باحث سياسي: تقرير فرنسا عن الإخوان مُسيّس ومبني على أوهام اليمين المتطرف
تاريخ النشر: 28th, May 2025 GMT
قال الباحث السياسي الجزائري، الدكتور حسين جيدل، إن "التقرير الفرنسي الذي رُفعت عنه السرّية الأسبوع الماضي، بقرار من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يعكس ذعرا سياسيا متصاعدا من الحضور المتزايد للمسلمين في المجال العام الفرنسي، لا سيما بعد التطورات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي جعلتهم جزءا فاعلا ومؤثرا في المجتمع، بعد أن كان يُنظر إليهم كمجرد عمال مهاجرين يعيشون على هامش الحياة المدنية".
وشدّد جيدل، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، على أن "التقرير الفرنسي مُسيّس ومبني على أوهام اليمين المتطرف، وهو نتاج رؤية مشوشة وقاصرة عن فهم حقيقي للإسلام والمسلمين في فرنسا، ويكشف قلقا حقيقيا لدى السلطات الفرنسية من صعود المسلمين -وليس جماعة الإخوان أو الإسلام السياسي- كمكوّن وازن في المجتمع الفرنسي والأوروبي".
وأوضح أن "التقرير الذي جاء بعنوان (الإخوان المسلمون والإسلام السياسي في فرنسا)، وأعدّته وزارة الداخلية الفرنسية، يفتقر إلى العمق المعرفي والتحليل الواقعي للظاهرة الإسلامية"، منوها إلى أن "التقرير أثار الكثير من الحبر والقليل من الحقيقة، لأنه قائم على مزيج من التناقضات والتحامل والخلط المفاهيمي، ما يكشف عن قصر نظر رسمي وفهم سطحي للإسلام والمسلمين في فرنسا".
ولفت جيدل إلى أن "بعض وسائل الإعلام الفرنسية مثل صحيفة لوموند وموقع ميديا بارت الفرنسيين قدّما تغطية نقدية متقدمة كشفت هشاشة البناء التحليلي لهذا التقرير الذي قدّم خطابا مضطربا يكشف ضعفا بنيويا في مقاربة الظاهرة الإسلامية في السياق الفرنسي، واستندا في ذلك إلى آراء خبراء ومختصين".
مخاوف من ظهور المسلمين كقوة انتخابية وازنة
ونوّه الباحث السياسي المُقيم في فرنسا منذ نحو 38 عاما، إلى أن "منطلقات التقرير الفكرية والنفسية والسياسية هي بيت القصيد؛ إذ تكشف بوضوح أن نجاح المسلمين المتصاعد في المجتمع الفرنسي خلال السنوات الأخيرة، وبلوغهم مراتب اجتماعية واقتصادية مؤثرة، أصبح يُنظر إليه كخطر وجودي من قِبل دوائر سياسية وإعلامية ترى في هذا الصعود تهديدا للهويّة الفرنسية التقليدية".
وأوضح: "لم يعد المسلم في فرنسا ذلك العامل البسيط الذي يبدأ يومه باكرا وينهيه في المساء ليُعيد روتينه دون تفاعل مع المجتمع. المسلم اليوم هو الطبيب الماهر، المهندس المبدع، الأكاديمي اللامع، رجل الأعمال الناجح، والمثقف الذي يخوض النقاشات العامة دون أن يخفي هويته الإسلامية، بل يعتز بها".
وأردف: "لقد أصبح المسلم الفرنسي اليوم -لغة وسلوكا وثقافة- جزءا لا يتجزأ من المجتمع، يشاطر بقية المواطنين الفضاءات والنقاشات والمسؤوليات، وأحيانا يسبقهم في الإنجاز والالتزام"، مشيرا إلى أن "هذا التمازج جعل من المسلمين كتلة اجتماعية متميزة، لافتة للأنظار، ومثيرة لحفيظة الساسة وتجار الكراهية، لا لشيء سوى لأن النجاح يوقظ الأحقاد والتمايز يلد الوساوس".
وأشار جيدل إلى أن "استقلال المسلمين ماديا، وابتعادهم عن التمويل الخارجي لبناء مساجدهم ومدارسهم، زاد من ارتباك الدولة العميقة في فرنسا؛ إذ أصبحوا يُشكّلون مكونا ناضجا قادرا على التنظيم الذاتي وتحديد أولوياته بمعزل عن حكومات الخليج أو دول المنشأ، وهو ما يهدد التوازنات التقليدية التي تفضل التحكم عبر التمويل".
وأكد الباحث السياسي أن "هذه الدينامية الاجتماعية المتصاعدة تحمل في طياتها إمكانية تحوّل المسلمين إلى قوة سياسية انتخابية، قادرة على ترجيح الكفة في مواعيد انتخابية مقبلة، بل وربما إيصال عدد منهم إلى مراكز القرار العليا".
واستشهد بالانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022، قائلا: "لقد كانت ناقوس خطر حقيقي، حيث اقترب مرشح حزب (فرنسا الأبية)، جان لوك ميلونشون، المدافع عن حقوق المهاجرين والمسلمين، من الوصول إلى الدور الثاني، بفارق بضع مئات الآلاف من الأصوات فقط، حتى وُصم بأنه يساري إسلامي".
غزة أعادت المسلمين إلى السياسة
ورأى جيدل أن "العدوان الإسرائيلي على غزة كان لحظة فارقة في الوعي السياسي للمسلمين في فرنسا، بل أعادهم إلى الساحة السياسية من باب إنساني وأخلاقي"، مشيرا إلى "مشاركة واسعة في المظاهرات، وتنظيم حملات إغاثة، وخوض معركة إعلامية حقيقية ضد السرديات الصهيونية على المنصات الفرنسية ومواقع التواصل الاجتماعي".
واستطرد قائلا: "ما حدث هو انخراط حقيقي في الفضاء المدني والسياسي، ونسج علاقات عمل وتحالف مع ناشطين غير مسلمين مناصرِين لغزة، مما أسّس لظهور كتلة ناخبة جديدة قد تتبلور حول القضايا الإنسانية، وتضع المسلم الفرنسي في قلب المعادلة الوطنية".
وأكد أن "غزة أصبحت عند قطاع واسع من الشباب الفرنسي رمزا لقضية إنسانية عابرة للعرق والدين والجنسية، وأن كثيرين أعادوا اكتشاف السياسة من بوابة المظالم العالمية، وكان للقضية الفلسطينية النصيب الأوفر في إعادة إحياء الضمير الجمعي في فرنسا".
وفي رده على الربط الممنهج بين هذه الدينامية المجتمعية والصعود السياسي بالإخوان المسلمين، قال جيدل: "ما دخل الإخوان بكل هذا؟، إنها ببساطة الحبكة السياسية الكلاسيكية التي تعيد إنتاج الأسطورة القديمة بأن الإسلام السياسي تنظيم سرطاني يتسلل بهدوء إلى جسد الدولة الحديثة ليختطفها من الداخل، بينما هذا خطاب مأزوم، هدفه تأجيج مشاعر الخوف لا أكثر".
تقرير مدفوع بالهلع لا البحث
وأوضح أن "التقرير يستند إلى فرضية مفادها أن انتشار الإسلام في فرنسا لا بد أن يكون خلفه تنظيم دولي خفي مُنسّق، يمتلك الفكر والمال والاستراتيجية، وهنا تبرز –عمدا– جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها العنوان المريح لهذا القلق الجماعي المُفتعل"، مضيفا أن هذه الرواية "جاهزة للاستثمار الانتخابي، خاصة في ظل التنافس المحموم على أصوات اليمين واليمين المتطرف".
وأشار إلى أن "دولا عربية كالإمارات والسعودية ومصر مارست ضغطا طويل الأمد على فرنسا من أجل شيطنة النشاط الإسلامي المدني، عبر الزجّ بالإخوان في كل اتهام، بل طالبت الإمارات تحديدا منذ سنوات بوقف تمدد المساجد والمدارس الإسلامية، بحجة أنها تُشكّل بيئة خصبة للإخوان، في سياق حملة ممنهجة ممتدة داخل أوروبا".
وشدّد الباحث السياسي على أن "ما جاء في التقرير لا يُعبّر عن دراسة علمية جادة، بل عن هلع مؤسساتي من تحوّلات لم تكن متوقعة في موقع المسلمين داخل المجتمع الفرنسي".
وتابع: "ما يجري ليس نقاشا فكريا حرا، ولا بحثا موضوعيا نزيها، بل توظيف سياسي فاضح، يسعى لشيطنة المسلمين في فرنسا وربطهم بمنظومات تنظيمية خارجية، لا لشيء سوى لأنهم نجحوا في أن يكونوا جزءا فاعلا من هذا المجتمع، دون أن يتخلوا عن هويتهم، كما يُراد به ضرب التنوع وقمع التعبير الديني الحر، خاصة عندما يرتبط بهوية إسلامية ناجحة ومتماسكة".
جدل واسع
يُشار إلى أن التقرير الحكومي الفرنسي أثار جدلا واسعا على المستويين السياسي والديني، خاصة بعد عرضه قبل أيام في اجتماع مجلس الدفاع والأمن القومي برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي أبدى امتعاضه من تداعياته على صورة فرنسا وعلاقتها المميزة بالعالم الإسلامي.
وأردف جيدل قائلا: "ربما يكون ماكرون قد تفطّن إلى خطورة الزجّ بالإسلام والمسلمين في قلب التجاذبات السياسية، تمهيدا لرئاسيات 2027، لما قد ينطوي عليه ذلك من نتائج عكسية تقوّض الهدف الذي أراده محرّرو التقرير، الموجّه أصلا بإيعازات من وزير الداخلية ذو الطموح السياسي والمعادي للمسلمين؛ فقد حذّر أكاديميون مختصون وسياسيون فرنسيون من الانقسامات المجتمعية العميقة التي قد تُحدثها محاولات تأليب الفرنسيين ضد وجود الإسلام ودور المسلمين، في وقت تحتاج فيه فرنسا، التي تخوض معركة نفوذ ووجود على الساحة الدولية، إلى وحدة الصف الداخلي بكل مكوّناته وفئاته وطوائفه المتعددة".
وتابع: "قد يؤدّي هذا التحامل الرسمي إلى نتيجة معاكسة تماما، تتمثّل في انخراط أوسع للمسلمين في العمل السياسي واصطفافهم خلف مرشح يدافع عنهم، سواء كان من اليسار كجان لوك ميلونشون، أو من اليمين الديغولي المعتدل (نسبة لشارل ديغول مهندس الجمهورية الفرنسية الخامسة)، على غرار رئيس الوزراء الأسبق دومينيك دو فيلبان. وهذا الاصطفاف المحتمل قد يكون له تأثير ملموس على المعادلة الانتخابية القادمة، خاصة إذا ما تزامن مع تعبئة جماهيرية واعية تعي حقوقها وتسعى لحمايتها".
وأضاف: "من المرجح أن هذه المخاوف من ارتداد السحر على الساحر هي ما دفعت وزير الداخلية الفرنسي إلى تخفيف لهجته مؤخرا، خاصة في ظل المجازر المُرتكبة في غزة، والتي أجبرت حتى بعض المتعاطفين مع الصهيونية على التحرك لوقف الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين. وقد تكون هذه المأساة وقودا سياسيا يشعل جذوة تقارب المسلمين مع الإنسانيين من الفرنسيين (المنفتحين وغير العنصريين)، لا سيما في أوساط الشباب، ما قد يُحدث فارقا في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة".
وختم بالقول: "من المرجح أن تكون الانتخابات المحلية لعام 2026 محطة أولى لصقل هذا الاندفاع السياسي المحموم، استعدادا لرئاسيات 2027 التي قد تعيد تشكيل وجه الجمهورية الفرنسية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية ماكرون فرنسا الإخوان الإسلام السياسي الإسلام السياسي فرنسا الإخوان الانتخابات الفرنسية ماكرون المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الباحث السیاسی المسلمین فی فی فرنسا إلى أن
إقرأ أيضاً:
البرلمان الفرنسي يصوّت لصالح حق الموت بمساعدة الغير
وافق النواب الفرنسيون، اليوم الثلاثاء، في القراءة الأولى على استحداث حق الموت بمساعدة الغير، وهي خطوة أولى في مشروع يروج له الرئيس إيمانويل ماكرون بشأن قضية تقسم فرنسا منذ عقود.
وأشاد ماكرون بالتصويت، واصفا إياه بأنه "خطوة مهمة"، وشدد على "احترام حساسيات الجميع".
من جانبه، أعرب رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو الذي أبدى سابقا ترددا في دعم مبدأ الموت بمساعدة الغير، عن "تساؤلات" لديه بشأن النص. وأشار صباح اليوم الثلاثاء إلى أنه لو كان عضوا في البرلمان، فإنه سوف "يمتنع عن التصويت".
وكان هناك مشروعان قانونيان مطروحان للتصويت. وقد تمت الموافقة بالإجماع على القرار الأول المتعلق بإنشاء "حق قابل للتنفيذ" في الرعاية التلطيفية، ولكن مصير القرار الثاني المتعلق بـ"الحق في الموت بمساعدة طبية" كان أكثر غموضا.
وبموافقة 305 أصوات في البرلمان في مقابل 199 صوتا معارضا، أقرّ النواب الإصلاح الذي أطلقه إيمانويل ماكرون عام 2022. وتأمل وزيرة الصحة كاترين فوتران أن يتم التصديق عليه قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2027.
وهذا "الحق في المساعدة على الموت"، وهو اسم آخر للانتحار بمساعدة الغير وما يُطلق عليه "القتل الرحيم"، سيكون متاحا للأشخاص الذين يعانون من "حالة خطرة وغير قابلة للشفاء" و"تهدد الحياة"، في مرحلة "متقدمة" أو "نهائية"، مع وجود "معاناة جسدية أو نفسية مستمرة" لديهم.
إعلان "نموذج فرنسي"وأكدت وزيرة الصحة أخيرا أن هذا الإجراء يحقق هدف إنشاء "نموذج فرنسي صارم ومنظم" للموت بمساعدة الغير، متطرقة خصوصا إلى المرضى "الذين لم تعد الرعاية التلطيفية تعالج معاناتهم".
وفي حال إقرار النص نهائيا، ستصبح فرنسا الدولة الأوروبية الثامنة التي تشرّع الموت بمساعدة الغير.
ومن شأن هذا القانون أن يقرّب فرنسا من بعض البلدان الأوروبية التي تسمح بالانتحار بمساعدة الغير (المريض يتناول بنفسه مادة قاتلة)، وبما يطلق عليه "القتل الرحيم" (يدفع به مقدم الرعاية بناء على طلب المريض)، وهي هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ.
ولكن النص قد يذهب إلى أبعد من التشريع الساري في سويسرا أو النمسا، حيث لا يُسمح بالانتحار بمساعدة الغير إلا في ظل ظروف معينة.
وفي الوقت الحالي، تخضع الرعاية المقدمة للأشخاص في نهاية العمر في فرنسا لقانون كلايس ليونيتي الصادر عام 2016، والذي يسمح "بالتخدير العميق والمستمر حتى الموت" للمرضى المصابين بأمراض عضال.