يرى الكاتب الإيطالي روبرتو سافيانو أن "تعريفات ترامب الجمركية تمثل هدية للمافيا"، إذ ستستفيد المنظمات الإجرامية في جميع أنحاء العالم مع ازدهار التهريب الذي يمثل لها شريان حياة.

ويشير الكاتب، وهو مؤلف كتابي "غومورا" و"زيرو زيرو زيرو" عن المافيا الإيطالية، وقد عاش لأكثر من 20 عاما تحت حماية الشرطة بسبب التهديدات التي تلقاها من مافيا نابولي، إلى أن قادة المنظمات الإجرامية يدركون أن كل قرار اقتصادي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار يفتح سوقا مزدهرة للتهريب.

ومن شأن حرب التعريفات الجمركية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الفترة الماضية أن تدفع الكثيرين للتحول نحو التهريب، وهو ما سيمثل فرصة كبرى للمافيا، حسب قوله.

ويضيف الكاتب -في تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية- أن الكارتلات المكسيكية، والمنظمات الإجرامية الإيطالية، والمافيا الروسية، وغيرها من المنظمات القادرة على تهريب المواد غير القانونية إلى الولايات المتحدة، ستتمكن الآن بنفس السهولة من تهريب المواد القانونية، وهكذا فإن سوقا جديدة هائلة آخذة في الظهور، والجريمة المنظمة مستعدة للاستفادة منها.

أمثلة سابقة

ومن الأمثلة في التاريخ الأميركي -حسب الكاتب- قانون الحظر عام 1807، عندما فرض الرئيس توماس جيفرسون حظرا تاما على التجارة الخارجية للضغط على بريطانيا وفرنسا، وأدى هذا إلى زيادة هائلة في التهريب، خاصة في المناطق الحدودية مثل فيرمونت ومين.

إعلان

وعندما زاد قانون تعريفة سموت- هاولي عام 1930 التعريفات الجمركية على أكثر من 20 ألف منتج مستورد، بدأت منظمات المافيا الإيطالية-الأميركية في العمل كوسطاء، حيث لجأ العديد من صغار التجار إلى الطرق غير القانونية للحفاظ على هوامش الربح.

وفي عام 2024، أقرت شركة أميركية بتورطها في تهريب بلاط البورسلين من الصين وتزوير المنشأ على أنه "صنع في ماليزيا" لتجنب رسوم مكافحة الإغراق والرسوم التعويضية.

وقبل تعريفات ترامب، كان سوق التهريب يدور بشكل شبه كامل حول المنتجات المقلدة من آسيا، حيث تُظهر بيانات هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية أنه تمت مصادرة سلع مقلدة بقيمة 2.8 مليار دولار عام 2023، و5.4 مليارات دولار عام 2024.

ويرى الكاتب أن أحد الحلول للحد من عمليات تهريب البضائع هو تشديد الرقابة في الموانئ، لكن ذلك يعني إبطاء المعاملات الجمركية.

وأوضح أن المنظمات الإجرامية تختار الموانئ المناسبة للتهريب ليس وفقا لمستوى الفساد، وإنما وفقا للسرعة، فكلما كان الميناء أسرع، زادت كمية البضائع التي يمكن إدخالها من دون ضوابط.

توازن جديد

ويتابع الكاتب متسائلا: ألا يدرك ترامب حقا أن التعريفات الجمركية ستكون فرصة ذهبية للمهربين؟

وحسب رأيه، فإن الأمر قد لا يُزعج الرئيس الأميركي لأنه يدرك أن الشركات الأميركية بحاجة إلى الحصول على السلع بأسعار ما قبل التعريفات لكي تظل قادرة على المنافسة، كما يمكن أن يوفر له التهريب سببا لمواصلة الضغط السياسي على الحكومات الأجنبية.

ويؤكد الكاتب أن الأمر ليس غريبا لأن مرشد ترامب، المحامي الأميركي روي كون، مثّل في السبعينيات زعماء مافيا مثل كارمين غالانت وكارلو غامبينو ونيكولاس راتيني، وقدّم المشورة لعائلة جينوفيز الإجرامية.

ويعتقد الكاتب أن التهريب في مثل هذه الظروف لن يكون إستراتيجية للحصول على منتجات رخيصة أو مقلدة، بل سيصبح طريقة ضرورية للبقاء في المنافسة.

إعلان

ويختم بأن المنظمات الإجرامية تدرك أنه كلما زاد طلب السوق على البضائع المهربة، زادت صعوبة مكافحته، ما يعني في النهاية الوصول إلى توازن يُصبح فيه التهريب في أميركا مقبولا من جديد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المنظمات الإجرامیة

إقرأ أيضاً:

بينها الأحذية والموز والسيارت.. سلع سترفع رسوم ترامب الجمركية أسعارها بأميركا

مع بدء سريان الجولة الأحدث من الرسوم الجمركية التي أقرّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يتّجه الأميركيون لمواجهة موجة جديدة من ارتفاع الأسعار تطال سلعا استهلاكية أساسية مثل الأحذية والموز وحتى السيارات.

وبحسب ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن "مختبر الموازنة التابع لجامعة ييل"، فإن متوسط الضريبة على الواردات ارتفع إلى أكثر من 18%، مقارنة بنسبة 2.4% فقط في كانون الثاني/يناير الماضي، في قفزة وُصفت بأنها الأعلى منذ عام 1934.

الأحذية والسيارات.. زيادات كبيرة

وتشير تقديرات "مختبر ييل" إلى أن أكثر القطاعات تضررا ستكون تلك المتعلقة بالملابس والمواد الغذائية والسيارات. ففي الأجل القصير، يُتوقّع أن ترتفع أسعار الأحذية بنسبة تصل إلى 40%، بينما قد ترتفع كلفة الملابس بنسبة 38%.

أما المنتجات الطازجة من خضار وفاكهة، فمن المتوقع أن تزداد أسعارها بنسبة 7%. وعلى صعيد السيارات، قد يضطر الأميركيون لدفع ما معدّله 5800 دولار إضافي لشراء سيارة جديدة، في وقت تعاني فيه ميزانيات الأسر من ضغوط التضخّم.

وفي هذا السياق، قالت شيكا جاين، الشريكة التنفيذية لشؤون المستهلكين والتجزئة في شركة "سايمون-كوشير" للاستشارات، إن "الناس قد يضطرون للاعتماد المتزايد على الديون للحفاظ على مستوى معيشتهم، ما يعني أن هذه الدورة التضخمية قد تُغذّي نفسها بنفسها، وتخلق حلقة مفرغة من الندرة وارتفاع التكاليف".

متسوقون في مركز وولمارت في الولايات المتحدة الأميركية (رويترز)الشركات لم تعد تتحمّل التكاليف

وأوضحت الصحيفة أن العديد من الشركات الكبرى، التي كانت قد امتصّت في مراحل سابقة بعض التكاليف الناتجة عن الرسوم الجمركية، باتت الآن تلجأ إلى تحميل تلك الكلفة مباشرة للمستهلك.

فقد أعلنت شركات مثل "أديداس" و"ستانلي بلاك أند ديكر" و"بروكتر أند غامبل" أنها بدأت فعليًا بتمرير جزء من كلفة الرسوم إلى العملاء، أو تخطط للقيام بذلك.

إعلان

أما شركات التجزئة مثل "وولمارت" و"ماتيل" و"هاسبرو" فقد حذّرت منذ أشهر من أن هذه الرسوم ستؤدّي إلى زيادات في الأسعار على المستهلكين الأميركيين.

وتشير "نيويورك تايمز" إلى أن بعض الشركات الأخرى لجأت إلى إعادة هيكلة سلاسل التوريد أو إلى خفض عدد الموظفين، في محاولة لمواجهة الزيادات المفروضة. وذكرت الصحيفة أن "العديد من الشركات الصغيرة والكبيرة هرعت لتكييف أوضاعها مع اقتراب الموعد النهائي لتطبيق الرسوم الجديدة".

عبء على ذوي الدخل المحدود

من جهة أخرى، قال الخبير الاقتصادي في "معهد البحوث السياسية الهادئة"، واين وينغاردن، إن "الضرائب التي تمثّلها هذه الرسوم الجمركية تلحق الأذى الأكبر بالأسر ذات الدخل المنخفض والطبقة العاملة".

وأضاف في تصريحاته لـ"نيويورك تايمز" أن "الاقتصاد في وضع أسوأ الآن مما كان عليه في كانون الثاني/يناير 2025 بسبب هذه السياسة"، مشيرًا إلى أن أثر الرسوم سيطال بشكل أساسي من هم أصلا في وضع هش.

وتابع "ليس من المستغرب أن تبدأ مطاعم مثل تشيبوتلي وماكدونالدز في تسجيل تراجع في إنفاق الأسر ذات الدخل المحدود، سواء في تناول الطعام خارج المنزل أو في السفر، وهو ما يعكس علامات مبكرة للضيق المالي".

الخبراء يتوقعون أن تضر الرسوم الجمركية الجديدة بالأسر ذات الدخل المنخفض والطبقة العاملة (رويترز)حلقة تضخّمية بلا نهاية واضحة

وبحسب الصحيفة، فإن ما يزيد من حدة الأزمة هو غياب آفاق قصيرة الأجل لتخفيف الضغط عن المستهلك. فمعظم الشحنات التي بدأت تخضع للرسوم تمثّل منتجات يومية يصعب الاستغناء عنها أو تأجيل شرائها، مما يضع المستهلك الأميركي في مواجهة مفتوحة مع تضخم جديد، غير مرتبط بعوامل السوق التقليدية كزيادة الطلب أو نقص المعروض، بل بقرار سياسي صرف.

ويُشار إلى أن إدارة ترامب دافعت عن الإجراءات الجديدة بوصفها وسيلة لحماية الصناعة الأميركية من المنافسة الخارجية غير العادلة، إلا أن الاقتصاديين يشكّكون في فاعلية هذه الخطوة، لا سيما مع انتقال كلفة الإجراءات مباشرة إلى المستهلكين.

تكلفة سياسية واقتصادية

وفي وقت يروّج فيه ترامب لسياساته الحمائية بوصفها استعادة للسيادة الاقتصادية، ترى جهات أكاديمية واقتصادية أن النتيجة المباشرة هي إثقال كاهل المستهلك الأميركي برسوم إضافية. وقالت "نيويورك تايمز" في تقريرها إن "الرسوم لم تعد تؤثر فقط على التجارة، بل تُحدث شرخًا في ميزانية الأسر".

وقد بدأت تداعيات هذه الإجراءات تلقي بظلالها على شعبية ترامب، لا سيما بين شرائح الطبقة الوسطى التي كانت تشكل قاعدة دعمه الأساسية.

ومع استمرار هذه الدورة التضخمية، وتفاقم العبء على العائلات، من المرجّح أن يتحوّل الموضوع إلى محور رئيسي في النقاش السياسي أثناء الانتخابات المقبلة.

مقالات مشابهة

  • الهند تقدر أن نحو 55% من السلع المصدّرة إلى أمريكا ستخضع لرسوم ترامب الجمركية
  • نائب الرئيس الأميركي: نعمل على لقاء بين بوتين وزيلينسكي
  • مجلة بريطانية: لماذا ينقلب اليمين الأميركي على إسرائيل؟
  • إيما تومسون: كنت سأغير التاريخ الأميركي لو قلت نعم لترامب
  • الفدرالي ومكتب إحصاءات العمل.. مرايا الاقتصاد الأميركي المزعجة
  • محمد رمضان يكشف عن زيارته لعائلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب
  • تعهد إيراني بمنع الممر الأميركي في القوقاز
  • متوسط الرسوم الجمركية الأمريكية يصل إلى أعلى مستوى له منذ الكساد العظيم
  • نيودلهي تُجمّد مفاوضات شراء أسلحة أمريكية على خلفية تعريفات ترامب
  • بينها الأحذية والموز والسيارت.. سلع سترفع رسوم ترامب الجمركية أسعارها بأميركا