بين لعنات الماضي وخيارات المستقبل: لماذا يغضبكم مشروع التأسيس؟
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
بين لعنات الماضي وخيارات المستقبل: لماذا يغضبكم مشروع التأسيس؟
رسالة مفتوحة إلى أمين عون الشريف حول الشتيمة، الهوية السودانية، ومشروع بناء الدولة المدني
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
عندما نشرتُ الخبر الموثّق:
تحالف السودان التأسيسي يرحب بقرار محكمة العدل الدولية بشطب دعوى جماعة الإخوان المسلمين ضد دولة الإمارات،
كتب لي الابن أمين عون الشريف معلّقًا:
"أنت عبد وعميل للإمارات وآل دقلو.
فكان ردي:
لماذا يا ابني؟
لماذا تجنح للشتيمة كما يفعل الكيزان؟
هل نظرت حولك، وفي تاريخ حياتك وبلدك منذ الاستقلال؟
هل تصدقني إذا قلت لك إنني زرت خلال حياتي العملية والاجتماعية ٨٨ دولة، ووجدتُ السودان أكثرها تخلفًا، وأكثرها فوضى، وأكثرها معاناة من فقدان الهوية والانتماء؟
وما شأن قولك الغاضب وغير اللائق؟
أمام السودان خياران لا ثالث لهما:
**إما أن يظل في الوحل الذي غرق فيه منذ الاستقلال، يلعق أحذية العروبيين العنصريين والكيزان وتجار الدين والمغتصبين،
**أو أن يشرع في مشروع يُحرّره من قبضتهم ويبني دولة مدنية سلمية ديمقراطية لا مركزية، يجد فيها المواطن السوداني هويته واحترامه لنفسه.
لماذا يغضبك مشروع “التأسيس”؟
— هل لأنه أول تجمع مدني مبني على دستور وميثاق يُساوي بين جميع أهل السودان؟
— أم لأن دستوره لا يسمح بالعودة لحكم العسكر والبندقية والفواحش والبغاة والقتلة؟
لماذا يثيرك تكوين مشروع لإعادة الشرعية إلى حكم مدني ثوري، انقلبت عليه الحركة الإسلامية (الكيزان والدواعش ومليشيات البراء وعلي عثمان وكل مجرم أفاك وخائن)؟
لماذا تصفني بأنني عميل للإمارات وآل دقلو؟
لماذا لا تعترف، بغضبك، لانني ببساطة لست عميلًا لمصر أو قطر أو إيران؟
لماذا لا تتبصّر، وترى موقعك بوضوح، وأنت تدعم حكمًا كيزانيًا جاهلًا وعميلًا؟
**هل قرأت ميثاق التأسيس ودستور التأسيس؟
**هل تعرف أنهما ينصّان صراحة على حكم مدني لكل السودان، ولا يسمحان للجيش بالعمل في السياسة، وأن مهمة الجيش الوحيدة هي حماية السودان؟ وهذا، للأسف، ما لم تفعله القوات المسلحة السودانية منذ ١٩٥٦.
**السودان اليوم بؤرة تخلف وعدم احترام للذات،
بل أُوقع عمدًا في حرب خططت لها ونفذتها مليشيات الكيزان للقضاء على الثورة ديسمبرية.
هل فات عليك حجم الإعدادات الجارية لجعل السودان بؤرة نتنة للحركات الإسلامية العالمية وما جاء مشاعًا لإرهابي حماس والدواعش؟
**اهدأ، وجرّب أن تُفكر بعمق: كيف ينهض هذا البلد، الذي ما زالت سلطاته التاريخية الفاشلة تنظر بدونية إلى محاولات التغيير، بينما تتشبّث نخبته المركزية بشهادات نسب مفبركة وغير ضرورية الي أصول عربية ؟
المراجع والسياق المرتبط:
١. ميثاق تأسيس السودان: الوثيقة السياسية التي تنص على إنشاء دولة مدنية ديمقراطية لا مركزية تساوي بين جميع السودانيين، وتفصل الجيش عن السياسة.
٢. دستور التأسيس: الوثيقة الدستورية التي وضعت أسس الحكم المدني الثوري، ورفضت عودة العسكر أو الإسلام السياسي إلى السلطة.
٣. التاريخ السياسي للسودان منذ الاستقلال (١٩٥٦): سياق الحروب والانقلابات العسكرية، وتاريخ الفشل في بناء دولة وطنية جامعة.
٤. الثورة ديسمبرية: الحراك الشعبي الذي أسقط نظام البشير وواجه مؤامرات الكيزان لإجهاضه.
د. احمد التيجاني سيد احمد
٦ مايو ٢٠٢٥ روما- نيروبي
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الجامعات الأردنية… عقول المدن ونبض المستقبل
#الجامعات_الأردنية… عقول المدن ونبض المستقبل
بقلم الأستاذ الدكتور يحيا سلامه خريسات
في صباح كل يوم، ومع دقات الساعة الثامنة، تبدأ شوارع عمان وإربد والزرقاء وغيرها من المدن بالامتلاء بالحركة. حافلات تقل الطلبة، مقاهٍ تستقبلهم على عجل، ومحال تجارية تنشط مع بداية الدوام الجامعي. الجامعات هنا ليست مجرد مؤسسات تعليمية، بل هي شرايين حياة تضخ النشاط في المدن، وتؤثر في ملامحها الاقتصادية والاجتماعية.
لكن خلف هذا الحضور النابض، تختبئ أسئلة صعبة عن واقع التعليم العالي، وعن التحديات التي تواجه هذه المؤسسات، والعلاقة الملتبسة بينها وبين محيطها الحضري.
من يتجول في محيط الجامعة الأردنية أو جامعة اليرموك أو غيرها، يلمس مباشرة الازدحام المروري، وضغط البنية التحتية، وتكدس الطلبة في القاعات. التوسع في إنشاء الجامعات وتكرار التخصصات بين المحافظات، دون تميّز نوعي، جعل كثيراً من البرامج الأكاديمية مشبعة، بينما تبقى بعض التخصصات التقنية والمهنية في حالة عطش للطلبة.
الأمر لا يقف هنا؛ التمويل المحدود وديون الجامعات التي تتجاوز مئات الملايين، وضعف الإنفاق على البحث العلمي، كلها عوامل كبّلت حركة التطوير. أما سوق العمل، فله رأي آخر، إذ لا يزال يشكو من فجوة بين مهارات الخريجين واحتياجاته الفعلية، لتبقى شهادات كثيرة بعيدة عن التطبيق العملي.
مقالات ذات صلةالجامعة ليست فقط أسواراً ومباني، بل هي قلب نابض داخل المدينة. نجاحها أو تعثرها يترك أثراً مباشراً على الحركة التجارية، والعقارات، وحتى على المزاج العام لسكان المنطقة. ولعل غياب الشراكة الحقيقية بين الجامعات والبلديات، جعل كثيراً من الفرص التنموية تضيع بين الأوراق والروتين.
خبراء التعليم يرون أن الطريق إلى الإصلاح يبدأ من الاستقلالية المؤسسية، بحيث تُمنح الجامعات صلاحيات مالية وأكاديمية أوسع، مع رقابة شفافة على الأداء. كذلك، فإن إعادة هيكلة البرامج الأكاديمية وربطها بسوق العمل، ودعم البحث العلمي بتمويل حقيقي لا يقل عن 1% من الناتج المحلي، خطوات لا تحتمل التأجيل.
ولا بد أيضاً من فتح أبواب التعاون مع القطاع الخاص، وإنشاء مراكز ابتكار وحاضنات أعمال داخل الحرم الجامعي، ليصبح الطالب شريكاً في صناعة الحلول، لا متلقياً للمعلومات فقط.
إذا أردنا أن نرى جامعاتنا بعد عقد من الزمن في مكانة مرموقة إقليمياً وعالمياً، فلا بد أن تتحول إلى مراكز حضرية متكاملة، تؤثر إيجابياً في محيطها من خلال مشاريع خضراء، وخدمات تعليمية وصحية، وفرص عمل مباشرة للمجتمع المحلي.
إن الرهان اليوم ليس فقط على قاعات المحاضرات، بل على قدرة الجامعة على أن تكون عقل المدينة وقلبها النابض، وأن تصنع نموذجاً أردنياً ملهماً للتعليم العالي، يوازن بين جودة المخرجات والتأثير الإيجابي في الحياة اليومية للمجتمع.