د. محمد بن عوض المشيخي **

الطاقة النظيفة أصبحت حديث الساعة في العالم، خاصة من الخبراء والعلماء والساسة الذين يطمحون إلى تحقيق التوازن في العالم والسلامة لجميع الكائنات الحيَّة؛ لكون أن هذا النوع من الطاقة البديلة صديق للبيئة، ويتوافق مع مؤتمر باريس للمناخ الذي رسَّخ مبادئ والتزامات عالمية لحماية هذا الكوكب، الذي يتعرض لتحديات وجودية بسبب التلوث المتعلق بالانبعاثات الكربونية الضارة، والتي تأتي بالدرجة الأولى من ما يعرف بالوقود الأحفوري المتمثل في النفط والغاز والفحم الحجري.

وهذا الأخير أخلَّت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الأيام بتعهدات الإدارات الأمريكية السابقة وأعادت استخدام هذا النوع من الطاقة الذي يُشكِّل خطرًا على هدف "الحياد الصفري الكربوني" بحلول 2050، بحيث يفترض أن يكون عالمنا خالياً من التلوث بكل أنواعه، إذا تعاون سكان الكوكب في ما بينهم بعيدًا عن المصالح الاقتصادية التي عادة ما تكون على حساب المعاهدات والالتزامات الدولية. العالم اليوم يدخل مرحلة جديدة شبيهة بظهور النفط في مطلع القرن العشرين؛ حيث حصلت تغييرات اقتصادية واجتماعية وسياسية على مختلف المجتمعات التي أنتجت وصدرت الوقود الأحفوري وتلك التي استخدمته بشكل واسع في الصناعات البتروكيماوية والمشتقات البترولية المتعددة في الصناعة ووقوداً للسيارات والطائرات؛ مما أدى ذلك إلى ظهور عصر جديد من الرفاهية والتقدم للبشرية.

وانطلاقًا من إيمان سلطنة عُمان بأهمية الالتزام بالحياد الصفري الذي تحدد بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، فقد اتجهت البوصلة الاقتصادية العُمانية نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال شراكات اقتصادية مع العديد من الشركات العالمية من اليابان ودول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا، وخاصة تلك المهتمة بهذا النوع من الطاقة النظيفة، وذلك في إطار العمل بالتعاون مع وزارة النفط والمعادن العُمانية التي بادرت بتأسيس شركة حكومية باسم "هيدروجين عُمان" (هايدروم). كل ذلك يأتي في إطار المزايا التي تزخر بها السلطنة لتحجز لنفسها موقعًا مُميَّزًا في صناعة مُستقبل اقتصادي واعد، فقد حباها الله بمساحات شاسعة من الأراضي المخصصة للمشروعات القائمة على صناعة الهيدروجين الأخضر، والأهم من ذلك الطاقة الشمسية الكهروضوئية عالية الجودة وطاقة الرياح، فضلًا عن أنها تقع في مكان مناسب بين قارات العالم وعلى طول طرق الأسواق التجارية المهمة.

وبالفعل بدأت الاستثمارات الأجنبية تنهال على عُمان وتقدر بمليارات الدولارات، وتكمن أهمية ولوج السلطنة ودخولها المبكر لصناعة الهيدروجين الأخضر الذي يتم إنتاجه من "الماء عبر التحليل الكهربائي؛ حيث إنّ جزيئات الماء (H2O) تحتوي على كلٍّ من الهيدروجين والأكسجين وعليه فيتم تكسير جزيئات الماء باستخدام تيار كهربائي يمر عبر محلل كهربائي؛ وذلك بهدف إنتاج غاز الهيدروجين الأخضر".

ويتميز هذا النوع من الطاقة باستعمال المصادر المتجددة كطاقة الرياح والطاقة الشمسية، وذلك لكي لا يترتب على ذلك انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الضار بالبيئة. كما إن رؤية "عُمان 2040" تقلص استخدام النفط إلى أقل من 10 بالمائة من الناتج المحلي بحلول 2040، لكون أن تقديرات إنتاج النفط في البلاد قد تنخفض أو تنضب خلال عقدين من الزمن حسب التوقعات والدراسات المتعلقة بالاحتياطيات في السلطنة.

 وبالفعل نجحت السلطنة بالدخول في الوقت المناسب بالتخطيط الجيد والمنافسة الشريفة في هذا الحقل، إذ دشنت أول ممر في العالم للهيدروجين السائل إلى القارة الأوروبية وبالتحديد إلى ميناء أمستردام الهولندي والذي سيصبح مكاناً للتخزين ثم بوابة لهذه الطاقة الجديدة العُمانية إلى أوروبا خاصة ألمانيا بعد هذه الاتفاقية التاريخية التي تحققت خلال الزيارة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى مملكة هولندا.

وتقوم الاستراتيجية العُمانية على تصدير أكثر من مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول 2030 على أن يتم مضاعفة الإنتاج بعد ذلك بالوصول إلى أكثر من 9 ملايين طن من هذه الطاقة البديلة. وقد نجحت السلطنة في إطلاق أول محطة للهيدروجين الأخضر الخاص بالمركبات الكهربائية بطاقة إنتاجية تبلغ 130 كيلوجراما من هذا النوع من الطاقة الجديدة، وذلك في شهر فبراير الماضي. وتقدر تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في سلطنة عُمان بحوالي 1.6 دولارًا لكل كيلوغرام، مقارنة بـ1.4 دولارًا في تشيلي أحد أكبر المُنافسين للسلطنة في العالم.

وفي الختام.. يجب أن يدرك الجميع أن إنتاج الهيدروجين الأخضر ليس طريقًا مفروشًا بالورود؛ بل هناك تحديات عديدة تتمثل أولًا في تكلفة الإنتاج بالمقارنة مع استخراج النفط والغاز، لأنَّ عملية فصل الهيدروجين عن الأكسجين تحتاج إلى تقنيات تحليل الماء الكهروكيميائي ومواد محفزة نادرة ومكلفة مثل البلاتين، والأهم من ذلك عمليات التخزين ثم إعادة التسييل. ومن هنا تتطلب هذه الصناعة توفير محطات للتوليد وشبكات للتوزيع والتخزين آمنة، نظرًا لطبيعة هذا النوع من الطاقة الجديدة، وهو ما يتطلب استثمارات كبيرة وتعاونًا مشتركًا مع المستثمرين من داخل وخارج السلطنة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«أوروبا تشتعل في أمريكا».. كيف وصل تشيلسي وباريس لنهائي كأس العالم للأندية؟

تستعد جماهير كرة القدم العالمية، لمتابعة نهائي كأس العالم للأندية، الذي سيجمع بين فريقي باريس سان جيرمان الفرنسي وتشيلسي الإنجليزي، في قمة أوروبية من العيار الثقيل.

ويستضيف ملعب «ميتلايف» بمدينة نيو جيرسي الأمريكية، في العاشرة مساء غد الأحد، مباراة تشيلسي وباريس سان جيرمان، في موقعة كروية مشتعلة داخل أمريكا، وسط متابعة جماهيرية من مختلف أنحاء العالم.

واستطاع باريس سان جيرمان الوصول لنهائي كأس العالم للأندية، بقيادة لويس إنريكي، بعد الإطاحة بريال مدريد الإسباني، عقب الانتصار عليه برباعية نظيفة، مساء الأربعاء الماضي، ضمن منافسات مرحلة نصف النهائي.

وعلى الجانب الآخر، وصل تشيلسي للمباراة النهائية بعد الفوز على فلومينينسي البرازيلي بهدفين نظيفين، في اللقاء الذي أقيم مساء الثلاثاء الماضي، على ملعب ملعب «ميتلايف»، في المرحلة ذاتها.

مشوار تشيلسي وباريس سان جيرمان إلى نهائي كأس العالم للأندية

ويقدم موقع «الأسبوع» في السطور التالية مشوار تشيلسي وباريس سان جيرمان إلى نهائي كأس العالم للأندية

قدم فريقا تشيلسي وباريس سان جيرمان، منذ بداية البطولة حتى النهائي المرتقب، مشوارًا حافلًا، من خلال الانتصارات، رغم اختلاف قوة المنافسين في مرحلة المجموعات والأدوار الإقصائية.

واشترك تشيلسي وباريس سان جيرمان في نقطة، تتمثل في هزيمة بالجولة الثانية من مرحلة المجموعات، ضد فريقين من أندية البرازيل.

وتعرض تشيلسي لهزيمة بنتيجة 3-1 أمام فلامنجو البرازيلي، فيما سقط باريس سان جيرمان ضد بوتافوجو البرازيلي بهدف دون رد، وذلك ضمن منافستهما بالجولة الثانية من دور المجموعات، قبل أن يستعد الفريقان نغمة الانتصارات.

مشوار تشيلسي في كأس العالم للأندية قبل النهائي أمام باريس سان جيرمان مرحلة المجموعات

تمكن تشيلسي في مرحلة المجموعات من تحقيق الانتصار في مباراتين وتعرض للهزيمة في أخرى، حيث فاز على لوس أنجلوس الأمريكي والترجي التونسي بنتيجة (2 - 0) و(3- 0) على الترتيب، بينما خسر ضد فلامنجو بثلاثية.

الأدوار الإقصائية

استطاع البلوز في الأدور الإقصائية تخطي عقبات المنافسين، بداية من الفوز على بنفيكا البرتغالي بنتيجة (4-1) في دور السادس عشر، وعبور بالميراس البرازيلي (2-1)، وذلك قبل أن يعبر فريق فلومينينسي البرازيلي بنتيجة (2-0)، ليضرب موعدًا ناريًا ضد باريس سان جيرمان في نهائي كأس العالم للأندية

مشوار باريس سان جيرمان في كأس العالم للأندية قبل النهائي أمام تشيلسي مرحلة المجموعات

في بداية مرحلة المجموعات، نجح باريس سان جيرمان في تخطي أتلتيكو مدريد الإسباني برباعية نظيفة، وبالجولة الثانية سقط في فخ الهزيمة أمام فريق بوتافوجو البرازيلي بهدف دون مقابل، وذلك قبل أن يتأهل لدور السادس عشر بعد الانتصار على سياتل الأمريكي بهدف نظيف.

الأدوار الإقصائية

لم يكن طريق باريس سان جيرمان في المراحل الإقصائية، مفروشًا بالورود، إنما واجه كبار الأندية الأوروبية، حيث تغلب النادي الباريسي على إنتر ميامي برباعية نظيفة في ثمن النهائي، ثم بايرن ميونخ بثنائية نظيفة في دور الثمانية، فيما استطاع إسقاط على ريال مدريد الإسباني برباعية نظيفة في المربع الذهبي.

مقالات مشابهة

  • د. ثروت إمبابي يكتب: التحول الأخضر في الزراعة المصرية.. دور الطاقة المتجددة لتحقيق الاستدامة
  • التشريعات في السلطنة والشركات الناشئة
  • ليلى خالد... المرأة التي هزّت سماء العالم
  • إلى أين تتجه سياسة الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة المناخ؟
  • مدرب تشيلسي: باريس سان جيرمان أفضل فريق في العالم
  • سان جيرمان يطرد ليفربول من «قمة العالم»!
  • «أوروبا تشتعل في أمريكا».. كيف وصل تشيلسي وباريس لنهائي كأس العالم للأندية؟
  • انتعاش الوقود الأحفوري في أوروبا مع تذبذب إنتاج الطاقة النظيفة
  • شاب عُماني يسطع في واحدة من أرقى كليات إدارة الأعمال في العالم
  • الخوذة التي تقرأ المستقبل.. الإمارات تُطلق أول جهاز توليدي بالذكاء الاصطناعي