب وتبقى جثثهم شاهدة علي الويلات والمأسي ، وغالبا ما تتعرض الجثث إلى انتهاكات تخالف الأعراف الانسانية، لذلك سعى العالم إلى الحد من هذه الانتهاكات ، و اتجهت الجهود الدولية منذ القرن التاسع عشر الميلادي الي تخفيف هذه الويلات وكانت بداية الجهود الدولية الحقيقية حينما وقعت معارك ضارية بين الجيش الفرنسي والجيش النمساوي في يونيو 1859م ونتج عنها أعداد هائلة من القتلى من الجانبين جاء وصفهم في كتاب (تذكار سولفرينو) للباحث السويسري (جان هنري دونان) والذي كان شاهدا علي ضحايا المعركة ، لذا دعى المجتمع الدولي في كتابه إلى ضرورة تبني موقف دولي لحماية الضحايا في النزاعات المسلحة ، ونتيجة للتحركات الدولية المؤيدة لفكرته والتي لاقت قبولا في عدد مقدر من الدول ، ثم جاء تشكيل جمعية إنسانية محايدة أطلق عليها (اللجنة الدولية للصليب الأحمر ) في 17 فبراير1863م بجنيف ، ثم توالت المؤتمرات الدولية لاضفاء الصفة الرسمية عبر اتفاقيات دولية لحماية ضحايا النزاعات المسلحة، وحماية جثامين الضحايا واعتبار الاعتداء عليها جريمة حرب تستوجب تقديم الجناة للعدالة ، لأن من أهم حقوق الإنسان حقه في الكرامة الإنسانية سواء كان حياً او ميتاً ، و عدم الاعتداء أو التمثيل بجسده بعد وفاته، واحترام قدسية الموت ودفع أي انتهاك يقع علي جثمانه، وهو أمر ثابت في الديانات السماوية والأعراف الانسانية.
العالم يتابع الحرب في السودان والتي تصنف من أكبر الحروب بشاعة ووحشية، حرب جعلت الموت سمة أساسية وواقعاً معاشاً لسنوات ،، دون موقف دولي حاسم وجاد تجاهها.
في المقابل المليشيا الإرهابية لم تترك جريمة في سجل الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب إلا وارتكبتها !!! ، حقيقة ،، ما تفعله المليشيا من جرائم وانتهاكات ضد المدنيين يشكل رقماً قياسياً عالمياً في الدموية والوحشية والبربرية.
هذه المرة جاءت المليشيا بجريمة نكراء ضد المدنيين وهم (شهداء) صعدت أرواحهم للحكم العدل سبحانه ، بعد أن روت دماؤهم الطاهرة أرض الفاشر ، ولتخفي المليشيا (البلهاء) جريمتها ارتكبت جريمة أخرى حيث قامت بحرق الجثث، وهي تعتقد (بغبائها) ألا أحد يعرف بما تفعله ، وأنها بذلك تخفي جريمتها البشعة ، ولا تعرف أن هناك أقمار اصطناعية نقلت كل ماحدث بالتفصيل ، وبحسب مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة (ييل الأميركية) والذي قدم تقريراً استند فيه إلى صور الأقمار الاصطناعية التي أوضحت أن المليشيا الإرهابية “أحرقت جثثاً في موقعين مختلفين في المدينة ، أحدهما في محيط المستشفى السعودي، وأكد المختبر أن “الصور أظهرت أعمدة الدخان الكثيفة وبقعاً داكنة تتطابق مع أنماط الحرق المتعمد مما يعقد عملية إحصاء عدد القتلى أو التعرف على هويتهم أو أي معلومة عنهم ، و دعى التقرير إلى إجراء تحقيق دولي عاجل بإشراف الأمم المتحدة لتوثيق ما حدث حتي لا يفلت الجناة من العدالة ،” إلى هنا انتهي ما ورد في التقرير!!
الأمم المتحدة وآليات المجتمع الدولي كلها تعرف كل ماحدث في الفاشر ويحدث الآن ، وسيظل ما حدث وصمة عار علي الإنسانية جمعاء ، لأن كل جريمة مروعة ارتكبت في حق الشعب السوداني من تلك المليشيا الإرهابية ، قوبلت بالتنديد الخجول والشجب الباهت والبيانات الباردة وكأن ما يحدث من إبادة جماعية وقتل ممنهج وحرق وسرقة ونهب وتهجير قسري واغتصاب وتعذيب ، أحداث في فيلم أكشن ،،
المجتمع الدولي يعرف أن الحرب في السودان سجلت أرقاماً مروعة من الوحشية والمأسي وأن الجرائم ضد الإنسانية ضحاياها من النساء والأطفال وكبار السن الذين كانوا بين سندان الموت جوعا ومطرقة القتل الجماعي من المليشيا ، وأصبح الموت هو العامل المشترك في كل معادلات الحرب.
المجتمع الدولي يعرف تماما أن لهؤلاء الضحايا حقاً في الحماية بموجب القانون الدولي ، حيث تنص المادة (17) من اتفاقية جنيف الأولى لعام 1949م و المادة (32) من البرتوكول الإضافي الأول الملحق لاتفاقيات جنيف الأربع الصادر عام 1977م تنص علي حماية خاصة لجثث ضحايا النزاع المسلح واحترام قدسية الموت وعدم المساس بها أو تشويها أو التلاعب بها أو حرقها ، ويلزم القانون الدولي الانساني بدفنهم وفقا للشعائر الدينية التي يعتنقها الضحايا ، كما أشارات المادة (16) من اتفاقية لاهاي العاشرة للعام 1907م علي ضرورة إجراء فحص طبي للجثث قبل دفنها ، وهذة الحماية القانونية تشمل أيضا مَن يُقتل من الأسرى أو المعتقلين في المعتقلات أو السجون وأن يتم إنشاء مقابر لهم و تكون قبورهم واضحة ومعروفة، ويجب أن تسجيل الأسماء والمعلومات اللازمة حول الضحايا بسجل قانوني تحت إشراف الصليب الأحمر يمكن الرجوع إليه عبر لجنة الصليب الأحمر الدولية أو أي لجنة تحقيق دولية أخرى ، كما أن لمعرفة هوية الضحايا أهمية في تحديد مصير المفقودين ومعرفة حياتهم أو مماتهم ، بالإضافة إلى أهمية هذا السجل في الكشف عن الجرائم الدولية التي وقعت ضد المدنيين وتحديدها حتى لا يفلت الجناة من العدالة .
علي الصعيد العالمي ، أسمع السودانيون صوتهم بالحق في كل مكان ، أوضحوا قضيتهم ووحدتهم خلف القوات المسلحة لتطهير بلادنا من الاوباش، وانتفضت الشعوب الحرة في أرجاء العالم وعبر أهل الفنون والرياضة والسياسة والفكر والعلم في العالم أجمع عن تضامنهم مع السودان ضد المليشيا (الاماراتية) الدموية الإرهابية، فأين المجتمع الدولي وآلياته من كل ما حدث ؟
سيظل السؤال لماذ لم يصنف المجتمع الدولي المليشيا الإرهابية جماعة إرهابية حتى الآن؟؟
لماذا لم يتم ردع دويلة الشر لتوقف دعمها للمليشيا الإرهابية حتي الآن؟؟
في كل الأحوال المليشيا استوفت كل شروط الإجرام ودرجات الوحشية وأوجه الإرهاب لمنحها لقب (جماعة إرهابية) أمام العالم أجمع ، لم يعد للمجتمع الدولي ورقة توت واحدة تستر ضعفه وخذلانه.
د.إيناس محمد أحمد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الملیشیا الإرهابیة المجتمع الدولی
إقرأ أيضاً:
الامم المتحدة: العنف في الفاشر "وصمة عار" على المجتمع الدولي
الخرطوم- ندد المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك الجمعة 14 نوفمبر2025، بالعنف الذي تشهده مدينة الفاشر السودانية معتبرا أنه "وصمة عار" على المجتمع الدولي الذي فشل في وضع حد له.
أسفرت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عن مقتل عشرات الآلاف وتسببت بنزوح حوالى 12 مليون شخص وبأزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، وفق الأمم المتحدة.
وتصاعد العنف بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة مع سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بعد حصار دام 18 شهرا، في ظل تزايد التقارير عن ارتكاب فظاعات.
وقال تورك "حذّرنا مرارا من الحصار الخانق الذي دفع الناس لأكل علف الحيوانات وقشور الفول السوداني".
وفي تصريحات أدلى بها قبيل جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن الوضع في المدينة، قال إن مكتبه "حذّر من تفشي المجاعة في وقت تم تجويع الناس حتى الموت وحذّرنا من أن سقوط المدينة في أيدي قوات الدعم السريع سيؤدي إلى مذبحة".
وأكد أنه "تم تصوير بقع الدم التي تلطّخ الأرض في الفاشر من الفضاء"، مضيفا بأن "وصمة العار في سجل المجتمع الدولي أقل وضوحا للعيان، لكن تداعياتها ليست أقل".
وتابع بأن "المجتمع الدولي عليه واجب واضح بالتحرك. لقد كان هناك الكثير من التظاهر والأداء، والقليل من العمل".
وشدد بأن عليه "الوقوف في مواجهة هذه الفظاعات، هذا العرض السافر للقوة الغاشمة لإخضاع السكان بأكملهم والسيطرة عليهم".
ودعا الدول للمساعدة في ضمان إمكانية وصول المدنيين في الفاشر والمناطق المحيطة بها الوصول إلى المساعدات الإنسانية والحماية.
كما دعا إلى "القيام بجهود منسقة لمحاسبة جميع المسؤولين عن الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في هذا النزاع".
وقال "فريقي يجمع أدلة على الانتهاكات يمكن استخدامها في إجراءات قانونية"، لافتا الى أن "المحكمة الجنائية الدولية أشارت إلى أنها تتابع الوضع عن كثب... على جميع المتورطين في هذا النزاع أن يعلموا: نراقبكم والعدالة ستسود".