أرضٌ آمنة.. رواية البحث عن الخلاص في عوالم متناقضة
تاريخ النشر: 7th, May 2025 GMT
الجزائر "العُمانية": تدور أحداث رواية "أرض آمنة"، للروائيّة الجزائرية، مريم بلعاليا، وسط أجواء دراميّة تشويقيّة بنفحات رومانسية، تُبحر بنا في عالم منقسم بين النور والظل، بين الثراء الطاغي والبؤس المتجذّر، حيث تنبض الحكاية وسط أجواء مستوحاة من العصر الفيكتوري، لتعكس صراع الإنسان مع الطبقيّة والقدر والحبّ والمبادئ، وتغوص في أعماق النفس البشرية التي تبحث عن الخلاص والحرية والانتماء.
وتدور أحداث الرواية في مدينتين متناقضتين تمامًا؛ بلدة العِز، حيث تعيش النخبة في عالم من الترف، وبشر مطيعون، وقوانين تُفصَّل على مقاس الأغنياء، وحياة لا تعرف معنى النقص أو الحرمان؛ إنّها مدينةٌ وتحكمها سلطة تتستّر على هشاشتها خلف الأقنعة اللامعة.
وفي الجهة المقابلة، بلدة العوز؛ وهي أرض الفقراء والمهمّشين، ببيوت متداعية، وبطون جائعة، وأرواح أنهكها الجوع والبرد والحروب. مدينةٌ تحيا على الهامش، لا يُذكر اسمها إلا في سياق الإشفاق أو الاستغلال، ولكنّها تحمل بين أزقتها طاقة لم تنفجر بعد، وأحلامًا تنتظر أن تُروى.
وفي هذا العالم المزدوج، تبرز "لارا"، فتاة في العشرين من عمرها، ابنة عمدة بلدة العز، ورغم انتمائها للطبقة المخمليّة، إلا أنّ قلبها ينبض بنبض مختلف. عيناها الزرقاوان لا ترَيان فقط الجمال، بل الألم خلف الجدران العالية. وشعرها الكستنائي يُخفي عقلًا حالمًا، وطموحًا يتعدّى حدود بلدتها المحصّنة.
وعن بطلة هذه الرواية، تقول الروائيّة مريم بلعاليا، لوكالة الأنباء العمانية، "لارا ليست فتاة مدلّلة، كما يُفترض بابنة عمدة، بل طبيبة شابة، تهوى الطب، وتعشق فكرة التغيير، وتحمل بين يديها شغفًا بمداواة الجراح، ليس الجسدية فقط، بل تلك التي تُعشّش في الأرواح. وتشعر دائمًا أنّ حياتها ناقصة، وأنّ هناك جزءًا مفقودًا منها، ربما يكون في الجهة الأخرى من العالم الذي لم تره يومًا: بلدة العوز.
ومدفوعة بفضول عميق ورغبة صادقة في تقديم يد العون، تُقرّر مغادرة عالمها الآمن والذهاب إلى بلدة العوز، متحدّيةً والدها الغاضب، وقوانين مدينتها، وحتى خوفها الداخلي من المجهول، وتبدأ رحلتها على متن سفينة، وسط أمواج البحر التي لا ترحم، في مشهد عاصف يقلب مجرى حياتها، بعد أن تتحطّم السفينة، وتنجو لارا بأعجوبة، لتجد نفسها غريبة فاقدة للذاكرة على أحد شواطئ بلدة العوز. هناك، في قلب الفقر والضياع، تبدأ لارا رحلة جديدة، وتكتشف عالمًا مغايرًا لكلّ ما عرفته. لكنّها أيضًا تكتشف نفسها.
وتضيف الروائيّة بالقول "تقوم عجوز حكيمة تُدعى العمّة "تينا" بإنقاذ لارا، وتُطلق عليها اسم نورة، وتُعاملها مثل ابنتها. ومن هذا المنعطف، تبدأ نورة في بلدة العوز بالتعرُّف على معنى الصبر، والتعاطف، والنضال من أجل الآخرين. وتتعلّم كيف يُمكن للجمال أن يولد من الألم، وكيف يزهر الحب وسط الخراب، وكيف يتسلّل النور حتى من بين الشقوق الضيّقة.
وخلال هذه المغامرة، تلتقي شخصيات فريدة مثل "أمان"؛ الشاب البسيط الذي يحمل قلبًا شجاعًا، وندوبًا تُخفيها نظراته الصّلبة. وتبدأ بينهما علاقة عميقة، تمزج بين الحذر والجاذبية، وبين القوة والضعف، ويكتشفان أنّهما توأما روح، يجمعهما أكثر من مجرّد لقاء عابر. كلاهما يحمل جرحًا قديمًا، وكلاهما يبحث عن معنى جديد للحياة. وفي خلفية الأحداث، يظهر "ستيف"، الشاب الغني والمتعجرف من بلدة العز، والذي يبدأ بالتغيُّر، شيئًا فشيئًا، بعد لقائه لارا في السوق، ثم بعد علاقته بخادمة لارا المخلصة "لورا"، التي هي الأخرى تعيش صراعًا بين الوفاء وحبّها الجديد، وبين عائلتها العالقة وسط الجحيم في بلدة العوز.
وتؤكّد مريم بلعاليا، أنّ "لورا، بطيبتها وهدوئها، تُمثّل صوت البسطاء الذين لا يتكلّمون، لكنّها تحمل في داخلها قوة قادرة على تغيير مصيرها، وأنّ الرواية تتصاعد دراميًّا مع تصاعد التوتر بين البلدتين، خاصّة حين يُعيَّن رجل حالم وذكي اسمه "جمال" عمدة جديدًا لبلدة العوز، وتبدأ أولى بوادر الثورة، ويسعى السكان للنهوض، يتحدّون فقرهم، ويُشيّدون قوارب، ويُقيمون مشاريع، ويتبادلون المعرفة والكرامة. لكن هذا لا يُعجب عمدة بلدة العز، والد لارا، الذي يرى في نهوض العوز تهديدًا مباشرًا لمكانته وسلطته، فيُشعل فتيل الحرب. ووسط ألسنة اللّهب، والجروح التي لا تُرى، تظهر لارا مثل قائدة إنسانيّة، تقود قافلة من الأمل، تمسح الجراح، وتُنقذ الأرواح، وتُرسل خطابات سلام، رافضة أن تكون ابنة العمدة المتغطرس، بل صوتًا جديدًا لعالم آمن، تتجاوز فيه الهُويات، والحدود، والأسماء.
وتُشير مريم بلعاليا إلى أنّ "أرض آمنة" ليست فقط رواية عن الحب، أو عن الاختلاف الطبقي، بل هي رحلة في عمق الإنسان؛ في الرغبة بالتغيير، في صراعات الهُوية، وفي التمرُّد، وفي الشفاء، وفي القوة الكامنة داخل كلّ قلب لم يُنسَ بعدُ كيف يحب، ولم يُطفئ داخله الشغف ببناء عالم أجمل، حتى ولو كان فوق رماد العالم القديم.
يُشار إلى أنّ الكاتبة، مريم بلعاليا (2001)، روائيّة وشاعرة جزائرية، وهي حاليًّا طالبةٌ جامعيّة، تدرس البيولوجيا (تخصُّص علم الطفيليات) بجامعة باب الزوار بالجزائر العاصمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عالم ا
إقرأ أيضاً:
منى أبو النصر: لو كتبت رواية ستكون بطلتها وردة لوتس بشرية!
*كتابي أطلق لدى القراء شرارة تأمل فشاركوني رؤيتهم للزهور
*أنا شغوفة بالتقاطعات بين الفن والفلسفة وعلم النفس والنقد
*الوردة في الشِعر رمز مجرد للجمال وفي السرد كائن درامي
حظي كتاب الصحفية المصرية منى أبو النصر "الحالة السردية للوردة المسحورة" باحتفاء نقدي كبير، كما أن القراء لم يكتفوا في مراجعاتهم بعرض أفكاره فقط، بل إنهم حكوا أيضاً عن علاقتهم مع الورود، ورؤيتهم لها، وبالتالي هو من نوع الكتب المحرِّضة على التفكير والتأمل، خاصة وأنه مكتوب بلغة بسيطة وجميلة ويحوي عشرات القصص الشيقة من المثولوجيا والسينما والرواية وكل الفنون تقريباً، بشكل يجعله أشبه بباقة زهور رائعة.وفي هذا الحوار تتحدث منى أبو النصر حول كواليس كتابته، وكيف جمعت مادته، ولضمت حكاياته الكثيفة في عنقود "فل" له رائحة مميزة.
متى قررتِ كتابة عمل كامل عن "الوردة" وكيف جاءتك الفكرة؟
تشكَّلت فكرة هذا الكتاب تدريجياً، لم أكن أدرك في البداية أنني أقترب من مشروع كتابي الأول، لكن مع مرور الوقت بدأت ملامح ثيمة الوردة تتضح أمامي شيئاً فشيئاً، انتبهت أن الوردة تتكرر في ملاحظاتي، وفي الحوارات التي تشغلني، وأقوم بربطها بتأملات تقودني لمطالعات أخرى، وهكذا لاحظت أن لديَّ رصيداً كبيراً صار يتسع يومياً حول هذا الموضوع، وبدأت أكثف البحث فذهب بي إلى الأسطورة والسِّير الذاتية والفلسفة، أدركت أن هناك بذرة كتاب تستحق الرعاية ومواصلة الاهتمام بها.
كتابك لا يقع تحت تصنيفات الأدب العادية، يمكن أن ندرجه تحت "الننفشكن" فما الذي أتاحه لك التحرر من القوالب المعروفة أثناء الكتابة؟
صحيح أن الكتاب لا ينتمي إلى تصنيف أدبي تقليدي، فهو يقع في كتابة الـ"ننفكشن" التي تتسع للتأمل، والدراسة النقدية عبر كتابة حرَّة، هذا التحرر لم يكن هدفاً بحد ذاته، بل قادته طبيعة المادة نفسها، وللطريقة التي تفتّحت بها الفكرة داخلي.
فالوردة يصعب اختزالها في صورة واحدة، ولا في قالب جاهز، تماماً كما هي في الحياة متعددة، مراوغة، تنتمي لكل شيء ولا تنتمي لشيء محدد. من هنا شعرت أن الكتاب نفسه يجب أن يُكتب بهذه الروح؛ أن يتنقّل بحرية وخفَّة بين اليومي والرمزي، بين الفن والتحليل الثقافي، دون أن يُلزم نفسه بقالبٍ جامد.
اعتمدتِ على مائة عمل فنى، تتنوَّع بين الأدب والسينما والمثولوجيا والنقد والقصيدة والسيرة والمسرح.. والمؤكد أنك انتقيتِها من بين عدد أكبر بكثير. ما معايير اختيارك للأعمال الفنية؟
كنت أميل لاستبعاد الأعمال التي تظهر بها الورود بصورة كليشيهية، أو في سياقات مألوفة إلا إذا كانت لديها خصوصية ما، فمثلاً قد يكون إهداء الناس الورود مشهداً مألوفاً، أما عندما يُرسل حبيب غائب باقة زهور مغلقة البراعم لحبيبته، ويعِدُها في رسالة أنه سيعود بعد أسبوعين ليشاهداها سوياً وهي تتفتح، ثم لا يعود لأنه يموت، فهنا تحمل دلالة جديدة، وعندما تنمو الورود من قلب قبر فهنا مفارقة أسطورية، وعندما يأكل البطل الورود لأنها تُذكره بحبيبته المُنتظرة كما فعل "فلورنتينو" في "الحب في زمن الكوليرا" فهنا مفارقة سِحرية، هكذا كنت أميل في اختياراتي، وتلك الاختيارات تتصل بفلسفة الكتاب التي مهَّدت لها في بدايته بوصف الورود فلم يقتصر ظهورها كزخارف جمالية فقط داخل الكادر أو النص الفني، بل اتسعت لأبعاد مجازية ودرامية أبعد من صورتها النمطية.
الانتقال من فقرة إلى أخرى ومن حكاية إلى حكاية ومن عمل فني إلى آخر بدا سهلاً وممتعاً ومشوقاً، هل هذه السهولة في القراءة كانت حاضرة أثناء الكتابة، أم أن هضم هذه النثار الهائل وتجميعه في عُقدٍ واحد مثَّل تحدياً بالنسبة لك؟
كان هذا أحد أكبر تحديات الكتاب، فكَّرت في البداية أن يكون على رأس كل فصل وردة مختلفة، وقصص تأملية مرتبطة بها، ثم ذهبت لبنية أكثر تكثيفاً وإحاطة بما أريد قوله، وهي بنية تُحاكي قصة حياة مصغَّرة، تماماً كالوردة نفسها. حينها وجدت أن البدء من قصة الخلق يبدو طبيعياً، ثم انتقلت إلى اللحظات والثيمات الإنسانية الكبرى من حياة، وفقد، وموت، وحياة أخرى. كان التحدي الحقيقي هو كيف أُفتّت هذه القراءات والمشاهدات وأعيد توزيعها بحيث تبدو مُنسابة وتلقائية في سياقها دون أن يفقد تماسكه أو دهشته. وهذا ما جعل من التحرير والتجريب في ترتيب الفصول، عملية طويلة ودقيقة، لكنها كانت ضرورية لخلق هذا الإيقاع خلال القراءة.
لم تكتفِ بزاوية واحدة للنظر في بعض الحكايات المثولوجية ومنها حكاية نرسيس وإيكو فهل نهاية القصة الحزينة هو ما استدعى زهرة حزينة المظهر كالنرجس؟
تُختزل قصة نرسيس في الذاكرة العامة بكونه الفتى الجميل الذي وقع في غرام نفسه، وغالباً ما نُسجت العلاقة بينه وبين زهرة النرجس من زاوية الجمال وحده. لكن حين عدت إلى الأسطورة، فوجئت بوجود مرويات مُهملة ومتفرقة تحيط بقصته، منها حكاية "إيكو"، حورية الجبل التي نبذها نرسيس، وتحوُّله في نهاية المطاف إلى زهرة نرجس شاهدة على صورته المذابة في سطح البحيرة.
تظل عبقرية الأسطورة في قدرتها على النفاذ إلى عمق الموجودات، والاتصال بها عبر الحكاية، وحكاية إيكو ونرسيس حكاية بالغة الرقة والقسوة معاً، حتى تحوُّله إلى زهرة جاء كنوع من الإشفاق على العقوبة الكبيرة التي لحقت به، وكأنما مُنح حياة أخرى على هيئة زهرة؛ امتداداً لجماله، وتخليداً للشجن الكبير الذي شهدته البحيرة، موطن النرجس الأصلي.
الزهور عبَّرت في فترة قديمة عما لا يمكن التصريح به، ومثلاً لو كانت الزهرة المركزية في الباقة "قرنفلة وردية" فهذا يعني: "لن أنساك أبداً"، ولو كانت "قرنفلة صفراء" فالمعنى: "خاب ظني فيك"، أما زهرة العنكبوت الأحمر فتقول: "لنهرب معاً دون علم أحد". لماذا لم تتوسعي في التفاصيل الخاصة بالمجتمعات وتقاليدها وزمانها؟
لم يكن عدم الاستفاضة في التفاصيل الاجتماعية والزمانية إغفالاً لها، بل كان مقصوداً إلى حد ما، لأن تركيزي الأكبر كان على البعد الرمزي والنفسي والجمالي للزهور بوصفها "لغة"، لا فقط علامات دلالية ثابتة مرتبطة بسياقات محددة، ومع ذلك، فتلك الرموز لم تأتِ من فراغ، بل وُلدت في مجتمعات بعينها، ولها جذورها الثقافية والاجتماعية، لكن ما حاولت أن أفعله هو أن الحفاظ على هذه الإشارات مفتوحة بعيداً عن حصرها داخل ثقافات مغلقة.
ما المختلف في النظر إلى الوردة بين شاعر وسارد؟
في الكتاب إشارة إلى رواية الكاتب الراحل أمجد ناصر "هنا الوردة" التي صاغ فيها بعذوبة هذا التراوح بين "وردة الحديقة" و"وردة الشعر"، ما بين الوردة المُجردة ووردة الرمز، والحقيقة أن الاثنين معاً مُتكاملان، وفي الشِعر تصبح أكثر تجريداً واتصالاً بالمُطلق كرمز للجمال، أو الأمل، أو الأثر، أما السارد، فينظر إلى الوردة بوصفها عنصراً أو كائناً درامياً يوظِّفها في أدوار تتراوح بين الرومانسية والسِحرية وحتى العبثية والكابوسية.
كيف وجدتِ الاقتران بين الدماء أو اللون الأحمر والزهور؟
كانت اللفتة الأولى لهذا الاقتران من قصة نُسبت لأفروديت ربَّة الجمال عند الإغريق، فقيل إنها حين كانت تحاول اللحاق بحبيبها في الغابة، جُرحت قدمها فصُبغت جميع وورد الغابة البيضاء بدمائها، قبل هذه الحكاية، كانت كل ورود الغابة بيضاء، وكأن الجمال لم يكتمل إلا حين جُرح.
الورد الأحمر نافذ الحضور دائماً، وكأن لونه ليس فقط انعكاساً للجمال، بل لتكلفته أيضاً، وقد أشار الكتاب إلى أكثر من موضع استُلهم فيه هذا اللون لمعالجات درامية متنوِّعة، حيث تحوَّلت الوردة من رمز للحب إلى علامة على الفقد أو الفِداء، كما في قصة أوسكار وايلد "العندليب والوردة".
لماذا تحوَّل عنوان أمبرتو إيكو "اسم الوردة" إلى عنوان أسطوري مع أنه اختاره بالصدفة وبمساعدة أصدقاء؟
ربما لمراوغته وشِعريته، رمز يؤول لدلالات واسعة، لم تكن هناك وردة بالمعنى المباشر في الرواية التي تدور داخل أحد الأديرة، كان إيكو يريد عنواناً لا يشي بشيء من أحداثها الملغزة، فوجد في الوردة تخليصاً لحالة الأسرار والألغاز التي تدور الرواية في فلكها.
ما الحكاية التي أبهرتكِ أنتِ شخصياً قبل أن تنقليها في الكتاب؟
حكاية وردة أفروديت الأولى التي وُلدت من دموعها، قصة خلق آسرة ولم أكن قد سمعت عنها قبل أن أنقلها إلى الكتاب، فكرة أن تُخلق وردة من حُزن، هي حالة أسطورية وعاطفية جارفة في آن واحد.
لديك تمثيلٌ لبعض الكتَّاب المعاصرين.. على أي أساس اخترتِهم دون آخرين لديهم كذلك تدوينات عن الوردة؟
لا أدَّعي أنني أحطتُ بكل الأعمال التي تناولت الوردة في عالمها، فذلك ضرب من المستحيل وسط حضور الورود الطاغي، اختياراتي لم تنطلق من رغبة في الاستقصاء، بل من رغبة في بناء سردية تلتقط إشارات متناثرة من أعمال عربية وغير عربية بما يخدم نَسَق الفكرة وتساؤلاتها، لذلك كانت الأعمال المشار إليها مجرد تمثيل لا حصر.
ريلكه قتلته شوكة وردة، سقراط قُتل بسم زهرة "الشوكران" هل هذا الجانب المظلم للوردة يقول إن أي شيء جميل له وجه كابوسي؟
في أحد تأملات "الأمير الصغير" المدهشة، يسأل عن فائدة شوك الورود، فهي عملياً لا تحميها من الحملان أو الثعالب، وفي قصة ريلكه الذي جرحته وردة بالمصادفة فقادته لتبعات دراماتيكية انتهت بموته، وحمل لقب "الشاعر الذي قتلته وردة"، حاولت تتبع هذا الوجه الآخر للجمال حين يحاول الدفاع عن نفسه، أو ذلك الوجه المظلم للجمال الموجِع، فهو مُلهِم للتفكير والمُخيلة.
لو كتبتِ رواية عن نفس الموضوع فما الوردة التي ستختارينها ولماذا؟
رغم أني بعيدة الآن عن منطقة الرواية، إلا أن سؤالك جعلني أتخيَّل وردة بشرية قوامها من "اللوتس" التي تبدو بالغة الحُسن، لكن خلفها رحلة طويلة تحت الماء، تجربة قاسية لم يرها أحد، تتفتح كل صباح على السطح، وتتجاوز الليل كل يوم وحدها.
في الميثولوجيا المصرية، وُلد رع من زهرة لوتس وفي الميثولوجيا الشرقية يجلس بوذا على لوتس ليتأمل، وفي الرواية، قد تولد البطلة من مستنقع عميق في رحلة ذاتية لا يراها أحد.
هذا العمل يحتمل أن يكون أضخم.. لكنك اخترتِ أن يصدر في "باقة صغيرة". لماذا؟
استمر العمل على هذا الكتاب سنوات، وما زلت على قناعة بأنه كان من الممكن أن يمتد لسنوات أخرى، فحتى بعد صدوره، لا تزال الورود تفاجئني بإشارات ومفارقات جديدة كنت أتمنى لو أدرجتها في الكتاب، وسعيدة أن "الباقة الصغيرة" التي قدَّمتها أطلقت لدى القراء شرارة تأمل، فقد شاركني كثيرون قراءاتهم للورود من ذاكرة مشاهداتهم وقراءاتهم الأدبية والشِعرية، ومع هذا التلقي الإيجابي، شعرت أن الكتاب حيٌّ، ونص مفتوح قابل للنمو.
أخيراً.. ما العمل الجديد الذي تعملين عليه حالياً؟
لم أستقر بعد على فكرة واحدة بعينها، لديَّ أكثر من مشروع مفتوح أختبر أسئلته لمعرفة إذا كان هناك جديد يمكن أن أقدمه فيه، أعتبر نفسي شغوفة بالتقاطعات بين الفن والفلسفة وعلم النفس والنقد، وأرجو أن أستطيع تطوير كتابتي في هذا الحقل، والتعبير فيه بخصوصية في مشروعي القادم.